مشروع «كاسندرا» هو اسم العملية الأمنية التي أدت إلى كشف الشبكة التابعة لحزب الله، والمتورطة في عمليات تهريب المخدرات إلى أمريكا وأوروبا، وشاركت فيها أجهزة أمن من 7 دول، على رأسها فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا.
وأطلقت الولايات المتحدة «كاسندرا» لمتابعة نشاط حزب الله في التمويل، بوصفها عملية دولية أسفرت عن اعتقال أفراد شبكة تابعة للحزب متورطة في عمليات تهريب وتجارة مخدرات بملايين الدولارات؛ بهدف تمويل عمليات إرهابية في لبنان وسوريا، كما كشف المشروع أن الحزب، يستغل تلك الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات في تمويل عملياته في سوريا.
وتعود أصول مشروع «كاسندرا» إلى سلسلة من التحقيقات انطلقت في الأعوام التي تبعت هجوم 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، والتي قادت جميعها بطرق مختلفة إلى تصنيف حزب الله كمنظمة إجرامية عالمية.
وبدأت التحقيقات ضمن مشروع كاسندرا في فبراير 2015، وكُشِف عن تحويل مبالغ مالية ضخمة من قبل أشخاص وشركات على صلة بحزب الله إلى كولومبيا، وجرى الكثير من تلك العمليات عبر لبنان؛ الأمر الذي اكتشفته أجهزة أمن أوروبية بالتعاون مع نظيرتها الأمريكية.
وبحسب البيان الأمريكي، فإن مشروع كاسندرا اعتمد بشكل كبير على التحقيقات المرتبطة بقضية سابقة، تتعلق بفضائح مالية، متعلقة بدورها بـ«البنك اللبناني الكندي»، الذي سبق أن ربطته تحقيقات أمريكية بعمليات تمرير أموال لصالح حزب الله.
في يونيو 2005، ألقت الشرطة الإكوادورية القبض على شبكة تهريب مخدرات، على رأسها لبناني يُسمّى راضي زعيتر، كان يدير مطعمًا في العاصمة كويتّو، ووفقًا لتحقيقات السلطات في الإكوادور، فإن عصابة «زعيتر» كانت تموّل حزب الله بـ70% من أرباحها من تجارة المُخدّرات.
في نهايات 2006، أدرجت السلطات الأمريكية، صبحي فيّاض على قوائم الإرهاب، باعتباره أحد أهم الناشطين التابعين لحزب الله في منطقة الحدود الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراجواي، وكانت السلطات الأمريكية اتهمت فيّاض بتورطه في تجارة المخدّرات مع آخرين لصالح حزب الله منذ 1995.
بعدها بعامين، في 2008 ألقت السلطات الأمريكية القبض على فايد بيضون الشهير بـ«ميجال جارسيا» في مطار ميامي الدولي؛ بتهمة الضلوع في تجارة الكوكايين لصالح حزب الله، وهو أحد أفراد عائلة «بيضون»، وهي من العائلات الشيعية الكبيرة في جنوب لبنان.
لم تكن أمريكا اللاتينية، المنفذ الوحيد لأموال «إرهاب المخدرات» لصالح حزب الله؛ إذ ظهر وجود تلك النوعية من التجارة للحزب في أوروبا في أبريل 2009، عندما أعلنت السلطات الهولندية القبض على خليّة مكونة من 17 فردًا ينتمون إلى شبكة دولية لتجارة المخدرات على صلة بحزب الله، وتم الاشتباه في الخلية في الاتجار بنحو 2000 كيلوجرام من الكوكايين خلال عام واحد، وفي أكتوبر 2009، ألقت السلطات الألمانية القبض على لبنانيّيْن متهمين بتهريب أموال إلى لبنان، ناتجة عن تجارة المخدرات.
ويتجه حزب الله إلى تعزيز قوّة شبكته التجارية العالمية، باعتبارها بديلًا فاعلًا عن دعم إيران المهدد بالتناقص، وفي أسوأ الأحوال الانقطاع مع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
يقول جون كيلي، ضابط وحدة العمليات الخاصة المراقب لحزب الله في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية: إن حزب الله في البداية كان منظمة ذات أهمية استراتيجية في الشرق الأوسط، ونحن شاهدناه أصبح تكتلًا إجراميًّا دوليًّا يولد مليارات الدولارات من أخطر الأنشطة في العالم، بما في ذلك تمويل برامج الأسلحة النووية والكيماوية والميليشيات التي تعتقد أن أمريكا هي عدوها الأول.
وأشار تقرير سري صدر عن مشروع «كاسندرا» إلى أن العلاقات التجارية لحزب الله استغلت علاقات أخرى مع مسؤولين فاسدين في حكومات أجنبية، وكِيانات إجرامية عالمية؛ ما خلق شبكة يمكن استخدامها لنقل أطنان من الكوكايين، وعمليات غسل أموال المخدرات على مستوى عالمي، وكذلك تهريب أسلحة ومتفجرات.
وقال التقرير: إن حزب الله كان تحت تصرفه أحد أكثر الشبكات من الأفراد والكِيانات، القادرة على دمج عناصر من جماعات الجريمة المنظمة مع التنظيمات الإرهابية في العالم، وهو الكشف الذي اعتبره مسؤولون أمريكيون نتاجًا لعمل سنوات من التعاون بين المخابرات الإيرانية والحرس الثوري، مع داعميه في المجتمعات اللبنانية حول العالم؛ لخلق شبكة من التجارة، تم الاشتباه بها لمدة طويلة بأن تكون واجهة لعمليات بيع وشراء في السوق السوداء.
ففي المسارات نفسها التي حملت دجاجًا مجمدًا وأجهزةً إلكترونيةً استهلاكيةً، نقلت هذه الأعمال التجارية الصغيرة أيضًا أسلحةً وأموالًا مغسولةً، وأجزاءَ مُهَرَّبَةً؛ لمساعدة إيران في تطوير برامجها النووية والصاروخية غير المشروعة.
ووجد عملاء مشروع «كاسندرا» أن حزب الله كان يُضَاعف كل جهودِه؛ للعمل سريعًا على جمع الكثير من الأموال؛ لإعادة بناء معقله في جنوب لبنان، بعد حرب 2006 مع إسرائيل.
وبحسب نتائج تحقيقات «كاسندرا»، انخرط الحزب مباشرةً في التجارة العالمية للكوكايين؛ لتمويل عملياته الإرهابية والاغتيالات حول العالم، وتمويل وتسليح الميليشيات الشيعية المنتشرة في العراق وسوريا، ومساعدة إيران في ملاحقة برنامجها النووي والصاروخي.
وبدأت إيران وحزب الله في اتخاذ تحركات مشابهة في اليمن، وبعض دول المنطقة الأخرى، بدعم من المال المتدفق من شبكاتهم في أفريقيا، التي لم تهرب المخدرات والأسلحة والسيارات المستعملة فقط، بل والماس والبضائع التجارية، وحتى التجارة في الرقيق.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ حيث اكتشف المحققون شبكةً كاملةً من كتائب القدس، التابعة للحرس الثوري الإيراني، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل على تهريب المخدرات والمروحيات ونظارات الرؤية الليلية ومعدات أخرى إلى إيران وحزب الله، إضافة إلى نقل عمليات إلى الصين وأسواق جديدة أخرى؛ لتوسيع نطاق عملهم.