دعوة الإعلامي المصري عمادالدين أديب للحوار مع جماعة الإخوان أو المتعاطفين معها تثير جدلا واسعا بين الأوساط المختلفة في مصر.
أضغاث أحلام
القاهرة - دعوة الحوار، التي أطلقها الإعلامي المصري عمادالدين أديب، في الرابع من أبريل الجاري، عبر برنامج “على مسؤوليتي”، الذي يقدمه أحمد موسى، مازالت تتفاعل معها الأوساط المختلفة في مصر بالمزيد من الأسئلة والتساؤلات التي تتمحور حول: هل هي دعوة للمصالحة بدوافع وطنية من أجل إنهاء حالة الاحتقان المجتمعي الذي تولد لدى البعض في السنوات الأخيرة؟
الدعوة إلى الحوار من شخصية بعيدة عن الانتماء للإخوان تحمل الكثير من التساؤلات، أبرزها هل هذه الفكرة قابلة للتطبيق؟ وما إذا كان أديب، يتحدث من قرارة نفسه أم أنها مبادرة لاقت قبولا من النظام، أم هي دعوة لجسّ النبض في الشارع المصري؟
شخصيات مثل الباحث في الفكر الإسلامي، ناجح إبراهيم، يرى أن كل من هاجموا عمادالدين أديب، لا يملكون أي فكرة في التعامل مع التطرف الفكري، والدعوة إلى المصالحة مسألة ضرورية مع المتعاطفين الذين لم يرتكبوا أعمالا إرهابية، فليس من مصلحة أحد أن يتحوّل المتعاطف إلى تكفيري من خلال ردات فعل انتقامية.
ورأى مشككون من المتعاطفين مع الإخوان أن الطرح الراهن هو محاولة لزيادة شرعية نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في فترته الرئاسية الثانية (تبدأ في يونيو المقبل)، وأنها “فقاعة هواء”، بينما نفى محللون آخرون أن تكون الدعوة من داخل السلطة، مشددين في الوقت نفسه على ضرورة أن تشمل المصالحة الجميع.
وقبل دعوة أديب بيومين، قال السيسي، في أول كلمة متلفزة له عقب إعلان فوزه بفترة رئاسية ثانية، إن “مصر تسع لكل المصريين، طالما الاختلاف في الرأي لم يفسد للوطن قضية”.
وأضاف أن “زيادة المساحات المشتركة بين المصريين ستكون على أجندة الأولويات خلال المرحلة المقبلة (..) والمساحات المشتركة بيننا أوسع وأرحب من أيديولوجيات محددة أو مصالح ضيقة”.
هذا الطرح بشأن أولويات أجندة السيسي، وما تبع ذلك من دعوة أديب، فسره البعض بمحاولة تحريك الماء الراكد في مصر، لا سيما وأن هناك قانونا مكملا للدستور لا بد أن يصدره مجلس النواب ويُعنى بلم الشمل المجتمعي.
ومنذ الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، في الثالث من يوليو 2013، توالت بعض مبادرات المصالحة من شخصيات غربية وإصلاحية بمصر، ولكن دون جدوى، والحجة القاطعة للحكومة في ذلك هي أن الشعب هو صاحب القرار في المصالحة أو من عدمها.. والشعب قد حسم أمره وقال كلمته.
أشار أديب إلى أن الذين يرفضون الاعتراف بوجود متعاطفين مع الإخوان “يدفعون البلاد إلى كارثة”، واصفا إياهم بأنهم ليسوا مع من حملوا السلاح.
مسألة غير مفهومة وتثير الشكوك أكثر مما تحل من المشكلات، فلا الظرف السياسي يدعو إلى الحوار ولا الرأي العام مستعد له
وأضاف أنه يتحدث عن “مئات الآلاف من المصريين المتعاطفين مع الجماعة، وضرورة إنقاذهم مما هم فيه، وإذا لم نفعل فإننا نتخلى عن مسؤوليتنا، ونؤدي استعراضا سياسيا”.
وتابع “أقسم بالله، لا أمهد لمصالحة. أنا لا أتحدث عن أعضاء التنظيم، ولا عمن تلطخت يده بالدماء ولا المنتسب إلى التنظيم”.
ونفى أديب أن يكون حديثه من داخل النظام، بقوله “لست جسرا ولم يرسلني أحد لأقول هذا الكلام، أنا أتحدث من عقلي وضميري”.
