بوابة الحركات الاسلامية : الانتخابات الافغانية بين تحديات طالبان وداعش والانتماء العرقي (طباعة)
الانتخابات الافغانية بين تحديات طالبان وداعش والانتماء العرقي
آخر تحديث: الأربعاء 10/10/2018 03:56 م حسام الحداد
الانتخابات الافغانية
حسب رأي الكثير من المراقبين "للحالة الأفغانية"، فان العديد من القوى والفئات الأساسية في النزاع الدائر حاليا في أفغانستان، ترفض مبدأ "الانتخابات"، وبعضها يعتبر الانتخابات ممارسة غير إسلامية ويرفض حتى قبول نتائج أكثر الانتخابات شفافية ونزاهة. ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس الأقاليم في أفغانستان يوم 20 أكتوبر الجاري، ويأتي هذا في الوقت الذى أكد فيه مسئولو الأمن في البلاد على ضرورة أخذ الحيطة والحذر لضمان تأمين وسلامة الانتخابات.
وترى بعض هذه الفئات أن لغة السلاح ـ لا الانتخابات ـ هي "اللغة الحاسمة" لحل النزاع الحالي. كما تتلقى مثل هذه الفئات دعما خارجيا وتستخدم الإسلام وأحكامه الشرعية كغطاء لتحقيق أهدافها السياسية ومآربها العرقية. إذ تتبنى قراءة مختلفة للإسلام ـ دين القبائل الأفغانية كافة.
وفي هذا السياق، أعلن مسؤولون أفغان أمس الثلاثاء 9 أكتوبر 2018، مقتل 8 أشخاص، بينهم مرشّح للانتخابات البرلمانية، وإصابة 11 آخرين في هجوم انتحاري في جنوب أفغانستان، قبيل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية التي تعهّدت طالبان بتعطيلها، أول أمس الاثنين 8 أكتوير 2018، حيث هدد مسلحو حركة طالبان الأفغانية، بتنفيذ هجمات ضد أهداف انتخابية خلال الانتخابات البرلمانية و مجالس الأقاليم المقرر إجراؤها في البلاد في وقت لاحق من الشهر الجاري، ودعت الحركة - في بيان بثته وكالة أنباء (خامة برس) الأفغانية - كافة مقاتليها إلى "وضع عراقيل شديدة في طريقها، مع ضرورة الحرص على سلامة حياة المدنيين الأفغان وممتلكاتهم" .
وفي هجوم آخر، اقتحم «المئات» من مقاتلي طالبان موقعًا عسكريًّا في ولاية جاوزجان الشمالية أمس الأول، الاثنين، ما أسفر عن مقتل 12 جنديا على الأقل و30 من مقاتلي طالبان.
وقال الناطق باسم حاكم ولاية هلمند عمر جواك لوكالة فرانس برس: إن انتحاريًّا فجّر نفسه داخل مكتب انتخابي للمرشح صالح محمد اسيكزاي في مدينة لشكرقاه، واسكيزاي شاب يترشح للمرة الأولى للانتخابات وكان يقيم حملات انتخابية شعارها "التغيير الإيجابي". 
الانتخابات الافغانية
وتطرح هذه الحالة الأفغانية وتلك الحوادث أسئلة كثيرة، خصوصا مع اقتراب موعد التصويت في الانتخابات البرلمانية، وربما نستطيع حصر تلك الأسئلة في سؤالين جوهريين في الحالة الافغانية الأول يدور حول تأثير الجماعات الإرهابية على العملية الانتخابية ممثلة في طالبان وداعش والثاني يدور حول الانتماء العرقي ودوره في الانتخابات القادمة، خصوصا وأن الانتخابات الأولى والثانية، وفي الحقيقة، جميع الانتخابات السابقة التي جرت في أفغانستان كانت انتخابات قبليّة الطابع.
وفي بداية التسجيل للانتخابات في ابريل الماضي قام تنظيم الدولة "داعش" بهجوم انتحاري استهدف مركزا لتسجيل الناخبين في العاصمة الافغانية كابول قتل فيه 57 شخصا على الأقل، وأصيب 119 شخصا آخرين في الانفجار الذي وقع وسط تجمع من الناس كانوا منتظرين أمام مدخل المركز، وأعلن تنظيم الدولة "داش" مسؤوليته عن الهجوم عبر وكالة الأنباء "أعماق" التابعة له.
وهناكفئات أخرى لا تعتبر الانتخابات ممارسة مناقضة للعقيدة الاسلامية، إلا أنها تنظر إليها بعين الريبة. لذا، فإنها تشارك في الانتخابات ولكنها تصوت لصالح المرشح الذي ينتمي لمجموعتها العرقية. ومن المنصف القول إن الانتخابات الأولى والثانية، وفي الحقيقة، جميع الانتخابات السابقة التي جرت في أفغانستان كانت انتخابات قبليّة الطابع.
