التقى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أمس، سلطان بروناى، «حاج/ حسن البلقية»، فى قصر «أستانة نور الإيمان»، بالعاصمة «بندر سرى بيغاوان»، وذلك فى إطار زيارته الحالية لسلطنة بروناى، المحطة الثالثة والأخيرة، فى جولة آسيوية، شملت إندونيسيا وسنغافورة.
ورحب «البلقية» بزيارة «الطيب»، مشيرا إلى أن الأزهر يحظى بمكانة مميزة لدى شعب بروناى، لأنه يعد علماء دين قادرين على تبصير الناس بشؤون دينهم، لذا يحرص أبناء بروناى منذ أكثر من نصف قرن على إرسال أبنائهم للدراسة فى الأزهر، والنهل من منهجه الوسطى المعتدل.
وأوضح أن خريجى الأزهر يتقلدون الكثير من المناصب المهمة، ويساهمون بقوة فى كافة المجالات، فمنهم المفتى ووزير الشؤون الدينية وقاضى القضاة وغيرهم، ونحن نشكر الأزهر على تعليم أبنائنا، وندعو الله أن يحفظه وشيخه الأكبر وعلماءه، وأن تظل أبوابه مفتوحة لأبنائنا، ف«نحن يا فضيلة الشيخ نحب الأزهر حبا جما ونجل علماءه».
ولفت إلى أن بلاده تطبع «مصحف بروناى»، الذى خطه، أحد علماء الأزهر من مصر، كما أن بروناى لديها جامعة إسلامية كبيرة، تأسست على يد علماء ومناهج الأزهر، وبها عدد من المبعوثين الأزهريين، مشيرا إلى أن بلاده تربطها علاقات وثيقة ومتميزة ببلد الأزهر الشريف.
وأعرب «الطيب» عن تقديره لحفاوة الاستقبال التى لقيها منذ وصوله إلى بروناى، ذلك البلد الطيب الذى تربطه علاقات وثيقة وتاريخية بالأزهر، مشيدا بما شاهده من تسامح واعتدال، بما يعكس القيم الأصيلة لهذا البلد، ولثقافته الإسلامية الوسطية، الأمر الذى يستحق الفخر والاعتزاز، معربا عن سعادته بمشاهدة خريجى الأزهر يتواجدون فى كل مكان فى سلطنة بروناى، ويتولون العديد من المناصب المهمة.
وأعلن استعداد الأزهر لتعزيز التعاون مع بروناى، سواء من خلال إيفاد مبعوثين من الأزهر، لتعليم اللغة العربية، أو استقبال أئمة بروناى لتدريبهم فى مصر، وصقلهم بالمهارات والأدوات، التى ترسخ لديهم المنهج الوسطى، وتمكنهم من مواجهة وتفنيد الأفكار المتطرفة، وكذلك استقبال طلاب الدراسات العليا بالأزهر.
وقال شيخ الأزهر، أمس، فى محاضرة بمركز المؤتمرات الدولى ب«بروناى»، بعنوان «تحديات الأمة الإسلامية فى مواجهة الإرهاب»، قال فيها: «أما عن كلمتى التى يسعدنى أن أطرحها على مسامع حضراتكم، مما يتعلق بموضوع تحديات العالم الإسلامى والإرهاب، فإنه لا ينبغى بل لا يجوز أن نتوقف عن الحديث عنه، أو نصمت لحظة عن التنبيه إلى خطره وتأثيره البالغ السوء على الإسلام والمسلمين»، مضيفا: «إن الإرهاب ظاهرة شديدة التعقيد والغموض إذا ما رحت تحاول التعرف على أسبابها الحقيقية، أو تحاول البحث عن حل لهذا التناقض الشديد بين أسبابها ونتائجها، فحسب نظرية (الإسلاموفوبيا)؛ يجب أن يفسر الإرهاب بأنه ظاهرة (إسلامية) نشأت فى أحضان نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، ويجب حسب هذا المنطق، وأن يكون (غير المسلمين) هم المستهدفون بهذا الإرهاب، ولكن انظروا إلى الواقع على الأرض، فسوف تجدون أن المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، وأنهم المستهدفون بأسلحته وبطريقته البشعة فى القتل وإزهاق الأرواح، وأن ضحاياه من غير المسلمين عدد لا يكاد يذكر إلى جوار الآلاف المؤلفة ممن سفكت دماؤهم المعصومة على مرأى ومسمع من ضمير العالم المتحضر، وتحت سمع وبصر مؤسساته الدولية التى نصبت من نفسها ضامنا لسلام الشعوب وأمنها، وحاميا لحريات الإنسان وحقوقه فى حياة آمنة وعيش كريم فى ظلال السلام».
