بوابة الحركات الاسلامية : قوة مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي.. الأبعاد والتحديات (طباعة)
قوة مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي.. الأبعاد والتحديات
آخر تحديث: الثلاثاء 10/07/2018 04:41 م علي بكر باحث في شئون الإرهاب الدولي
قوة مكافحة الإرهاب
الإعلان عن تشكيل قوة عسكرية من دول الساحل الأفريقي الخمس (موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر) -برعاية فرنسية ودعم دولي؛ من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في تلك المنطقة والقضاء عليها- أثار تساؤلات مهمة حول الأبعاد المحتملة لتلك القوة، والتحديات التي يُمكن أن تواجهها، خاصةً أنها يُعقَد عليها الكثير من الآمال في القضاء على خطر هذه التنظيمات، وهذا ما جعلها تلقى دعمًا قويًّا من دول عديدة، منها المملكة العربية السعودية التي تعهَّدت بالإسهام بـ100 مليون يورو، ودولة الإمارات العربية المتحدة التي أعلنت عن تقديم 30 مليون يورو، وذلك خلال قمة باريس في 13 ديسمبر 2017، كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم 50 مليون يورو، أما الولايات المتحدة فأعلنت الإسهام بـ60 مليون دولار، في حين تعهَّدت فرنسا بتقديم 8 ملايين يورو.
أولًا: تصاعد الإرهاب في الساحل والصحراء:
يأتي تشكيل هذه القوة في ظل التصاعد الكبير لنشاط المجموعات والتنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، خاصةً التابعة لتنظيم القاعدة، التي تعتقد أن الساحل والصحراء منطقة مجال حيوي بالنسبة لها، وهو ما يدفعها لشنِّ الهجمات الإرهابية المتعددة، التي تركِّز بشكل رئيسي على استهداف القوات الفرنسية والأممية، إلى جانب قوات جيوش دول المنطقة، ومجموعة من العوامل الأخرى التي أسهمت في تصاعد الإرهاب في الساحل والصحراء، والتي يُمكن تحديد أبرزها في النقاط التالية:

التحالفات القاعدية:
جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي أُسِّسَت في الثاني من مارس 2017، عقب تحالُف كلٍّ من: مجموعة «إمارة منطقة الصحراء الكبرى» وتنظيم «المرابطون» ممثلين عن تنظيم القاعدة، مع جماعة «أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا»(*1) -تُعَد التنظيم الأكبر والأقوى في المنطقة- لاسيما بعد أن صارت تعمل على توسيع نفوذها؛ من خلال تصعيد هجماتها ضد القوات الأممية، على غرار الهجومين المنفصلين اللذَين استهدفا قوة عسكرية، تابعة لقوات حفظ السلام ومعسكر للجيش الماليّ بمنطقة «ميناكا»، يوم 24 نوفمبر 2017؛ ما أسفر عن مقتل 10 جنود على الأقل من القوة الأممية، والجيش الماليّ، والقوات الأفريقية.

فضلًا عن تركيزها على استهداف القوات الفرنسية، كالهجوم الذي استهدف السفارة الفرنسية ومقر الجيش في «واجادوجو» عاصمة بوركينا فاسو، في الثاني من مارس 2018؛ ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص (*2)؛ لذا فإن تشكيل مثل هذا التحالف القاعدي المتمثل في هذه الجماعة، أسهم بشكل كبير في تصاعد الإرهاب في هذه المنطقة، لاسيما في ظل قدرتها على شن هجمات إرهابية نوعية وغير تقليدية.

عودة داعش:
عاد هذا التنظيم من جديد إلى منطقة الساحل والصحراء بقيادة «أبوالوليد الصحراوي» بعد اختفاء ما يقرب من عامين، من خلال بيانٍ صدر عنه في 12 من يناير الماضي، يعلن فيه مسؤوليته عن الهجمات التي استهدفت القوات الفرنسية في النيجر في 11 من يناير؛ ما أدَّى إلى مقتل عدد من الجنود وتدمير آليات، كما أعلن مسؤوليته -أيضًا- عن الهجوم الذي استهدف مجموعة من قوات «الكوماندوز» الأمريكي، في الرابع من أكتوبر 2017 بالنيجر، وذلك في إشارة إلى الهجوم الذي استهدف دورية مشتركة بين القوات الأمريكية وقوات تابعة للنيجر؛ ما أسفر عن مقتل 4 جنود أمريكيين و5 من القوات النيجيرية (*3).

