صدر للباحث في الجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري، كتاب جديد تحت عنوان “حديث مع الشيطان: جهادي فرنسي في أرض الإسلام”، عن دار “غرافيكاي” في مدريد، عن مركز “وحدة معالجة المعلومات والأمن العام” في إسبانيا، المتخصص في التطرف والعنف ومحاربة الإرهاب والجريمة، وقدم الكتاب رئيس المركز الباحث الإسباني في علم الجريمة الدكتور دافيد كاريغا والدكتور بهاء الدين، الباحث في شؤون الإرهاب بنفس المركز.
ويعد الكتاب الأول من نوعه في العالم العربي والمغرب في دراسة حالة الأجانب الأوروبيين الذين يعتنقون الفكر السلفي ويلتحقون بالجماعات الإرهابية داخل البلدان العربية، حيث لم يسبق أن انكبت الدراسات والأبحاث في العالم العربي على دراسة هذه الظاهرة. ويدرس الكتاب حالة الفرنسي روبير أنطوان ريشار، الذي أقام بالمغرب في نهاية التسعينات، وتزوج مغربية من مدينة طنجة واستقطبه السلفيون الجهاديون المغاربة.
ويعتبر ريشار أول أجنبي أوروبي يتزعم خلية إرهابية، ويبايعه السلفيون أميرا عليهم، إذ أنه ترأس جماعة جهادية في نهاية التسعينات بمدينة فاس كانت تخطط للقيام بعمليات إرهابية داخل المغرب أو في فرنسا، وتم إلقاء القبض على أفرادها عقب تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو 2003، وحكم على ريشار بالسجن المؤبد، وفي عام 2012 تم ترحيله في إطار التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا إلى بلده ليقضي باقي مدة العقوبة.
ويروي الكتاب قصة الجهادي الفرنسي منذ نشأته في مدينته سانت إتيان بفرنسا، وطفولته، ثم تعرفه على مهاجرين أتراك أقنعوه باعتناق الإسلام، وسفره إلى تركيا ثم إلى باكستان وأفغانستان، والتحاقه بالجماعات السلفية الجهادية في هذه الأخيرة، وتلقيه تدريبات عسكرية وتكوينا دينيا في معسكر خلدن في بيشاور. ثم دخوله إلى المغرب حيث تزوج فتاة مغربية وبدأ يعمل في التجارة قبل أن يتعرف على سلفيين مغاربة ويلتحق بالفكر الجهادي.
وأكد الكنبوري لـ”العرب” أن ما قام به مركز “وحدة معالجة المعلومات والأمن العام” برئاسة الدكتور دافيد كاريغا من خلال نشر كتابي في إسبانيا هو مبادرة تستحق التنويه، في إطار ترجمة الرؤية التي تحدثت عنها آنفا. وأعتقد أن هذه أول مبادرة يقوم بها مركز بحثي في إسبانيا بنشر كتاب لباحث عربي ومغربي، والخروج من الدائرة الضيقة التي يتحرك فيها الباحثون الأوروبيون الذين عادة ما ينصتون إلى بعضهم البعض ولا يلتفتون إلى الباحثين العرب الذين يقومون بأبحاث محترمة، ولذلك نجد أن الكثيرين يرتكبون أخطاء علمية في دراسة الظاهرة الإرهابية الجديدة التي تبقى لديها جذور ثقافية ضاربة في الثقافة العربية الإسلامية، لا يمكن للباحثين الأوروبيين أن يحيطوا بها إحاطة كافية.
ويدرس المؤلف ظاهرة التحاق الأوروبيين الأجانب بالفكر السلفي، وإشكالية القطيعة الثقافية والفكرية التي تحصل لهم بعد اعتناقهم للإسلام، وكيف أنهم يكونون لقمة سائغة في أيدي المتطرفين بسبب جهلهم بالإسلام وعدم تمييزهم بين الفكر المتطرف وبين الإسلام الحقيقي.
وينبّه المؤلف إلى خطر الدعوة التي يقوم بها أفراد سلفيون وجهاديون في أوروبا إلى الإسلام، بحيث يتم تدجين بعض الشباب الأوروبي وربطهم مباشرة بالجماعات المتطرفة بينما يعتقد الشخص الأجنبي أنه يعتنق الإسلام، لكن الواقع أنه يعتنق فكرا متطرفا.
المؤلف ينبه إلى خطر الدعوة التي يقوم بها أفراد سلفيون وجهاديون في أوروبا إلى الإسلام، بحيث يتم تدجين بعض الشباب الأوروبي وربطهم مباشرة بالجماعات المتطرفة
وأشار الباحث المغربي في حديثه لـ”العرب”، إلى أن الكتاب يتضمن شهادة مكتوبة للفرنسي ريشار، حصل عليها المؤلف منه مباشرة، وفيها يتحدث عن التحول في قناعاته المتشددة بعد تجربة الاعتقال، وتخليه عن الفكر الجهادي، ويوجه فيها انتقادات قوية إلى المتشددين، في ضوء تجربته الشخصية، كما يضم الكتاب ملحقا يتضمن حوارا مطولا مع ريشار، يروي فيه تجربته ومسار حياته وحيثيات اعتناقه للفكر السلفي الجهادي.
