بوابة الحركات الاسلامية : لغز الرحلة «93» التي ضلت طريقها في أحداث 11 سبتمبر (طباعة)
لغز الرحلة «93» التي ضلت طريقها في أحداث 11 سبتمبر
آخر تحديث: الثلاثاء 11/09/2018 01:47 م محمد الدابولي
لغز الرحلة «93» التي
في عمق أقبية البيت الأبيض، صباح الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، انعقدت غرفة العمليات الرئاسية، برئاسة «ديك تشيني»، نائب الرئيس الأمريكي، من أجل معرفة ما يجري في البلاد، حيث انحرفت فجأة ثلاث طائرات مدنية عن مسارها الطبيعي لتصطدم اثنتان منها ببرجي التجارة العالمي، وبعد دقائق معدودة حاولت الطائرة الثالثة الاصطدام بمبنى البنتاجون.



وفي غرفة العمليات أصاب التوجس الجميع حول إذا كانت هناك طائرات أخرى في الجو في طريقها للاصطدام بأبنية حيوية في الولايات المتحدة، وسرعان ما تواترت المعلومات من أبراج المراقبة الجوية عن وجود اضطراب داخل «رحلة يونايتد إير لاينز 93» المتجهة من مطار «نيوارك الدولي» في «نيوجرسي» إلى مطار «سان فرانسيسكو» في ولاية كاليفورنيا.

«ماجد موقد».. إرهابي مجهول في «غزوة مانهاتن»

في هذه اللحظات العصيبة اتخذ «ديك تشيني» ـ الذي تولى إدارة الأزمة وقت الحادثة لوجود الرئيس جورج بوش في زيارة لإحدى المدارس في ولاية فلوريدا ـ قرارًا بإسقاط الطائرة الرابعة، مما استدعى تحركًا من مقاتلات «F -16»الأمريكية لإسقاط الطائرة التي تم التأكد من اختطافها، إلا أن مجريات الأمور على متن الطائرة كانت أسرع فسقطت بجوار أحد المناجم في بنسلفانيا، دون التأكد من توجيه ضربة عسكرية لها، وواكب سقوط الطائرة العديد من التأويلات والتكهنات مدفوعة بحالة من الغموض، التي اصطحبت عملية التحقيقات، مما دفع البعض للاعتقاد بأن ما تم مجرد مؤامرة، وهو ما سيتم توضيحه في النقاط التالية:

◄ أزمة التنميط

تعد أحداث 11 سبتمبر من أكثر الحوادث في التاريخ معاناة من أزمة التنميط، فأغلب الصور المتداولة عن الأحداث تنحصر في صورة البرج المحترق، الذي ما يلبث أن تصطدم به طائرة مما يزيد اشتعاله وانهياره هو والبرج المجاور.



تلك الصورة النمطية أثرت بالسلب على إدراك مجريات كثيرة تمت أثناء الحادثة، وفي الطائرات الأخرى مثل الطائرة التي استهدفت مبني البنتاجون، أو التي استهدفت مبنى الكابيتول (مبنى الكونجرس الأمريكي)، أو الرحلة 93 التي كان من المقرر لها استهداف الكابيتول أو البيت الأبيض.

◄ مشهد هوليوودي

دأبت هوليوود، منذ الحرب العالمية الثانية، على إظهار الأمريكي بصورة البطل المغامر، الذي يضحي بحياته انقاذًا للآخرين ودفاعاً عن المبادئ الأمريكية، وخلال فترة التسعينيات ظهرت العديد من الأفلام التي تحاكي عملية اختطاف للطائرات، كالتي تمت في أحداث 11 سبتمبر، وتم إنقاذها بأدوار بطولية لأشخاص أمريكيين، مثل فيلم ( Air Force One اختطاف طائرة الرئيس)، للممثل الأمريكي «هاريسون فورد»، الذي تم إخراجه في عام 1997، وصور قيام مجموعة من الإرهابيين الشيوعيين باختطاف طائرة الرئيس الأمريكي لإجباره على الإفراج عن قائدهم، إلا أن الرئيس لم يخضع سواء لطلبات الإرهابيين أو مساعديه، الذين نصحوه بالهروب عبر كبسولة معدة لهذا الغرض، وقرر خوض المغامرة ومقاومة الإرهابيين وإعلاء القيم الأمريكية.



وعلى شاكلة الفيلم السابق، روجت الحكومة والإعلام الأمريكي لقصة بطولية ادعت أنها جرت على متن الطائرة، حيث حضرت الجينات البطولية الأمريكية لمقاومة قوى الظلم والإرهاب على متن «الرحلة 93 ».

