بوابة الحركات الاسلامية : السلفية التونسية.. الانتشار والمواجهات مع الدولة (طباعة)
السلفية التونسية.. الانتشار والمواجهات مع الدولة
آخر تحديث: الجمعة 26/10/2018 10:46 ص حسام الحداد
السلفية التونسية..
مدخل:
قدمنا في ورقة بحثية سابقة تعريفًا بالسلفية بشكل عام من ناحية اللغة والمصطلح والنشأة في تونس وارتباطها بالوهابية السعودية، كذلك تحدثنا عن دور النظام البورقيبي في بروز التيار السلفي، وتفرعات السلفية في تونس وصراعاتها نتيجة الاختلاف في الصف السلفي، ومن ثم تداعيات الخطاب السلفي، وقد زيلنا البحث بمجموعة من الاستخلاصات، أهمها:
 - حالة التمزّق الوجداني والمعرفي الحادّ بين مضمون هذه الفتاوى والقيم التي حاولت المدرسة الحديثة والجامعة التّونسيّة ترسيخها في وعي النّاشئة، عبر اختصاصات متعدّدة في كليّات الحقوق والعلوم الإنسانيّة والسّياسيّة والفلسفة والآداب، بل والكليّة الزّيتونيّة نفسها التي تعدّ عمومًا امتدادًا لثقافة الإصلاح والتّنوير والاجتهاد التي تصدر عن المدرسة المقاصديّة التي رسّخ معالمها الشّيخ الطّاهر بن عاشور، غير أنّ هذا الإحساس بالتمزّق يتقلّص كلّما ترسّخ اعتقاد المنتمي إلى هذا الفكر، وانخرط في مجموعة يربطها سلوك مشترك وإحساس بالتّضامن، ويتحوّل إلى إحساس بالغربة باعتبارها الرّابطة الشّعوريّة التي تجمع بين القلّة التي تعيد للإسلام مجده.
-الانحراف عن مسلك اكتساب المعرفة الدينيّة من مظانّها من خلال الاطّلاع على مدوّنات العلوم بعقل تحليلي تأليفي ومنهج تاريخيّ مقارني وروح نقديّة حرّة بشكل يمكّن من إحداث التّراكم المعرفي والفرز والغربلة؛ بقصد الحفاظ على الإنساني الأصيل، وتجاوز الظّرفي المحلّي المطبوع بملابسات لحظته التّاريخيّة. ولعلّ هذه القيم من أهمّ ما راهنت عليه المؤسّسة التّعليميّة في تونس.
-الانحراف عن القيم نفسها التي نهضت السّلفيّة الأولى مع ابن تيميّة بالدّعوة لها مثل تحريم ثقافة الاتّباع والتّقليد، ورهن الإرادة للشّيخ المفتي.
غير أنّ الملابسات السّياسيّة والثّقافيّة التي وجدت فيها السلفيّة التّونسيّة لم تشجّع على سلوك مسلك النّظر والاجتهاد.
ويمكن اختزال هذه الملابسات خاصّة في تسارع نسق التّحديث وغياب الأطر التي تضطلع بدور متابعة نتائج هذه السّياسة وآثارها على الوعي والسّلوك العام للتّونسيين، والعمل على تبيئتها والملاءمة بينها وبين الموروث الثّقافي.
لقد أدت كلّ هذه الملابسات إلى الشكّ والتّشكيك في صدقيّة سياسة التّحديث، وفي المقابل أدّت إلى انتهاج مسلك التّقليد الذي راهن على أنّ من قلّد عالمًا فقد لقي الله سالما، ولا بدّ لكلّ مسلم من شيخ يبيّن له حكم الشّرع في كلّ مجالات الحياة.
كما أدّت إلى انخراط فئات من الشّباب التّونسي المتديّن الذي شكّل لاحقًا الظّاهرة السّلفيّة في حالة من الانفصام الباثولوجي بين الشّرعي والوضعي والدّيني والمدني، مستشعرًا الإحساس بالغربة، ومنخرطًا في ثقافة الغربة بكثافاتها العاطفيّة التي أحال عليها الحديث النّبويّ "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا.. فطوبى للغرباء".
أمّا مع السّلفيّة الجهاديّة فالأمر يتجاوز ثقافة العزلة واستشعار الغربة إلى ثقافة النّفير والتّعبئة والتّرغيب في الجهاد والشهادة والجنّة والتّرهيب من القعود والتولّي يوم الزّحف.
وتبقى السّمة البارزة للسلفية بنوعيها هذين هي غياب المعرفة التي تؤسّس لفهم حركة الواقع واستيعاب مستجدّاته، ويبقى الفكر السّلفي غائبًا عن الثّورة المنهجيّة في مجال المعارف التي تتناول مسائل الدين وعلومه.
وسوف نتناول في هذه الورقة البحثية "السلفية التونسية وتمددها في تونس"، خصوصًا بعد ما أُطلق عليه الربيع العربي، والذي بدأ "بثورة الياسمين" في تونس، والصراع السلفي مع حركة النهضة من ناحية ومع الدولة من ناحية أخرى، وكيف كان للسلفية التونسية اليد الطولى في أحداث العنف واغتيال النشطاء الحقوقيين والمدنيين في تونس، ومن ثم آفاق المستقبل لهذه الحركة.

مقدمة:
تشهد تونس حركة سلفية جهادية متنامية منذ سقوط الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في يناير 2011. وتدعو الحركة السلفية الجهادية إلى إقامة دولة إسلامية، وترفض الاعتراف بشرعية مؤسّسات الدولة الحديثة.. تصاعدُ التهديد الذي تشكّله الحركة من شأنه أن يزعزع عملية الانتقال الديمقراطي الهشّة في البلاد.
استقطب هجومان حدثا في الآونة الأخيرة اهتماماً عالمياً: أحدهما على شاطئ في سوسة في يونيو 2015 والآخر على متحف باردو الوطني في مارس 2015، غير أن هذين الهجومين، واللذان خلّفا حوالي 60 قتيلاً، يمثّلان تصعيداً أكبر كان يتراكم منذ العام 2012، وهو العام الذي شهد أول هجوم إرهابي ضدّ قوات الحرس الوطني على الحدود التونسية- الجزائرية.
وفقاً لبلال الشواشي، السلفي الجهادي البارز الذي ينتمي إلى جماعة أنصار الشريعة، وهي جماعة سلفية جهادية تأسّست في أبريل 2011، فإن في تونس أكثر من 50 ألفاً من السلفيين الجهاديين. وأعلن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 5500 تونسي يقاتلون ضمن الجماعات الجهادية في سورية والعراق وليبيا واليمن ومالي. ويتولّى الجهاديون التونسيون أدواراً قيادية في الحركات الجهادية في سورية والعراق. وبعد هجوم سوسة، أعلن رئيس الوزراء التونسي أنه تم منع 15 ألفاً من التونسيين من السفر للانضمام إلى الجماعات الجهادية.(1)
 لقد تمكّنت السلفية الجهادية من الانتشار بسهولة أكثر في تونس بعد سقوط نظام بن علي بسبب ضعف المجال الديني وعدم الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية.
فلماذا تنتشر السلفية الجهادية جنباً إلى جنب مع عملية التحوّل الديمقراطي التي كان من المتوقع أن تجعل هذه الأفكار المتطرّفة أقل شعبية؟ في إطار هذا التحوّل، تمكنت الأحزاب الإسلامية من أن تعمل بحرية وأن تحكم. وهذا هو حال حزب النهضة الإسلامي، الذي فاز في أول انتخابات عُقدَت بعد انتفاضة تونس (في أكتوبر 2011)، وهي ثاني أقوى كتلة في البرلمان الحالي، وحزب جبهة الإصلاح السلفي، الذي شارك في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر 2014. ومع ذلك، فقد تمكّنت السلفية الجهادية من الانتشار بسهولة أكثر في تونس بعد سقوط نظام بن علي بسبب ضعف المجال الديني وعدم الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية.
يكمن السبب وراء هذا التطوّر في القواعد التي كانت تحكم المجالات السياسية والدينية في ظل حكم بن علي على مدى السنوات الثلاث والعشرين التي أمضاها في منصبه، والتي أثّرت في فترة ما بعد الثورة. خلال سنوات ما بعد الثورة، أدّى منح الأولوية للمسائل السياسية والدستورية إلى إهمال الشروخ الاجتماعية والاقتصادية الموروثة من عهد بن علي، ولم تتمّ إلى حدّ كبير تلبية توقّعات الطبقتَين الدنيا والوسطى. 
وهذا غذّى مشاعر الاستياء في أوساط الشباب وشجّع على التطرّف. كما أن تهميش بن علي للتعليم الديني وفرض ضوابط أمنية مشدّدة على المساجد، خلق فراغاً في المجال الديني سمح للفاعلين الدينيّين المتشدّدين بالظهور بعد سقوط النظام لتجنيد أعضاء جدد في صفوف الشباب؛ ولذا تشهد تونس الآن الآثار الطويلة الأجل لأوجه القصور تلك.(2)

الانتشار وأسبابه:

تمكنت السلفية الجهادية، التي بدأت كحركة متطرّفة على هامش المجتمع، من التوسّع في تونس بعد العام 2011 بسبب التغيّرات السياسية والاقتصادية السريعة. وجذبت في المقام الأول الشباب الذين يشعرون بأنه تم استبعادهم من جانب النظام السياسي في مرحلة ما بعد "بن علي"، ووفّرت متنفّساً لردود فعلهم العنيفة في بعض الأحيان على فشل الدولة في دمجهم اجتماعياً واقتصادياً. وقد أدّى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطبقتين الدنيا والمتوسطة بعد الثورة، وفشل الحكومة في معالجة المطالب الاجتماعية والاقتصادية، إلى إذكاء تطرّفهم. وعلى الرغم من أنه تم إضفاء الشرعية السياسية على النهضة في الانتخابات التي أعقبت ثورة العام 2011، فقد فشل الحزب الإسلامي في ما بعد في ترويض ظاهرة السلفية الجهادية عن طريق التعاطي بصورة ملائمة مع تهميش الشباب.
 ثمّة سوء فهم شائع بأن انتشار الأيديولوجيا الجهادية بين الشباب يعكس صراعاً طبقياً؛ حيث تمثّل النهضة الطبقة الوسطى المحافظة بينما تعبّئ الحركة السلفية الجهادية الطبقات الدنيا. وعلى الرغم من أن الكثير من الشباب الذين انجذبوا إلى الحركة السلفية كانوا يعيشون على أنشطة اقتصاديّة هامشيّة وكان بعضهم من أصحاب السوابق العدليّة، فإن الكثير منهم من خرّيجي الجامعة من أبناء الطبقة الوسطى ومع ذلك فقد فشلوا في العثور على وظائف وفرص تلبّي توقّعاتهم.(3)
تشهد المعلومات المختصرة عن الشباب المشاركين في الهجمات الأخيرة على انتشار الحركة الجهادية بين الطلاب من أبناء الطبقة الوسطى والمهنيين الشباب. أحد منفّذي الهجوم على متحف باردو كان طالباً في المرحلة الثانوية من الطبقة الوسطى ووالده مزارع، وأعمامه معلمون من محافظة القصرين. كانت القصرين، الواقعة على الحدود الجزائرية، واحدة من معاقل الثورة ضدّ نظام زين العابدين بن علي، ولكن بعد أربع سنوات لا تزال تعاني من التهميش وغياب التنمية. الشاب الثاني المتورّط في هجوم باردو ينحدّر من إحدى الضواحي الخاصة بالطبقة العاملة في تونس. وقد انقطع عن التعليم في المرحلة الجامعيّة وكان يعمل ساعي بريد في وكالة سفر. أما سيف الدين الرزقي، منفّذ هجوم سوسة يوم 26 يونيو 2015، فقد كان طالب ماجستير من منطقة سليانة المهمّشة. كانت عائلته من الطبقة الدنيا، على الرغم من أن والديه كافحا لضمان مستوى لائق من المعيشة لأبنائهما. وعلى الأرجح أصبح الرزقي متطرّفاً من خلال الانترنت.(4)
تعكس هذه المسارات حقيقة أن التطرّف يخترق كل الطبقات الاجتماعية. كما أنها تعكس الدور المتطوّر لعملية تطرّف ذاتي تجري خارج المجال الديني، وتستفيد من التغيّرات التي تحدث في حياة الشباب وفشل النظام السياسي والاقتصادي في دمجهم وتوفير الحماية لهم. فقد شهد الشباب التونسي أزمة عميقة تنطوي على سمتين أساسيتين: أزمة اقتصادية-اجتماعية تميّزت بعدم يقين عام بشأن المستقبل فاقمها البحث العميق عن معنى في مجتمع يعيش استقطاباً حادًّا.
ما من شكّ في أن خطر الحركة الجهادية يكمن في قدرتها على جذب الشباب، مثل الثلاثة المذكورين آنفاً، الذين لم يكونوا راضين عن وضعهم الاجتماعي. وقد أظهر مسح أجري في منطقتي سيدي بوزيد والقصرين حول العوامل الاجتماعية والديموغرافية التي فجّرت الانتفاضة أن 62 في المئة من الشباب المتخرّجين حديثاً يعتقدون أن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي أسوأ من وضع ذويهم.(5) وقد تطوّر هيكل البطالة في السنوات العشر الماضية وأثّر بقوة على الأشخاص من ذوي التعليم العالي بصورة خاصة، حيث ازداد عدد خريجي الجامعات بين الباحثين عن العمل من 11 في المائة في العام 2000 إلى 33.2 في المئة بحلول نهاية العام 2013. ومن بين العاملين حالياً، هناك 85 في المئة من العمال لم يتخرجّوا من المدرسة الثانوية. وبعبارة أخرى، فإن الشباب التونسي، وخاصة خريجي الجامعات، عالقون في مجتمع غير قادر على توفير الفرص الاجتماعية والمهنية.
يرتبط استياء الخريجين بالفجوة بين مخرجات النظام التعليمي والفرص التي تتيحها سوق العمل، إذ يدخل سوق العمل كل عام حوالي 140 ألف شخص للتنافس على 60 إلى 65 ألف وظيفة فقط، ما يحكم على قطاع واسعٍ من الشباب التونسي بالبطالة التي تنطوي على مفارقة متناقضة: الحاصلون على مؤهلات جامعية هم في الواقع أكثر عرضة إلى أن يبقوا عاطلين عن العمل أو أن يعملوا في وظيفة لاتتوافق مع مؤهلاتهم.(6) وهذا يعني أن النظام التعليمي لم يعد يسمح للشباب بتسلّق السلّم الاجتماعي، ما يتسبّب في انكماش الطبقة الوسطى وتغذية التوتّرات الاجتماعية.
أصيب الشباب المتضرّرون من هذه الظاهرة بخيبة أمل، خصوصاً عندما انتهت تغييرات العام 2011 الثورية فجأة. فقد كانت السياسات التي نفّذتها حكومات ما بعد بن علي، مثل "الحظائر"، وهو برنامج توظيف على نطاق واسع، وعلاوة (أمل)، التي كانت منحة مؤقّتة لخريجي الجامعات تم وقفها في مايو 2015، أساساً تدابير طارئة حاولت كبح جماح الغضب الاجتماعي. 
ارتفعت معدلات البطالة في الواقع منذ سقوط نظام بن علي؛ لأن تباطؤ الاستثمارات وزيادة حالة عدم اليقين السياسي وتجدّد الفساد واستمرار الركود الأوروبي (تُعَدّ أوروبا الشريك الاقتصادي الرئيس لتونس).. تضافرت جميعاً وأدّت إلى تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي. وأظهر تقرير للبنك الدولي صدر مؤخراً حول إدماج الشباب في تونس أن 33 في المئة من الشباب (ما بين خمسة عشر وتسعة وعشرين عاماً) غير مندمجين بأيّ شكل من الأشكال، وهذا يعني أنهم لا يتعلّمون أو يعملون أو يتدرّبون.(7)
لذلك، فإن التفاؤل الذي نجم عن الثورة تعكّر؛ حيث يقدّر 90 في المئة من الشباب الذين يعيشون في ضواحي تونس أن وضعهم لم يتغيّر، ويعتبر 46 في المئة منهم أن وضعهم أصبح أسوأ مما كان عليه في ظل نظام "بن علي". في هذا السياق من خيبة الأمل العامة، تغذّي تجاوزاتُ أجهزة الشرطة مشاعرَ الاستياء والمرارة في أوساط الشباب في المناطق الحضرية والأحياء الشعبيّة. والواقع أن غياب الإصلاح الجادّ في وزارة الداخلية فتح الباب أمام عودة العديد من الممارسات القمعية من أيام نظام "بن علي"، بما في ذلك التعذيب في أقسام الشرطة والسجون. 
وكما أشار آرون زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن "الانتهاكات يمكن أن تكون مصدراً للتطرّف أو إعادة التطرّف بالنسبة إلى أولئك الذين تخلّوا عن الحركات الجهادية في السنوات القليلة الماضية".(8) وفي ظل هذه الظروف، من المرجّح أن يخلق تطبيق حالة الطوارئ بعد هجوم سوسة والتدابير المقيّدة للحريات في قانون مكافحة الإرهاب الصادر في يوليو 2015 مناخاً من الإفلات من المحاسبة بين الأجهزة الأمنية ويُذكي التطرّف. ومن المرجّح أن يستمر الشعور العام بالظلم لدى الشباب المحبَطين، ويتجلّى في عدم الرضا الشعبي تجاه السياسة الحزبية والاعتقاد بأنه تم اختطاف الثورة من جانب النخبة السياسية.
إن وجود شباب ساخطين لا يؤدّي إلى التطرّف بصورة ثابتة، ومع ذلك، فإن التصور القائل إنهم لايستحقّون مكانتهم المتدنّية يؤجّج الشروخ المجتمعية ويستدعي العنف. وقد وجد الكثير من الشباب التونسيين ممن تلقّوا تعليماً جيداً وكانوا مصمّمين على تحقيق نهوض اجتماعي على مايبدو، أنفسهم بدل ذلك مهمّشين بسبب البطالة أو انعدام الأمن، بدءاً من برنامج الإصلاح الهيكلي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، مروراً بتنفيذ إصلاحات الخصخصة وتحرير الاقتصاد في التسعينيات، وانتهاءً بفشل وعود ثورة العام 2011. وكما تقول أغنية سلفية شهيرة، فإنهم "غرباء" فقدوا الشعور بالانتماء إلى المجتمع.(9) بالنسبة إلى هؤلاء الطامحين لأن يكونوا أفراداً في الطبقة الوسطى والذين فشلوا في أن يجدوا مكاناً لأنفسهم في مجتمع يعاني من الفساد والمحسوبية، أصبحت السلفية الجهادية توفّر هوية احتجاجية.