وحول الغاية من نشره بالإسبانية بعدما تم نشره سابقا في الرباط والقاهرة باللغة العربية، أكد الكنبوري لـ”العرب”، أن التحولات العالمية التي حصلت في المشهد الجهادي العالمي، وبروز ظاهرة المقاتلين الأجانب خاصة بعد ظهور تنظيم داعش، دفعتني إلى إعادة النظر في الكتاب مجددا وإعادة كتابته باللغة الإسبانية بطريقة جديدة تكون أقرب إلى القارئ الأوروبي، بحيث تم تحيين العديد من الأفكار والنظريات لتكون مناسبة للمتلقي غير العربي.
ويعتقد الكنبوري أن نشر الكتاب بلغة أوروبية لديها حضور عالمي كالإسبانية، يشكل مساهمة مغربية وعربية في دراسة ظاهرة المقاتلين الأجانب من خلال تجربة حيّة سبقت تنظيم داعش بسنوات طويلة وكانت أول تجربة من نوعها في العالم العربي، قبل أن يصبح المقاتلون الأوروبيون في صفوف داعش بالآلاف.
إن حالة روبير ريشار تشكل نموذجا يتكرر مع جميع الحالات الأخرى الجديدة، فهو أيضا كان ضحية الاستقطاب من طرف سلفيين جهاديين يعيشون في أوروبا، وخضع لغسيل دماغ، وتم إقناعه بالسفر إلى أفغانستان لتلقي التدريبات العسكرية والدروس الدينية في الجهاد، قبل أن ينتهي به المسار إلى السجن. إنه مسار واحد لدى جميع الأجانب الذين انخرطوا في الجماعات الجهادية المسلحة، مع فوارق طفيفة بين حالة وأخرى.
وأفاد الباحث في الجماعات الإسلامية، بأن تأليف الكتاب باللغة الإسبانية تطلب منه ما يزيد على شهرين، بذلت فيهما جهدا مضنيا من أجل تقديم إسهام علمي للباحثين الإسبان ومراكز البحث بإسبانيا حول ظاهرة الجهاديين الأوروبيين، في وقت كثر الحديث عنهم، وهو موجه أساسا إلى جميع المهتمين بالظاهرة الجهادية في أوروبا عامة وإسبانيا خاصة، لكنه موجه أيضا إلى مراكز البحوث المتخصصة والباحثين والدوائر الرسمية الحكومية في إسبانيا.
وحول ظاهرة التطرف والإرهاب يعتقد الكنبوري أنها أصبحت ظاهرة عالمية ولم تعد مقتصرة فقط في العالم العربي، وهذا يتطلب تضييق الفجوة بين الباحثين الأوروبيين وزملائهم في العالم العربي من أجل بلورة رؤية مشتركة تكون أساسا لمخططات واستراتيجيات حكومية محلية ودولية لمحاربة الظاهرة الإرهابية.
واعتبر الكنبوري أن الحكومات والدول في جنوب وشمال المتوسط تتقارب في ما بينها وتنسج علاقات شراكة وتعاون في مجال محاربة الإرهاب، ولكننا للأسف نلاحظ أن الباحثين في الضفتين لا يزالون بعيدين عن بعضهم البعض، ولا ينسقون في ما بينهم لصياغة خطاب مشترك ووضع مقاربات متقاربة، إذ أن هناك اليوم معضلة ترتبط بالتباين الكبير في المقاربات العلمية لدى الباحثين في الضفتين، الأمر الذي يجعل الاتفاق حول مقاربة ناجعة وعملية هدفا صعبا.
ولفت الكنبوري إلى أنه في القارة الأوروبية تنتشر المقاربات التي تأخذ بعين الاعتبار بعدا واحدا من أبعاد الظاهرة، من خلال التركيز مثلا على العلوم السياسية كمدخل منهجي، أو التركيز على الجوانب الجيواستراتيجية في الإرهاب، بينما يتم إهمال الأبعاد الأخرى، مثل البعد الديني والثقافي والتاريخي والبعد المتعلق بالعلاقات الدولية، لذلك لا بد من إدماج مختلف هذه الأنساق المعرفية لضمان الحد الأدنى من المنهجية العلمية في دراسة ظاهرة العنف والإرهاب والتطرف.
وتجدر الإشارة إلى أن الكنبوري قد أفاد لـ”العرب” بأنه قام بعقد ملتقى علمي تم خلاله تقديم وتوقيع الكتاب في إشبيلية يومي 5 و6 أكتوبر.
وأضاف أن اللقاء حضره مجموعة من المختصين الإسبان وخبراء من الأمن الإسباني، وشارك فيه بورقة تحت عنوان “السلفية الجهادية والازدواجية”.
(العرب اللندنية)