بوابة الحركات الاسلامية : أساليب العقاب الأسود لـ«متمردي الإخوان».. تجويع وتشويه واغتيال (طباعة)
أساليب العقاب الأسود لـ«متمردي الإخوان».. تجويع وتشويه واغتيال
آخر تحديث: الإثنين 10/09/2018 09:37 ص دعاء إمام
أساليب العقاب الأسود
على غير ما تسوّقه جماعة الإخوان عن نفسها، ذخرت السجلات السوداء للجماعة بشهادات لا تعكس صورة الإخوان التي يروجونها -داخليًّا وخارجيًّا- ، إذ حوّت طيات كتب الخارجين عن طوع الجماعة قديمًا، وقائع تشويه واغتيال، بينما شهد العام المنصرم، حالات طرد وتجويع لشباب الجماعة الهاربين إلى السودان؛ جزاءً لاقترافهم جريرة لا تسمح بها الجماعة وهي «التفكير».
طرد وتشريد
في الربع الأول من العام الماضي، بث شباب الإخوان الهاربون إلى السودان، مقاطع مصورة تبين وقائع إخراجهم من مساكنهم، وإلقاء أمتعتهم في الشارع؛ بعدما اعترضوا على سياسة عجائز الجماعة، ومن بين هؤلاء، كان محمد عباس، أحد المفصولين السابقين من الإخوان، الذي قال إن أزمة طرد شباب الإخوان من السكن في الشارع عن طريق قيادات الإخوان في السودان، ليست غضبًا لحظي، يمكن التراجع عنه.

وتابع عبر صفحته بموقع التواصل الإجتماعي «فيس بوك»، في 2 أبريل 2017: «للأسف التيار ده داخل الإخوان اتربى على منهج المتساقطين على طريق الدعوة، والجندية في العمل الجماعي، وركن الثقة».

وواصل: «المفاهيم المبتورة من سياقها المستخدمة لحماية التنظيم لا أفراده وفكرته، هم يرون ويعتقدون اعتقادًا جازمًا أن هؤلاء الشباب بمعارضتهم للقيادة وأدائها يعادون التنظيم وفكرته نفسها، وهم خطر على التنظيم أكثر ممن خارجها، الغريب أن هؤلاء لم يتعلموا من دروس الفترة الماضية شيئًا، للأسف العاقبة الأخلاقية ستلاحقكم كما لاحقت أفعالكم بعد الثورة».

للمزيد.. «ظِل الجماعة».. أسباب تمنع «الإخوان» من الانشقاق
«السكري» و«الشيخ الكذاب»
حينما بلغ الصبي عامه التاسع عشر، اجتمع بفردين هما: حامد عسكرية وعلي عبيد؛ ليخبرهما بما ينتويه وهو تأسيس جمعية دينية بالمحمودية، أطلق عليها «الحصافية الخيرية» عام 1920، وأصبح رئيسها «أحمد السكري»، المولود عام 1901، والذي يصفه خبراء الإسلام السياسي بأنه المؤسس الفعلي لـ«جماعة الإخوان».

طاف «السكري» القرى والنجوع بالمحافظات، ليقنع العامة بالانضمام إلى «الحصافية الخيرية»، فجمعته الصدفة بشاب يصغره بخمسة أعوام فقط، اسمه «حسن البنا»، ومرت سنوات على صداقة الشابين، حتى أسس «البنا» فرعًا آخر للدعوة بمحافظة الإسماعيلية عام 1928، وهو تاريخ إعلان جماعة الإخوان.

يقول «السكري» في مذكراته عن «البنا» : «استعنت بك أول الدعوة حتى إذا ما صلب عودك وأكملت دراستك وزاولت عملك فى الإسماعيلية وأنشأت شعبة أخرى، وتعددت فروع الجماعة، آثرتك على نفسى وبايعتك، وطلبت من الناس أن يبايعوك».