هذا الطرح رفضه السيناريست وحيد حامد، معتبرا، خلال البرنامج المتلفز، أن جميع أفراد الجماعة هم “إرهابيون، والمتعاطفون يشكلون الخطر الأكبر”.
وينكر الإخوان حملهم للسلاح أو تأييدهم للعنف، ويقولون إنهم متمسكون بـ”خيارات الرفض السلمي للنظام” وهو الأمر الذي تنكره أغلبية من الحكومة والمعارضة ومستقلون، ويقولون بأن الإخوان ملطخة أياديهم بالدماء.
وطرح كاتبان في مصر ملاحظتين حول دعوة أديب، أولها أنها جادة، والثانية أنها من داخل البيت الحاكم.
ففي مقال له نشرته شبكة د دبليو الألمانية، يوم 13 أبريل الجاري، قال الكاتب المصري، عمادالدين حسين، إن “الذين يراهنون على أي مصالحة بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان في المدى المنظور لا يرون الواقع جيدا”.
واعتبر أن حلقة موسى وأديب التلفزيونية هي “واحدة من النقاشات شديدة الأهمية منذ فترة طويلة، لأنها جادة ومختلفة لأسباب متعددة، فعمادالدين أديب إعلامي كبير مؤيد للسيسي.
وتابع “بالتالي فالقصة ليست الحديث عن المصالحة، ولكن أهمية النقاش الذي جرى أنه جاء بعد يومين فقط من إعلان فوز السيسي، وفي فضائية معروفة جدا بتحمسها للدفاع عن الرئيس والحكومة، والأهم أن الذي أثارها في برنامجه هو الإعلامي أحمد موسى، الأكثر عداء ومعارضة بصفة منهجية لجماعة الإخوان المسلمين وأطروحاتهم المتطرفة”.
وفي 8 أبريل الجاري، وفي صحيفة “الأهرام” المملوكة للدولة، كتب الكاتب المصري محمد سلماوي، وزير الثقافة الأسبق، مقالا بعنوان “هل هناك متعاطفون مع الإخوان؟”.
واعتبر أن “إعادة طرح هذه القضية الآن من داخل البيت مسألة غير مفهومة وتثير من الشكوك أكثر مما تحل من المشكلات، فلا الظرف السياسي يدعو إلى الحوار ولا الرأي العام مستعد له”.
وبين هذين الرأيين عجت تقارير صحافية محلية بآراء ترفض المصالحة مع الجماعة أو المتعاطفين معها، وأبرزها من البرلماني مصطفي بكري.
بينما اعتبر رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (يساري/ معارض)، مدحت الزاهد، في تصريحات صحافية، أن الإخوان لهم الحق في العودة إلى الحياة السياسية، ليس كتنظيم، وإنما من باب المواطنة، وبالتالي يحق لهم إبداء رغباتهم في المواقف كمواطنين، وليس كتنظيم مسلح.
ووفق أحمد بان، المحلل المصري في الشؤون الإسلامية، فإن “الدستور الحالي وضع بندا واضحا للحوار الوطني، والحديث عن مصالحة مع الإخوان اختزال لمفهوم الحوار في وقت تحتاج فيه مصر إلى حوار بين النظام وكافة الطيف السياسي”.
وتابع بان، “أعتقد أن النظام لن يقبل الآن على حوار مع الجماعة.. دعوة أديب هي صيحة من داخل النظام، وليس من خارجه، وتأتي لمصلحة النظام (..) بمعنى توسيع شرعيته لدى مجموعة أخرى وتحييدها خاصة المكون القريب من الإخوان”.
ورأى أن الدعوة لو كانت جادة لكان قد تم تفعيل النص الدستوري بخصوص الحوار، وتساءل “إذا كان النظام لم ينخرط في حوار مع شركائه في 30 يونيو 2013 فكيف سينخرط في حوار مع متعاطفي الإخوان؟”.
وعلى العكس، اعتبر حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأحد الذين طرحوا دعوة سابقة للحوار في مصر، أن الدعوة الأخيرة “ليست بتعليمات من السلطة أو بتنسيق مسبق”.
أما زياد عقل، أستاذ علم الاجتماع السياسي والمتخصص في الحركات الاجتماعية والتحول الديمقراطي، فقد اعتبر أن حديث أديب أخذ أكبر من حجمه، وهو ليس دعوة، بل مقترح، وقوبل برفض شديد.