بوابة الحركات الاسلامية : سلمان العودة.. فك شفرات وريث «ابن سرور» في السعودية (طباعة)
سلمان العودة.. فك شفرات وريث «ابن سرور» في السعودية
آخر تحديث: الجمعة 14/09/2018 09:04 ص محمود إبراهيم
سلمان العودة.. فك
لم تمر سوى أيام قليلة على جلسة المُحاكمة الأولى للداعية السعودي «سلمان العودة»، إلا وساد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. هاشتاجات مختلفة عنوان أحدها «إرهابي» والآخر «ليس إرهابيًا»، تلتها حرب إعلامية انفجرت على مواقع شبكة «الإنترنت» ضد المملكة العربية السعودية و«آل سعود»، لا سيما من قبل «الإخوان» وأعوانهم في قطر وتركيا.


37 تهمة وجهتها النيابة السعودية ضد «العودة»، قابلها «37» فضلًا ونعمة للرجل من تلاميذه وأنصاره.. فمن هو «العودة» وما دوره وعلاقته بالإخوان وقطر؟

«لا تتبعني قد أتعثر.. ولكن شاركني» شعار زين به العودة، مقدمة حسابه الخاص على «تويتر». يُعرف سلمان بين الدُعاة السعوديين بقربه من الشباب وأنه الأكثر وصولًا لعقولهم، ومشاركة وتفاعلًا معهم، لذا لم يكن أمرًا غريبًا أن تجد على حسابه الشخصي 14 مليون «متابع»، ونحو 50 ألف «تغريدة»، خلال الفترة من 2009 حتى 2017.

سعى الرجل السعودي لكسب حاضنة كبرى لأفكاره في الوطن العربي وليس في المملكة وحدها. طوع العالم الافتراضي لـ«فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام، وسناب شاب» لخدمة خطبه وأحاديثه حتى أصبح متابعوه بالآلاف والملايين على بعضها، متأثرًا بمعتقدات أستاذه محمد سرور زين العابدين، (مؤسس تيار السرورية الذي توفي عام 2016 في قطر).

ما إن دلف «سرور»، أرض المملكة العربية السعودية قادمًا من سوريا في الستينيات من القرن الماضي، حتى بدأ في نشر فكر مدرسته المُتأثرة بالإخوان، مستغلًا هؤلاء التلاميذ الذين التفوا حول علومه الأكاديمية والتربوية في البداية، وعلى رأسهم «سلمان العودة»، وسفر الحوالي، ومحسن العواجي.

كان خطاب «سرور» بمثابة إلهام لتلاميذه الذين أُشربوا فكره التجديدي، لا سيما وأن المملكة ومدرسة السلفية التقليدية المنتشرة، ومؤسسها محمد بن عبدالوهاب، لم تعهد مثله من قبل، ولِمَ لا فقد أدخل عليها «روح الثورية»، ونفخ في علمائها الحس السياسي، وأجاز نقد أولي الأمر ومناصحتهم بل وإطلاق الأحكام عليهم إن دلت المُعطيات الشرعية على ذلك.

يقول الشيخ عبدالعزيز اليحيى، رئيس الهيئات السابق في «القصيم» والمُهتم بالنشاط الديني، أحد المعاصرين لبذرة أفكار «سرور» الأولى بالسعودية، في مقابلة مع «العربية»، نوفمبر العام 2016، إن مؤسس «السرورية» جاء إلى المملكة في الستينيات، وقت هجرة الإخوان إليها، عام 1385هجريًّا، مُشربًا تيار الطليعة العسكرية من مجموعة مروان حديد- (شيخ قطبي مؤسس للتنظيم العسكري للإخوان في سوريا وهو قائد العمل المسلح ضد نظام البعث، كان من بينهم القاعدي أبو مصعب السوري).

سرعان ما دخل «سرور» في صدام كبير مع أستاذه في المملكة «عبدالرحمن الدوسري»، الشيخ السلفي الذي تميز بتعاطفه الشديد مع جماعة الإخوان وسيد قطب، بعد ما اتهمه الأخير، بالتقليل من العلماء بهدف إبعاد الشباب عنهم بحجة عدم فهمهم للواقع حتى أصبحوا فريسة له، واعتراضه على عمله بالحكومة وتكفيرها، بحسب اليحيى.

لم يستمر «سرور» في المملكة طويلًا، فقد طُرد بعدها بـ7 سنوات ونصف السنة، على يد المدير السابق للمعهد العالي للقضاء، مناع خليل القطان، لتوجسه من سعي «سرور بن عابدين»، لتأسيس التنظيم السروري- وقتئذ-.

يشير «اليحيى» إلى أن تأثير «ابن سرور» على «العودة» بدأ مبكرًا منذ تدريسه في المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود، فسرعان ما دفعه لتغيير اسمه من «سليمان» إلى «سلمان»، مرددًا «سلمان منا آل البيت»، كون الإخوان يركزون على بعض الأسماء كـ«سلمان وصهيب».

