بوابة الحركات الاسلامية : ألفاظ دارجة تحافظ على «الإرث الصوفي» للمصريين (طباعة)
ألفاظ دارجة تحافظ على «الإرث الصوفي» للمصريين
آخر تحديث: الجمعة 10/08/2018 09:44 ص سارة رشاد
ألفاظ دارجة تحافظ
للمصريين وجهٌ صوفيٌ، ربما تبدد قليلًا أو انحصر أو أرهقته ظروف الحياة، وهذا الوجه الذي يبدو أنه مفقود إلى حد ما، مازال حاضرًا ببصمته في سلوكياتهم وحتى ألفاظهم العامية.

ومن ضمن هذه الألفاظ مصطلح «الولية»، وهو لفظ دارج في العامية المصرية جرت العادة على استخدامه للتقليل من شأن المرأة. 

و«الولية» في الأصل مصطلح صوفي يقصد به تأنيث لفظ «ولي»، أي صاحب الشورى والكرامات، ويحمل التأنيث دلالة على المساواة بين الرجل والمرأة في التصوف، فكما له شورى لها شورى، وكما له كمال لها مثله، حتى أن المتصوف الشهير محيى الدين بن عربي (1165: 1240م)، رأى في حبها أثرًا للحب الإلهي، فليست هي العورة التي يراها السلفية ولا الكائن الناقص بل كاملة لها الولاية والبركات.

وهناك مصطلح آخر، وهو «يا خراشي» يرصد حالة تصوف شعبي أصيل في المجتمع المصري، وتعود قصة اللفظ لأكثر من 300 عام مضت، عندما عرف المصريون لأول مرة منصب شيخ الأزهر (المؤسسة الدينية الأولى في مصر)، وجاء في هذا المنصب عالم يُدعى أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن علي الخراشي (1601: 1690) كأول شيخ للأزهر، ولظروف خاصة بقيمة المنصب ومكانته اهتم الشيخ بحقوق الفقراء الذين اعتادوا الظلم حتى تحول الشيخ الخراشي، إلى أيقونة للدفاع عنهم يذكروه حتى في غيابه للاستعانة به فيقولون «يا خراشي».

وبالتدريج اكتسبت التركيبة، استمرارية حتى باتت أحد التراكيب اللغوية في العامية المصرية التي يتفوه بها الناس بعفوية حال حدوث مصيبة أو للتعبير عن الامتعاض، لكن الملفت أن المصطلح يتم ترديده في غيبة قصته فلا يعرف الناس من هو الشيخ الخراشي ولا لماذا يستعينون به في أزماتهم.

و«يا خراشي» هي في أصلها فهمٌ صوفيٌ، إذ يعتقد المتصوفة في المدد وطلب العون، فيقولون «مدد يا...»، أي نطلب العون والوساطة من هذا الشخص أوقات المحن، وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت للصوفية على خلفية هذا الفهم معتمدة على الحديث النبوي: «إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله»؛ إلا أن المصريين ما زالوا يرددونها للتعبير عن احتياجهم للعون بالرغم من الصعود السلفي (تيار متشدد) الذي شهده المجتمع خلال المائة عام الأخيرة وأثّر على تفكير قطاع كبير من المصريين.

والتصوف الشعبي لم يقف عند ذلك، إذ وصل إلى الأطفال الذين نشأ أغلبهم على أهزوجة يرددونها أوقات الحيرة والاختيار، فيقولون: «حادي بادي، كرنب زبادي، سيدي محمد البغدادي»، وتعني الأهزوجة الاستعانة بالشيخ البغدادي في الاختيار، وهو صميم الفهم الصوفي الذي يبيح الاستعانة بالأولياء والتبرك بهم.

بخلاف ذلك يسبق اسم البغدادي لقب سيدي، وهو لفظ صوفي يسبق به المتصوف أسماء شيوخهم كنوع من التقدير.

والشيخ محمد البغدادي هو شيخ الطريقة النقشبندية ( إحدى الطرق الصوفية الممتدة في المنطقة العربية)، وصل إلى مصر قادمًا من السلمانية، شمالي شرق العراق عام 1914، إلا إنه سمي بـ«البغدادي» لاختصار العراق في العقلية المصرية بالعاصمة بغداد.

وشنت مواقع سلفية لأكثر من مرة حملات تحذر مما اعتبروه «تنشئة الأطفال على الشرك بالله»، مطالبين بـ«تصحيح المفاهيم»، وفقًا لما ورد في الموقع الرسمي للشيخ السلفي السعودي محمد صالح المنجد في أحد مقالاته.

وعلى الرغم من كون هذه الألفاظ تشير إلى تصوف شعبي مازال حاضرًا في الشخصية المصرية، فإن غياب فهم هذه الألفاظ عن الذاكرة الشعبية ومعرفة سبب قولها، يشير إلى قصور صوفي في الحفاظ على حضوره واكتفائه بالتراث؛ فتصح بذلك عبارة إنهم «كثيرو العدد قليلو التأثير» في إشارة للحالة الصوفية المصرية وتضم 77 طريقة صوفية زُرعت في المجتمع المصري منذ قرون إلا أنها عاجزة عن الحفاظ على وجودها.