بوابة الحركات الاسلامية : «نصوص متوحشة».. من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية (طباعة)
«نصوص متوحشة».. من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية
آخر تحديث: الثلاثاء 14/08/2018 09:29 ص عبدالهادي ربيع
«نصوص متوحشة».. من
تعاني مختلف دول العالم من موجات الإرهاب العاصف، الذي تتبناه جماعات تبنى فكرها بشكل أساسي على قواعد التكفير، متعمدة تحريف النصوص الدينية الصحيحة، وإنزالها في غير موضعها، لتشرعن لنفسها إراقة الدماء، وممارسة أعمال القتل والإرهاب بدعوى الجهاد في سبيل حلم الخلافة المزعوم.

 منوفي هذا الإطار حاول العديد من الباحثين والمفكرين الوقوف على جذور الفكر المتطرف على مر التاريخ، فكان منهم من ألصق التهمة زورًا بنصوص الدين الإسلامي المقدسة، ومنهم من نسبها لنصوص كتبها رموز من رجال الدين يوصفون بالتشدد، وفي سبيل ذلك جاء كتاب الباحث البحريني علي أحمد الديري، الذي يحمل عنوان: «نصوص متوحشة.. التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية» .

و«الديري»، باحث وصحفي ومؤلف شيعي، ولد عام ١٩٧١ في البحرين، وحصل على بكالوريوس اللغة العربية، من جامعة البحرين عام 1993، ثم نال درجة الماجستير في «قوانين تفسير الخطاب»، من جامعة القديس يوسف عام 2007، وأخيرًا درجة الدكتوراه في «مجازات الخطاب الفلسفي والصوفي» من جامعة القاهرة عام 2010
 
وكتاب «الديري» (الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق)، يتكون من تمهيد ومدخل وثلاثة فصول، وفي كل فصل دراسة معمقة لتراث واحد من رموز التيارات المختلفة بين الصوفي والسلفي، ويتناول الفصل الأول شخصية أبو حامد الغزالي (المتوفى عام 1111م)، أما الفصل الثاني فيتناول محمد بن تومرت (المتوفى عام 1130م) مؤسس دولة الموحدين في المغرب العربي، ويركز الفصل الثالث على ابن تيمية ( المتوفى 1328م) أحد أعلام التيار السلفي، من خلال كتاباتهم «فضائح الباطنية» و«أعز ما يطلب» و«العقيدة الواسطية»

ويظهر بداية من خلال هذا التقسيم التحيز المبدئي لدى الكاتب الذي جعله يختار 3 من علماء المذهب السني متجاهلًا تحريضات مراجع الشيعة وكتاباتهم التي تبيح القتل والاضطهاد لمخالفيهم والذين تجسدت جلية على أرض الواقع في كثير من مواقع النزاع خاصة في السنوات الأخيرة.

ويرى الكاتب، أن الإيمان ممارسة وعمل وليس مجرد عقيدة، وكذلك التكفير ليس معتقدًا فحسب بل عبادة في خطاب التكفيريين تستدعي الممارسة الفعلية على أرض الواقع تحت مصطلح الجهاد، إلا أن الكاتب وقع في خطأ كبير حين وصف نصوص تراث الرموز الثلاثة الذين ذكرهم ودار حولهم الكتاب باعتبارها عقيدة دينية عند عامة المسلمين السنة، على الرغم من كون التيار الجهادي على سبيل المثال يرى أبو حامد الغزالي، مبتدعًا ومن غلاة التصوف، ولا يستدلون بأي من نصوص كتابته في شرعنة عملياتهم الإرهابية المسلحة، والتيار الصوفي الذي يعظم من شأن الغزالي من أبعد التيارات عن العمل الجهادي المسلح بل يقدمه عامة دول العالم كبديل في مواجهة التطرف، وكذلك «ابن تومرت» الذي لا يوجد له كتابات في الكتب المعاصرة، كما لا يكاد يكون له أتباع أو محبون معاصرون.

ويؤكد الكاتب، أن التكفير موضوع سياسي بشكل رئيسي، نظرًا للدوافع والخلفيات، معتبرًا أنه العدو الذي تصنعه الأحزاب الأيديولوجية أو الأحزاب الحاكمة في الدول الحديثة، لتحشد قواها الاجتماعية والسياسية ضده، وتحقق عبرها وحدة جبهتها الدينية.

ويستدل الكاتب على ذلك بالفتاوى التي يرى أنها أسست للتعاون أو الاستغلال بين رجال الدين والسياسة، والتي تسببت بشكل ما في ظهور تنظيم داعش وجبهة النصرة والجماعات الإسلامية المتطرفة.

