مصر: نحو تغيير جذري في «خريطة الإرهاب» بعد العملية العسكرية الشاملة
لم يجزم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالقضاء على الإرهاب في بلاده تماماً في الأمد المنظور، على رغم إطلاق الجيش عملية عسكرية موسعة في 9 شباط (فبراير) الماضي، وقد حُشد لها حجم قوات وذخائر وأسلحة تعكس ضخامتها، إذ شارك من قوات الجيش البرية 60 ألف مقاتل، إضافة إلى 52 ألفاً من قوات الشرطة شبه العسكرية.
تلك الأعداد الضخمة وزّعت على شمال سيناء ووسطها، والمنطقتين الغربية والجنوبية، إضافة إلى المنطقة المركزية، فيما عُهد إلى القوات البحرية بتأمين الساحل الشمالي خصوصاً.
وعكس طلب رئيس أركان الجيش الفريق محمد فريد تمديد المهلة الزمنية، حجماً متطوراً لبنية الإرهاب في مصر، خصوصاً في سيناء.
وكان مُقرراً انتهاء العملية العسكرية في مطلع آذار (مارس) الماضي، لكن الفريق محمد فريد طلب من الرئيس السيسي مد أجلها. وكشف السيسي حينها أن أجهزة جمع المعلومات فوجئت «بتطورات جديدة في بنية الإرهاب لم تكن تعرفها. اتضح لنا أن حجم البنية الموجودة كان ضخماً جداً».
القرار المصري بحشد تلك القوات الضخمة مع إنفاق بلايين الدولارات لتأهيل البنية التحتية في سيناء (تدشين طرق جديدة وحفر 5 أنفاق وإنشاء جسر عبر ضفتي قناة السويس لربط سيناء بالوادي)، يشير إلى ترقب دحر الإرهاب هناك، مع الأخذ في الاعتبار أن الرئيس المصري لم يعد بقضاء تام على هجماته، ما يُظهر أن هناك تقديراً بتغييرات في خريطة الإرهاب في مصر.
الخريطة الواضحة للجماعات الإرهابية في مصر قبل إطلاق العملية العسكرية «سيناء 2018» شرحها لـ «الحياة» القيادي السابق في الجماعة الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم. وقال إن تنظيم «داعش» سعى إلى خلق بؤرة تمركز آمنة له في شمال ووسط سيناء، من خلال إقامة معسكرات تدريب وتأمين مخازن لأسلحة ومتفجرات نوعية، والانطلاق لشن هجمات مؤثرة على قوى الأمن فيها، وكذلك التخطيط والتجهيز لهجمات انتحارية خارج سيناء، عبر خلايا عنقودية صغيرة تابعة للتنظيم تدرب غالبية أفرادها في معسكرات سيناء.
وأضاف أن «داعش» سعى مع زيادة الضغط عليه في سيناء بدءاً من عام 2015، إلى خلق بؤرة بديلة في الصحراء الغربية، مستفيداً من صعوده في ليبيا، وتمركزت خلايا قوية للتنظيم في الظهير الصحراوي الغربي، نفذت هجمات ضد المسيحيين. وأوضح أن الجماعات المتطرفة المسلحة المحسوبة على جماعة «الإخوان» مثل تنظيمي «حسم» و «لواء الثورة» تتمركز بالأساس في مناطق انتشار الجماعة في العمق، ولها وجود قوي في محافظتي كفر الشيخ والبحيرة (شمال مصر) ومحافظتي الفيوم وبني سويف (جنوب القاهرة) وفي القليوبية المتاخمة للعاصمة، إذ تتخذ تلك المجموعات من المزارع على أطراف تلك المحافظات مأوى لها، متوقعاً أن تسعى تلك المجموعات إلى الذوبان وسط مناطق التكدُّس السكاني بعد استهداف الظهير الصحراوي لتلك المحافظات بحملات دهم مكثفة خلال العملية العسكرية.
ولفت إبراهيم إلى أن تنظيم «القاعدة» ليس له وجود واضح في مصر ولا نقاط تمركز، لكن متطرفين محسوبين عليه ينطلقون من ليبيا لشن هجمات في مصر والعودة مجدداً إلى نقاط تمركزهم في الأراضي الليبية، معتبراً أن الحديث المتكرر من زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري عن مصر في الشهرين الأخيرين يشير إلى سعي للتواجد في مصر، أو ربما تمهيد لإعلان هذا الوجود. وتوقع إبراهيم أن يسعى «القاعدة» إلى استهداف مصالح مصرية في الخارج بعد تحريض أيمن الظواهري على شن هجمات تستهدف مصر، ما يدل على تجهيز أمر ما.