أحداث العنف الأخيرة:

ولكي يعلم القارئ مقدار ما تعانيه تونس من العمليات الإرهابية واستخدام العنف وجب على الباحث عرض تسلسل زمني لأبرز أحداث العنف التي تعرضت لها تونس خلال عام.
 18 مارس 2015: شهدت العاصمة تونس تفجيرا أودى بحياة 21 شخصا، غالبيتهم من الأجانب، شنه ثلاثة مسلحين على متحف باردو. ولقي سياح من دول أوروبية مختلفة، منها إيطاليا، وبولندا، وألمانيا، وإسبانيا، حتفهم في ذلك الهجوم. 
وكان نواب البرلمان التونسي، المجاور للمتحف، يناقشون حينها مشروع قانون لمكافحة الإرهاب خلال وقوع الهجوم. وفي أعقاب الهجوم أيضا، أعفى رئيس الوزراء التونسي ستة من كبار المسئولين الأمنيين من مناصبهم، بينهم قائد شرطة العاصمة.
26 يونيو 2015: استهدف مسلح منتجع سوسة الساحلي شرقي تونس، ما أسفر عن مقتل 38 من السائحين الأجانب، أغلبهم من بريطانيا. وفي أعقاب الهجوم، أجلي آلاف السائحين من تونس، وألغت العديد من الشركات السياحية رحلاتها إليها. كما أغلقت السلطات في تونس نحو 80 مسجدًا تُتهم بـ "نشر السم" في البلاد.
4 يوليو 2015: الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي يعلن حالة الطوارئ بشكل مؤقت في جميع أنحاء البلاد. وقال الرئيس التونسي: إن البلاد "في حالة حرب"، وحذر من أنها ليست بمأمن من مزيد من الهجمات، وذلك بعد أسبوع من الهجوم الذي وقع في مدينة سوسة الساحلية.
17 نوفمبر 2015: وزارة الداخلية التونسية تعلن عن إحباط مخطط "إرهابي" لشن هجمات على منشآت سياحية في مدينة سوسة، وتلقي القبض على عشرات المشتبه بهم تقول إنها تعتقد أنهم تلقوا تدريبات في سوريا وليبيا.
 24 نوفمبر 2015: هجوم انتحاري يستهدف حافلة تابعة للأمن الرئاسي في العاصمة تونس، ما أدى لمقتل 20 شخصًا. وقالت وزارة الداخلية في تونس: إن عشرة كيلوجرامات من المتفجرات استخدمت في الهجوم على الحافلة. وأعلن الرئيس التونسي حالة الطوارئ مرة أخرى لمدة شهر واحد في أعقاب ذلك الهجوم، كما أعلن مجلس الأمن الوطني التونسي إغلاق الحدود مع ليبيا لمدة 15 يومًا.
وكان هذا أول هجوم انتحاري تشهده تونس العاصمة. وقد سبق ذلك حادث انتحاري في منتجع سوسة في أكتوبر 2013، وتفجير انتحاري آخر استهدف كنيسًا يهوديًّا في جزيرة جربة راح ضحيته 21 شخصًا.
3 مارس 2016: مقتل خمسة أشخاص من المشتبه بهم تقول الشرطة إنهم إسلاميون متشددون، في اشتباكات قرب الحدود مع ليبيا، بحسب بيان لوزارة الداخلية التونسية.
7 مارس 2016: أسفرت هجمات شنها مسلحون على مقار للجيش والشرطة في مدينة بنقردان عن مقتل 53 شخصا، بينهم 35 مسلحًا، و18 من أفراد الأمن والمدنيين، حسب إحصائية وزارة الدفاع التونسية. وقال الرئيس التونسي: إن هجوم مدينة بنقردان كان يستهدف إقامة ولاية جديدة "لتنظيم الدولة الإسلامية" في تونس، مشيرًا إلى أن السلطات التونسية كانت تتوقع مثل هذا الهجوم لكن ليس بذلك الحجم.
9 مارس 2016: داهمت قوات الأمن التونسية مجموعة من "المسلحين الإسلاميين" في بلدة بنقردان قرب الحدود مع ليبيا وقتلت سبعة منهم.
وفي معظم هذه الأحداث وما قبلها قد أدين التيار السلفي الجهادي في تونس، فما هي طبيعة هذا التيار ومحدداته؟ هذا ما سوف يناقشه الباحث في الجزء المتبقي من هذه الورقة.
وبخصوص مشاركة التيار السلفي في الزخم الثوري، فيمكن أن نميز بين موقفين لهذا التيار موقف ما يطلق عليه بالسلفية العلمية، والموقف الآخر هو موقف السلفية الجهادية.

أولاً: السلفية العلمية: 

تلك السلفية التي تؤمن بعدم الخروج على ولي الأمر مهما بلغت درجات الظلم والفسق طالما لم يمنع إقامة الشعائر، فقد بقوا في وضع الولاء لآخر لحظات النظام المخلوع. كما لم يدونوا طرفًا في التحركات لاعتبارات فقهية تتعلق بالفتاوى التي لا تجيز التظاهر الذي لم ينص عليه كتاب أو سنة نبوية. وكذلك لاعتبارات عقائدية تتعلق بالخوف من الفتنة. ومثلما لم يكن لهم حضور واضح في مختلف أحداث ما بعد الثورة. فإنهم لم يجدوا أشكالاً نظريًا أو نفسيًا في الاندماج مع الواقع الجديد ضمن الضوابط العقائدية والشرعية التي يقوم عليها منهجهم، وعرفوا بالتالي انتعاشة مهمة بحكم أنهم لم يكونوا طرفًا في المعارضة السياسية الحزبية. فقد تواصل نهج الولاء لكل حاكم (ولي أمر) بقطع النظر عن ملابسات السياسة، فما بالك إذا كان ولي الأمر الإسلامي النهضوي مصنفًا ضمن أهون الشرور وإن لم يحكم بالشريعة. وتواصل النشاط الدعوي العلمي دون انقطاع أو انكسارات، بل انتعش بفضل ما عرفته الساحة المسجدية من محاصاصات فرقية غاب عنها الطرف الأساسي، وهو حركة النهضة ضمن التزامها بتحييد المساجد، وفي المقابل شهدت المساجد حالة من الصراع على المنابر والدروس والحلقات انفردت فيها كل فرقة بمسجد حسب موازين القوى التي تتمتع بها في المسجد أو الحي. فرد على ذلك عودة بعض المشايخ وعلى رأسهم الشيخ البشير بن حسن أحد رموز التيار السلفي العلمي في تونس الذي تطور خطابه الديني بشكل لافت وعبر عدد من المناسبات عن مواقف من قضايا دينية تثير جدلاً سياسيًا.(10)

ثانيًا: السلفية الجهادية :

قد كان المئات من اتباع السلفية الجهادية في بداية أحداث الثورة التونسية في السجون بمقتضى قانون الإرهاب. كما كانت الوجهة الجهادية الغالبة على أتباعها رغم حادثة سليمان العابرة.(11) لذلك كان الموقف من الثورة في البداية مضطربًا على غرار موقف الأحزاب السياسية، ولكن قبل 14 يناير بأيام رأيناهم في الأحياء الشعبية ينخرطون مع أبناء هذه الأحياء في استهداف انتقامي من مقرات السيادة خاصة مراكز الشرطة، كما رأيناهم دون رايات أو شعارات بارزة. وبعد سقوط "بن علي"، انخرطوا بشكل تلقائي في حماية الأحياء والمراقبة ليظهروا بشكل كثيف ومنظم في اعتصام القصبة الثاني؛ حيث سيطروا على القيادة الفعلية للاعتصام من خلال احتلال مساحة تابعة لمبنى وزارة المالية أشبه بالمصطبة أو مدار المسرح. نظموا من خلالها كل ما له علاقة بالتموين والحاجات المادية وخاصة الغذائية للمعتقمين. كما أفتكوا جزءًا مهمًا من المساحة الإعلامية والتنشيط الثقافي للاعتصام. وقد كان ذلك يتم في أجواء نفسية مشحونة ضد حكومة الوزير الأول محمد الغنوشي، وحدت كل المعتصمين ولم تترك مجالاً للصراع الأيديولوجي والفرز والتمايز، رغم وجود مناوشات من حين لآخر على خلفية ذلك. ومنذ إقرار المجلس الوطني التأسيسي وجهة للتونسيين، بدأ الصراع في تونس يأخذ وجهة انتخابية حادة بغلاف ذي طابع حضاري ثقافي ديني. وهذا المناخ المتسم بالتدافع هو ما أخرج التيار السلفي الجهادي من سريته. لا باعتباره امتدادًا للتيار الإسلامي وأحد مكوناته بل باعتباره مكونًا مستقلاً ومتمايزًا عن بقية التشكيلات الإسلامية تمايز الفرقة الناجية والطائفة المنصورة عن فرق الضلال.(12)

السلفية وتأثرها بالعوامل الجديدة بعد الثورة:

تكررت الإشارات البحثية إلى عدم وجود حركة سلفية في تونس بالمعنى السيوسيولوجي والتنظيمي، أي عدم وجود علني مهيكل ومنظم له أطروحات متجانسة وناطقون رسميون يعبرون عنه ومنتمون أو أنصار واضحون في أدائهم السياسي وفي فعلهم في الشأن العام، وهو ما يجعلنا لا ندري إن كانت السلفية حركة عقائدية دعوية تعليمية أم سياسية دينية أم عسكرية جهادية أم كل ذلك، ويقتضي القول بأننا إزاء ظاهرة في حالة غليان واحتضار واختبار تاريخي صعب. فهي ظاهرة بالمعنى السوسيولوجي للظاهرة بما هو فعل اجتماعي يمارسه جموع من البشر، وهي بالتعريف ظاهرة نسبية بحكم نسبية الظروف التي أنتجتها والتي تتحكم في تداخل عناصرها وترابيطها.
وتبعًا لذلك، فنحن أمام ظاهرة اجتماعية لها بعد ديني عقائدي سلوكي سياسي بالمعنى الأنثروبولوجي للسياسة من حيث القدرة على التأثير في الناس وممارسة القوة المادية والمعنوية المنظمة والتلقائية. وتشكيل السلطة، وتنظيم العلاقات والروابط بين المجموعات. وبهذا المعنى فهي ظاهرة في طور التشكيل المفتوح على كل الانتظارات الممكنة التي أفضلها لتونس أن تتطور الظاهرة نحو الاندماج السلمي في المنظومة السياسية، وأن تعبر عن معتقداتها الديية وقناعاتها السياسية، وتدافع عنها مثل كل الحركات الفكرية والسياسية وتطرحها لاختيار المجتمع، أما أسوأ تلك الاختيارات، فهو الانخراط في مخططات عنيفة تحت عنوان الجهاد.


