كتاب "يوميات أسلمة مألوفة في فرنسا" يسجل بالدلائل تساهل السلطات العمومية على جميع المستويات مع نشاطات جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية.
نخب ثقافية وسياسية في فرنسا تنتقد بشدة حالات التراخي والاستهتار وعدم الاكتراث التي ميزت السلطات الفرنسية في التعامل مع المد الإسلامي والأصولي إلى درجة اتهامها بالتواطؤ كما هو الحال في بعض الكتب والدراسات التي رصدت الظاهرة.
كتاب “يوميات أسلمة مألوفة في فرنسا” للكاتب فرنسوا دو لوكنر، هو بمثابة نداء قوي للمواطنين والمسؤولين الفرنسيين ليفتحوا أعينهم ويتبينوا خطر المشروع السياسي الذي يعده لهم الإخوان المسلمون لعلهم ينتفضون ضد الأيديولوجيا التي تريد أن تستعبدهم.
كتاب فرنسوا دو لوكنر، محرر بأسلوب يخيّل إلى القارئ من كثرة التوثيق والإحالات أنه يقرأ تحقيقا بوليسيا، فكل شيء دقيق ومدعم بالأرقام والتواريخ والأمكنة والمصادر والشهادات.
جمع الكاتب وحلل أقوال وأفعال وخطابات الجهات الفاعلة وركز على نشاطات جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية بصفة عامة، وسجل بالدلائل تساهل السلطات العمومية على جميع المستويات مع تلك النشاطات التي تمس كل مناحي الحياة بهدف وحيد هو فرض أيديولوجيا شمولية تحت غطاء الدين وحرية الاعتقاد المضمونة في فرنسا.
نقرأ بالتفصيل كيف نظم الإخوان المسلمون أنفسهم في شبكات قد تشكل خطرا جسيما على الجمهورية والسلم الاجتماعي، وكل ذلك على مرأى ومسمع من السياسيين سواء أكانوا من اليمين أم من اليسار.
ويصف الكاتب بعضهم بالمتواطئ وبعضهم الآخر بالجبان. يتساءل الكاتب عما إذا كانت بلاده تعيش تطبيعا قاتلا مع الأسلمة التي ينشرها الإخوان المسلمون ويقدم إجابات مدعمة بوقائع ملموسة.
تغزو السلع المختلفة التي تحمل طابع “الحلال” السوق الفرنسية، في المتاجر والمطاعم العامة والمدرسية، ويجني الإخوان أموالا طائلة من وراء إشرافهم على رعاية تجارة “الحلال” في فرنسا التي هي في تمدد كبير بلغ 51 بالمئة من مجموع الذبائح في فرنسا حسب تقرير مهرب حصل الكاتب على نسخة منه سنة 2011، وهو ما يجعل الزبائن يشترون لحما حلالا دون علمهم وهم بذلك يساهمون في تمويل الظاهرة الإسلامية في فرنسا دون أن يدروا.
ويستثمر الإخوان تلك الأموال في دعم بعض المجموعات الإرهابية بطرق ملتوية ويستخدمون تلك الأموال حتى في دفع أجرة قدرها 200 أورو شهريا لفتيات مقابل ارتدائهن الحجاب.
وعدد المدارس القرآنية التي باتت موجودة في كل مدينة يستعصي على الإحصاء، وكذلك عدد المسابح التي تخصص بعض الأوقات للنساء فقط لفسح المجال للمسلمات اللواتي يرفضن الاختلاط. ولكن كل اهتمام الإخوان منصب على إنشاء المدارس القرآنية والمدارس الخاصة الإسلامية التي تستقبل الآلاف من التلاميذ المسلمين. كما أن 25 بالمئة من المساجد لها مدارسها حسب الكاتب، هذا دون احتساب المدارس السرية التي تنشر تعاليم الشريعة أيضا.