لم تكن تلك الكلمات بغرض توثيق تنازل «السكري» لـ«البنا» عن رئاسة الجماعة وتعيينه وكيلًا له، بقدر ما وردت في سياق آخر، هو الندم والعتاب لمرشد الجماعة الذي فصل زميله، كنوع من العقاب على تمرده وإلحاحه على عدم التستر على الفضائح الجنسية لـ«عبدالحكيم عابدين» صهر «البنا».

في سلسلة مقالات نشرها «السكري» بجريدة «صوت الأمة» التابعة لحزب «الوفد» آنذاك، كشف فيها الوجه القبيح للجماعة، فكتب عن الفساد داخل الجماعة، الديكتاتورية، العمالة للأجانب، وأوضح علاقة «البنا» بأحد التجار اليهود، الذي دفع مبلغًا من المال مساهمة منه في تأسيس جماعة الإخوان.

رفاق الدعوة بالأمس، أصبحوا ألد الخصوم، فبينما كان «السكري» يفند ما يقدمه من معلومات على صفحات الجريدة، كانت الجماعة تُعد له حملة تشويه تلت فصله، منها ما ورد في جريدة الإخوان، كخبر رئيسي مضمونه: «صاحب المقام الرفيع النحاس باشا أمر بتعيين أحمد السكري محررًا بجريدة صوت الأمة براتب شهري قدره 60 جنيهًا».

كما أذاع «البنا» أو الشيخ الكذاب -كما يلقبه السكري- أن تقرب وكيله للأقباط وتهنئته لـ«مكرم باشا عبيد» أحد رجال حزب الوفد، كان سببًا رئيسيًّا في فصله من الجماعة، وفي مقال آخر رد «السكري» على إدعاء المرشد، قائلًا :«الشيخ الكذاب، أثار سخريتي، ما دام البنا يدعي أن له أصدقاء كثيرين من الأساقفة والمطارنة الأحبار يبادلهم الحب ويكثر من زيارتهم؛ فما باله يثور كل الثورة حين رأيت من واجبي أن أرد تحية مكرم باشا وأشكره على مجاملته المتكررة لنا في كل مناسبة. وقد عقد مكتب الإرشاد اجتماعًا ليقرر لومي على هذا الشكر لمكرم باشا، بل ويلغي المكتب سفري لأمريكا رئيسًا لوفد الإخوان!».
طبل أجوف!
إذ كان الفصل التعسفي من الجماعة جزاء أقرب أصدقاء «البنا»، فــ«أحمد حسن الباقوري» الذي كان مرشحًا لخلافة «البنا»، لقي هو الآخر نفس المصير، إذ لمع اسم «الباقوري» منذ أن كان طالبًا بجامعة الأزهر؛ وذلك على خلفية تزعمه لحركة إضراب طلابية أدت إلى إقالة شيخ الأزهر آنذاك «محمد الأحمدي الظواهري».

انخدع «الباقوري» بالطبل الأجوف حول جماعة الإخوان، خاصة فيما كانت تدعيه وتصدره للشباب بأنها حامي حمى الإسلام، فانضم إليها وهو طالبًا، ثم تدرج فيها حتى أصبح من أبرز قياداتها وعضوًا بمكتب الإرشاد، وأوصى «البنا» بتعيينه مرشدًا للجماعة خلفًا، إلا أنهم خالفوا وصية إمامهم؛ بعدما رأوا في «الباقوري» ثائرًا ومفكرًا وتم تعيين «حسن الهضيبي» بدلًا منه.

وبعد نجاح ثورة 1952، أرسل مكتب الإرشاد ثلاثة أسماء لتولي حقائب وزارية في الحكومة الجديدة، لكن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، استدعى «الباقوري» وعرض عليه وزارة الأوقاف، فقبلها؛ ظنًا منه أن موقعه الجديد سيحقق هدف الجماعة وهو «الدعوة» وتطبيق الشريعة.

