بوابة الحركات الاسلامية : «المحاكم الشرعية» في الصومال.. دولة قوية داخل أخرى هَشَّة (طباعة)
«المحاكم الشرعية» في الصومال.. دولة قوية داخل أخرى هَشَّة
آخر تحديث: الخميس 27/09/2018 01:40 م شيماء حفظي
«المحاكم الشرعية»
على فترات متباعدة نسبيًّا، ظهرت المحاكم الإسلامية منذ تأسيسها في الصومال عام 1994، وارتبط أول ظهور لها بمشاركتها الهزيلة في الأحداث المحلية، إلى أن تمكنت -بمرور الوقت- من بسط نفوذها، وإحياء دورها في مواجهة «أمراء الحرب» والغزو الإثيوبي.
«المحاكم الشرعية»
لكن ما دلالة تاريخ ظهور المحاكم الإسلامية في الصومال عام 1994؟ ببساطة كان هذا العام تحديدًا نهاية لأحداث تخريبية استمرت ثلاث سنوات، بعد سقوط نظام الرئيس السابق محمد سياد بري في العام 1991، وانتشار الفوضى والشغب في الصومال.

و«بري»، الرئيس الثالث للصومال، تولى الرئاسة بانقلاب في 1969، بعد اغتيال الرئيس عبدالرشيد علي، وتبنى النظام الشيوعي الماركسي، وخاض حربًا ضد إثيوبيا لاستعادة إقليم أوجادين الصومالي منها لكنه فشل، حتى انتهى حكمه في 1991، بحرب أهلية وصراع مسلح مع جماعات المعارضة المسلحة.

وظهرت أول محكمة شرعية على يد الشيخ علي محمود، المعروف باسم علي ضير، لتتابع بعدها المحاكم في التدشين، ثم يتولى الشيخ حسن ضاهر عويس توحيد المحاكم التي وصل عددها إلى 17 محكمة في الصومال.

وظلت المحاكم تعمل في حالات متفرقة دون أي تأثير سياسي أو عسكري يُذكر، إلى أن تمكنت من توحيد صفوفها مرة أخرى وعادت لواجهة الأحداث في الصومال في العام 1997، وتتابع ظهورها، وبدأت كل قبيلة بتأسيس محكمة خاصة لها.
«المحاكم الشرعية»
واشنطن تحلّ محاكم مقديشو
وفي بداية 2001، بسطت «المحاكم» نفوذها على جنوب مقديشو بعد تشكيل الحكومة الانتقالية السابقة برئاسة عبدالقاسم صلاد حسن، لكنها تعرضت لضغوط أمريكية لحلها، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

وبررت أمريكا طلبها بحلِّ المحاكم بأنها تابعة للاتحاد الإسلامي، المصنف لدى واشنطن ضمن قوائم الجماعات إرهابية، وهو ما دعا الحكومة الانتقالية في الصومال إلى الاتفاق مع قادة المحاكم الشرعية على ضمهم إلى الجهاز القضائي الحكومي، ودمج مقاتليها إلى جهاز الشرطة الحكومي.

لكن الوضع الأمني في الصومال لم يكن مستقرًّا، خاصة مع عودة العصابات المسلحة التي كانت تقوم بالنهب والسرقة والخطف، فتم تشكيل لجان قيادات شعبية من زعماء العشائر ورجال الأعمال والمواطنين في العاصمة؛ لمعالجة الوضع المتدهور فيها، وأجمعت هذه القيادات على أهمية إحياء المحاكم الشرعية.

وتمكنت هذه اللجان من إقناع عدد كبير من العلماء الشرعيين بالعمل في المحاكم؛ لتعود للواجهة مرة أخرى في العام 2003.

