قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، في نوفمبر المقبل، تتجه الأنظار إلى البيت الأبيض، في ضوء تنامي دعوات عزل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على خلفية اتهام مدير حملته الانتخابية، ومحاميه الخاص في قضايا احتيال، وهو ما يشجع عدد من نواب الحزب الديمقراطي على سحب البساط من تحته، وتكرار فضيحة «ووترجيت»، وما ترتب عليه من عزل الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون، ويبقى التحدي الأكبر في كيفية احتفاظ الحزب الجمهوري الذي ينتمي له «ترامب» بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب؛ حيث سيؤدى ذلك إلى تقوية موقف الرئيس الأمريكي في مواجهة الحملات التي يتعرض لها داخليًّا وخارجيًّا، بينما فقدان هذه الأغلبية سيكون له تداعيات عديدة، حتى إذا لم يصل الأمر إلى عزل «ترامب».

◄ لماذا العزل؟

البعض يرى أن مواقف «ترامب» و«نيكسون» متشابهة، وأن هناك شبه احتيال فيما قام به الأول تجاه المجتمع الأمريكي، ما بين عدم قدرته على تعزيز اتهامات المخابرات الأمريكية بوجود دور روسي فى التأثير على الانتخابات الرئاسية السابقة، وكذلك دفع محاميه الخاص مئات الآلاف من الدولارات لشخصيات نسائية لشراء صمتهن عن العلاقات الجنسية، التي جمعتهن مع «ترامب» في السابق، حفاظًا على صورة الرئيس الأمريكي أمام مواطنيه، إلى جانب وجود مساهمات غير قانونية في الحملة الانتخابية لرئيس، تمت بعلمه.

ورغم مزاعم وتهديدات «ترامب» بأن الأسواق العالمية ستعاني في حال عزله من منصبه، فإن الخبراء يقللون دومًا من هذه التصريحات العاطفية، التي اعتاد عليها الرئيس الأمريكي، إضافة لمغازلته الناخبين داخل الولايات المتحدة واستعطاف المجتمع الدولي، الذي يعاني بالأساس من مشكلة انعدام الثقة في التزامات واشنطن تجاه القضايا الدولية، وهو ما يظهر في انسحاب أمريكا من اتفاقية المناخ، ومنظمة اليونسكو، وكذلك الاتفاق النووي مع إيران.

ومن متابعة الأخبار، التي تم تداولها خلال الفترة الأخيرة، سنعرف أن الرئيس الأمريكي وصل إلى هذا الوضع السيئ، بسبب محامييه، روي كوهين، ومايكل كوهين، اللذين وضعا «ترامب» في مشاكل كبيرة.

ولكن، هل يمكن عزل «ترامب» بهذه التهم فى وقت قريب؟، الإجابة كما يراها الخبراء، أن الأمر ليس بهذه السهولة، وربما بحاجة لوقت طويل قبل الفصل فيه، مع ضرورة توفر ضمانات وأمور كي يتمكن الكونجرس من تنفيذه، وربما يتم تأجيل الأمر حتى انتهاء الولاية الأولى لـ«ترامب»، ويترك الأمر لمزاج الناخب الأمريكي الذي سيتأثر بهذه الفضائح، ويحجم عن منحه الأصوات الكافية للوصول إلى ولاية ثانية. 

على صعيد آخر، يحشد الديمقراطيون قواهم للفوز بالأغلبية في الانتخابات المقبلة، والمضي قدما في عزل «ترامب»، خاصة وأن العزل يشترط موافقة ثلثي المجلس، وهذا يعني ضرورة توافق عدد من نواب الحزب الجمهوري مع مطالب الحزب الديمقراطي في عزل الرئيس، وهى خطوة صعبة الظهور على أرض الواقع، إلا لو حملت الأسابيع المقبلة إدانة واضحة من المحقق، روبرت مولر، تدين ترامب بشكل صريح.