المراحل التاريخية للسلفية الجهادية:

تنقسم المراحلة التاريخية للسلفية الجهادية إلى أربعة مراحل، المرحلة الممتدة من تأسيس قاعدة الجهاد إلى نهاية الحرب الباردة، ثم المرحلة الممتدة من نهاية هذه الحرب إلى هجمات 11 سبتمبر 2001، ثم مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، والمرحلة الأخيرة والتي نعيشها الآن، وهي مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي.
ففيما يتعلق بالمرحلة الأولى التي تمتد من تأسيس قاعدة الجهاد إلى نهاية الحرب الباردة، فقد تميزت بالانتقال السريع مع المحاولات الفاشلة لمواجهة الدولة القائمة إلى البحث عن تجربة ناجحه من خلال التموقع في ثغرات الصراع الدولي، وتحديدًا صراع الحرب الباردة.
وفي هذا الإطار، سمح الصراع في أفغانستان بإيجاد النموذج التأسيسي الناجح. فقد مثل الصراع الذي كانت تعيشه أفغانستان في ذلك الوقت، فرصة لاستهداف القوتين الداخلية والخارجية معًا في المخيلة الجهادية. إلا أن الظروف أدت إلى تأجيل الصراع مع قوى محلية تتقاطع مع التيار على مستوى عقدي بدرجة أولى ومستوى سياسي بدرجة ثانية (المحور السعودي- الباكستاني). وقد سمح هذا الخيار بتوطيد ضمني للعلاقة بين التوجه السلفي العلمي والتوجه السلفي الجهادي، وأصبحت خطوط التماس بينهما أكثر ضبابية بسبب هذه الخيارات الاستراتيجية الكبرى. كما أدى استثمار هذا النموذج الناجح من قبل التنظيمات الإخوانية. في سياق التعبئة ما دام العدو في نهاية الأمر خارجيًا، إلى أن تغدو خطوط التماس بين التنظيمات الإخوانية والسلفية الجهادية ضبابية أيضًا، ولعل أبرز تمثيل لتلك الضبابية ما تحوزه شخصية عبدالله عزام مثلاً من ارتباط الهوية الإخوانية بالجهادية على المستوى الرمزي.
فقد تأسست تحت رايته قاعدة الجهاد التي كانت تنظيمًا عروبيًا على مستوى البيئة وخلق حالة اندماجية عربية فريدة مننوعها في تاريخ التنظيمات السياسية العربية. (13)
ثم وبنهاية الحرب الباردة تولدت مرحلة ثانية دامت إلى هجمات 11 سبتمبر 2001. وقد تميزت هذه المرحلة بلحظة فراغ ودهشة داخل السلفية الجهادية؛ حيث لم يتمكن قياديوها من تحديد المهام التكتيكية الرئيسية، وانقسمت اجتهاداتهم العلمية بين توجه طويل الأمد لتأسيس تنظيم دولي وتطويره من جهة، وبين البحث عن اقتناص فرصة في أي ساحة قطرية أو محلية لتأسيس نواة دولة إسلامية من جهة أخرى، ولقد مثلت مجموعة أسامة بن لادن والأطراف المحيطة به وجهة النظر الأولى؛ حيث كان توجهها الرئيسي نحو البعد الدولي، على حساب الصراع مع القوى الداخلية الذي اعتبره ثانويًا. وتتمثل ذروة نضج هذه الرؤية في نشأة قاعدة الجهاد في أواسط التسعينيات مع بداية تراجع التجارب الرئيسية في التكتيك الثاني. وخاصة منها تجربة الجماعات في كل من الجزائر ومصر، وقد كان القيادي الفلسطيني أبو قتادة من مستقره في لندن يمثل نقطة الوصل بين الرؤيتين، بحيث لم تكن الرؤيتان متصارعتين بقدر ما كانتا متكاملتين، وحيثما بدا التكتيك الثاني أكثر مغامراتيه واحتمالاً للتفكك والاندثار، كان التكتيك الأول أقدر على تقديم نموذج أنجح من الثاني. وقد كانت هجمات سبتمبر ذروة عمليات التوجه الأول.
ثم كانت المرحلة الثالثة ما بعد هجمات سبتمبر حتى نهاية العشرية الأولى للقرن الحادي والعشرين. وتتميز هذه المرحلة بالعودة لحالة المواجهة مع الطرف الخارجي، مع محاولة استعادة النموذج الأفغاني والحنيني إليه. وفي هذا السياق برزت فكرة "الفسطاطين" وتنفيذها بين "دار السلام" و"دار الكفر" مع جلب "رأس الكفر إلى ديار الإسلام". وهو ما تجسم في التجربة العراقية من خلال المنازلة الرئيسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والسلفية الجهادية بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ففي العراق خاصة بداية من 2005، برز للعيان احتمال التناقض التكتيكي بين الرؤيتين، ممثلين في أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي. فقد عمق الزرقاوي كل ما يستطيع من قوة استهداف الطرف الداخلي مختزلاً إياه في الطائفة الشيعية، وساوى بينه وبين العدو الخارجي. بل إن سهام الزرقاوي كانت تركز بشكل خاص حتى في حالة الوجود العسكري الأمريكي المباشر، على استهداف الطائفة لا الجيش الأجنبي. فأمير الذباحين، كما كان يلقبه أنصاره كان يساوي بين الذبيحة الداخلية والذبيحة الخارجية، وبين المدني والعسكري. وفي المقابل، كان الظواهري يضغط من أجل تغليب الطابع السياسي للصراع من خلال التركيز على الطرف الأمريكي وعدم استهداف الشيعة كطائفة.
ولقد كانت حسابات الظواهري، في علاقته بالتموقع في المنطقة خاصة على مستوى قراءته للدور الإيراني، مؤثرة في رؤيته للخطط العلمية المسلحة في العراق التي حاول بكل الوسائل منعها من أن تكون صراعًا ضد الشيعة كطائفة وتركيزها على القوات الأمريكية. وفي هذا السياق، كانت عدم قدرة أبو مصعب الزرقاوي على التأقلم مع سياقه العشائري السني الذي أراد أن يكون ناطقًا باسمه من أهم عوامل نجاح تجربة الصحوات في العراق. وقد أدت محاولته التحول إلى سلطة مذهبية عقائدية لا مجرد سياسة فقط في السياق السني، إلى اصطدامه بالقبيلة وسلطتها وانحسار، بالتالي تأثير السلفية الجهادية في العراق مع نهاية العشرية الأولى من الألفية الجديدة، وهم ما لم يمنع بقائها في بعض الجيوب التي ستكون أساس إعلان دولتها، الدولة الإسلامية في العراق، في سنة 2006 وكان إعلان الدولة بمثابة الثأر النفسي من فشل التجربة في الواقع؛ حيث تلقى التنظيم ضربات قاسية، منها اغتيال الزرقاوي نفسه، وكانت تلك فرصة لتجسيم الهوية الداخلية القطرية للتجربة السلفية في العراق من خلال بروز قيادات عراقية، وتأصيلها كقيادات ما فوق قومية (أمراء المؤمنين) بناء على هويتهم العربية القرشية المفترضة، وكانت غالبيتهم منتسبي القوات المسلحة العراقية السابقين. بالموازاة مع ما كان يحدث بالمشرق العربي. استمرت تجربة التيار في الجزائر في حالة صراع بين خط تكفيري وصل إلى أقصاه ونهايتها مع عنتر الزوابري وبين خط آخر مسلح أقل عقدية وأكثر تسيسًا حاول التأقلم مع توازن القوى الجديد في صالح السلطات. فكلما تمكنت السلطات الجزائرية من التقدم وإحراز انتصارات، كلما انحصرت هذه التجربة في جانبها المسلح المسيس ممثلة في الجماعة السلفية للدعوة والقتال. إلا أن الانغماس التدريجي لهذه المجموعة في ما كان يحصل من العراق. خلق مجالاً عمليًا جديدًا أنهى عزلة هذا التيار ودفعه إلى التحول من تكتيك المواجهة الحصرية لقوى الداخل إلى تكتيك مواجهة قوى إقليمية ودولية. وكانت مبايعة تنظيم القاعدة 2007 عنوان هذا التحول. بحيث كان انضمام السلفية الجهادية في الجزائر بشكل رسمي لفكرة القاعدة انضمامًا في شكل إقليمي وليس قطريًا. أي تحت مظلة قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي. 
ولكن كانت نهاية العشرية الأولى من الألفية مرحلة تراجع للعدو الخارجي؛ حيث بدأ انسحاب الجيوش الخارجية خاصة من العراق، فقد كانت بالمقابل مرحلة تضاعفت فيها القوى الضاربة للأنظمة القطرية الحاكمة، وهو ما أدى إلى أن تعيش السلفية الجهادية مرحلة تراجع كبير كي لا نقول مرحلة بحث عن البقاء. (14)، وفي هذه المرحلة، وفي سنة 2008 تحديدًا، كان من الطبيعي وليس من المصادفة، أن يكتب كتاب "إدارة التوحش" (15) فقد كان بقاء السلفية الجهادية يحتاج لـ"التوحش"؛ لذا فقد كانت التجارب الأكثر عنفوانًا منحصرة في ساحات الدول الفاشلة مثل اليمن والصومال ومالي، بينما كانت المراجهات هي السائدة بالمقابل على ساحات الدول المركزية القوية، وهي المراجعات التي عرفت ذروتها فيما قام به القسم المصري من السلفية الجهادية، عبر أسماء كبيرة مثل كرم زهدي وغيره.
ثم كانت المرحلة الرابعة وهي مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، فبعدما كانت هذه الثورات من حيث انطلاقاتها السلمية الواضحة ومضمونها الديمقراطي دليلاً على أزمة السلفية الجهادية كبديل لمواجهة الأنظمة العربية، بقدر ما كانت توفره على المدى المتوسط والطويل في بعض الأقطار، ظروفًا موضوعية مناسبة لامكان نشأة حالات "التوحش" التي كان يحتاجها التيار للعودة إلى الساحة. وفي هذا السياق تحديدًا ومن الساحة الأكثر تعقيدًا وإغراء للسلفية الجهادية، كانت الفرصة مواتية للعودة بقوة من خلال وجود نظام شمولي قمعي طائفي بامتياز على الحدود الإسرائيلية وبمحازاة العراق، ونقصد سوريا تحديدًا.
فعلى خلفية رمزية الفضاء الشامي، كانت هذه الساحة في ذات الوقت تمثل الحالة المثلى لانتعاش السلفية الجهادية في مرحلة ما بعد الثورات، لكنها كانت أيضًا المكان المثالي لتصادم التكتيكية، تكتيك العدو القريب (الداخلي) وتكتيك العدو البعيد (الخارجي)، وتحول الأمر من مجرد خلاف إلى تناقض وصراع وجود يشق صفوف السلفية الجهادية بشكل واضح ويجعل المعركة معركة إلغاء متبادل لا حل وسطى فيه.
وكان هذا حال الصراع بين الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصر في سوريا، إنه صراع بين رؤية مرنة نسبيًّا تقبل التحالف مع تنظيمات قريبة غير متطابقة عقديًا بالضرورة. وبين تيار يعتبر تركيزه نواة الدولة العقدية المذهبية خطًّا أحمر لا يقبل معه التفاوض.
فالصراع العراقي السوري داخل تيار السلفية الجهادية (أبو بكر البغدادي/ أبو محمد الجولاني) هو تعبير مركز عن صراع أشمل داخل السلفية الجهادية استغرق أربعين سنة لينضج ويصل مرحلة الفرز؛ حيث لم يعد من الممكن التكتيك المرن أن يسمح بخلق تحالفات محلية مع التكتيك الاسئصالي الذي يسعى إلى تأسيس الدولة المحلية العقدية الخالصة. لقد غدا مستحيلاً أن تبقى "دولة البغدادي دون إلغاء خيار التنظيم الدولي المتمدد والمشتت للظواهري".