وهذا ما يجعل ظهور تنظيم داعش من جديد على خريطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، يُمثِّل تحديًا جديدًا لقوة الساحل، لاسيما إذا تمكَّن من إيجاد حالة من التعاون بينه وبين المجموعات القاعدية في هذه المنطقة، وهو ما يسعى إليه خلال المرحلة المقبلة، وقد أشار إليه «الصحراوي» في بيانه عندما استخدم مصطلح «لمكافحة الكفار نتعاون»؛ في إطار دعوته المجموعات القاعدية للتعاون معه في مواجهة القوة الجديدة (*4).

أولوية الاستهداف:
تُمثِّل القوات الفرنسية والأممية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء، الهدف المُفضَّل لكلِّ التنظيمات المسلحة في المنطقة، سواء القاعدية أو الداعشية أو حتى العرقية والقبلية؛ نظرًا لأنها تُعَد هدفًا لا خلاف على استهدافه؛ فالموروثات الثقافية والدينية في تلك المنطقة تنظر إلى تلك القوات على أنها غازية؛ بل إن البعض يراها «صليبيَّة» تجب مقاومتها والقضاء عليها، وهذا ما يجعل استهدافها يلقى قبولًا لدى العديد من المتطرفين في هذه المناطق، خلافًا للقوات الحكومية التي ينقسم البعض حول فكرة استهدافها، خاصةً أن تلك التنظيمات -تحديدًا «القاعدية» منها- صارت تتلاعب بمفهوم أولوية قتال العدو البعيد؛ حيث حوَّلته من استهداف المصالح الأمريكية إلى استهداف القوات الفرنسية والأممية.

وأشار التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في ديسمبر 2017، إلى أن هجمات المتطرفين ضد قوات حفظ السلام التابعة لها في مالي، إلى جانب القوات المالية والفرنسية، ازدادت خلال الأشهر الأخيرة؛ حيث شنَّت المجموعات الإرهابية -في تلك الفترة- 75 هجومًا، منها 44 ضد القوات المالية، و21 ضد بعثة الأمم المتحدة «مينوسما»، و10 هجمات ضد بعثة «بارخان» الفرنسية (*5).

قدرات نوعية:
تتميز المجموعات المسلحة التي تستهدف القوات الأممية في منطقة الساحل والصحراء، بالعمل على شكل مجموعات صغيرة، تستخدم الأسلحة الخفيفة، مثل: (البنادق، والمتفجرات، والألغام الخفيفة)؛ ما يجعلها قادرةً على تنفيذ عملياتها الإرهابية، ثم العودة سريعًا إلى معاقلها، خاصةً أن مقاتلي هذه المجموعات يجيدون التنقُّل بين الدروب الصحراوية بمهارة عالية، مقارنةً برجال الجيوش النظامية؛ ما يجعل من الصعب التنبُّؤ بهجماتهم وعملياتهم، فضلًا عن ملاحقاتهم؛ بسبب الفارق في السرعة والحركة، وهذا يشجعهم على استهداف القوات الدولية بشكل مستمر وبأقل تكلفة ممكنة (*6).

تُشير النقاط السابقة إلى أنَّ نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء للقوات الدولية، سيظل مستمرًّا خلال المرحلة المقبلة؛ ما يفرض على القوى الدولية والإقليمية وضع استراتيجية واضحة لمواجهة خطر الإرهاب في هذه المنطقة التي أصبحت تُهدِّد المنطقة بأكملها، ربما يكون هذا ما دفع كلًّا من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، إلى دعم قوة الساحل الجديدة؛ وذلك لتحقيق مجموعة من الأهداف المهمة، التي تتمحور حول القضاء على الإرهاب في المنطقة، لاسيما بعد انحسار «داعش» في العراق وسوريا، وهو ما يفرض ضرورة التعرض لإبعاد مساهمة كلتا الدولتين في القوة الجديدة، لاسيما في ظلِّ دورهما البارز في مكافحة الإرهاب.
ثانيًا: أبعاد الدعم «السعودي- الإماراتي» لقوة الساحل:
أصبح تصاعُد نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، يُمثِّل تهديدًا للمنطقة كلها، وهو ما يُفسِّر مشاركة كلٍّ من الإمارات والسعودية في دعم القوة الجديدة؛ حيث إن الدولتين تدركان جيدًا أن تشابُك التنظيمات الإرهابية وتداخلها، وشبكة العلاقات القوية فيما بينها، أصبح يُمثِّل خطرًا يُهدِّد جميع دول المنطقة حتى لو كانت بعيدةً عنها جغرافيًّا؛ ومن ثم فإن دعم هذه القوة يُعَدُّ بمثابة حرب وقائية؛ نظرًا لأن الدولتين تعلمان أنهما في دائرة عداء هذه التنظيمات؛ بسبب دورهما الفاعل في مكافحة التطرف والإرهاب عسكريًّا وفكريًّا وماديًّا، وهو ما يُمكن أن يجعل مصالحهم الاقتصادية والعسكرية في مرمى نيران تلك التنظيمات.