«خالد المحضار».. إرهابي هدد عرش «البنتاجون»

معظم الروايات التي روجتها الحكومة (التقرير الخاص بـ 11 سبتمبر) أو الإعلام الأمريكي، تفيد بأن ركاب الطائرة المختطفين باستخدام الهواتف النقالة على متن الطائرة نجحوا في اكتشاف أبعاد المؤامرة التي تتعرض لها أمريكا عبر الاتصال بذويهم واستطلاع الأمور، الأمر الذي دفعهم إلى اتخاذ القرار الشجاع ومواجهة الخاطفين والحيلولة دون بلوغ الطائرة لهدفها المقرر.



التقرير الخاص بـ11 سبتمبر، أكد وجود جلبة شديدة في قمرة القيادة، قد تكون ناجمة عن محاولة الركاب مواجهة خاطف الطائرة «زياد جراح»، الأمر الذي دفعه للتمايل يمينًا ويسارًا من أجل إخلال توازن الركاب، وهو ما أدي في النهاية إلى سقوط الطائرة في «بنسلفانيا»، وشبهت مجلة نيوزويك الأمريكية رد فعل الركاب إزاء الخاطفين بأنهم جنود قاوموا الاستبداد مثل أجدادهم الذين حققوا الاستقلال.



ولم تلبث أن أنتجت هوليوود، في عام 2006، فيلمًا يحمل اسم الرحلة (يونايتد إير لاينز 93) جسدت فيه المقاومة البطولية ـ حسب الرواية الأمريكية ـ للركاب المختطفين.



عزز المسئولون الأمريكيون تلك الرواية من خلال عباراتهم المأثورة التي أدلوا بها تخليدًا لذكرى ضحايا الطائرة، فأولى تلك العبارات كانت من قبل «ديك تشيني» ـ طبقا لرواية CNN ـ الذي قال: «أعتقد أن عملًا بطوليًّا ما حدث على متن الطائرة»- I think an act of heroism just took place on that plane-، وذلك تعقيبًا على سقوط الطائرة قبل بلوغها هدفها المحدد، مبنى «الكابيتول».



ولإضفاء المزيد من التخليد والبطولة، تم إنشاء نصبٍ تذكاري لضحايا الطائرة في مدينة شانكسفيل، بولاية بنسلفانيا، وحرص المسؤولون الأمريكيون على زيارته والإدلاء بالعبارات الجياشة التي تمجد العمل البطولي الذي قام به الركاب، وكان أخر مسؤول زار ذلك النصب، نائب الرئيس الحالي «مايك بنس»، في عام 2017.

◄ لغز الهواتف النقالة:

شكلت الهواتف النقالة على متن الطائرة لغزًا كبيرًا يستعصي على الفهم والإدراك، فالروايات الأمريكية، كرواية مجلة «نيوزويك» والتقرير الخاص بالأحداث أكدا إجراء اتصالات من على متن الطائرة، أجراها المختطفون مع ذويهم، وبناء عليه تم اتخاذ قرار المواجهة مع الخاطفين.



يشير استخدام الهواتف النقالة إلى خلل ما حدث في خلية «زياد جراح» المنوط بها اختطاف الطائرة، فمن المفترض أن أول إجراء يجب اتخاذه من قبل الخاطفين، هو تعطيل عملية الاتصالات على متن الطائرة، وتحقيق السيطرة على المختطفين، ومنعهم من الحركة وإجراء الاتصالات، لكن ما حدث أن العديد من المختطفين أجروا اتصالات بذويهم في أمريكا، وشرحوا لهم ما يدور على متن الطائرة.

◄ اضطراب الهدف:

يشير التقرير الخاص بـ11 سبتمبر (تقرير الكونجرس) إلى حالة من التردد أصابت قيادات تنظيم «القاعدة» حول وجهة الطائرة الرابعة، ففي الوقت الذي أقر فيه «أسامة بن لادن» و«خالد شيخ محمد» استهداف مبنى البيت الأبيض، انصرف قائد العمليات «محمد عطا» إلى صعوبة تنفيذ المهمة، ورشح مبنى الكونجرس الأمريكي (الكابيتول)، رمز السيادة الأمريكية بديلًا، وإلي اليوم لم تستطع التحقيقات والتحليلات إثبات وجهة الطائرة الحقيقية، هل هي الكابيتول كما أقر «محمد عطا»، أم البيت الأبيض كما أراد «بن لادن».

◄ خلية ناقصة

من أكثر الأمور المثيرة للجدل في هذه الحادثة هو تكوين الخلية المنوط بها اختطاف الطائرة، فعلى عكس الخلايا الثلاث الأخرى، تكونت تلك الخلية من أربعة أفراد فقط (زياد جراح ـ أحمد النعمي ـ سعيد الغامدي ـ أحمد الحزنوي)، في حين بقية الخلايا ضمت خمسة أفراد، وتشير المعلومات إلى أن القاعدي «محمد مانع القحطاني»، هو العنصر الخامس في الخلية، لكن رُفضت تأشيرة دخوله للولايات المتحدة، وتم اعتقاله عام 2002 في أفغانستان، ووجهت له تهم المشاركة في الأحداث، إلا أن هذه التهم سقطت عنه في عام 2009، ورغم ذلك استمر اعتقاله في معتقل جوانتانامو.