وحسب ما كشفت عنه مؤخرا صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، حول منح الحصانة القضائية لـ «آلن وايسلبرج»، المدير المالي لمؤسسة ترامب، لتقديمه معلومات حول مايكل كوهين، المحامي السابق للرئيس الأمريكي، في تحقيق بشأن مبالغ دفعت لشراء سكوت امرأتين، كانت نجمتا بورنو، خلال الحملة الانتخابية عام 2016، حيث قام «وايسلبرج» بترتيب دفعة من مؤسسة ترامب إلى «كوهين»، الذي دفع 130 ألف دولار لنجمة الأفلام الإباحية، ستورمي دانيالز، مقابل سكوتها.

كما منح المدعون الفدراليون حصانة لاثنين من المدراء التنفيذيين لدى صحيفة «ناشونال انكوايرر» مقابل شهادتهما بشأن تورط «ترامب» في الدفعتين، إلى جانب الكشف عن احتمالية إدلاء ديفيد بيكر، المدير التنفيذي لـ«إنكوايرر» والصديق القديم لترامب، والمسؤول عن المحتوى في الصحيفة، ديلان هاورد، أدلة حول معرفة «ترامب» بالدفعات لـ«ستورمي دانيالز»، وعارضة في مجلة «بلاي بوي».

◄ تغيير البوصلة:

تتابع الأنظار تداعيات الشأن الداخلي في واشنطن، وتأثير ذلك على مختلف القضايا الدولية، وهو ما انعكس في توجيه «ترامب» البوصلة للخارج لتخفيف الضغوط التى يتعرض لها داخليا، وهو ما بدا فى تغير الموقف الأمريكي من الشأن السوري، والاستعداد للتفاوض مع موسكو بخصوص الخطوات القادمة، بعد أن كان التركيز، في الفترة الماضية، على ضرب نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، تحت مزاعم استخدام السلاح الكيماوي، أو الدعوة لتغيير «الأسد» قبل المشاركة في أي محادثات.

كذلك استجاب «ترامب» للضغوط التي تعرض لها مؤخرًا، التي وجهت إليه بعدم احترام ذكرى السيناتور الراحل جون ماكين، وهو أحد أعداء ترامب منذ الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري، فأمر، في بيان رسمي، بتنكيس العلم احترامًا لذكراه. وكانت صحف أمريكية قد كشفت عن منع «ترامب» مسؤولين البيت الأبيض من نشر بيان يشيد بالسيناتور المتوفى، جون ماكين، أو إنجازاته خلال حرب فيتنام، وخلال فترة سجنه، وما قدمه للولايات المتحدة من إنجازات.

◄ الموقف الإيراني والتركي:

تراجعت علاقة واشنطن بكل من أنقرة وطهران، منذ وصول «ترامب» للسلطة، وترتب على ذلك تعميق الخلافات بينهم، وهو ما بدأ بتراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي الإيراني، رغم رفض أوروبا الخروج المنفرد من طرف واشنطن، فيما تواصل طهران تعزيز نفوذها في سوريا واليمن، للحصول على مكاسب عديدة تمكنها من الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية مع الغرب، أملًا في تخفيف الضغط الأمريكي عليها، ووقف العقوبات المتصاعدة ضدها، ورغم أن الأشهر القليلة القادمة لا تبشر بحدوث انفراجة، إلا أن عزل «ترامب» وإبعاده عن المشهد السياسي سيكون لصالح إيران.

وبالنسبة للجانب التركي، فيراهن الأتراك على الغضب الإسلامي من قرار نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس، ومع الانهيار الحاد لليرة التركية على خلفية العقوبات الأمريكية، إلا أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يواصل خطاباته الشعبية ضد الولايات المتحدة. ورغم تراجع نفوذ «أردوغان» وعدم قدرته على مواجهة شطحات «ترامب»، إلا أنه يراهن على دعم القارة الأوروبية له، التي لا ترضي عن سياسات الرئيس الأمريكي من جانب، ولا تريد سقوط النظام التركي من جانب آخر، حفاظا على المصالح المشتركة بينهم.

