بوابة الحركات الاسلامية : ليبيا التي لا نعرفها (طباعة)
ليبيا التي لا نعرفها
آخر تحديث: الثلاثاء 09/07/2019 02:20 م حسام الحداد
الدكتور علي عبد اللطيف
الدكتور علي عبد اللطيف احميده
دراسة الثورات الحديثة تعلمنا أن الثورات، والانتفاضات الشعبية من الممكن أن تسرق وتهزم من قبل الثورة المضادة ومغامري السلطة، والأجندات الخارجية والإقليمية. ومن هنا فإن ما حدث في ليبيا وسوريا وتونس واليمن ومصر ليس غريبا، ولكن الأهم هو أن نتعلم ونستخلص العبر، والدروس، ونعترف بالأخطاء بغرض تعميق الوعي، وهذا لا يتطلب التواضع والالتزام الوطني والأخلاقي فقط، بل يتطلب أيضا الاستفادة من خبرة وإنجازات الأجيال السابقة، ومن الحركات الاجتماعية والشعبية على مدى قرن من الزمن، من أجل تحقيق الاستقلال الوطني والوحدة، والعدالة الاجتماعيـة والتنمية، في ظل فكرة أساسية هي الإيمان بليبيا كوطن وكيان للجميع؛ لا مكان فيه للجهوية، والمناطقية، والتعصب القبلي والأثني، كما يحدث الآن.
لقد نجح جيل الاستقلال في الوصول إلى توافق سياسي رغم الخلافات، لأن القاسم المشترك بين القوى كافة كان الحرص على استقلال ليبيا ووحدتها. هذا التوافق هو الدرس الأهم والإنجاز الأكبر للقيادات الليبية الوطنية، في الداخل والمنفى؛ وبسبب هذا الإنجاز تحقق الاستقلال، ونجحت أول محاولة لبناء الدولة الليبية الحديثة. أريد التركيز على بعض الأسئلة الأساسية للربط ما بين المحنة الحالية ومحتوى هذا الكتاب، وبالذات على ردود الأفعال تجاه الطبعة الأولى. وهذه الأسئلة هي: كيف يمكن تحليل المحنة الحالية في السياق التاريخي الليبي وعلى ضوء محاولات بناء الدولة الحديثة؟ ولماذا تحتم علينا ضرورة التعلم من الأجيال السابقة في القرن العشرين حتى لا تتكرر الأخطاء، وحتى يمكن تجاوزها؟ وأخيرا  لماذا نرى في المصالحة الوطنية أساسا لتجاوز هذا المنعطف التاريخي، والمحنة العاصفة الآن؟!
بهذه الكلمات قدم الدكتور علي عبداللطيف أحميدة الطبعة الثانية من كتابه "ليبيا التي لا نعرفها" الصادر  عن سلسلة الهلال العربي ، والذي يناقش فيه سياقات تعريفية شاملة، حول ليبيا المعاصرة، ففيه الكثير من الرؤى السياسية والاجتماعية والثقافية عن: ليبيا في النصف الآخر من القرن الماضي.
الدكتور علي عبداللطيف. كاتب وباحث ليبي. من مواليد مدينة ودان الليبية، حصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية عام 1990م، من جامعة واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية. وهو رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة نيو إنغلند في الولايات المتحدة. نشر العديد من المقالات في دوريات عربية وأجنبية متنوعة. من مؤلفاته: دراسة في الأصول الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لحركات وسياسات التواطؤ ومقاومة الاستعمار (1830-1932)
 وفي هذا الكتاب رصد تاريخي دقيق، مشيراً إلى تكوين الدولة والمجتمع في القرن الـ19، ومن ثم نشوء الدولة في ليبيا، لاحقاً، وصولاً إلى الدولة بعد الاستعمار والتحولات الاجتماعية. وذلك من دون أن يغفل التطرق إلى الشعر الشعبي الليبي، وقدرته على التعبير عن هموم المجتمع، شارحاً، أيضاً:
 لماذا كان سقوط القذافي حتمياً؟ لعل أهم ما انتهى إليه أحميدة، محاولة استنطاق الواقع الاجتماعي الليبي، والبحث فيه، بعيداً عن النظريات الغربية الجاهزة التي ربما لا تتناسب مع المجتمع الليبي. وهو يسعى إلى البحث عن اكتشاف قوانين تطوره الخاص، في ضوء القوانين العامة التي تحكم حركة التطور الإنساني.
واعتمد المؤلف على نتائج مهمة في مجال دراسة الواقع الليبي، واستكشاف قوانين حركته الداخلية، التاريخية والحديثة، التي تمتد خلال قرن من الزمان. وخلص إلى أن ضرورة مراعاة الطبيعة التعددية لمكونات المجتمع الليبي، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية.. هو أهم المداخل. إذ تجلت تلك الطبيعة في تعدد أقاليم البلاد، وتعدد أنماطها الاقتصادية - الاجتماعية. وكذا تعدد ارتباط هذه الأنماط بالأسواق الإقليمية مع البلدان المجاورة (شرقاً وغرباً وجنوباً)، فضلاً عن تعدد أشكال الدولة المحلية (مثل: الدولة القرمانلية، ثم الجمهورية الطرابلسية في ما بعد، في طرابلس). ويضاف إلى ذلك، تعدد التحالفات القبلية الكبرى، في ما يعرف تاريخياً بالصفوف، وفقاً لعلاقة تلك القبائل، بمركز الدولة في طرابلس.
وحول الايديولوجيا ودورها فتعددت هي الأخرى إلى: أيديولوجيا القرابة القبلية، الأيديولوجيا الإقليمية، الأيديولوجيا الجامعة الإسلامية. وبعد رصد هذا البعد التاريخي، يتناول أحميدة، الديناميات الداخلية لحركة المجتمع الليبي التي أفضت إلى تأسيس دولة الاستقلال، ومع بدايات التحول في المجتمع الليبي، إلى العلاقات الرأسمالية. كما يشير ، إلى أن مكونات (الدولة)، ليست في حالة ثابتة جامدة، بل هي متحركة متحولة، إذ إن التحول والتاريخ الليبي في حلقات.
وكذلك تعرض للسياق الثقافي والسياسي الليبي المعاصر. إذ ينهض بالتحليل السوسيولوجي أو الاجتماعي للأدب في ليبيا، ويتوقف مع ثلاثية الأديب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه، بعنوان «سأهبك مدينة أخرى».
والكاتب يهتم اهتماما كبيرا بأهمية التفكير النقدي والمنهجي في فهم الماضي لأي مجتمع، والكيفيات التي يؤثر بها الماضي في الحاضر. ويؤكد أنه، وحتى رغم كونه قضى أكثر من ثلاثين سنة خارج وطنه ليبيا، في الولايات المتحدة الأميركية، فهو على قناعة بجذوره وقيمه التي تشكلت في طفولته وشبابه المبكر.