ولا يعني ذلك أن نتائج هذه الانتخابات عكست التركيبة العرقية لأفغانستان، وما حدث فقط يؤكد أن المشاركون في الانتخابات انما يستخدمونها فقط لإثبات تفوق قبائلهم على القبائل الأخرى. ومن هذا المنظور بالضبط، قدم المعلقون المقربون من الرئيس كرزاي قراءة عرقية للأصوات الانتخابية بعد إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة. فقد اعتبروا تلك النتائج مؤشرا على تفوق القبيلة التي يتزعمها الرئيس كرزاي.
كل هذا انما يؤكد حقيقة مهمة في النظام الانتخابي الأفغاني الحالي وهي: أنه من المستحيل أن يفوز ممثلو الأقليات العرقية بالرئاسة أو بمنصبي نائب الرئيس. وعندما سمع وزير الخارجية الأفغاني الحالي نبأ فوز باراك حسين أوباما الأسود بانتخابات الرئاسة الأمريكية، كتب بلغة مؤثّرة في صحيفة "الثامنة صباحاً" يقول: "هل سأشهد اليوم الذي يصبح فيه أيضا أحد الهزارا أو الطاجيك أو الأُزبكيين … رئيسا لبلادي؟".
وهناك اكثر من مائة حزب رسمي في أفغانستان والحقيقة ان الاحزاب التي تدعي بأنها وطنية، أي "لكل الأفغان"، أضعف الأحزاب الأفغانية على الإطلاق. في المقابل، تتمتع الأحزاب التي تمثّل قبائل ومعتقدات دينية محددة بقوة هائلة. ذلك لأن القدرة على تحريك أو تعبئة الناس تتركز حصريا في أيدي الأحزاب التي تستخدم "الدين" و"الانتماء العرقي" كسلاح. وشغلت هذه الأحزاب أيضاً مناصب عليا في حكومة الرئيس كرزاي، مع أن الرئيس نفسه يدعي بأنه يكره "الأحزاب". وفي الحقيقة، عبر كرزاي عن قناعة الشعب الأفغاني بأن تجربته مع الأحزاب حافلة بالذكريات الأليمة. ولهذا السبب، لا يشير القانون الانتخابي الأفغاني إلى حقوق الأحزاب السياسية.  وإذا سلمنا بأن التحدي الرئيسي الذي تواجهه الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي هو الحرب وانعدام الأمن، فهل يمكن اعتبار الانتخابات الأفغانية المقبلة وسيلة مناسبة للتغلب على هذا التحدي؟
وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة للتاريخ فحتى عام 1978، كان هناك حكومة فاعلة تستمد شرعيتها من ثلاثة مصادر تقليدية: القبلية والوراثية ودعم علماء الدين. وإثر الانقلاب العسكري الذي وقع في 27 من أبريل 1978، فقدت الحكومة العنصر الوراثي والدعم الديني. 
الانتخابات الافغانية
ويؤكد المحللون أن هذه هي أسباب القتال الذي نشب بعد ذلك، والذي عرف بالنزاع الداخلي أو بالحرب الأهلية. لكن مؤتمر بون والقوات الدولية العاملة في أفغانستان لم تركز قط على إزالة وحل هذا الجزء الأساسي من الأزمة الأفغانية. 
ورغم أن القوات الدولية أطاحت بحكم حركة طالبان، إلا أنها فشلت في القضاء عليها وعلى حلفائها. ويرجع ذلك لسببين: الأول رفض عناصر قوية داخل الحكومة الأفغانية الجديدة القضاء على طالبان، والثاني حرص باكستان الشديد على الاحتفاظ بالسلاح الفعال المتمثّل بحركة طالبان. ونتيجة لذلك لا تستطيع الانتخابات الأفغانية المقبلة إنهاء هذا الوضع. كما أن حركة طالبان ستحظى بدعم باكستاني حتى يضمن المجتمع الدولي عدم مطالبة أفغانستان في المستقبل بأي أراض باكستانية ـ في مقابل موافقة باكستان على إزالة حركة طالبان. لهذا السبب يساور المجتمع الأفغاني قلق دائم من احتمال اندلاع حرب أهلية مماثلة لحرب التسعينيات، في حال عدم فوز المرشح البشتوني بالانتخابات المقبلة.
ويؤكد هذا الوضع على أهمية بناء الدولة الوطنية في أفغانستان ويتطلب ذلك أن يبرهن المجتمع الدولي، على أرض الواقع، أنه لا يدعم العمليات القبلية وأنه يؤيد تشكيل معارضة سياسية وطنية الطابع، وأن يضمن المجتمع الدولي لباكستان حدودها الحالية لكي تتخلى عن فكرة زعزعة استقرار أفغانستان، بواسطة حركة طالبان. ولا بد من الإسراع في حل هذه المسألة لأن بعض الخبراء وصفوا الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفغانستان بأنها خطة للانسحاب الأمريكي من هناك. وهذا ما يثير القلق من إمكانية "عودة طالبان".
قد تتحول الانتخابات في أفغانستان إلى عملية ديمقراطية وإلى أداة لتوفير الأمن وضمان العدل، إذا اعترف الغرب بأن هذين الاستنتاجين يعكسان الأسباب الرئيسية للأزمة ـ ويبرزان العقبات الرئيسية التي تعترض سبيل إرساء الأمن والاستقرار في أفغانستان.