كان «العودة» كثير التردد على دروس «ابن سرور» والاجتماع به، ولقي منه عناية ورعاية خاصة، وطالبه بعد ذلك بالابتعاد عن الوظائف الحكومية.

تلك الأفكار «الثورية» السرورية، دفعت «العودة» لقيادة ما عُرف بحركة «الصحوة» في الثمانينيات، بصحبة مجموعة من أصدقائه، ووقع على خطاب يُطالب بإصلاحات قانونية وإدارية واجتماعية وإعلامية بالسعودية، في مايو 1991، وهو ما تسبب في الاصطدام مع الحكومة -آنذاك-.

وفي سبتمبر 1993، مُنع «العودة» من إلقاء الخطب والمحاضرات العامة، واعتُقل في أغسطس 1994 ضمن سلسلة اعتقالات واسعة شملت رموز «تيار الصحوة».

بعد الإفراج عنه والسماح له بإلقاء المحاضرات الدعوية «بعيدًا عن السياسة»، دأب «العودة»، الذي ولد في 14 ديسمبر عام 1956 بقرية البصر بـ«القصيم»، على المشاركة في الجلسات الشبابية، وإعطاء المحاضرات، والمحاورة بالندوات منذ ذلك الحين، وحرص على تنويع مجالات فكره، مستخدمًا «منهج التجديد بالفهم والعمل»، وهو ما سبب في التفاف الشباب حوله.

الاتجاه الذي رسمه «العودة» لنفسه بعد خروجه من السجن، ببعده عن السياسة- مؤقتًا- لم يعجب كثيرًا من تلاميذه الذين حملوا الأفكار «القطبية» وتأثروا بنهج «ابن سرور»، وهو ما دفع «يوسف العييري»، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين- وقتئذ، قبل مقتله في اشتباكات مع الأمن السعودي العام 2003- إلى توجيه رسالة لمعلمه تحت عنوان «مناصحة سلمان العودة بعد تغيير منهجه» (نشرها منبر التوحيد والجهاد، وموقع الـCIA).

ويقول فيها: «عندما خرجتم استشرفت القلوب للقياكم والجلوس معكم والتلذُّذ بحديثكم، فأنتم الذين صقلتم نفوسنا وربيتموها، فأحببنا أن ننهل من نفوس تربّت ووطنت على الشقاء وأحبّت الصبر، وعندما لقيناكم كان لفضيلتكم من الأقوال ما أحزننا»، مضيفًا: «إنّ قولك مسموع وفتواك تبلغ الآفاق وزلّتك ليست كزلّة غيرك، فاحرص على مشورة غيرك ولا تستهن حتى بآراء الشباب، وليس عيبًا أن ترجع عن قولك لقول غيرك من العلماء ولكن العيب هو أن يظهر لك قولٌ شاذ رغم وُضوح الحقِّ فيه، أو أكثر القائلين بخلافه».

لائحة الاتهام الصادرة من النيابة السعودية التي طالبت بإعدام «العودة» تعزيرًا، تضم «37» تهمة- بحسب صحيفة «عكاظ»- جاء على رأسها ضلوعه في علاقات مشبوهة وزيارات واتصالات مع أمير قطر السابق والنظام الليبي السابق، وانضمامه لجماعة الإخوان المصنفة كمنظمة إرهابية، وتدخله في شؤون مصر الداخلية، وتحريضه للزج بالمملكة في الثورات الداخلية، فضلًا عن انضمامه لتجمعات واتحادات علمية دينية مخالفة لمنهج كبار العلماء المعتبرين، وتقوم على أسس تهدف إلى زعزعة الأمن في البلاد والوطن، وانضوائه بمسمى «الأمين المساعد» تحت قيادة أحد المصنفين على قائمة الإرهاب «يوسف القرضاوي» الذي يتولى منصب أمين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المصنف ككيان إرهابي.

أشرف «العودة»، مساعد الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، على «ملتقى النهضة» وساعد في تمويله ونشره في الوطن العربي، وبحسب لائحة الاتهام الموجهة إليه فقد استخدم تلك المنظمة في التحريض على الثورات ضد الأنظمة العربية بالاتفاق مع جماعة الإخوان وأذرعها في دول المنطقة.

وبحسب وسائل الإعلام السعودية، فإن «ملتقى النهضة»، تأسس قبل نحو 8 سنوات العام 2010، بتمويلات قطرية، وبدأ التسويق له كملتقى شبابي خليجي فكري، يقام بصفة دورية كل عام، تحت إشراف سلمان العودة، وإدارة أستاذ التفسير في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مصطفى الحسن، المحسوبَينِ على تيار جماعة الإخوان.

لم يتجاوز الملتقى عامه الثالث إلا وأصبح مصدرًا للجدل، لا سيما بعد إلغاء دورته الثالثة في الكويت العام 2012، وانتقد النائب في مجلس الأمة الكويتي «محمد هايف» الملتقى- وقتئذٍ- وقال إنه «يحمل أفكارًا طاعنة في الشريعة، وهدفه الأول استهداف المملكة العربية السعودية».