بالإضافة إلى العنصر الناقص في الخلية، ثمة أمر آخر أكثر غموضًا وريبة في تلك العملية، خاصة فيما يتعلق بالدلالات السياسية والمكانية للأهداف المختارة، فبالمقارنة بين تلك الأهداف، نجد أن البيت الأبيض أو الكابيتول يعتبران الهدف الأسمى، نظرًا لرمزيتهما السياسية والمكانية، ويليهما في الترتيب مبني البنتاجون، وأخيرًا برجا التجارة العالمي، إلا أن ما حدث كان غير ذلك، حيث ركز تنظيم «القاعدة» جل جهده على استهداف البرجين، وبدرجة أقل البنتاجون، وبدرجة أقل بكثير (البيت الأبيض أو الكابيتول)، وهو ما يوحي بعدم جدية «القاعدة» في استهداف المقرات الرسمية الأمريكية، ويتضح ذلك في تولي «محمد عطا»، قائد العملية، مسؤولية قيادة الطائرة المنوط بها استهداف البرجين.

◄ روايات السقوط:

رغم الروايات الأمريكية حول سقوط الطائرة بفعل بطولي للركاب، إلا أن تحقيقًا لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، صدر في 13 أغسطس 2002، شكك لأبعد حد في الروايات الأمريكية.



بني تحقيق «الإندبندنت» على تقرير الطبيب الشرعي في ولاية بنسلفانيا، والوي ميلر، الذي عمل لمدة 13 يومًا في محيط الحادث، والذي أكد فيه تحول الطائرة إلى قطع صغيرة متناثرة أكبر قطعة في حجم منضدة الطعام، مما يوحي بتعرض الطائرة للانفجار، قبل عملية الاصطدام بالأرض، كما أضاف تقرير «ميلر» مزيدًا من الشكوك، حيث لم يقدم أية دلائل لتدعيم الرواية البطولية الأمريكية.



رجح تحقيق «الإندبندنت» تعرض الطائرة للانفجار للسببين التاليين، أولها تناثر الطائرة إلى أشلاء صغيرة حتى وصل الأمر إلى تحول جثث الركاب والخاطفين إلي أشلاء متناثرة يصعب التعرف عليها، وثانيًا عملية الإزاحة الواسعة لحطام الطائرة التي شملت عدة كيلومترات، حيث أفاد مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) أنه وجد أوراق البريد التي كانت على متن الطائرة (7500 رطل) على بعد 13 كم من موقع الحادث.

◄ احتمالات الاستهداف:

راوح تقرير «الإندبندنت» بين تعرض الطائرة للانفجار بواسطة قنبلة واستهدافها بواسطة صاروخ، إلا أن كل الدلائل التي ساقها التحقيق، أشارت إلى تعرضها للاستهداف الخارجي، فاحتمال وجود قنبلة على متن الطائرة ظل ضعيفًا، رغم وجود تسجيل صوتي لـ«زياد جراح» يطالب فيه الركاب بالهدوء لوجود قنبلة على متن الطائرة، ومن الدلائل التي ترجح فرضية الاستهداف:



ـــ اقتراب نطاق الطائرة المخطوفة من نطاق المقاتلات الأمريكية، فالتقارير تفيد بانطلاق مجموعة طائرات اعتراضية، في تمام الساعة 8:52 صباحًا، كما أقلعت دفعة أخرى من مقاتلات إف 16، في تمام الساعة 9:35 صباحًا، من قاعدة أندروز الجوية، في ذات الوقت الذي تم التأكيد فيه بأن «الرحلة 93» تعرضت للاختطاف بانحرافها بزاوية 180 درجة في اتجاه العاصمة واشنطن، وسماع مراقبي الحركة الجوية، بوجود قنبلة على متن الطائرة.

ــــ بحسابات المسافة والزمن يمكن القول بأن الطائرة كانت في متناول المقاتلات، التي أصبحت في وضع الاستعداد، فالوقت الزمني بين اختطاف الطائرة وتحطمها 31 دقيقة، وهي مدة كافية للمقاتلات التي كانت لا تحتاج إلا 10 دقائق للوصول إلى موقع الطائرة المختطفة.



ـــ ما أفاد به الطيار «بيل رايت»، الذي كان يقود طيارة من «طراز بايبر»، وكان على بعد ثلاثة أميال من «الرحلة 93»، حيث أكد أنه تلقى أوامر من أبراج المراقبة بالابتعاد، مما يشير بوضوح إلى تعرض الطائرة للتفجير والاستهداف في الجو.