ومن ناحية أخرى فإن تلك المشاركة، تكشف إدراك أبوظبي والرياض أهمية الوجود في تلك المنطقة، ليس للحد من خطر الإرهاب فحسب؛ إنما لموازنة الوجود القطري فيها أيضًا، في ظل العلاقة التي تربط بين الدوحة والتنظيمات الإرهابية، خاصةً المجموعات القاعدية من خلال ما يُسمَّى بالمساعدات الإنسانية، وهذا ما جعلها تتعرَّض من قبل لاتهامات فرنسية، بالتورط في تمويل التنظيمات الإرهابية في شمال مالي، عام 2012، تحت غطاء المساعدات الإنسانية التي تُقدِّمها جمعية الهلال الأحمر القطري في ذلك البلد (*7).

ظهرت قوة علاقة قطر بالتنظيمات الإرهابية -بشكل واضح- عقب أزمة المقاطعة مع الدول الداعية لوقف تمويل الدوحة للإرهاب؛ من خلال مهاجمة رموزه للمقاطعة، مثل «عبدالحكيم بلحاج»، القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة -إحدى أذرع «القاعدة» في ليبيا- الذي اعتبر المقاطعة حصارًا جائرًا وعدوانًا على من سمَّاهم بـ«المخلصينَ لأمتهم وقضاياها»، وذلك من خلال حوار له في مجلة «المسرى» القاعدية، في عددها الصادر في 6 يونيو 2017 (*8)، ومن ثم فإن وجود «الرياض» و«أبوظبي» في هذه القوة يُمكن أن يحدَّ من النفوذ القطري في هذه المنطقة، ويوقف دعمها التنظيمات الإرهابية (*9).

كما أن تفعيل دور قوة الساحل يصب في صالح التحالف الإسلامي، المُشكَّل من 41 دولة عربية وإسلامية، والذي تقوده المملكة العربية السعودية؛ حيث إن أحد أهداف التحالف هو القضاء على التنظيمات الإرهابية في شمال وغرب أفريقيا، كما أنه يُقوِّي علاقة كلٍّ من «أبوظبي» و«الرياض» مع دول الساحل الخمس، إلى جانب المغرب التي أبدتِ استعدادها لدعم تلك القوة في مجال التدريب (*10)، وهذا ما يُوجِد نفوذًا لكلٍّ منهما في هذه المنطقة، إضافةً إلى كون المشاركة تُسهِم في قطع الطريق على الذين يحاولون تشويه صورة المملكة العربية السعودية أمام العالم الغربي، من خلال اتهامها بأنها مصدر للتشدد والتطرف؛ ومن ثم يهدف التحرُّك «السعودي- الإماراتي» إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، يُمكن تحديد أبرزها في الآتي:

تحجيم الإرهاب:
أصبح النفوذ المتصاعد لتنظيم القاعدة -بمجموعاته المختلفة وتحالفاته المتعددة في منطقة الساحل والصحراء- يُمثِّل هاجسًا لكلٍّ من دول المنطقة بما فيها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ليس لتهديده لمصالحهما الاقتصادية فحسب؛ وإنما لما يُمكن أن يُطلَق عليه «التواصل القاعدي»؛ حيث إن فروع القاعدة تُعَدُّ امتدادًا لبعضها البعض؛ ما يعني أن تصاعُد قوة أحدها هو دعم للفروع الأخرى، سواء كان ماديًّا أو معنويًّا.