وأوردت صحيفة «الوطن» السعودية، في سبتمبر العام الماضي، أنه مشروع «إخواني، يأتي امتدادًا لمشروع النهضة الذي أسسه القطري جاسم سلطان بإشراف ودعم من الحكومة القطرية، ويشرف عليه بشكل غير رسمي عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، عزمي بشارة، وعضوية شخصيات مؤيدة لولاية الفقيه الإيراني».

أصبح «العودة» رمزًا كبيرًا لدى قيادات وأعضاء الإخوان في الوطن العربي كله، بل لدى تنظيم الجماعة في العالم، بعدما حرص على المنهج «الدعوي» الذي اتخذه ذلك التيار للوصول لأهدافه عبر جلسات العلم، والأنشطة التربوية، واللقاءات الاجتماعية، فالتف حوله ملايين الشباب، أثاروا الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت بعد القبض عليه في سبتمبر العام 2017، وعند انطلاق أولى محاكماته في 5 سبتمبر الجاري 2018.

انتشرت على منصة «تويتر»، حرب الهاشتاجات والإدانات من أنصاره، محملة بإساءات وسباب لنظام الحكم في المملكة العربية السعودية والأسرة الحاكمة، فقد كتب «عبدالله معروف»، قائلًا: «هل جن هؤلاء؟، ألم يجدوا غير العالم العامل العاقل سلمان العودة حتى يتهموه بـ37 تهمة ويطلبوا له الإعدام».

وكتب آخرون في هاشتاج حمل عنوان «#سلمان_العودة_ليس_إرهابيا»، يدافعون عنه، فيما انتشر هاشتاج آخر بعنوان «#سلمان_العودة_إرهابي»، كتب فيه فواز الخالدي، أحد المدافعين عن المملكة قائلًا: «والله إن الدولة صبورة وحليمة على أبنائها ولكن العقوق لا بد أن يُردع، من لم يكن مستقيمًا من البداية فيصعب عليه الاعتدال؛ لأنه نشأ وترعرع على الطرق الملتوية وأصبحت له منهج حياة لا يمكن الاستغناء عنها».

دخل على خط الهجوم القرة داغي، الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، الذي يرأسه يوسف القرضاوي، حيث كتب على حسابه قائلًا: «النصوص الشرعية في الكتاب والسنة تدل على أن معاداة العلماء لن تأتي بالخير، بل هي نذير شؤم وعقوبة من عند الله تعالى، الشيخ سلمان العودة من شيوخ الوسطية والاعتدال وروادها، أحبه كل من يحب العِلم والدين ولا يكرهه إلا من يكره الدين والمتدينين».

وفي موقعه الخاص على شبكة الإنترنت، أخذ «أحمد الريسوني»، نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين، يُعدد ما وصفه بـ«أفضال العودة الـ37» لتكون ردًا على التهم الموجهة إليه، قائلًا: «بعد عام كامل من الاختطاف والتغييب القسري، تم الإعلان عن بدء محاكمة سرية للشيخ سلمان العودة، ووجهت له 37 جريمة ارتكبها، كان على رأسها إصراره على الاعتدال في الدين وفي كل أموره، وسماحته المفرطة، ونشره الوسطية... !».

على صعيد تركيا وقطر، أخذت المنصات الإعلامية التابعة للإخوان، ومنها «الشرق، والجزيرة، وموقع عربي21، وغيرها...»، في شن هجومٍ لاذعًا على السعودية والأنظمة العربية.

وقال الإعلامي في قناة الشرق معتز مطر، خلال برنامجه: «اتهامات فاجرة للداعية الوسطي سلمان العودة، والتهمة الأساسية اللي بيتم محاكمته بسببها هي رفض الدماء، هذا ما تفعله دولة وكأنها أرض الإسلام».

ونشرت قناة الجزيرة تقريرًا للباحث آدم غوغل، في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، جاء فيه «لو نظرت إلى الاتهامات ضد العودة فإنك تجد أنه من الواضح أنها ذات دوافع سياسية».

«اتحاد علماء المسلمين»، هو الآخر، كان له بيان جاء فيه: «نرفض رفضًا قاطعًا تصنيف العودة بالإرهاب من قبل بعض الدول»، داعيًا من وصفهم بـ«القادة المخلصين والمفكرين» بالتدخل لإطلاق سراحه رفقة موسى الشريف، وسفر الحوالي، وناصر العمر.

للمزيد:

- أساليب العقاب الأسود لـ«متمردي الإخوان».. تجويع وتشويه واغتيال

- تقوم على 4 ركائز أساسية.. الاستراتيجية السعودية لمواجهة الإخوان

- السعودية تُحبط مخطط قطر وإيران في استخدام «داعش» لإرهاب الحجاج