ويُعلي الكاتب من أرثوذكسية السنة السلجوقية مستخدمًا مصطلح تفكيك الأرثوذكسية، في قراءته للتراث الإسلامي، باعتبارها كما يراها المتطرفون «الطريق المستقيم» التي تّدعي أنها وحدها تمثل الإسلام الصحيح، مشيرًا إلى أن تفكيك الأرثوذكسية يعني إعادة إنتاجها بعد تفكيك السياقات السياسية والتاريخية التي تقوم عليها.

ففي الفصل الأول من الكتاب الذي يتناول نصوص أبي حامد الغزالي، الواردة في كتاب (فظائع الباطنية وفضائل المستظهرية) يستدل الباحث بتكفير الغزالي للباطنية (الشيعة الإسماعيلية)، على تجذر فكرة العلاقة بين السياسة والتكفير، إذ اتهم الغزالي حسب قوله الفاطميين والإسماعيليين بالتحالف مع الصليبيين فقط لأنّهم لم يكونوا على مذهب الخليفة العباسي والسلاجقة الحاكمين باسمه.

وربط الكاتب بين فكر الغزالي، في تكفير الشيعة، وبين الأزمة بين السنة والشيعة والاقتتال على النفوذ والسياسة فيه، موضحًا أن الغزالي أصل لقاعدة شرعية جديدة ذكرها في الكتاب ونصها: «الصريح في القرآن لا يقبل التأويل، وتأويله يُعد تكذيبًا، ومن يكذب صريحًا في القرآن يعد كافرًا»، ليقع في تكفير الباطنية.

ويرى الباحث أن الجزء الثاني من كتاب الغزالي، والذي يحمل عنوان: «فضائل المستظهرية»، مأخوذ بالأساس من لقب الخليفة العباسي المستظهر بالله، مدعيا أن الغزالي أراد تركيز شرعية الخليفة العباسي كخليفة حق، وولي أمر مفترض الطاعة، مقابل الباطنية كأهل باطن خارجين على ولي الأمر والإسلام وإجماع الأمة.

أما «ابن تومرت»؛ فيرى الكاتب أنه أحد منتجي نصوص التوحش، وأنه استغل هذه النصوص لتدعيم وبلورة عقيدة صلبة تنظّم قوة قبيلته لبناء دولة قوية، فبلوّر أفكاره التي وردت عبر خطبه ورسائله ومناظراته في الكتاب الذي جمع فيما بعد وأطلق عليه «أعز ما يطلب»، والتي يرى الباحث أنها تشرعن قتل وسفك دماء كل من يختلف مع الدولة الموحدية التي أسسها (خاصة دولة المرابطين) .

وأغفل الكاتب أن فقهاء المسلمين في ذلك الوقت خاصة المالكية دخلوا في صراع مع المرابطين في صراع كبير واعتبروهم من الخوارج بعد استحلالهم للدماء، وخطابهم التكفيري لأهل السُنة.

أما الفصل الثالث ويعتبر الفصل الأهم في الكتاب الذي يتحدث فيه عن ابن تيمية، الذي كثيرًا ما أثير حوله الجدل، فيستعرض «الديري» نصوصًا من كتابات ابن تيمية، مدعيًا أنه حاول فرضها كعقيدة رسمية لدولة المماليك، التي دخلت في صراع على السلطة والسيطرة مع سقوط الخلافة العباسية بسقوط بغداد.

واستدل الكاتب، على الاستغلال السياسي لفتاوى ابن تيمية بانتشار دعواه خاصة عقب الانتصار الذي تحقق للمماليك على المغول المسلمين في حرب «إسلامية – إسلامية»، هي معركة «شقحب ».

ويتهم الكاتب ابن تيمية، بأن خطابه الديني يكون وفق محددات السياسة، بمعنى أن ما حددته السياسة أنه كفر فهو بالنسبة لابن تيمية كفر، مدعيًا أن خطاب من يتحدث باسم أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يخرج على خطاب السياسة ويجب عليه طاعة ولي الأمر وعدم جواز الخروج على الإمام.

ويرى الكاتب، أن أكثر فتوى لابن تيمية تم استغلالها في سبيل الحرب السياسية فتواه بتكفير المغول، وفتواه التاريخية الشهيرة بشرعنة تنفيذ مذبحة كسروان التي قام بها 50 ألف جندي من المماليك ضد الشيعة على يد سلطان الممالك الناصر بن قلاوون.

ويصف الكاتب نصوص ابن تيمية التكفيرية بالمضطربة قائلا: «قائمة ابن تيمية للتكفير تزيد وتتناقص لكنها تقوم بالأساس على كتاب (فضائح الباطنية) للغزالي، مع تطابقهما في الموقف الشرعي والسياسي من الإسماعيليين، على الرغم من التيار الديني المختلف الذي ينتمي إليه الرمزين».

ويبني الكاتب على ذلك فرضيته الرئيسية التي ينطلق منها في دراساته التي صاغها في هذه الجملة المختصرة: «الوحش يكمن في: أرثوذكسية السنة السلجوقية».