وكشفت اشتباكات بين الشرطة المصرية ومتطرفين (قتلوا جميعاً في وقت لاحق إلا واحد تم توقيفه) في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي في منطقة الواحات في الصحراء الغربية سعي «القاعدة» إلى إيجاد موطئ قدم في مصر، فالخلية التابعة لجماعة «أنصار الإسلام» امتلكت أقوى تسليح خارج سيناء، وقتلت في اشتباك مع قوة دهم تمركزها 16 ضابطاً وجندياً من قوات النخبة في وزارة الداخلية. وضمت الخلية ضابطاً طُرد من سلاح الصاعقة في الجيش المصري، يُدعى عماد عبدالحميد، قُتل في مواجهة لاحقة مع الجيش، وهي واحدة من الخلايا التي يقودها الضابط المطرود من الجيش هشام عشماوي الذي انشق عن تنظيم «أنصار بيت المقدس» في سيناء بعد بيعته لـ «داعش»، إذ تمسك عشماوي ببيعة «القاعدة» وشن هجمات في الصحراء الغربية قبل أن يستقر ومجموعته في ليبيا. ووفق اعترافات الموقوف الوحيد في تلك الخلية، فإن عناصر من خلايا «داعش» في الصحراء الغربية انضمت إلى خلية «القاعدة».
وتمتد الحدود الغربية لمصر إلى أكثر من 1200 كيلومتر، وهناك 3 مسارات للتهريب والتسلل عبرها محصورة في 3 طرق، أولها من الجهة الشمالية بين منطقتي أمساعد في ليبيا ومدينة السلوم المصرية، والثانية في المنطقة الوسطى من الحدود، وتمتد من واحة الجغبوب الليبية وتحديداً من جنوبها في اتجاه الخارجة في الوادي الجديد في مصر، والمسار الثالث جنوب الحدود الغربية عند جبل العوينات بين مصر وليبيا والسودان.
وقال مسؤول أمني لـ «الحياة» إن استنفاراً لافتاً تشهده المنطقة الجنوبية للحدود الغربية في المرحلة الحالية، بفعل تردي الأوضاع الأمنية في جنوب ليبيا، وتنقل متطرفين في جنوب ليبيا باتجاه الشرق والغرب، فضلاً عن معلومات عن انتقال أعداد متزايدة من المتطرفين من سورية والعراق إلى جنوب ليبيا.
وكانت إدارة مكافحة الإرهاب التابعة للجيش الليبي قالت الشهر الماضي إنها أوقفت 16 سورياً وسودانياً تابعين لـ «جبهة النصرة» السورية في مكمن في صحراء مدينة الكفرة (جنوب ليبيا) بعد تسللهم إلى الأراضي الليبية. وأوضحت الإدارة التابعة للجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر، في بيان، أن التحقيق المبدئي أشار إلى أن هذه المجموعة تم إرسالها من سورية إلى تركيا ومن ثم عبر جسر جوي إلى السودان، ومنها تسللوا إلى جنوب ليبيا.
واتفق الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والسوداني عمر البشير الشهر الماضي على تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، خلال زيارة نال فيها البشير حفاوة لافتة في القاهرة.
وقال عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب في مصر العميد خالد عكاشة لـ «الحياة» إن خريطة الإرهاب في مصر بعد العملية العسكرية «سيناء 2018» ستشهد تغييرات جذرية، لافتاً إلى أن الجيش المصري على مشارف اقتلاع الإرهاب في شمال سيناء، وهذا سيغير خريطة الإرهاب جذرياً، إذ سيعود الغرب والجنوب كمهدد رئيسي في الفترة المقبلة. وأضاف أن تحليلات تشير إلى أن «القاعدة» تسعى لتشكيل تنظيم قوي في صحراء إفريقيا، وتراهن بقوة على المنطقة الممتدة من الحدود الليبية مع الجزائر ومصر والسودان. وقال: «هناك ترتيب أكثر إحكاماً يتم في مناطق تواجد «القاعدة»… فروع التنظيم التاريخية تتجمع في مناطق بعينها في مالي وتشاد والنيجر وجنوب لييبا وتسعى للتواجد في صحراء مصر الجنوبية الغربية، وهناك محاولات لاختراقات في جنوب الجزائر وفي تونس، وصولاً لموريتانيا»، مضيفا: «الآن، هناك ترتيبات جديدة تتسم بالعمق تتم في تلك المناطق، هناك تنظيمات تتحالف وقيادة مركزية جديدة يتم تشكيلها، وأعداد بالآلاف تُجهز، ومصر تتابع تلك التغييرات على المشهد، وتنظر إليها على أنها من المهددات المستجدة».
واتفق القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» ناجح إبراهيم مع عكاشة في توقعات اندماج خلايا القاعدة في شمال إفريقيا. وقال إن «أنصار الإسلام» التي تورطت في اشتباكات الواحات جماعة تابعة لـ «القاعدة» يقودها مختار بلمختار، وهي تنشط في المغرب العربي ومالي، وانضمام الضابط السابق هشام عشماوي والضابط المقتول عماد عبدالحميد إليها يعني أن تحالفاً حدث بين خلايا «القاعدة» في شمال أفريقيا، إذ انضم تنظيم «مرابطون» في ليبيا الذي يقوده عشماوي إلى «أنصار الإسلام» لتصبح مصر ضمن منطقة أهداف تلك الجماعة الإرهابية إلى جانب شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء. وأضاف إبراهيم: «القاعدة بدأ يتجمع مرة ثانية في مجموعات متشابكة في مالي والمغرب العربي ومجموعة عشماوي انضمت إلى هذا الكيان الكبير، ما يدل على أن تنظيم القاعدة بدأ يعود إلى صدارة المشهد مع انهيار داعش في مركزه بسورية والعراق».
(الحياة اللندنية)