وفي ظل وجود تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ فإنه يُمثِّل خطرًا على كل دول الخليج؛ نظرًا لأنه يُمكِن أن يقوم بشنِّ العديد من الهجمات ضدها، من باب مناصرة الفروع الأخرى، أو من باب محاولة تقليدها؛ هذا ما تُشير إليه تصريحات، خالد باطريفي، القيادي في تنظيم القاعدة في اليمن بعنوان «سقط القناع»، ونشره التنظيم في يونيو 2017، والذي هاجم فيه كلًّا من السعودية والإمارات ومصر، ودعا خلاله -مَنْ وصفهم بالعلماء، والدعاة، وطلاب العلم، ومختلف فصائل الحركات والجماعات الإسلامية- إلى ما سمَّاه «الانتصار والتحريض على الجهاد، ولا سبيل إلى الوطنية» (*11).

ومن ثم فإن تصاعُد نشاط القاعدة في الساحل والصحراء، يُمكن أن يدفع تنظيم القاعدة إلى ممارسة نشاطه خارج اليمن من جديد؛ من أجل محاكاة شقيقه في منطقة الساحل والصحراء، لاسيما في ظل المشاركة الفاعلة لكلتا الدولتين في مواجهة القاعدة في اليمن؛ من خلال التحالف العربي الذي يسعى للقضاء على التنظيم، ولذا فإن القضاء على نفوذ «القاعدة» في منطقة الساحل، يُمكِن أن يُسهِم بشكل غير مباشر في الحفاظ على أمن دول الخليج، من مخاطر الإرهاب القاعدي في المستقبل.

حماية المصالح الاقتصادية:
يُعَدُّ استهداف المصالح الاقتصادية من أهم آليات التنظيمات الإرهابية في توجيه الضربات للدول التي تُعادِيها؛ كون تلك المصالح تُمثِّل هدفًا رخوًا يُمكِن الوصول إليه بسهولة، فضلًا عمَّا يُسبِّبه للدول المستهدفة من خسائر ضخمة، وفي ظل وجود استثمارات سعودية وإماراتية كبيرة في الساحل والصحراء (*12)؛ فإنها يُمكن أن تكون هدفًا للتنظيمات الإرهابية، خاصةً أن هناك قوى مثل قطر، تتمتع بعلاقة جيدة مع تلك المجموعات، وهو ما يُمكن أن يمنحها فرصة التحريض على القيام بذلك، لاسيما أنها دعَّمت هذه المجموعات لفترة من الزمن، ومن ثم فإن دعم الدولتين للقوة الجديدة يُسهِم في إعادة الأمن والاستقرار لتلك المنطقة، وهو ما يُمثِّل في حدِّ ذاته حماية لمصالحهما الاقتصادية من خطر الإرهاب.

مَنْع «العدوى الجهادية»: تتسم دول الخليج -بشكل عام- بوجود سلفي واضح، ورغم أنه يغلب عليه الطابع التقليدي، القائم على نبذ العنف، وطاعة ولي الأمر وتحريم الخروج عليه، وعدم المشاركة في السياسة؛ فإن التحوُّلات التي شهدها التيار السلفي أخيرًا في المنطقة، يبدو أنها أثارت مخاوف «الرياض» و«أبوظبي»، ليس فقط لأنَّ المجموعات السلفية في منطقة الساحل والصحراء صارت البوابة الخلفية للتنظيمات الإرهابية؛ وإنما لأنَّ التحولات طالت السلفية المدخلية -إحدى أذرع السلفية التقليدية- في ليبيا بعد أن صارت تحمل السلاح وتشارك في العمليات العسكرية، إلى جانب المشير «خليفة حفتر»، وتلعب دورًا في الحياة السياسية (*13)، حتى أصبحت أقرب إلى المجموعات الجهادية منها إلى السلفية، وهو ما يمكن أن يدفع بعض المجموعات السلفية في مناطق أخرى لمحاكاتها؛ ما يُمكِن أن يُطلَق عليه «العدوى الجهادية»، ومن ثم فإن تحجيم نفوذ الإرهاب في هذه المنطقة غالبًا ما سيوقف التحوُّلات داخل التيارات السلفية لفترة من الزمن، وهو ما سيضمن وجود حالة من الثبات الفكري للتيار السلفي.