السلطات الفرنسية تغض الطرف عن كل تلك الانحرافات بل وتضلل الرأي العام عن حقيقة صعود الأسلمة في قطاعات متعددة
ويصل فرنسوا دو لوكنر إلى تحديد ثلاث دعائم لظاهرة الأسلمة وصناعة التطرف في بلاده وهي: منظمة الإخوان المسلمين التي تريد أسلمة العالم. وثانيا اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا ومختلف منظماته، وهو فرع الإخوان في فرنسا المصنف إرهابيا في الإمارات والسعودية. والدعامة الأخيرة هي سلبية وتساهل المسؤولين الفرنسيين.
لا ينسى الكاتب تذكير مواطنيه الفرنسيين بمقولة ملهم إخوان اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا يوسف القرضاوي الموجهة إلى الغربيين “عن طريق قوانينكم الديمقراطية، سنستعمركم، وبقوانيننا القرآنية سنسيطر عليكم”.
يوسف القرضاوي حضر سنة 2010 ملتقى اتحاد الجمعيات الإسلامية الذي يقام كل عام بالبورجي قرب باريس ولو لم يمنع من دخول الأراضي الفرنسية لكان من المدعوين الرئيسيين كل عام. ولكن لا تزال خطبه المسموعة وكتبه توزع في فرنسا تحت رعاية إخوان الاتحاد رغم المنع.
ولا يخفي الإخوان، والإسلاميون عموما، أنفسهم فهم يجهرون بما يعدونه لفرنسا وهو صلب الكتاب إذ لا يقدم الكاتب موقفه من الظاهرة الإسلامية ومشروعها، بل ينقل ما يقوله وما يفعله الإخوان أنفسهم.
يقول رئيس التجمع لمكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا مروان محمد، إن فرنسا ستصبح إسلامية بعد 30 أو 40 سنة. وهذا التجمع -يقول الكاتب- يمكن أن يعتمد على حكماء “مجلس الدولة” لإلغاء هذا القانون أو ذاك الذي لا يعجب التجمع والإخوان المدعّمين له وقد سار مجلس الدولة في اتجاههم وألغى ذلك القانون الذي سنته بعض البلديات الفرنسية الصيف الماضي والذي يمنع ارتداء البوركيني على الشواطئ.
يتحايل الإسلاميون بكل طمأنينة على الشبان المسلمين وعلى السياسيين السذج من الشبان مثل آلان جوبي، الوزير الأول السابق ورئيس بلدية بوردو حاليا الواقع تحت تأثير الإخواني المتنكر طارق أوبرو، إمام مسجد المدينة، والذي فضحه عمر جليل، أحد تلامذته من الذين ساهم في تطرفهم بعد أن اكتشف ألاعيب طارق أوبرو، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وذلك في كتاب مثير تحت عنوان “طارق أوبرو، الحقيقة المستحيلة”.
تغمض السلطات الفرنسية عينيها عن كل تلك الانحرافات الخطيرة وتقلل من أهمية ما يحدث بل وتضلل الرأي العام عن حقيقة صعـود الأسلمة المتعـاظم في قطـاعات متعددة.
ولئن بدا للكثيرين أن لا خطر من هذه الأسلمة المألوفة المتعددة الأبعاد فقد تكون حتما، حسب المؤلف، مصدرا لهذا الإسلام السياسي، الأيديولوجي والعنيف. ويرى فرنسوا دو لوكنر أن اعتداءات باريس ونيس لم تكن صدفة.
ويسخر الكاتب من المسؤولين والمثقفين وكبار الموظفين الذين تفاجأوا بحدوثها، في حين أن البعض قد حذر من وقوعها منذ مدة لأنها كانت متوقعة بالنسبة للذين كانوا مطلعـين علـى الأوضـاع ولكـن لا أحـد كـان يـريد الإنصات لتحذيراتهم بل كانوا يتهمون بأنهم عنصريون ومن المصابين بالإسلاموفوبيا.
(العرب اللندنية)