التجربة الجهادية التونسية :

ضمن هذه القراءة التاريخية ، يمكن أن نضع تجربة التيار السلفي الجهادي في تونس في سياقاتها الكبرى، لقد كانت النواة الأولى للتيار السلفي الجهادي في أواسط الثمانينيات ضعيفة وعلى هامش الأحداث الكبرى التي شهدها العالم آنذاك، ولم يشتد عودها وبلوغ بعض الصلابة التنظيمية إلا قبيل هجمات الحادي عشر من سبتمبر في المجال المتراوح بين أوروبا والملجأ الأفغاني، ممثلة بصفة تكاد حصرية في "الجماعة التونسية المقاتلة" في منقطة جلال آباد. ولم ينطلق التيار بفعالية في الإطار التونسي إلا بعد هجمات سبتمبر وانطلاق الحرب الأمريكية على العراق. لقد كانت تلك نقطة فارقة؛ حيث بدأ التحاق المقاتلين التونسيين بالحركات الجهادية في العراق وخاصة "حركة التوحيد والجهاد" ثم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، فتنظيم الدولة من العراق والشام. (16) وحين ننظر بعيون تونسية للتطورات الحالية، يجب أن نقرأ أمرًا أساسيًا، وهو توجه شباب تونسيين كثر منذ تشكيل التنظيمات "الجهادية" في العراق إثر الحرب الأمريكية نحو العراق خاصة منذ عامي 2004- 2005، وتقدم "سجلات سنجار" (17)، مثالاً جيدًا عن وجود مقاتلين أجانب (المهاجرين) في العراق سنة 2007، قبل ثورات الربيع العربي وتشير بخاصة إلى وجود انتحاريين تونسسين، ومسئولية بعضهم عن تفجير مرقد الإمامين الهادي والعسكري في سامراء سنة 2006، وإلى أن الشخص الذي كان مكلفًا طيلة فترة طويلة بتأمين مرور جملة المقاتلين الأجانب من سوريا إلى العراق (بدعم النظام السوري) كان يدعى "أبو عمر التونسي".، كما تبين لنا الحضور الراهن للمكون التونسي في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بشكل لا يقبل الشك. بل إن العناصر التونسية في هذا التنظيم كان لها دور محوري في العمليات العسكرية التي توجت باستيلاء التنظيم على مدينة الموصل. وحسب بعض التقارير الصحفية، فقد تم إحصاء 14 انتحاريًا تونسيًا في عمليات متفرقة في العراق بين شهري مارس وإبرايل 2014 (18). إن هذا الحضور التونسي يعني بلا شك أن تقول تنظيم الدولة في العراق والشام البعيد آلاف الأميال، لا يمكن أن يكون في نهاية المطاف حدثًا بعيدًا عما يمكن أن تعيشه تونس في المستقبل.

التيار الجهادي في تونس والإرهاب:

من الحديث عن السلفية الجهادية في تونس، وتحديدًا فيما يتعلق بتكثيف العمليات الإرهابية بعد الثورة، روجت مغالطة جعلت الإرهاب يبدو ببساطة صنيعة ما بعد الثورة. بل وتم استغلال هذه المغالطة من قبل بعض الأطراف لتقايض بين رهان الديمقراطية وخيار الأمن. ومهما كانت دوافع تبني البعض لهذه الفكرة، فإنه يمكن دحضها لسببين:
أولاً: إن النجاح الأمني الصلب لا يمكنه أن يوجد إلا من خلال أمن جمهوري مستديم، وهو الأمر الممكن فقط في سياق دولة ديمقراطية. وفي المقابل، فإن الاستبداد يمكنه التعايش مع الإرهاب دون أن يقتلعه. إن تونس الآن في وضع دقيق فمن وجهة أولى يجب أن تتأقلم الأجهزة المسلحة للدولة، بما في ذلك مؤسساتها الاستخباراتية، مع الوضع الجديد وتستوعب التكتيكات والتدريبات الخاصة لمقاومة الإرهاب، ومن جهة أخرى يجب أن تعالج الآثار الجانبية السلبية للثورة على تماسك الجهازين الأمني والعسكري، بوضعها الجهاز الاستخباراتي للدولة، حيث لا يمكن أن تتوائم الديمقراطية مع الترتيبات القديمة للجهاز قبل الثورة.
ثانيًا: ما يزال الفارق بين إرهابي ما قبل الثورة في تونس وإرهابي ما بعد الثورة فارقًا كميًا لا نوعيًا، فقد كان عدد المساجين الذين حوكموا بمقتضى قانون "مكافحة الإرهاب" تحت نظام بن علي حوالي 2000 سجين، كان منهم حوالي 350 من المصنفين من ذوي "التدريب العسكري"، أو ممن نشطوا في تنظيمات عسكرية في أفغانستان والجزائر والعراق، وقد وسعت الثورة المجال للإرهاب؛ كي يستثمر المآسي الهيكلية العميقة لمخلفات دولة بن علي خاصة في الجهات الحدودية المهمشة، وفي ظل عدم قدرة الحكم بعد الثورة عل استيعاب هذه المخلفات واستغل حالة "العفو العام" (مجسدة خاصة في "العفو التشريعي العام" في فبراير 2011). ومساحة الحريات الهائلة، لتأسيس خلاياه والتمدد من خلال توسيع دائرة المنتدبين والمرشحين للانتداب.(19) 
ومع ذلك فإن الفارق بين إرهابي ما قبل الثورة وما بعدها يبقى إلى حد الآن كميًا، فالتدريب والتأطير والتسليح يتم أساسًا خارج تونس، وقد يغير ما يجري في سوريا والعراق بعض الشيء في الوضع الراهن إذا ما عادت قيادات جيدة التدريب ومتمرسة بشكل كبير على المعارك اليومية القوية الدائرة هناك إلى تونس، إذ ستشهد حينها نقلة نوعية بفعل بروز قيادات جيدة على الساحة التونسية قادرة على القيادة والمبادرة والتخطيط.

بين الانتظام والتوحش:

هناك ثلاثة عناصر رئيسية فيما يتعلق بالتيار السلفي الجهادي في تونس:
1- يوجد تمايز بين تمظهر المنتمين للتيار بين من رفض التنظيم، وبين من اختاره في شكل تنظيم "أنصار الشريعة". وهذا لا يعني فقط أن كل منتم للتيار منتظم بالضرورة في أنصار الشريعة، بل يعني وجود فرق جوهري بين المنتظيم في الحراك وبين المنتمين للتنظيم بمعزل عن مدى متانة البنية التنظيمية لأنصار الشريعة.
2- هيمنة صورة أنصار الشريعة على صورة التيار لدى الرأي العام، والحال أن تنظيم أنصار الشريعة نفسه كانت تتنازعه تركيبتان وخطابان مزدوجان يراوحان بين الدعوي السياسي من جهة، وبين العنف والإرهاب من جهة أخرى، وبخصوص العنف تم الاتجاه نحو التركيز على خلق جيوب للفوضى والتمرد ومحاولة ترجمة حرفية في بعض الأحيان لاستراتيجية التوحش.
3- تشتت ذهن أتباع كل من التنظيم والتيار بين التركيز على فهم الأوضاع المحلية والتعامل معها، وبين مسألة الارتباطات بالشبكات الإقليمية والدولية للجهاد. فالمرجعية السايسية والعقيدة كانت دائمًا بلا شك من الخارج بالأساس، أما العمق الحركي فلم يتحول نحو الخارج إلا خلال السنة الأخيرة على وجه الخصوص ليتوزع بين ليبيا والعراق وسوريا.