ومن ثم فإن اهتمام كلٍّ من السعودية والإمارات بأمن منطقة الساحل والصحراء، ينبع -بشكل أساسي- من إدراكهما بأن استتباب الأمن في هذه المنطقة يُمثِّل حمايةً لمصالحهما الاقتصادية والأمنية، لاسيما في ظلِّ حالة السيولة التي أصبح يتَّسم بها الإرهاب خلال السنوات الأخيرة، وأن حمايتهما من خطر الإرهاب يجب ألا يقف عند حدودهما الداخلية، إنما يبدأ عَبْرَ مواجهته خارجيًّا، من خلال خطوات استباقية، وتعاون قوي مع الدول التي تلعب دورًا فاعلًا في مواجهة الإرهاب؛ لكن يبدو أن مسألة القضاء على الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء من خلال تشكيل القوة الجديدة لن يكون سهلًا، في ظل وجود العديد من التحديَّات التي سوف تُواجِه هذه القوة، وهو ما يُمكِن أن يُمثِّل عائقًا كبيرًا أمام القضاء على التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.
ثالثًا: أبرز التحديات التي تواجه قوة الساحل:
رغم الدعم الكبير الذي تلقَاه قوة دول الساحل لمكافحة الإرهاب من العديد من القوى الدولية والإقليمية؛ كونها ستُمَثِّل رأس الحربة في مواجهة الإرهاب المنتشر في هذه المنطقة؛ بسبب تعدُّد المجموعات والتنظيمات الإرهابية، فضلًا عن عصابات الجريمة المنظمة، فإن هناك مجموعة من التحديات تُواجِه تلك القوة، يُمكِن تحديد أبرزها في الآتي:

تصاعد نفوذ القاعدة: يتمتع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بنفوذ قوي في منطقة الساحل والصحراء؛ نظرًا للانتشار الجغرافي الواسع في المنطقة؛ حيث يمتد نشاطه إلى تونس وجنوب الجزائر وليبيا، إلى جانب مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو؛ وذلك نظرًا لتعدُّد فروعه ومجموعاته، بداية من مجموعات «إمارة الصحراء، والتوحيد، والجهاد، والموقعون بالدماء»، ومرورًا بكتيبة «عقبة بن نافع» التونسية، وانتهاءً بمجموعاته المختلفة والمتنوِّعة في ليبيا، مثل: «ثوار بن غازي، وأنصار الشريعة»، فضلًا عن تعاونه وتحالفه مع عدد من المجموعات الإرهابية القريبة منه فكريًّا، مثل: «أنصار الدين»، و«جبهة تحرير ماسينا»؛ ما أدَّى إلى أن تصبح المنطقة أشبه بساحة نفوذ حيوي له، لاسيما في ظل حرصه -أخيرًا- على ترسيخ وجوده فيها، وهو ما يُشير إلى مدى صعوبة محاصرة التنظيم عسكريًّا وفكريًّا، والحاجة إلى نمط جديد لمواجهته في تلك المناطق الشاسعة (*14).

الإرهاب العرقي:
لا يقتصر الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء على نشاط التنظيمات القاعدية، والمجموعات الداعشية كمجموعة «أبوالوليد الصحراوي»، التي انشقَّت عن تنظيم القاعدة وبايعت «داعش» في مايو 2015، واختفت لفترة ثم عادت مجددًا لتمارس نشاطها؛ حيث تضمُّ هذه المنطقة عددًا من التنظيمات الإرهابية العرقية والقبلية، وهو ما يُمكِن أن يُطلق عليها الإرهاب العرقي أو القبلي، المتمثِّل في المجموعات المسلحة التي تتكون -بشكل أساسي- من أبناء عرقية معينة، وتسعى إلى تحقيق أهداف عرقية بحتة، وتُمارس العنف والإرهاب؛ لتحقيق تلك الأهداف، لكن تحت شعارات ومسميات جهادية ودينية، على غرار «جبهة تحرير ماسينا»، وجماعة «أنصار الإسلام» في بوركينافاسو؛ حيث يُعبِّر كلٌّ منها عن عرقية «الفولاني».

ويهدفان إلى إعادة امبراطوريته من جديد؛ لكن عَبْرَ رفع شعارات دينية وجهادية، مثل: ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وإعادة الخلافة، وهناك -أيضًا- حركة «أنصار الدين» في شمال مالي، والتي تُمثِّل قبيلة الطوارق، وترفع شعار المطالبة بحقوقهم، وهذا التنوع التنظيمي من المؤكد أنه سيمثِّل تحدِّيًا كبيرًا أمام القوة الجديدة؛ كون هذه التنظيمات تتلقَّى دعمًا وتأييدًا كبيرين من عرقيتهما؛ ما يُشير إلى أن محاولة القضاء على مثل تلك التنظيمات، يَعني مباشرة الصدام مع العرقية، وهو أمر يمكن أن يحمل تداعيات خطيرة في المواجهة (*15).

