بوابة الحركات الاسلامية : هل تصطدم حكومة الإخوان مع الميليشيات المسلحة بطرابلس؟ (طباعة)
هل تصطدم حكومة الإخوان مع الميليشيات المسلحة بطرابلس؟
آخر تحديث: الخميس 09/08/2018 10:43 ص عبدالهادي ربيع
هل تصطدم حكومة الإخوان
يسعى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية (الموالية للإسلاميين بطرابلس)، فايز السراج، إلى زحزحة الميليشيات المسلحة من المشهد السياسي في طرابلس، حيث أصدر مساء الأمس الثلاثاء أمرًا باعتقال اثنين من أبرز أمراء الحرب الموالين له، وهما: هيثم التاجوري، وغنيوة الككلي، في محاولة لنقل السلاح من كتف إلى كتف، ومغازلة عدة أطراف، والمحافظة على ما بقي من ماء وجهه السياسي، بعد سيطرة هذه الميليشيات شبه الكاملة على العاصمة، التي أصبحت ساحة للاغتيال والخطف وغير ذلك من الجرائم الإرهابية.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها «السراج»، إلى القبض على الرجلين (حتى لو كان هذا الأمر شكليًا)، خاصة في ظل السعي الحثيث من الحليف الأكبر إيطاليا التي كانت أمهلت «التاجوري» و«الككلي» حتى آخر يوليو الماضي لتسليم أنفسهما، وذلك لوقوفهما في طريق مصالحها المتوافقة مع ترسيخ قدم حكومة الوفاق التي بدأت بالارتعاش خاصة مع ما شهدته العاصمة في الأسابيع الأخيرة.

وأطلق الليبيون على يوليو الماضي، «شهر الاغتيالات والخطف» في طرابلس، نتيجة للأوضاع اللاإنسانية التي تعيشها المدينة من انعدام الاستقرار، الذي مس المجلس الرئاسي نفسه، والتي كان آخرها اغتيال السائق الخاص لـ«السراج»، صالح إطبيقية، داخل مركبته الخاصة السبت 4 من أغسطس الماضي، بمنطقة «قرجي» بالعاصمة الليبية، إضافة إلى اختطاف مسلحين مجهولين عباس القاضي، رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بحكومة الوفاق، في حين تقول مواقع وصحف مقربة من «الوفاق» نقلًا عن مصادر وصفتها بالأمنية، إن «القاضي» تم إيقافه ولم تخطفه الميليشيات، وحتى الآن لم يصدر بيان رسمي واحد عن المؤسسات الأمنية بحق اختفاء مسؤول بهذا الحجم.

أوضاع الميليشيات

تنص المادة 29 من المسودات الثالثة والرابعة والخامسة الأخيرة، من اتفاق الصخيرات (القانون الأساس الذي تستند إليه الوفاق في شرعيتها)، على حل ودمج وإعادة تأهيل منتسبي من سمتهم بالتشكيلات المسلحة (الميليشيات) في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وهو ما أكسب هذه الميليشيات السند القانوني الذي يبيح ما توصلت إليه من السيطرة شبه الكاملة على حكومة الوفاق وطرابلس العاصمة.

ونتيجة لما سبق فقد تولى كثير من قادة الميليشيات مناصب قيادية، مثل خالد الشريف، وكيل وزارة الدفاع السابق في حكومة الإنقاذ الوطني، الذي يتولى إدارة سجن الهضبة، وعبدالرؤوف كاره، المعروف بـ«الشيخ الملازم»، قائد مجموعة «قوة الردع» والتي تتخذ من قاعدة «معيتيقة» العسكرية مقرًّا لها، وقد وفر مقرًا مؤقتًا للمجلس الرئاسي لـ«الوفاق» ليتم دمجه في وزارة الداخلية، وعبدالغني الككلي، المعروف بـ«غنيوة»، الذي يتبع الآن جهاز الأمن المركزي لـ«الوفاق»، وهيثم التاجوري الذي يتبع الإدارة نفسها.

وبطبيعة الحال لم يقنع أمراء الحرب بما وصلوا إليه، وحدثت اشتباكات وحروب داخلية ليصبح إخوان الأمس أعداء اليوم، في ظل سياسة الرفض والثورة التي يؤمن بها قادة الميليشيات، والتي كان آخرها الصراع الداخلي بين ميليشيات «غنيوة الككلي» والذي وقع في 7 من يوليو 2018 مع عناصر «ميليشيات بوعزة» التي يقودها نائب غنيوة السابق الإرهابي في الجماعة المقاتلة «محمد بوعزة المشاي»، إثر أنباء بمحاولته الانقلاب على قائده «غنيوة».