يقول «الباقوري» عن رد فعل الجماعة بعد قبوله المنصب، في مذكراته التي نشرت بكتاب «ثائر تحت العمامة»: «صعدتُ إلي حسن الهضيبي، ودققتُ البابَ، وفتحوا لي وإذا بالإخوان قد عرفوا بتعييني وزيرًا، وكانوا قد أرسلوا وفدًا للاشتراك في الوزارة، ولم أكن من هذا الوفد، وكاد الإخوان يضربونني، عندما أخبرتهم بذلك».

وأردف: «قال الهضيبي، أكتب لنا ورقة، تستقيل فيها من الإخوان المسلمين، قلت: ماذا أكتب؟ قال: أكتب الذي تكتبه، فكتبتُ هكذا: السيد المستشار/ حسن الهضيبي، المرشد العام للإخوان المسلمين، سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنني أرجو أن تقبل استقالتي من مكتب الإرشاد، فقاطعني قائلًا: لا، ليس هذا فحسب أضف إلي الاستقالة هذه الجملة: من جميع تشكيلات الإخوان المسلمين، في الشُّعَب، والأقاليم. قلت: حاضر، وأضفتُ هذه الجملة».
اغتيال «فايز»
في العام التالي لاستقالة «الباقوري» التي أجُبِر عليها، انضم المهندس «السيد فايز» إلى قائمة ضحايا الجماعة؛ فبرغم تاريخ الإخوان المطلخ بالدماء في التعامل مع أعدائهم ووضع قوائم لاغتيال السياسيين في حقبة الخمسينيات، شهد عام 1953 واقعة جديدة لاغتيال أحد أهم قيادات الجماعة، والذي كان اسمًا بارعًا في «التنظيم السري».

خلافات الكبار جعلت من السهل تصفية الإخوان بأيدي الإخوان، إذ كان عبدالرحمن السندي، قائدًا للتنظيم السري، الذي أنشأه «البنا» ونفذ بواسطته عمليات عنف لا حصر لها، وبعد تولي «حسن الهضيبي» مكتب الإرشاد، أراد أن ينشئ تنظيمًا جديدًا، يكون ولاء أفراده له وحده، فأقنع «فايز» بالانضمام للتنظيم الجديد، وأن يتخلى عن «السندي»؛ الذي تمرد على «الهضيبي» ورغب في أن يستقل بقراراته وأن ينفذ عمليات اغتيال دون الرجوع للمرشد.

كان «فايز» من أكثر الناقمين على تصرفات «السندي»؛ فامتثل إلى رغبة «الهضيبي» وسعى إلى إقناع وضم أفراد النظام الخاص الذين كانوا تحت قيادته للتنظيم الجديد برئاسة المرشد، ما دفع «السندي» لتدبير عملية اغتياله بواسطة «علبة حلوى»، أرُسِلت إلى منزله، وطُلب من أخته ألا تفتح العلبة إلا بواسطة «فايز»، وفور وصوله إلى بيته أخبرته أخته، ففتح العلبة وانفجرت فيه فقتلته.
للانتقام أشكال عدة
الانتقام والعقاب والاغتيال، لم يقتصر على قيادات الجماعة البارزين فقط، بل شمل أعضاء الجماعة الذين أرادا الخروج من طوع المرشد، فيؤكد «سامح عيد» الإخواني المنشق، إن أساليب العقاب عند الإخوان كثيرة، ويلجؤون للضغط النفسي والاقتصادي على التابعين لهم إن أرادوا خروجًا.

ويضيف لـ«المرجع»: «إذا فكر فرد في السؤال عن مصادر التمويل، أو انتقد مواقف الجماعة، يكون مصيره التقليل من شأنه، وإيقاف التعامل معه، وربما فصله من الجماعة نهائيًا»، موضحًا أن بعض المشروعات الصغيرة التي كانت تمولها الجماعة تم إيقافها، وتم سحب قضايا من مكتب محاماة كان صاحبه إخوانيًا وأراد أن ينشق، فضلًا عن حملات التشويه والتخوين والشماتة التي يبرع فيها الإخوان.

للمزيد: «المتساقطون على طريق الإخوان».. أسباب الخروج من عباءة الجماعة