التحالفات غير التقليدية:
تشهد تلك المنطقة شبكة تحالفات قاعدية معقدة؛ حيث لم تقتصر على التحالف مع بعض مجموعات التنظيمات الإرهابية، وإنما امتدَّت للتحالف مع عصابات الجريمة المنظمة؛ من أجل توفير موارد مالية ضخمة، من خلال العمل في مجال تهريب البشر (الهجرة غير الشرعية) التي قُدِّرت عائداتها السنوية بمليار دولار أمريكي (*16) يستولي تنظيم القاعدة على ما يَقْرُب من 50-70% منها (*17)، إضافةً إلى تهريب المخدرات والبضائع المختلفة؛ حتى إن «مختار بلمختار» أحد أهم قادة «القاعدة» في منطقة الساحل والصحراء، وزعيم كتيبة «المرابطون»، كان يُطلَق عليه «مستر مارلبورو»؛ نظرًا لشهرته الواسعة في مجال تهريب الأدخنة؛ ومن ثم فإن مواجهة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، تعني الدخول في صراع مع تلك العصابات المتحالفة مع التنظيمات الإرهابية (*18).

تعدُّد التنظيمات الإرهابية:
تشهد منطقة الساحل والصحراء حالة غير مسبوقة من تعدُّد التنظيمات الإرهابية؛ ما سمح لها بالتمدُّد والانتشار بشكل كبير، خاصة في ظل التعاون والتحالف فيما بينها، والتي كان آخرها التحالف الذي جمع كلًّا من «إمارة منطقة الصحراء الكبرى» و«تنظيم المرابطون»، و«جماعة أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا»، في مطلع مارس 2017، تحت مُسمَّى «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، واختيار «إياد أغ غالي»، زعيم «جماعة أنصار الدين»، قائدًا لها؛ ما سمح لتلك المجموعات بتبادل الدعم والخبرات؛ الأمر الذي يُمكِّنها من شنِّ هجمات إرهابية بشكل شبه مستمر، وفي نطاق جغرافي واسع؛ ما سيخلق صعوبةً بالغةً في محاصرتها، ومن ثَمَّ القضاء عليها، وتحجيم خطرها (*19).

الهشاشة الحدودية:
تُشكِّل الطبيعة الجغرافية في منطقة الساحل والصحراء حالة من الهشاشة الحدودية بين دولها، خاصة في ظل ضعف جيوش تلك المنطقة؛ فالحدود بين شمال مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا تمتد لآلاف الكيلومترات (*20)؛ ما يجعل من الصعوبة بمكان سيطرة الجيوش عليها، وهذا ما تستغله التنظيمات الإرهابية في التنقُّل بينها؛ من أجل ممارسة الإرهاب أو التهريب، معتمدة على خبرة رجالها في التنقُّل بين الصحاري ومعرفتهم لطبوغرافية الأرض، وقدرتهم على تحمُّل الظروف المناخية الصعبة في تلك المناطق؛ ومن ثم فإن الحدود الهشة يُمكِن أن تُمثِّل تحديًا كبيرًا في القضاء على تلك التنظيمات.

التحالف مع القبائل:
شبكة التحالفات التي عقدتها التنظيمات القاعدية، مع بعض المجموعات القبلية والعرقية في المنطقة، سواء المنتمية إلى قبائل الطوارق، أو لعرقية الفولاني، لعبت دورًا في تزايد قوة هذه التنظيمات وتصعيد هجماتها الإرهابية (*21)، من خلال الدعم والمعلومات، فضلًا عن إيواء المجموعات التي تقوم بشنِّ الهجمات؛ ما يُسهِّل على تلك المجموعات استهداف القوات الأممية، مثل الهجوم الذي شنَّته «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» ضد القوات الفرنسية، شمال مالي فى 30 من مايو 2017، والذي لعبت فيه المعلومات -التي قدَّمها بعض أبناء الطوارق- دورًا مهمًّا في تنفيذ العملية.