جماعة أنصار الشريعة السلفية الجهادية:

تأسّست جماعة أنصار الشريعة في أبريل 2011 كجماعة ضمن الأيديولوجيا السلفية الجهادية، غير أنها كانت تركّز بصورة خاصة على التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية. وعلى الرغم من أنها تعتبر في كثير من الأحيان الجماعة الأكثر تنظيماً داخل تيار السلفية الجهادية التونسي، فإنها مع ذلك ذات بنية فضفاضة، ويتزعّمها مؤسّسها سيف الله بن حسين، المعروف باسم أبو عياض.
حركة "أنصار الشريعة" هي مجموع ثلاثة أجيال من الجهاديين التونسيين ذوي الخلفيات والخبرات المختلفة. ذلك أن جيل الجهاديين الذين انضموا إلى تنظيم القاعدة في أفغانستان أو في أوروبا في تسعينيات القرن الماضي، والذين كان قد تم تسليمهم وحكم عليهم بالسجن في تونس وجيل من التونسيين الشباب الذين يشتبه في انضمامهم إلى الجهاد العراقي بعد الغزو الأمريكي في العام 2003، غالباً ما وجدوا أنفسهم مسجونين معاً خلال العقد الماضي، واستفادوا من سجنهم لتنظيم الحركة السلفية الجهادية والتي سيطلق عليها في ما بعد "أنصار الشريعة". انضم جيل أصغر سنّاً من الشباب إلى الحركة بعد انتفاضة العام 2011، وهو جيل مرّ بتجربة تسيُّس سريعة بفعل تحرُّر المجال العام الذي تلا سقوط نظام زين العابدين بن علي، وأصبحت حركة أنصار الشريعة راسخة تماماً، على الرغم من كونها نوعاً من التعبير عن العمل الاجتماعي والفكر الجهادي أكثر منها جماعة حسنة التنظيم.
وبينما كان بعض السلفيين الجهاديين الذين أسّسوا حركة أنصار الشريعة يؤمنون في السابق بالحاجة إلى الكفاح المسلح لإقامة دولة إسلامية، فقد دفعهم الربيع العربي إلى تغيير تكتيكاتهم والتركيز بدلاً من ذلك على العمل الدعوي لنشر العقيدة الدينية لتمهيد الطريق أمام قيام الدولة الإسلامية. ويعدّ مؤسّس "أنصار الشريعة" أبو عياض، الذي شارك في العام 2000 في تأسيس الجماعة التونسيّة المقاتلة (التي صنّفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منظمة إرهابية في العام 2002)، مثالاً ساطعاً على هذا التطوّر. اعتقل أبو عياض في العام 2003 في تركيا وتم تسليمه إلى تونس، حيث سجن حتى يناير 2011. وبعد سقوط زين العابدين بن علي، قام بتغيير نهجه وأسّس حركة أنصار الشريعة. وقد أصرّ في مناسبات مختلفة على أن العنف فخّ وأن التركيز ينبغي أن ينصبّ على إعداد المجتمع لحكم الإسلام من خلال الأنشطة الدينية والاجتماعية، وليس القتال.(20) ولتحقيق هذه الغاية، سيطر أعضاء أنصار الشريعة على عدد من المساجد ووزّعوا المنشورات الدينية، ونظموا اجتماعات دعوية لنشر أفكارهم.
لاحظ المراقبون أن حركة أنصار الشريعة تصرّفت في البداية كحركة اجتماعية شبابية تستهدف الجماهير المحرومة. كانت الحركة مرتبطة فكرياً، وليس سياسيا أو عملياً، مع الحركة السلفية الجهادية العالمية، وكانت في البداية بعيدة عن تبنّي الرؤية المروّعة التي يروّج لها تنظيم القاعدة.(21)
غير أن بعض أعضاء حركة أنصار الشريعة شاركوا بالفعل في الاحتجاجات العنيفة كوسيلة لمواجهة الدولة. ومن الأمثلة على ذلك الهجمات على سينما "أفريك آرت-Afric'Art"  بسبب عرضها الفيلم المثير للجدل "لا ربي لا سيدي" في 26 يونيو 2011؛ وعلى مكاتب قناة "نسمة" التلفزيونية الخاصة بسبب بثّ الفيلم الفرنسي- الإيراني "برسيبوليس" في 9 أكتوبر 2011؛ وعلى السفارة الأمريكية للاحتجاج على فيلم أمريكي مسيء للنبي محمد في 14 سبتمبر 2012.
ذهب البعض الآخر في أنصار الشريعة إلى أبعد من ذلك؛ حيث حملوا السلاح إمّا خارج تونس من خلال الانضمام إلى الجماعات الجهادية في سورية والعراق أو داخل تونس من خلال استهداف قوات الأمن والشخصيات السياسية العلمانية. وأدّى ذلك إلى سلسلة من الهجمات ضد الشرطة التونسية واغتيال اثنين من الشخصيات السياسية المعارضة، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في فبراير ويوليو 2013، على التوالي. عرّضت الاغتيالات عملية الانتقال السياسي بعد الثورة إلى خطر لأن القوى السياسية العلمانية اتّهمت أنصار الشريعة بالوقوف وراء الاغتيالات وحزب النهضة الإسلامي الحاكم بحمايتها. صنّفت حكومة علي العريّض أنصار الشريعة كجماعة إرهابية في أغسطس 2013، وتنحّت النهضة عن السلطة في يناير 2014.
ومن هنا ينتقل الباحث إلى المرحلة الأخيرة من هذه الورقة، والتي سوف يتناول فيها علاقة الصراع بين حركة النهضة وأنصار الشريعة.

العلاقة بين النهضة وأنصار الشريعة:

سوف يركز الباحث في هذا الجزء من الوقة البحثية على العلاقة بين حركة النهضة وأنصار الشريعة من خلال قراءة في بعض البيانات الصادرة من الطرفين، ونجد أن بيان حركة النهضة المنشور في جريدة الفجر نيوز 19-3-2012 يعد مهمًا لفهم العلاقة بين حركة النهضة والسلفية الجهادية في تونس، والذي جاء فيه:
"تحرص الحركة على إشاعة قيم التوافق وتحذر من هطورة دفع البلاد إلى أتون الصراعات والاستقطابات الأيديولوجية التي تنال من الوحدة الوطنية وتعيق تحقيق أهداف الثورة.. إن حركتنا حركة إسلامية وسطية مجددة، تؤمن بالحوار سبيلاً لمعالجة الاختلافات والاحتقان، في إطار التزامها بالخيار الديمقراطي ورفضها للعنف والإكراه ودفاعها عن حق الجميع في النشاط وحرية التعبير. لقد كان الاستبداد وحزب المؤسسة الزيتونية واستهداف حركة النهضة بالاستئصال ومحاربة مظاهر التدين مدعومة بنخبة مستهنة بالعامل الديني السبب الرئيسي في رد فعل الشباب المتدين الذي بلغ حد استخدام السلاح، وأن مناخ الحرية والحوار كفيلان بنشر التدين الوسطي المعتدل".(22) ويقول عادل بن عبدالله في ورقة بحثية بعنوان "في العلاقة بين أهم الفاعلين الجماعيين وتنظيم أنصار الشريعة في تونس"، عن هذا البيان: من الواضح أن هذا البيان يحاول- على الأقل في مستوى الواقع النصي- أن يتجاوز التعارض الجوهري والمطلق بين الإسلام ذاته وبين الديمقراطية (بالنسبة للسلفية بشقيها العلمي والجهادي)، والموجود بين الإسلام السياسي الحديث وأسسه الفلسفية الإنسانية، بالنسبة للكثير من المدافعين عن علمانية الدولة والمعادين لتيار الإسلام السياسي بجميع تشكيلاتها. فإغراء هذا الخطاب (ونقطة ضعفه في الآن نفسه)، هو أنه لا ينتمي إلى مرجعية فكرية متجانسة ولا إطار نظري واضح، ولكنه خطاب فعال من الناحية السياسية، أي من جهة قدرته على الحشد الجماهيري، وهو كذلك خطاب مقلق بالنسبة للسلفية الجهادية؛ لأنه ينازعها "الرأسمال الديني"، ويقوم بإدارته بطريقة تخالف ما تعارف عليه أهل العلم وما استقر عليه رأي جمهور العلماء في الفضاء السني، ذلك الفضاء الذي طالما السلفيون يذكرون بأنهم ورثته وحماته، وبأنهم يتحركون انطلاقًا من إلزاماته العقدية والفقهية المقررة عند أهل السنة والجماعة.(23)
إننا أمام خطاب يصدر عن حركة تُعرف نفسها على أنها حركة "إسلامية وسطية مجددة"، ولعل من مظاهر هذه الوسطية وهذا التحديد هو الإيمان بالحوار لتجاوز "الاختلافات والاحتقان"، و"الالتزام بالخيار الديمقراطي" ورفض "العنف والإكراه". ولا شك أن أي مبتدئ في المنهج السلفي سيرى أن هذا الخطاب هو خطاب "علماني" لا علاقة له بالإسلام في فهمه السلفي. حيث أننا نعلم الموقف السلفي من الديمقراطية ومن الاحتكام إلى القوانين الوضعية، وكذلك الموقف من الدولة الوطنية.
وتتابعت الأحداث إلى أن وصلت النهضة بخطابها السياسي المرتكز على الدين وخطاب المظلومية التي نالتها على أيدي نظام بن علي إلى سدة الحكم في تونس ثم أعلنت جماعة أنصار الشريعة جماعة إرهابية وجاء الرد من شيوخ السلفية في بيان صادر في 29-8-2013 بجريدة الصباح نيوز عن هؤلاء الشيوخ. وإن كانوا لا ينتمون تنظيميًا إلى أنصار الشريعة ولكن لهم حظوة ومكانة عند أتباع هذا التنظيم، هذا البيان الذي يوضح لنا الأمر بصورة أفضل عند تعقيب أولئك الشيوخ على قرار الترويكا وضع أنصار الشريعة على قائمة التنظيمات الإرهابية:
"وها هو من زعم أنه ظلم بالأمس يتحالف مع جلاديه ويعطي الدينة في دينه (إن كان له دين)، وها هي الحكومة تبيع شبابًا همه نصرة الدين في سوق التخاسة العالمي تتقرب بهم لمعبودها الغرب الكافر وعلى رأسه هُبل العصر.. وعدم تطبيق شرع الله جعل الحكومة تتخبط في أحوال حرب الدين، وجعلها توالي الكفار وتتقرب إليهم، بل تستجيب إلى جميع طلباتهم مقابل أن يرضوا عنهم ويتركوا لهم فتاتًا من السلطة يشبهوا بها نهمهم ويرضوا بها غرورهم، فلا دينًا خدموا ولا شرعًا حكموا ولا دينًا أصلحوا رغم اتساع رقعة الفساد في بلدنا وانعدام الأمن وتدهور الاقتصاد.. لم يجد من زعم يومًا أنه ينتمي إلى حزب إسلامي من طرق الإصلاح إلا أن يستغيث بالكفار ويستدعيهم ضد المسلمين الموحدين بدعوى حرب الإرهاب، وها هم يجرون أنصار الشريعة إلى قائمة الإرهاب. والله لن يغيير أنصار الشريعة وما فعلوه، والحمدلله الذي كشف خبثهم وعرى سوء فضحهم على الملأ، وما بقي أمام من زعم أنه يريد نصر الله إلا أن يختار: إما أنصار الرحمن، وإما عباد للشيطان، فلم يبق خيار".(24)
ومن خلال هذا البيان يحمل شيوخ السلفية حركة النهضة الجزء الأكبر من المسئولية الحكومية (باعتبارها المشرف على رئاسة الحكومة)، وذلك في قرار إدراج أنصار الشريعة في قائمة المنظمات الإرهابية، ويجعلون من هذه الحادثة المفصلية في تطور العلاقة بين النهضة والسلفية الجهادية، مناسبة لصياغة نقد جذري لحركة النهضة، وهو نقد يقيم مفاصلة تكاد تكون نهائية بين المدافعين عن شباب "همه نصرة الدين" (أي الشباب السلفي الجهادي)، وبين من "زعم أنه ظلم بالأمس"، وزعم أن حكومته "ستندرج في تطبيق أحكام الشرع".، أنه نقد يتجاوز في تأثيراته الاجتماعية والأمنية (بل في تأثيراته على القواعد النهضوية الشابة ذات التكوين "شبه السلفي" بحكم اشتراكها مع الشباب السلفي في منابع التدين ذاتها، أي نقد سياسي من الممكن أن توجه المعارضة العلمانية إلى النهضة وإلى أدائها الحكومي.
إن هذا النقد يحاول نسف "النسب" الإسلامي لحركة النهضة، بل نسف قيمه "المظلومية" التي كانت من أهم العوامل المشجعة لعامة الناس من غير الإسلاميين ومن غير الملتزمين بالمرجعية الدينية في سلوكهم اليوم، على اختيار حركة النهضة، فهي في أفق انتظارهم ومن أمثلتهم لمعنى المظلومية ولمفاعيل التدين تمثل النقيض الموضوعي والفكري لـ"بن علي" ولنظامه "الظالم" اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، لكن ها هو من "زعم يومًا أنه ينتمي إلى حزب إسلامي".. "يتحالف مع جلادي الأمس" و"يوالي الكفار"، ويتقرب إليهم.. لا شك أن هذا الهجوم السياسي العقدي على حركة النهضة يوجب استصحاب الحكم الفقهي لموالاة الكفار، ولتبعات ذلك في أصول السلفية الجهادية، تأسيسًا على أحد أهم أصولهم ألا وهي عقيدة "الولاء والبراء"، وأخيرًا لو استقرأنا بيانات حركة النهضة وبيانات أنصار الشريعة (وقياداتها قبل الإعلان عن التنظيم رسميًا) لوجدنا أن هذه العلاقة قد مرت من جهة حركة النهضة بمراحل يمكن أن تعبر عنها بالطريقة التالية:

المرحلة الأولى:
وهي المرحلة التي سبقت الانتخابات؛ حيث حاولت حركة النهضة أن تستثمر الرأسمال الديني الذي كادت السلفية أن تحتكره في عهد "بن علي"، بحيث يمكننا في هذه الفترة أن نعتبر الخطاب النهضوي خطابًا رديفًا للخطاب السلفي وليس خطابًا ضديًّا له التركيز على الأخوة الدينية بين الإسلاميين وعلى وحده الهدف مع اختلاف الوسائل وتعدد المناهج، التركيز على مسألة الدفاع عن الهوية وجعل الشريعة مصدرًا رئيسيًا من مصادر التشريع، والوعد بمراجعة مجلة الأحوال الشخصية في مسألة التبني وغير ذلك من المسائل التي قد تخالف "ما علم من الدين بالضرورة".
فالنهضة كنت ترى أن الخلاف بينها وبين السلفية الجهادية تحديدًا كان في أن الحركة قد اختارت سياسة التدرج في تطبيق الشريعة والقبول بالتنظيم الحزبي القانوني بناء على فهم مقاصدي للشريعة (لكنه بقي فهمًا هلاميًا بالنسبة لعوام المسلمين ومنهجًا غير منضبط بالنسبة إلى السلفية). وقد كانت النهضة في هذه المرحلة والتي تليها تراهن على تغير السلفية الجهادية في إطار مناخ الحريات وابتعادها عن منهج العنف (أي المنطق الجهادي الذي هو صورة دينية من آليات الانقلاب ورفض الاحتكار للإرادة الشعبية).(25) 

المرحلة الثانية:
وهي التي أعقبت الانتخابات وبداية اشتغال المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة الترويكا برئاسة النهضة، وجدت حركة النهضة نفسها من جهة أولى إزاء استحقاقات دولية تحكمها متغيرات محلية وإقليمية وموازين قوى هشة، كما وجدت نفسها من جهة ثانية، أمام انتظارات ناخبيها- خاصة المتدينين منهم- أولئك الذين انتظروا منها الحركة تحقيق وعودها الانتخابية (26). بما في ذلك "أسلمة" القانون التونسي وجعل الشريعة مصدرًا رئيسيًا فيه، ولا شك أن الضغط السلفي (والضغط المصاحب له من قواعد الحركة ذاتها) كان كبيرًا إلى درجة جعلت قيادات الحركة في مونبليزير (وفي الكتلة النيابية بالتأسيسي) تعرب عن مواقف متذدبذبة (بل ومتناقضة أحيانًا)، وهو ما سيكون له دور كبير على الحقل السياسي وعلى الموقف التفاوضي لحركة النهضة مع القوى المعارضة ومع شريكها في الترويكا.  وفي هذه المرحلة كانت الحركة مصرة على عدم التضييق على أنصار الشريعة أو غيرهم من الجهاديين؛ وذلك انطلاقًا من مبدأ "حق الجميع في النشاط وحرية العبير".
المرحلة الثالثة:
وهي المرحلة التي أعقبت تنامي العمليات "الإرهابية" التي تستهدف رجال الأمن والجيش الوطني (حتى قبل تصنيف أنصار الشريعة تنظيمًا إرهابيًا من طرف حكومة علي العُريض في 27 يونيو 2013 (27).. أصبح الحديث عن السلفية الجهادية (وعن أنصار الشريعة تحديدًا) يتم عبر بديل جامع تشترك فيه النهضة مع سائر التنظيمات الفاعلة ألا وهو مفهوم "الإرهاب".
وفي هذه المرحلة أصبح الموقف من الإرهاب هو أداة الفرز الأساسية من الحقل السياسي، بحيث كان على حركة النهضة أن تأخذ مكانها في الإجماع الوطني على محاربة الإرهاب واعتباره أولوية قصوى. ولكن النهضة حاولت أن تتمايز عن المعارضة بأن عملت على عدم اختزال الأزمة في الخطر الإرهابي (28)، فالبيان الصادر من مجلس شورى "حركة النهضة بهذا الخصوص يلح على أن مخاطر الإرهاب لا تنقل سياقيًا ولا وظيفيًا، من حيث آثارها الكارثية على الأمن والاقتصاد، عن منطق الانقلاب والسلوك السياسي الفوضوي وذلك في إشارة واضحة إلى طيف كبير من المعارضة توحدت تحت "جبهة الإنقاذ" التي أعلن تأسيسها في 26-7-2013 (وقبل ذلك نشطت المعارضة ذات المطالب الانقلابية على أفعال 23 أكتوبر جميعها) تحت راية "الاتحاد من أجل تونس" الذي أعلن عنه الباجي قائد السبسي في 7 ديسمبر 2012، فالوحدة الوطنية لا يمكن أن يكون "خارجها المطلق" هو النهضة، بل الإرهاب، كما أن الوحدة الوطنية تقتضي الاعتراف بالقانون الشرعي؛ ولذلك فإن النهضة (بامتلاكها لهذين الشرطين) هي جزء من تلك الوحدة وليست كيانًا سياسيًا يقابل تلك الوحدة (وهو ما ينطبق على الإرهاب وعلى الاصطفاف الأيديولوجي والسلوك السياسي الفوضوي على حد سواء)، وهو ما يعني أن النهضة توظف الخطر الإرهابي الذي تستغله المعارضة للإطاحة بحكومتها ضد هذه المعارضة ذاتها، وذلك بإظهار الآليات التي لا تقل خطورة لسلوكياتها عن آليات الإرهاب على مستوى أضرار السلم الوطني والأضرار الاقتصادية بصفة خاصة.
المرحلة الرابعة:
وهي التي أعقبت تصنيف أنصار الشريعة تنظيمًا إرهابيًا (وتكرست خلاله حكومة التكنوقراط الحالية التي أعقبت حكومة الترويكا)، وفي هذه المرحلة ستتجذر القطيعة بين النهضة وبين أنصار الشريعة، وستقف النهضة بشكل نهائي مع الخطاب العام المنادي بمقاومة الإرهاب، ولكن مع الإصرار على التمايز عن المقاربات الاختزالية والأمنية التي قدمتها أغلب الأحزاب لمواجهة هذه الظاهرة. 
فالنهضة لا ترعب في جعل ملف الإرهاب شأنًا أمنيًّا صرفًا في يد المؤسسة الأمنية، بل ترغب في إدارة سياسة – مدنية (توافقية) لهذا الملف الحساس في المستويين الاجتماعي والاقتصادي، بل في المستوى السياسي وذلك بحكم الممارسات "المنبثقة" (أي غير المقصودة أو المتوقعة) للمقاربة الأمنية من جهة أولى وكذلك بحكم الخسائر الكبيرة التي تتكبدها حركة النهضة، إذا تم التعامل مع الإرهاب ضمن سياق أمني يحاول ربطها بهذا الملف من جهة تواطئها مع العناصر الإرهابية وتوفير غطاء سياسي لهم لا من جهة كونها شريكًا رئيسيًا في تحديد استراتيجيات التعامل مع الظاهرة الإرهابي.(29) 

