بوابة الحركات الاسلامية : من «البنَّا» إلى «الكتاتني».. رحلة الإخوان في البرلمان (طباعة)
من «البنَّا» إلى «الكتاتني».. رحلة الإخوان في البرلمان
آخر تحديث: الجمعة 08/06/2018 10:58 ص إسلام محمد
لجماعة الإخوان تاريخ طويل من المشاركة البرلمانية والعمل السياسي، منذ تأسيسها على يد حسن البنَّا عام 1928، الذي كان يرى أن المشاركة السياسية ستفتح آفاقًا كبيرة لدعوته، وستكون طريقها إلى التمكين والسيطرة على الحكم، وهو الهدف الذي كان حاضرًا منذ سنوات البداية الأولى، وفي سبيل ذلك اصطدمت الجماعة بالأنظمة المتعاقبة التي رأت فيها تهديدًا خطيرًا على الدولة، وتعرضت للحظر في جميع العهود منذ الملك فاروق الأول وحتى الآن.

من «البنَّا» إلى
وكانت أولى محاولات الجماعة للانخراط في العمل البرلماني عام 1942، بعد أن انتهى المؤتمر السادس للإخوان الذي عُقد عام 1941، وكان من بين قراراته السماح للأعضاء بدخول الانتخابات بصفة فردية، حيث قرر «البنا» خوض الانتخابات عن دائرة الإسماعيلية، ولكن رئيس الوزراء آنذاك مصطفى النحاس التقى به، وأقنعه بالعدول عن الترشح، مقابل منح الجماعة حرية الحركة، إضافةً للسماح بوجود جريدة يومية للجماعة، وعدد من التسهيلات.

رغم تراجع «البنَّا»، فإنه عاود المحاولة نفسها في ذات الدائرة الانتخابية في أواخر عام 1944، ورشح عددًا من أتباعه في دوائر أخرى، ولم يستجب هذه المرة لضغوط حكومة أحمد ماهر السعدية، لكنه سقط هو وجميع إخوانه، واتهموا الحكومة والإنجليز بتدبير سقوطهم وتزوير الانتخابات لصالح منافسيهم.

ورغم فشل تلك المحاولات فإن «البنَّا» ظل مصممًا على سلوك الطريق نفسه، ففي أحد مقالاته في جريدة «الإخوان» نصف الشهرية بعنوان: «لماذا يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب؟» دافع عن فكرته بضراوة.

وأيضًا في رسالته التي نشرت في جريدة «الإخوان» اليومية في العدد (719)، عام 1948، ناقش الآراء الرافضة لسلوكه هذا السبيل، وردَّ عليها قائلًا: « لنكن مع هذا صرحاء في الحق، لا تأخذنا فيه لومة لائم، فنقول: هل أمام أصحاب الدعوات، وحملة الرسالات في هذا العصر من سبيل مشروع إلى تحقيق مقاصدهم والوصول إلى أهدافهم، إلا هذه السبل الدستورية التشريعية أولًا، فالسلطة التنفيذية بعد ذلك، وإنما يكون طلب الحكم والسعي إليه عيبًا وعارًا وسُبة إذا أريد به الجاه الزائف والعرض الزائل».

واستطرد «البنَّا» قائلًا: «أما أن يقصد من وراء ذلك تحقيق مناهج الإصلاح، وإظهار دعوة الخير، وإعلاء كلمة الإسلام والحق فلا عيب فيه ولا غبار عليه، بل لعله يكون من أقدس الواجبات وأعظم القربات، ويجب أن نطلب ونسعى إليها لأنفسنا بل لدعوتنا ورسالتنا؛ ليحكم الناس بعد ذلك لنا أو علينا، أما هذا الموقف السلبي فليس وراءه إلا ضياع الوقت بغير طائل، وإلا فما هي الوسيلة التي يراها الإخوان لتحقيق رسالتهم غير التقدم إلى البرلمان؟ الوعظ والإرشاد والدعوة والإقناع ومخاطبة النفوس والأرواح، وهي سبيل الفلاسفة والخياليين، لا سبيل المصلحين العمليين».

وهكذا بدا مُصرًّا تمام الإصرار على انتهاج سبيل المشاركة في الانتخابات النيابية، كسبيل وحيد للمصلحين العمليين، وباعتباره كان يُعد نفسه وجماعته منهم، فلم يكن يرى أي وسيلة أخرى غيرها، وفق نظريته، وفي مقابل ذلك أعلن أنه على استعداد لتحمل الويلات التي ستجرها تلك المشاركة، والتي ستدنس صورة الدعوة والدعاة في أعين الناس.

