بوابة الحركات الاسلامية : أوروبا واللاجئون.. ثمن القبول الإنساني وضريبة الرفض الأمني (طباعة)
أوروبا واللاجئون.. ثمن القبول الإنساني وضريبة الرفض الأمني
آخر تحديث: الثلاثاء 10/07/2018 09:25 ص أحمد سامي عبدالفتاح
أوروبا واللاجئون..
منذ تأسيسه في تسعينيات القرن العشرين، تبني الاتحاد الأوروبي سياسة انفتاحية داخلية بين الدول الأعضاء، فأزيلت الحدود القومية بصيغتها التقليدية، وأصبح المرور من دولة لأخرى أمرًا يسيرًا للغاية. وقد أحدث ذلك نوعًا من التداخل الثقافي بين الأوروبيين، اعتبر المؤيدون للاتحاد فكرة المزج العرقي والثقافي منبعًا لقوته ودليلًا على تقبل الآخر، فضلًا عن دور الاتحاد في تجاوز الانتماءات القومية بمفهومها القديم والذي كان سببًا في نشأة العديد من الحروب داخل أوروبا.

على النقيض من ذلك، عارض القوميون فكرة الاتحاد نفسها، ورأوا فيها تدميرًا للقومية القطرية من أجل قومية أوروبية قارية جديدة قد تنهار في أي لحظة. كما رأى المعارضون للاتحاد في التنوع العرقي تهديدًا وجوديًّا لدولهم، لما له من أثر بالغ في إحداث تغير في التركيبة الجينية للسكان داخل هذه البلدان.

ورغم حدة الصراع الثنائي، فقد تم تغليب أفكار المؤيدين للاتحاد على المعارضين له. ويرجع ذلك إلى مساهمة الاتحاد في تحسين الأوضاع الاقتصادية داخل بعض البلدان من خلال زيادة حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء.
ظلت الأمور كما هي عليه حتى واجهت أوروبا تحديًا جديدًا يتعلق بتدفق اللاجئين من دول الشرق الأوسط بسبب الحروب الدائرة في كل من ليبيا، العراق وسوريا. هنا وجدت الحكومات الأوروبية نفسها أمام إشكالية حقيقية.

تزعمت ألمانيا المعسكر الداعم لاستقبال اللاجئين انطلاقا من جوانب إنسانية واتساقًا مع سياسة الانفتاح الأوروبية، وإيمانًا بدور المهاجرين ومساهمتهم في بناء أوروبا الحديثة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية- حيث كان للعمال الأفارقة دور بارز في ريادة النهضة الأوروبية بسبب قدرتهم على تحمل ظروف العمل القسرية. كما دافع هذا المعسكر عن استقبال اللاجئين ليظهر مدى اتساقه بالليبرالية الداعمة لحقوق الإنسان ومساعدة الآخر.

علاوة على ذلك، رأى هذا المعسكر في رفضه لاستقبال الأفراد الفارين من الحروب تناقضًا مع التوجه الأخلاقي الذي تعكف أوروبا على إضفائه على سياستها الخارجية من خلال تقيدها- أي السياسة الخارجية- بأوضاع حقوق الإنسان في بلدان الشرق الأوسط. بعبارة أخرى، رأى هذا المعسكر أن رفضه لاستقبال اللاجئين سوف يقلل من مصداقية سياساته الخارجية المدافعة عن حقوق الإنسان، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في العالم أجمع.

ولكن مع الضغط الذي مثله المعسكر الثاني الرافض لاستقبال اللاجئين، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه مضطرًا لتقييد تدفق اللاجئين إلى أراضيه، مستخدمًا الجرائم المتكررة للوافدين على أوروبا ذريعة لهذا الرفض، وسعيًا لتقييد نفوذ اليمين المتطرف الذي أخذ يتغذى على ظاهرة استقبال اللاجئين.

وفي هذا الإطار، تبنى الاتحاد الأوروبي سياسة مزدوجة من أجل التقليل من خطر اللاجئين، فعقد اتفاقًا داخليًّا الزاميًّا بين دِوَلِهِ من أجل إعادة توزيع اللاجئين عليها، كما توجه نحو تركيا ووقّع معها اتفاقًا في مارس 2016 بهدف تقييد دخول اللاجئين إليها.

المثير في الأمر أن عددًا من دول الاتحاد- بولندا والمجر- قد رفضتا استقبال اللاجئين، ما دفع المفوضية الأوروبية للتهديد بفرض عقوبات عليهما في 2017، في حدث يعد الأول من نوعه داخل الاتحاد. وقد أثار اتفاق اللاجئين بين تركيا أوروبا حفظية العديد من الحقوقيين الذين رأوا أن تركيا تعاملت مع قضية اللاجئين كورقة سياسية من أجل الضغط على أوروبا للسماح للمواطنين الأتراك بالدخول لأوروبا دون تأشيرة، وهو ما تحقق بالفعل في الاتفاق الذي وقع بين الطرفين.
وتشكل أزمة اللاجئين تهديدًا لحرية التنقل في أوروبا، حيث قامت المجر باغلاق حدودها مع كرواتيا- دولة عضو في الاتحاد الأوروبي- من أجل الحد من تدفق اللاجئين من المرور إلى أراضيها، ما يشكل انتهاكًا لأحد المبادئ الرئيسية التي اعتمد عليها الاتحاد منذ نشأته. كما ساهمت هذه الخطوة في تقوية مزاعم اليمين المتطرف الذي يري دومًا في إغلاق الحدود وسيلة لتفادي التهديدات الإرهابية.

ورغم الجانب الانساني الذي أظهرته بعض الدول- مثل ألمانيا- في استقبال اللاجئين، فإن سلوكياتها لم تخل من توخي الحذر خوفًا من تورط أي من الوافدين الجدد في أعمال إرهابية، ما شكّل إعاقة في دمج اللاجئين داخل المجتمعات الأوروبية. وقد كان ذلك سببًا في انتشار ظاهرة العنف المجتمعي المتمثلة في حالات السرقة والقتل والاغتصاب.

وفي نهاية المطاف، ساهمت هذه الظواهر في تقوية دعاوى الدول الرافضة لاستقبال اللاجئين، حتي إن رئيس الحزب الحاكم في بولندا- ياراسلاف كاشينسكي- قد أعلن أن رفضه لاستقبال المهاجرين لا يتعلق فقط بالخطر الإرهابي، ولكن أيضًا بالعنف المجتمعي من اللاجئين ضد النساء الأوروبيات.