نتائج واستخلاصات:
خلاصة القول إنه بين الدفاع عن المنهج السلفي باعتباره "دين الله" وبين الدفاع عن "دين الديمقراطية المخالف للشرع"، حسب السلفيين توجد اختلافات روحية وفكرية، وتباينات مرجعية ومشاريع مجتمعية وسياقات انتقالية  لم يكن من السهل بالنسبة لأنصار الشريعة أن يحافظوا عليها في موقف واحد من حركة النهضة أو غيرها من سائر اللاعبين في المجال السياسي التونسي.
ولكي تتغلّب على نمو التطرّف والجماعات المتطرّفة، تحتاج تونس إلى معالجة المطالب السياسية للشباب وتنويع المجال الديني. وعليه ستكون معالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية بهدف توسيع دائرة الإدماج والمشاركة في الترقّي الاجتماعي واجتثاث الإحباط في صفوف جيل الشباب حاسمة. كما أن إضفاء الطابع المؤسّسي على الحركة السلفية من خلال السماح لمن يرغبون في العمل في إطار السياسة الرسمية والمجتمع المدني بأن يعملوا بحرية، طالما أنهم يحترمون القانون، ستكون ضرورية أيضًا. ويجب على الدولة أيضًا أن تخفّف من سيطرتها على المجال الديني وتعزّز القدرة التنافسية للجهات الدينية الرسمية للسماح بظهور تنوّع في الأفكار الدينية. وأخيراً، تحتاج النهضة، في إطار دورها بوصفها أقوى حركة دينية في تونس، إلى إيجاد التوازن الصحيح بين الأنشطة الدينية والسياسية؛ لأن وجودها في سوق الأفكار الدينية سيساعد على الحدّ من تأثير الجماعات المتشدّدة.
هذا بجانب الآليات المطلوبة للقضاء على ظاهرة العنف ويمكن أن تلخص في:
1- المساواة بين طبقات المجتمع كافة، ومعالجة ظاهرتي التخلف والبطالة التي تعتبر من مخلفات الحرمان الاقتصادي المزمن وتداعيات القهر الاجتماعي المتواصل.
2- إعادة توزيع الثروة وموارد التنمية وتلبية مختلف الحاجات الأساسية للفرد المواطن وعلى نحو متوازن تجعله يمتلك القدرة على العطاء والبناء والابتعاد عن السلوك والأعمال العدوانية الملازمة لظاهرة الإرهاب وبالشكل الذي يخلق حالة من الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة من جهة والمواطن وأفراد المجتمع المحيطين به من جهة أخرى.
3- مكافحة عمليات الفساد الإداري والرشوة في جميع مرافق وإدارات الدولة وبناء قاعدة اقتصادية متطورة تؤمن الحاجات الأساسية الضرورية للمواطن.
4- ضرورة إعطاء مجال واسع من الحرية والتعبير عن الرأي لفئات مختلفة من الشباب؛ تجنبًا لحالة التهميش وفتح مراكز تدريب وتأهيل خاصة بالشباب تنمي قدراتهم وتعزز مواهبهم.
5- إعادة تأهيل قطاع الاتصالات والمعلومات في جميع مفاصل الدولة لكي يتسنى لطبقات واسعة من المجتمع الاطلاع على المستجدات العلمية والتقنية وكسر حالة الكبت والجمود لديهم.
6- ضبط حدود الدول الجغرافية (بريًّا وبحريًّا وجويًّا).
7- القضاء على ظاهرة الطلاق وأطفال الشوارع.
8- مكافحة المخدرات والمواد المحرمة حسب العقائد الدينية للمجتمعات.
9- تطبيق العدالة والقانون، وعدم الإخلال بذلك.
********
المراجع والمصادر:
*اعتمدت هذه الورقة البحثية على ما نشر في موقع بوابة الحركات الإسلامية فيما يتعلق بملف الحراك السلفي في تونس (تقارير- تنظيمات-شخصيات)
(1) سوق الجهاد: التطرّف في تونس http://alarabpost.com/Print/7085
(2) نقاش: ما هي أسباب تقدم العرب سابقًا وتخلفهم حاليًا؟ https://io.hsoub.com/culture/16266
(3) الإسلام السياسي: مقاربات نقدية، انغير بوبكر، نشر في أسيف يوم 02 - 04 – 2007.
(4) منفذ هجوم سوسة.. من الراب إلى الإرهاب. http://www.skynewsarabia.com/web/article/756057
(5) محمد علي بن زينة، "قراءة سوسيوديمغرافية في تحوّلات واقع الشباب في سيدي بوزيد والقصرين ودورها في قيام الثورة التونسية"، في كتاب "الثورة التونسية: القادح المحلي تحت مجهر العلوم الإنسانية"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحرير المولدي الأحمر (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014)، 149-180.
(6) المصدر السابق.
(7) تقرير التنمية البشرية 2013، الصادر من البنك الدولي بعنوان، نهضة الجنوب تقدم بشري في عالم التنوع.
(8) سوق الجهاد: التطرّف في تونس، http://carnegie-mec.org/2015/10/16/ar-61626/ij6r
(9) نفس المصدر.
(10) السلفيّة الجهاديّة في تونس بعد الثّورة وفشل تجربة الانتظام، سامي براهم، المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ص 26.
(11) في سنة 2006 دخلت مجموعة من الاشخاص التراب التونسي عبر الحدود الجزائرية مزودة برشاشات كلاشينكوف، واستقرت بمنطقة سليمان جنوب العاصمة التونسية وقد قتلوا في مواجهة مسلحة مع الاجهزة الامنية، وتم على الأثر إلقاء القبض على عدد من أتباع التيار السلفي الجهادي، وقد أشارت بعض التقارير أن عددهم بلغ 2000 شاب.
(12) المصدر نفسه ص 25.
(13) الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي في تونس، طارق الكحلاوي، ص 13.
(14) المصدر نفسه ص 15.
(15) كتاب إدارة التوحش تأليف أبي بكر ناجي، تم عرضه في بوابة الحركات الإسلامية http://www.islamist-movements.com/2422
(16) الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي في تونس، طارق الكحلاوي، ص 16.
(17) سجلات سنجار: هي سجلات 606 من المقاتلين الأجانب الذين دخلوا العراق في الفترة بين 2006 و2007، وقد اكتشفت هذه الوثائق في خريف 2013 من جانب القوات الأمريكية في مدينة سنجار شمال العراق، وهي تكشف عن نوعية المقاتلين الذين ذهبوا إلى هناك لتنفيذ عمليات انتحارية. 
وثائق سنجار: المقاتلون العرب عبروا الحدود السورية قبل سقوط صدام، صحيفة الشرق الأوسط عدد 10884 بتاريخ 15 سبتمبر 2008.
(18) تقرير وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 1 مايو 2014.
(19) الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي في تونس، طارق الكحلاوي  ص 18.
(20) الزعيم الروحي للسلفية الجهادية في تونس أبو عياض التونسي– بوابة الحركات الإسلامية
(21) سوق الجهاد: التطرّف في تونس http://carnegie-mec.org/2015/10/16/ar-61626/ij6r
(22) بيان حركة النهضة المنشور في جريدة الفجر نيوز 19-3-2012.
(23) عادل بن عبدالله في ورقة بحثية بعنوان "في العلاقة بين أهم الفاعلين الجماعيين وتنظيم أنصار الشريعة في تونس"، المعهد التونيس للدراسات الاستراتيجية، ص 82.
(24) بيان صادر عن شيوخ السلفية في 29-8-2013 بجريدة الصباح نيوز.
(25) عادل بن عبدالله في ورقة بحثية بعنوان "في العلاقة بين أهم الفاعلين الجماعيين وتنظيم أنصار الشريعة في تونس"، المعهد التونيس للدراسات الاستراتيجية، ص 95.
(26) تلك الوعود التي جائت في البيان الصادر في 3 سبتمبر 2013، والمنشور في الصباح نيوز.
(27) وهو ما نجد تعبيرًا عنه في البيان الصادر في 28 يونيو 2013، جريدة الصباح نيوز.
(28) بيان مجلس شورى "حركة النهضة" الصادر بتاريخ 18 اغسطس 2013، جريدة الفجر نيوز، والموقع الرسمي للحركة.
(29) عادل بن عبدالله في ورقة بحثية بعنوان "في العلاقة بين أهم الفاعلين الجماعيين وتنظيم أنصار الشريعة في تونس"، المعهد التونيس للدراسات الاستراتيجية، ص 98.