وقال مرشد الجماعة الأول، في الرسالة نفسها مفندًا -حسب زعمه- شبهات المعترضين: «وإذا قلتم: إن ذلك سيصبغنا بالصبغة الحزبية، وسيجر علينا الخصومات السياسية، وسيلوّن الدعوة بغير لونها الحقيقي، ويقذفها بسيل من الاتهامات المغرضة نحن في غنى عنه، ويباعد بيننا وبين كثير ممن يرجى منهم الخير، ويجعلنا حزبًا في مصاف الأحزاب، مع أننا نؤمن ونعتقد ونقول: إن دعوتنا بشمولها وعلوها وسموها تفوق الأحزاب، والجواب على هذا، أن العبرة بالمقاصد والغايات لا بالظاهر والشكليات، وبالحقائق والمسميات لا بالأسماء والصفات، وما دمنا بمقصدنا ودعوتنا وأسلوبنا فوق الخصومة الحزبية والغايات الشخصية والمطامح المادية، فلا يضرنا أبدًا ما يقوله الناس».

وتابع «البنّا»: «وسيجذب الله إلينا قلوب أهل الخير -أينما كانوا- وسيكون انصراف المنصرفين عنا دليلًا على تخير الله لنا، ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم، وكل دعوة لها خصوم وأعداء»، وهنا تتضح مدى خطورة مسلك الجماعة التي نظرت -وفق كلام مؤسسها- لمن خالفها بأنه عدو للدين الإسلامي، ولكل من عاداها بأنه من المنافقين الذين قال الله عنهم في القرآن الكريم «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ»، وأن انصراف المنصرفين عن الجماعة دليل على اصطفاء الله لأعضائها من دون بقية البشر.

في عام 1949 مات «البنّا»، ما تسبب في حالة ارتباك داخل الجماعة، فمرَّت انتخابات عام 1950 دون أن يشارك فيها الإخوان، وما لبث تنظيم الضباط الأحرار أن أطاح بالحكم الملكي عام 1952، وكان الضباط الأحرار مقربين من الجماعة، وحلوا جميع الأحزاب السياسية عداها، ثم توترت العلاقة بين الطرفين بسبب الخلاف على السلطة التي كان الإخوان يريدون السيطرة على مقاليدها، فتمَّ حل الجماعة، ودخل أعضاؤها المعتقلات لفترات طويلة، ولم يخرجوا منها إلا في بداية عصر الرئيس السادات عام 1971.

من «البنَّا» إلى
دخول البرلمان

وشهد عام 1973 نقلة في تاريخ الإخوان، عندما تولى عمر التلمساني منصب المرشد العام، وبدأ في لملمة شتات جماعته مرة أخرى، وانتهج منهجًا تصالحيًّا مع النظام، وترافق ذلك مع إقرار التعددية السياسية عام 1976، وحينها استطاع القيادي الإخواني صلاح أبوإسماعيل، الفوز بمقعد في البرلمان بعد الانتخابات التي أجريت في هذا العام؛ ليكون أول برلماني في تاريخ الجماعة.

وفي انتخابات عام 1979 نجح أبوإسماعيل مرة أخرى، ومعه الحاج حسن الجمل، إذ كان الإخوان حينها في طور إعادة التشكيل، ولكنهم كانوا يخططون للعودة إلى الساحة السياسية بشكل أكبر، وهو ما حدث في عام 1984 عندما تحالفوا مع حزب «الوفد الجديد»، ونجح في هذه الانتخابات 6 من أعضاء الجماعة هم «حسن الجمل، وحسني عبدالباقي، ومحمد المراغي، ومحمد الششتاني، ومحفوظ حلمي، وحسن جودة»، ليكون تحالف «الوفد - الإخوان» هو الحزب المعارض الوحيد الذي نجح في هذه الدورة الانتخابية التي كانت تجرى بنظام القوائم الحزبية، وكان شعارهم آنذاك «عودي يا مصر إسلامية».