وتابع: «انظروا إلى خريطة العالم وتعرفوا على الشعوب التى دفعت- وحدها- (فاتورة) هذا الوباء، وسوف تجدون مرة ثانية أن دولا من دول العالم العربى والإسلامى هى التى قدمت (قربانا) على مذابح (الفوضى) التى تقود العالم الآن، وقد نفهم إمكان أن ينشأ إرهاب فى أحضان المسلمين يتعقب غير المسلمين، ذبحا وفتكا وتشريدا، أو إرهابا ينشأ فى أحضان المسيحيين ليتعقب المسلمين إبادة واجتثاثا من الجذور كما حدث فى القدس والشام فى (حروب الفرنجة) أو ما يعرف عند الغرب بالحروب الصليبية، ولكن لا نفهم إرهابا مسيحيا ضحاياه من المسيحيين دون غيرهم، ولا إرهابا إسلاميا يستهدف المسلمين دون غيرهم – فهذا هو التناقض فى الحدود الذى يفسد القضايا ويفرغها من أى معنى منطقى».
وأوضح: «إن العالم الإسلامى هب بحكامه وبعلمائه ومثقفيه وكتابه وكل شعوبه ليستنكر حادثة الإرهاب المشهورة بحادثة ١١ سبتمبر من عام ٢٠٠١م، والتى استهدفت مئات الضحايا من الأرواح البريئة التى زهقت ظلما وعدوانا، ومنذ وقوع هذا الحادث الذى هز ضمائر المسلمين قبل غيرهم، وحتى اليوم، لا تكف الألسنة والأقلام عن إدانة (الإرهاب) و(الإرهابيين) ولا عن التأكيد على أنهم لا يمثلون الإسلام، وأنهم بنص القرآن الكريم محاربون لله ورسوله، ومفسدون فى الأرض، ولهم جزاء معلوم فى كتاب الله وسنة رسوله، رغم هذا الموقف الصريح المعلن مازالت (الاتهامات) الجائرة تشوه سمعة هذا الدين الحنيف، وتخوف الناس من المسلمين ومن دينهم، مما يدلنا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على أن هناك قوة خفية غير إسلامية تصر على إساءة فهم الإسلام وسوء الظن بالمسلمين، وتشويه سمعة دينهم، واستخدام منهج انتقائى فى قراءة نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بعد اجتزائهما وإخراجهما من سياقاتهما التى لا يتضح معناها الحقيقى إلا على ضوئها ودلالاتها المحددة، ورغم أنهم يعلمون علم اليقين أن منهجهم هذا لو طبقوه على الكتب المقدسة الأخرى التى يؤمنون بها؛ فلن يسلم لهم دين من الأديان السماوية من تهمة الإرهاب وقطع الرؤوس وإحلال السيف محل السلام، وإبادة الأبرياء من النساء والأطفال، بل والحيوان والنبات والجماد».
وأشار إلى أن كثيرا من كبار المحللين من الغرب والشرق رصدوا ظاهرة الإرهاب، وحاولوا سبر أغوارها، معلنين، أن عودة «السلام العالمى» ليعم العالم كله تقف فى وجهها تحديات كثيرة، أهمها ما ظهر فى أعقاب نهاية الحرب «الباردة» من نظريات سياسية تؤصل للصراع بين الأديان والحضارات، وترى فى الإسلام والثقافة الإسلامية عدوا للحضارة التى وصفها بعض المنظرين السياسيين الغربيين بأنها نهاية الحضارات أو نهاية التاريخ، وباتوا على يقين من أن هناك فلسفة تحكم السياسات الدولية تقوم على مبدأ صراع الحضارات، واستنفار الطاقات لمواجهة الإسلام كعدو أول فى حلبة هذا الصراع.
وتابع: «إن البحث النزيه المنصف لابد له من أن ينتهى إلى أن الإسلام برىء من هذه البربرية الهمجية، ولا علاقة له بها، لا نشأة ولا غاية ولا دعما، بأى لون من ألوان الدعم. كيف وفلسفة الإسلام فى التعامل مع الآخرين لا تعرف مبدأ الصراع، ولا التصنيف بين أسود وأبيض، ولا بين شرقى وغربى، وإنما تعرف مبدأ واحدا فقط فى معاملة الناس هو (مبدأ التعارف) الذى يعنى التفاهم والتعاون وتبادل المنافع والمصالح».
(المصري اليوم)