مواجهة الفكر القاعدي:
من المعروف أن «القاعدة» تنشر فكرها على نطاق واسع في منطقة الساحل والصحراء؛ نظرًا لأن انتشار هذا الفكر يُوفِّر لها موارد بشرية متجددة، في وقت تحتاج فيه هذه المجموعات القاعدية إلى أعداد غفيرة من الشباب، تتناسب مع تمدُّدها وانتشارها المُطَّرد خلال الأعوام الأخيرة؛ ما جعل «القاعدة» تصل بفكرها إلى «بوركينافاسو»، التي ظهر فيها أحد التنظيمات التي تعتنق الفكر القاعدي، وهي جماعة «أنصار الإسلام»، التي شنَّت بعض العمليات الإرهابية كان من أشهرها، الهجوم على بعض مواقع الشرطة في مارس 2017؛ الأمر الذي سيفرض على دول المنطقة وجود مواجهة فكرية إلى جانب المواجهة العسكرية (*22).

خلاصة
أخيرًا، يُمكِن القول: إن نجاح القوة الجديدة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، في القضاء على التنظيمات الإرهابية بهذه المنطقة، سيتوقَّف -بشكل كبير- على مدى قدرتها في التغلب على التحديات التي ستواجهها، خاصةً أنها تُعَدُّ المنطقة الأكثر نفوذًا للتنظيمات الإرهابية بعد العراق وسوريا، كما أنها ستُمثِّل وجهة العائدين خلال المرحلة المقبلة؛ الأمر الذي يفرض على كل القُوَى الدولية والإقليمية دعم تلك القوة؛ من أجل مواجهة هذه التحديات، على أن تكون هناك حرب موازية للحرب العسكرية على الإرهاب، وهي الحرب الفكرية، عَبْرَ مواجهة فكر تلك التنظيمات بطريقة فاعلة؛ حتى تكون المواجهة شاملة، ويتم اقتلاع الإرهاب من جذوره.

المراجع:
(1) مَن «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» بغرب أفريقيا؟
goo.gl2TorvT
(2) مقتل 30 مسلحًا في اشتباك في مالي.
goo.glJ7ba6b
(3) «داعش» يتبنَّى هجمات استهدفت قوات أمريكية وفرنسية في النيجر ومالي
goo.glQwwEFd
(4) الصحراوي يتبنَّى استهداف «كوماندوز» أمريكي في النيجر.
goo.glBkVuhx
(5) التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في ديسمبر 2017.
goo.glhjq4mP
(6) موالون لـ«داعش» يتبنّون الهجوم على قوات أمريكية في النيجر.
goo.glD6sT8u
(7) ماذا يريد أمير قطر من دول غرب أفريقيا؟
goo.glauHLvC
(8) الخطاب الديني في قطر: السلفية في خدمة الإسلام السياسي.
goo.gl4tWVSS
(9) إعلام «القاعدة» يدعم قطر.
goo.gl4ktYvi
(10) لماذا التحرُّك السعودي- الإماراتي لتفعيل قوة الساحل الأفريقي؟
goo.glwc3ghF
(11) «القاعدة» تندد بمقاطعة قطر وتقف مع الإخوان.
goo.glQM7JkP
(12) الإمارات ثاني أكبر مستثمر شرق أوسطي في أفريقيا بـ11 مليار دولار.
goo.gliUqYXX
(13) حفتر والسلفية اللعبة الخطرة.
goo.gljCbfgx
(14 ) آليات مختلفة: تحوُّلات في نشاط تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
goo.glqjDuXa
(15) دوافع متعددة: لماذا لا تنضم بعض المجموعات الإرهابية لتنظيم «القاعدة»؟
goo.glar8x7i
(16) وزير الخارجية الجزائري: أكثر من مليار دولار عائدات سنوية للجماعات الإرهابية في أفريقيا.
goo.gl8vSsEd
(17) غرب أفريقيا.. معبر المخدرات والإرهاب.
goo.glhTx4GH
(18) تحالف جديد: أسباب تأسيس «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» بغرب أفريقيا.
goo.glU5yzz9
(19) جيش جديد لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء.
goo.glTKyNYe
(20) منطقة الساحل والصحراء جذور التطرُّف ومفاعيل الأزمة.
goo.glKrxoUL
(21) أبعاد التحولات في فروع «القاعدة» بالساحل والصحراء.
goo.glwnYpBj
(22) اندماج التنظيمات المسلحة في مالي وظهور تنظيم جديد في بوركينا.
goo.glD7FGGm