بوابة الحركات الاسلامية : لإلغاء «حق العودة».. «ترامب» يُصَفِّي القضية الفلسطينية ماليًّا (طباعة)
لإلغاء «حق العودة».. «ترامب» يُصَفِّي القضية الفلسطينية ماليًّا
آخر تحديث: الأحد 02/09/2018 08:52 ص محمد الدابولي
لإلغاء «حق العودة»..
تسعى إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، مؤخرًا إلى تمرير ما يُسمى بـ«صفقة القرن» التي من شأنها حلّ القضية الفلسطينية وفقًا للمنظور الأمريكي، إلا أن الصفقة باتت تلقى معارضة شديدة في العديد من الأوساط العربية، خاصة السلطة الفلسطينية، التي باتت ترى أن الصفقة بمثابة تضييع وتمييع للقضية.

وفيما يتعلق بإلغاء حق العودة الخاص باللاجئين الفلسطينيين، قال وزير الخارجية الفلسطيني «رياض المالكي»: إن الرئيس «محمود عباس أبومازن» سيلقي خطابًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 يعلن فيه رفضه التام لما يُسمى بـ«صفقة القرن».

إزاء التعنت الفلسطيني المتواصل للصفقة، أقدم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، على إيقاف التمويل المخصص لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، وذلك بعد مرور أشهر قليلة على تخفيض واشنطن دعمها للوكالة بمقدار 125 مليون دولار في يناير 2018، ومرور أيام على تخفيض المساعدات الأمريكية للسلطة الوطنية الفلسطينية بمقدار 200 مليون دولار. 

هيمنة أمريكية على اقتصاد فلسطين
خلال فترة ما بعد «أوسلو» نجحت واشنطن في التغلغل والهيمنة على مفاصل الاقتصاد الفلسطيني عبر المعونات والمساعدات التي تقدمها، سواء إلى السلطة الوطنية أو وكالة الأونروا، وبالتالي بات القرار السياسي الفلسطيني رهن تدفق أو توقف المساعدات الأمريكية.

فمثلًا، تقدم واشنطن نحو 350 مليون دولار كمساعدات لوكالة الأونروا التي يبلغ إجمالي ميزانيتها 1.2 مليار دولار، أي أن أمريكا تتحكم فعليًّا في ربع ميزانية الأونروا، وبالتالي أي تغيير في ميزانية الأونروا سيُسهم بشكل جاد في الحدِّ من مشروعات المنظمة الذاهبة لدعم اللاجئين الفلسطينيين.

إضافة إلى تمويل الأونروا، تُعد واشنطن من أبرز ممولي السلطة الوطنية الفلسطينية، بمقدار 400 مليون دولار، معظمها تذهب إلى خدمات الصحة والتعليم والمجتمع المدني ومشروعات البنية التحتية الفلسطينية. 

ضغوط سابقة
منذ تولي «ترامب» الإدارة الأمريكية، عمل على مواصلة الضغوط السياسية والمالية على الفلسطينيين، ففي مارس 2016 وقَّع «ترامب» قانونًا من أجل حظر تمويل السلطة الوطنية الفلسطينية «قانون تايلور فورس»، إذا استمرت في دعم عوائل الشهداء والأسرى أو ما يسميهم النظام الأمريكي (منفذي العمليات).

تعود تسمية القانون باسم «تايلور فورس»، نسبة إلى الجندي الأمريكي «فروس»، الذي لقي مصرعه في مارس 2018 جراء عملية طعن نفذها فلسطيني في مدينة «يافا».

وحظي قانون «فورس» بإشادة واسعة من الجانب الإسرائيلي، الذي بات يرى أن السياسة الأمريكية متماشية مع الأهداف والتوجهات الإسرائيلية؛حيث أكد في هذا الاتجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، أن توقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية دلالة على تغير القواعد الأمريكية في التعاطي مع القضية الفلسطينية، كما اعتبر الكنيست الإسرائيلي بأن القانون انتصار لدولة إسرائيل.

تصفية القضية
تسعى أمريكا من خلال عقوباتها المتتالية على السلطة الفلسطينية إلى تصفية المشكلة الفلسطينية بما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية؛ فحجب تمويل الأونروا أتى من أجل تدعيم الرؤية الإسرائيلية التي ترفض تمامًا مسألة حق اللاجئين في العودة إلى موطنهم من جديد، وبالتالي لن يكون ملف عودة اللاجئين على طاولة مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ففي محاولة تبرير وقف الدعم للأونروا شككت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة «نيكي هيلي» في الإحصائيات الخاصة بعدد اللاجئين الفلسطينيين المتلقين للدعم من الأونروا، مرجحة أن بلادها ستعترف فقط بنحو 10% فقط من اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يعني أننا أمام أزمة جديدة اختلقتها الإدارة الأمريكية حول إعادة تعريف «مسمى اللاجئين الفلسطينيين».