◄ الموقف الروسي: 

يزيد غموض الموقف الروسي تجاه «ترامب» من علامات الاستفهام، خاصة وأن هذا الملف الشائك أحد أهم الأسلحة المستخدمة ضد الرئيس الأمريكي منذ وصوله للبيت الأبيض، ودائمًا ما تكشف الصحف الأمريكية عن علاقة الرئيس مع الروس، خاصة مع تساقط عدد من المسئولين الذين يهاجمون موسكو، ويقوم «ترامب» بإبعادهم.

ومؤخرًا، كشفت صحيفة «واشنطن بوست»، أن مايكل كوهين، أحد المستشارين المقربين لترامب، أرسل رسالة -عبر البريد الإلكتروني- إلى ديمتري بيسكوف طالبًا مساعدته في تسريع إجراءات مشروع برج ترامب المتوقف في موسكو، وكان «ترامب» حينئذ يخوض سباقا نحو المقعد الرئاسي الأمريكي، وردا على هذه الرسالة قال بيسكوف: «أستطيع تأكيد أن من بين الكثير من رسائل البريد الإلكتروني كانت هناك رسالة من السيد مايكل كوهين. هذا حدث بالفعل».

◄ إجراءات العزل:

آلان ليختمان، مؤلف كتاب "13 مفتاحا للبيت الأبيض"، الذي يتنبأ في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1981 بمن سيكون الرئيس الأمريكي المقبل، أصدر كتابًا جديدًا تحت عنوان «شروط العزل» (The case for Impeachment)، وفيه أشار إلى أن هذه العملية معقدة للغاية، وتعني أن رئيس الدولة ونائبه والمسؤولين المدنيين قد يعزلون من مناصبهم بسبب الخيانة العظمى، والفساد أو بسبب جرائم جدية وانتهاكات قانونية.

يشار إلى أنه جرت في تاريخ الولايات المتحدة محاولتان لعزل رئيس البلاد، كانت الأولى ضد الرئيس أندرو جونسون عام 1868، والثانية ضد بيل كلينتون، عام 1998، لكنهما باءتا بالفشل، وبقي الرئيسان في المنصب. وفي عام 1974، كان ريتشارد نيكسون قاب قوسين من عملية العزل، غير أنه قدم استقالته قبل إطلاقها، وبذلك أصبح أول رئيس أمريكي يستقيل من منصبه.

وحسب ما ورد في الكتاب، نوه المؤلف إلى أنه «يمكن اتهام ترامب بالخيانة العظمى، إذا ما ثبتت المزاعم بشأن طلبه شخصيا أو أحد أعضاء فريقه الانتخابي من روسيا التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة». وكذلك وجود تضارب مستمر للمصالح – وهذه مشكلة أخرى لترامب، مثل هذه الأمور قد تؤدي ليس فقط إلى فقدان ثقة المواطنين، بل وإلى اتهامه بشهادة الزور.

المراجع:

1. عزل ترامب: يكون أو لا يكون

https://arabic.rt.com/press/877330-%D8%B9%D8%B2%D9%84-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9/

2. الكرملين يقول تلقى رسالة من مستشار ترامب بشأن مشروع عقاري لكن تجاهلها، 

https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN1BA1PB

3. محامي الشيطان"... التاريخ الكامل لـ"فخ ترامب"

https://arabic.sputniknews.com/world/201808251034851510-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86/

4. فرص عزل ترامب تزداد.. وانهيار الأسواق العالمية آخر حلوله

http://alkhaleejonline.net/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%81%D8%B1%D8%B5-%D8%B9%D8%B2%D9%84-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%AA%D8%B2%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%87%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%AD%D9%84%D9%88%D9%84%D9%87

5. نيوزويك تكشف سيناريو ما بعد عزل دونالد ترامب

http://www.alalam.ir/news/1982172/%D9%86%D9%8A%D9%88%D8%B2%D9%88%D9%8A%D9%83-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%88-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B9%D8%B2%D9%84-%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8

6. خبير قانوني يرفض عزل ترامب: الرئيس يمارس صلاحياته حيال القضاء

https://arabic.cnn.com/world/2017/05/21/dershowitz-trump-impeachment