وفي دراسة بكلية العلوم السياسية لـ«بان غانم الصائغ» تحت عنوان: «الاحتلال الإثيوبي – الأمريكي للصومال»، يرى صاحبها أن المحاكم العسكرية تشكلت بعد اندماج جميع المحاكم في كيان واحد عام 2004، وانضم إليها عسكريون سابقون وعدد من أمراء الحرب، وتحولت المحاكم سريعًا إلى حركة سياسية عسكرية.

وفي عام 2005 اتفقت تلك المحاكم على تأسيس المجلس الأعلى للمحاكم الشرعية في مقديشو، وانتخاب شيخ شريف شيخ أحمد رئيسًا للمجلس، وبدأت تنفيذ عمليات مشتركة ضد العصابات المسلحة في عدد من أحياء العاصمة؛ ما أعاد الهدوء والاستقرار نسبيًّا.
«المحاكم الشرعية»
مواجهة أمراء الحرب
حارب اتحاد المحاكم الإسلامية مختلف أمراء الحرب الصوماليين وميليشياتهم؛ من أجل السيطرة الإقليمية، لاسيما في منطقة مقديشو، وبدأ تحقيق انتصارات عسكرية واسعة النطاق في مقديشو، وتمكن من السيطرة على العاصمة، لتصبح المرة الأولى منذ 15 عامًا التي يسيطر فصيل صومالي واحد عليها.

أجبرت «المحاكم» أمراء الحرب على الخروج من العاصمة، والتحصن بمدينة جوهر؛ وهو ما جعل «المحاكم الشرعية» تُتَّهم بأنها على صلة بتنظيم القاعدة، وهو ما رفضه شيخ أحمد، ثم في 2006 سيطر أيضًا على «جوهر».

بعد ازدياد شعبية «المحاكم» في الصومال بدأ الغزو الإثيوبي للصومال، برعاية أمريكية بررته بوجود أعضاء من تنظيم القاعدة أسهموا في تفجير مقرَّي سفارتيها في كينيا وتنزانيا، يختبئون في الصومال وقبلت إثيوبيا الدور؛ لأنها رأت بذلك فرصة للتودد إلى حليفها الأمريكي، والتخلص من قلقها حيال تعريب البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

في نهاية العام 2006 تدخلت إثيوبيا بشكل واضح في الخلاف الدائر بين الحكومة الانتقالية التي تدعمها والمحاكم، وفي نوفمبر دخلت القوات الإثيوبية الصومال، وقصفت مطار مقديشو، وبدأت تستولي على المدن الصومالية الواقعة تحت سيطرة المحاكم، حتى استولت على مقديشو بعد انسحاب قوات المحاكم منها.

وأعلنت المحاكم، التي تتلقى دعمًا من إريتريا، أن انسحابها يُعَدُّ انسحابًا تكتيكيًّا، وأنها تنوي الاستمرار في حربها ضد القوات الإثيوبية.

وظل الصراع، حتى أعلنت إثيوبيا في يناير 2007 استعدادها للانسحاب بقواتها من الصومال، خلال عامين، وهو ما تم في بداية 2009، وتم توقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين مجموعة إسلامية منشقة تحت قيادة شيخ شريف شيخ أحمد هي «تحالف إعادة تحرير الصومال» ورئيس وزراء الحكومة الفيدرالية الانتقالية نور حسن في جيبوتي.

وانفصل تنظيم الشباب عن اتحاد المحاكم الإسلامية، كطريقة للاحتجاج على الاتفاق، بعد أن استطاعت المعارضة الإسلامية المعتدلة الحصول على 200 مقعد في البرلمان، وانتخب زعيم تحالف إعادة تحرير الصومال شيخ أحمد رئيسًا للحكومة الفيدرالية الانتقالية في 31 يناير 2009.

منذ ذلك الحين يتهم تنظيم الشباب الإسلامي المتطرف الرئيس الجديد للحكومة الفيدرالية الانتقالية، بإنشاء حكومة انتقالية علمانية، واستمرت الحرب الأهلية منذ وصوله إلى القصر الرئاسي في مقديشو.