للمزيد.. نقل السفارة وذكرى النكبة.. فلسطين في انتظار «الأسبوع الأسود»

وأتى الموقف الأمريكي الأخير من الأونروا بعد مطالبات إسرائيلية متواصلة لوقف دعم الوكالة، فمثلًا خلال لقاء وزير الأمن الإسرائيلي «أفيغدور ليبرمان»، وزير الخارجية الأمريكي السابق «ركس تيلرسون»، في مارس 2017، طالب «ليبرمان» الإدارة الأمريكية بتغيير نهجها المالي إزاء السلطة الفلسطينية ووكالة الأونروا، وهو ما تحقق فيما بعد من إصدار قانون تايلور فورس، وحجب المساعدات تمامًا عن الأونروا في أغسطس 2018.

تبعات الحصار المالي
بالتأكيد سيكون للحصار المالي على فلسطين العديد من التبعات والتداعيات، على مسار القضية الفلسطينية، ومنها:

إنسانية لا سياسية
يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأونروا أكثر من خمسة ملايين لاجئ، تقع مسؤوليتهم على عاتق الوكالة، وبالتالي حجب التمويل الأمريكي سيتبعه نقص في برامج الوكالة، وتفاقم معاناة اللاجئين الإنسانية.

ترغب أمريكا من خلال حجب المساعدات إلى إكساب القضية بُعدًا إنسانيًّا، وليس سياسيًّا، أي بمعني دفع المجتمع الدولي إلى اعتبار قضية الفلسطينيين في المخيمات قضية إنسانية، وليست سياسية، لهم حق العودة، كما تحاول واشنطن تحميل «رام الله» مسؤولية فلسطينيي المخيمات بشكل كامل، وهو ما تعجز عنه السلطة الفلسطينية. 

للمزيد.. «سي إن إن»: ترامب يسعى لإنهاء تمويل الأونروا الفلسطينية بالكامل

بدأت تلوح في الأفق بدائل محتملة لوكالة الأونروا تتولى رعاية فلسطينيي المخيمات، ومن المحتمل أن تنشأ بعض المنظمات والجمعيات الإنسانية لتتولى هذا الأمر، ما يؤدي إلى إسقاط حق العودة وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية.

محاولة ملء الفراغ الأمريكي
الانسحاب الأمريكي من تمويل الفلسطينيين سيدفع بعض الدول إلى محاولة ملء الفراغ المالي الأمريكي، من خلال تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية، مثل اليابان التي تعهدت مؤخرًا بتقديم مساعدات قيمتها 5.4 مليون دولار للأونروا، كما أعلنت الحكومة الكويتية عن تقديم 5 ملايين دولار كمساعدات أيضًا للوكالة.

فيما تسعى دولة الأردن حاليًّا إلى استباق الوقت، ومحاولة ملء الفراغ التمويلي الأمريكي، فوزير خارجيتها «أيمن الصفدي» أشار إلى محاولة عمان وستوكهولم عقد مؤتمر في نيويورك لدعم الأونروا، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما ستدعو المملكة مجلس وزراء الخارجية العرب؛ لمناقشة تداعيات الموضوع، وتوفير التمويل اللازم لضمان استمرار الوكالة في العمل، كما تعتزم ألمانيا زيادة دعمها للوكالة لسد العجز. 

تدمير المجتمع المدني
بات من الواضح أن الخاسر الأكبر من توقف المساعدات الأمريكية هو قطاع المجتمع المدني الفلسطيني؛ حيث إن أغلب المساعدات الأمريكية للسلطة كانت تذهب إلى مؤسسات المجتمع المدني، عبر برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).

ومن قراءة الأحداث الأخيرة في فلسطين، يتبين أن إدارة «ترامب» بدأت في اتباع أسلوب الخصم السريع من مفردات القضية الفلسطينية، بدأ من افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس في 14 مايو 2018، والاعتراف رسميًّا بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وأخيرًا إنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين، عبر سحب الدعم المقدم للأونروا، والتشكيك في أعداد اللاجئين الفلسطينيين، كل هذا ومازالت المصالحة الفلسطينية عالقة بين حركتي فتح وحماس.