إلا أن هذا المجلس تعرض للحل عام 1987 بعد الحكم بعدم دستورية قانون الانتخابات، وتمت الدعوة لانتخابات جديدة، وسرعان ما انفض تحالف الجماعة مع الوفد، وقيل وقتها إن السبب هو الاختلاف في ترتيب المرشحين في القائمة، فلجأت إلى التحالف مع حزب العمل الاشتراكي وحزب الأحرار الديمقراطي، ضمن ما سُمِّي بـ«التحالف الإسلامي» تحت شعار «الإسلام هو الحل»، وفاز لهم 37 نائبًا (حوالي 8.5% من مقاعد البرلمان)، من أبرزهم محمد مأمون الهضيبي الذي أصبح فيما بعد المرشد السادس للجماعة، ومحمد مهدي عاكف الذي أصبح فيما بعد المرشد السابع، وأحمد سيف الإسلام، ابن مؤسس الجماعة حسن البنا، وصلاح أبوإسماعيل، وحسن الجمل، واحتل الإخوان المرتبة الأولى في صفوف المعارضة.

وقاطعت الجماعة انتخابات 1990 اتساقًا مع الموقف الذي اتخذته أحزاب المعارضة باستثناء حزب التجمع، وظل المجلس خاليًا خمس سنوات من وجودهم، لكنهم قرروا المشاركة في انتخابات عام 1995 ورشحوا 150 عضوًا، لم ينجح منهم إلا نائب واحد، وهو «علي فتح الباب».

وجاءت انتخابات عام 2000، والذي شاركت فيها الجماعة بكل قوة، وترشحوا كمستقلين بعيدًا عن أي قائمة حزبية، فنجح منهم 17 عضوًا، أبرزهم محمد مرسي الذي كان متحدثًا باسم الكتلة، وجمال حشمت، وعلي لبن، وأكرم الشاعر.

أما انتخابات 2005، فهي كانت بمثابة الجائزة الكبرى للجماعة التي دفعت فيها بـ160 مرشحًا للسباق الانتخابي، وفازت بـ88 مقعدًا، بنسبة أكثر من 20%، وكان أبرزهم «صبحي صالح، ومحمد سعد الكتاتني، ومحمد البلتاجي، وعلي لبن، والسيد عسكر، وسعد الحسيني، وأحمد أبوبركة، وأكرم الشاعر».

وعلى الرغم من العدد الكبير غير المسبوق لنوابهم داخل البرلمان، فإنهم لم يحققوا أي مكاسب تُذكر، ووقتها تم إقرار القانون رقم 18 لعام 2007 الذي يحظر استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات، وقررت أحزاب المعارضة عدم الدفع بمرشحين في انتخابات 2010.

من «البنَّا» إلى
تلك الأسباب مجتمعة أسهمت في وجود رأي عام داخل الجماعة يرفض استمرار المشاركة البرلمانية التي دفعوا لها ثمنًا كبيرًا، ولم تُسفر عن أي مكاسب للإخوان، ومع ذلك تغلب الرأي المؤيد للمشاركة وسجلوا أوراق 135 مرشحًا، ما أسهم في توجيه انتقادات حادة لهم من جانب قوى المعارضة، بسبب ما اعتبروه خرقًا لإجماعهم بضرورة المقاطعة، لكن مكتب الإرشاد قرر بشكل مفاجئ الانسحاب من المنافسة الانتخابية بعد الجولة الأولى وقبل جولة الإعادة، واستجاب المرشحون باستثناء مجدي عاشور، المرشح عن دائرة النزهة والمرج، فقرر المرشد فصله من صفوف الجماعة؛ لأنه لم يلتزم بقرار الانسحاب، وأعلنوا أنه ليس لهم أي ممثل في مجلس الشعب.

وبعد قرابة الشهر اندلعت ثورة 25 يناير 2011، فتم إسقاط النظام وحل مجلس الشعب، فأسس الإخوان حزب الحرية والعدالة رسميًّا في 6 يونيو 2011، وخاضوا الانتخابات البرلمانية عام 2012 ضمن ما سُمِّي بـ«التحالف الديمقراطي من أجل مصر» تحت شعار «نحمل الخير لمصر»، وحصلوا على 235 مقعدًا ليسيطروا على أكثرية مقاعد المجلس بنسبة 47%.

وكانت أول مرة يشهد البرلمان رئيسًا له من الجماعة، وهو محمد سعد الكتاتني، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، ولكن في 14 يونيو من العام نفسه صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بحل المجلس؛ ليكتب نهاية الفصل الأخير في التجربة الإخوانية المريرة داخل المجلس.