دوافع انقلاب السراج على الميليشيات

دفعت الممارسات اللاإنسانية للميليشيات خاصة في سجن الهضبة المجلس الرئاسي للانقلاب (ولو كان شكليًا) عليها، خاصة في ظل الفضائح التي تلاحق حكومة الوفاق من عدة جهات مثل قضايا الفساد في البنك المركزي وتورطه في دعم ميليشيات إبراهيم الجضران، في هجومها على الهلال النفطي، وعدة صفقات مشبوهة مثل صفقة التبن، وقضية الأوضاع الإنسانية في سجن الهضبة، ما أظهر فشل الوفاق في الاعتماد على هذه الميليشيات لتحقيق مصالحها.

وكانت الميليشيات أول من تجرأ ومبكرًا على «السراج» نفسه، إذ قام «التاجوري» في 25 من مايو الماضي باقتحام منزل السراج وهدده بالسلاح، إثر خلاف كبير وقع بينهما بشأن توزيع الأدوار والسلطات والصلاحيات.

كما أن «السراج»، يسعى إلى محاولة تهدئة الوضع الداخلي ولملمة ما يمكن إنقاذه قبل الانتخابات الليبية الموسعة التي من المخطط أن تشهدها البلاد نهاية هذا العام وفق مخرجات مؤتمر باريس الذي انعقد في أبريل الماضي، خاصة مع الخسائر المتلاحقة التي مُني بها «الوفاق»، في أعقاب الهجوم الغاشم على الهلال النفطي، وتهديد المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، بنقل تبعية المؤسسات النفطية للحكومة المؤقتة في الشرق بسبب ثبوت دعم الوفاق للإرهابيين من عائدات النفط.

أما السبب الثالث فإن «السراج»، يخشى حقيقة من الاصطدام المباشر مع التيار السلفي المدخلي، الذي أولًا يساند المشير خليفة حفتر، في عامة أرجاء ليبيا كما يوجد نحو 29 ألف جندي ومتطوع من هذا التيار في طرابلس، وهم في انتظار أوامر الجيش الوطني للانقلاب على هذه الميليشيات، وحكومة الوفاق بشكل خاص، وذلك نتيجة لأمرين:

الأمر الأول: تورط الميليشيات في خطف أحد أشهر الدعاة السلفيين المداخلة في طرابلس، وهو الدكتور فارس الفطيسي، والذي اختطف من قبل ميليشيا بشير البقرة، وهو نفسه الذي اختطف في وقت سابق شقيق الدكتور فارس (ضابط في القوات الخاصة بالجيش الوطني الليبي، وكان يعمل تحت إمرة اللواء ونيس بوخمادة)، وهو ما يعجل بالغضب السلفي المدخلي من جهة، والجيش الوطني ومؤيديه من جهة أخرى.

أما الأمر الثاني؛ فإن اتفاق الصخيرات ينص في الفقرة الرابعة من المادة الأولى على أن مدة ولاية حكومة الوفاق عام واحد، تجدد لعام آخر على الأكثر، في حالة عدم اعتماد الدستور في العام الأول، ما يعني انتهاء شرعيتها القانونية التي بدأت في مستهل عام 2016.

سيناريوهان

يحاول «السراج»، للأسباب السابقة وغيرها الثورة على الميليشيات التي تسيطر على طرابلس قبل أن تأكله أو أن يتم القضاء عليهما معا، وقد يلجأ من أجل ذلك لتقليم أظافرهم ولو شكليا، ولكن هذا السيناريو يضعف في ظل القوة الضارية التي وصلت لها عناصر الميليشيات، خاصة في ظل سيطرتهم شبه الكاملة على مفاصل الدولة؛ حتى إن إحدى هذه الميليشيات وفرت مقرًا مؤقتا لاجتماع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في ظل ضعفها السياسي وكذلك الأمني؛ إذ اعتمدت بالأساس على هذه الميليشيات في بناء مؤسساتها الأمنية.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في أن المجلس الرئاسي لن يتجرأ على مطاردة قادة الميليشيات، وأنه إنما أصدر أمر التوقيف لإرضاء بعض الأطراف الغاضبة من ممارسات هذه الميليشيات، ولن يتخذ خطوة فعلية في توقيفهم، لأنه سيكون أمام معضلة غاية في التعقيد تتمثل في: من يلقي القبض على هؤلاء؟ ومن يحل محلهم؟ خاصة أن الأجهزة الأمنية تقوم عليهم في الأساس، وأن «السراج» لو كان يستطيع اتخاذ موقف فعلي ضدهم، لسارع باتخاذه يوم حوصر واقتحم منزله من أمير حرب، هو هيثم التاجوري، الذي يعمل ضابطًا في وزارة داخليته، كما أن حكومة الوفاق ستخسر بذلك حليفًا قويًا قد يصعب تعويضه في هذه الظروف الصعبة والوقت الحرج.