بوابة الحركات الاسلامية : طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا (طباعة)
طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا
آخر تحديث: الجمعة 16/08/2019 02:17 م حسام الحداد
طبيعة العلاقة بين
العلاقة بين الدين والسياسة في إفريقيا
المؤلف: عبير شوقي ذكي
الناشر: صرح للنشر والتوزيع
كثيرة هي الإشكاليات التي أحدثتها وتحدثها العلاقة بين الدين والسياسة في القارة الأفريقية والتي مثَّلت نتاجا طبيعيا للإخفاق الذي منِيت به النظم السياسية الأفريقية في المرحلة التي أعقبت الاستقلال الوطني في اتباع سياسات فاعلة تحقّق اندماجا وطنيا لمختلف الجماعات المكوِنة للدولة يسمو في إطاره الانتماء الوطني على كافة الولاءات والانتماءات دون الوطنية(الدينية والإثنية وغيرها)، ولم يكن فشل النظم السياسية الأفريقية قاصر على عجز تلك النظم عن تحقيق سياسات اندماجية وطنية بل أدارت أيضا ظهورها للوعود التنموية، التي كانت قد قطعتها على نفسها عقب الخلاص من القبضة الاستعمارية، لتتهاوى ثورة توقعات الأفارقة الذين وجدوا في انتماءاتهم الإثنية والدينية والقبلية ملاذا يوفر لهم كثيرا من الحماية والطمأنينة ويستعيضون به عن ولائهم للوطن الأم الذي خيب آمالهم في حياة أفضل. وفي هذا الإطار يأتي كتاب "العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا: دراسة لبعض حركات الإسلام السياسي والأصولية المسيحية" إلى بحث وتحليل العلاقة بين الدين والسياسة في القارة مع التركيز على دور الحركات الدينية الإسلامية والمسيحية السياسية في هذه العلاقة مسترشداً بأربعة نماذج هي: جماعة إزالة البدع وإقامة السنة في نيجيريا وحركة الاتحاد الإسلامي في الصومال وحركة جيش الرب في أوغندا ورابطة إخوان الأفريكانرز في جنوب أفريقيا، وذلك في إطار تحليلي للديناميات، التي أدت إلى استفحال ظاهرة تسييس الدين والممارسات المقترنة بها مع استعراض بعض من الأيديولوجيات التي تعتنقها هذه الحركات فضلا عن التطرق مليا إلى أدوار القوي الإقليمية والدولية في إضفاء مزيد من التعقيد على العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا وتغذية الوعي الأفريقي بالتمايزات الدينية وتأجيج الصراعات الدينية.
الإسلام السياسي:
يذهب الكتاب إلى أن مصطلح الإسلام السياسي ظهرلأول مرة في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، وقصد به الاقتران أو المزاوجة بين الحراك الإسلامي والسياسي بغية الترويج لمعتقدات وفرضيات وقوانين إسلامية محضة، وقد تفرقت التيارات والحركات الإسلامية في هذا الصدد شيعا؛ فبعضها يدعو إلى الجهاد الذي قد يأتي على شاكلة القتال المسلح، والبعض الآخر يركز على الدعوة التي لا تحمل في طياتها أية تحريض على استخدام العنف أو الحث على الجهاد المسلح.
ويعرض الكتاب عددا من العوامل التي أفضت إلى ظهور جماعات الإسلام السياسي، كان من بينها العوامل السياسية التي تتمثَّل في السياق الذي انبثقت منه الحركات الإسلامية وتيارات الإسلام السياسي كالحرب العالمية، والثورة البلشفية، تجاهل الحكومات لمطالب شعوبها، وأخيرا الشعور بالاستياء من طغيان الطابع الغربي على النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للعالم الإسلامي.
وفيما يتصل بالإطار الأيديولوجي للتيارات والحركات الإسلامية، فإنها جميعا على اختلاف ضروبها تتفق على إطار فكري مرجعيته الإسلام بشكل العام، وطرحت تلك التيارات مفاهيم وأطروحات عدة ترفض في مجملها الآخر المختلف عنها فيما تعتنقه من معتقدات وأيديولوجيات أو رؤى فكرية وتصف إياه بالكفر أو الارتداد، ولعل أبرز تلك الأيديولوجيات والمفاهيم التي أتى الكتاب على ذكرها مفهوم الدولة الإسلامية؛ فالحركات الإسلامية تطرح مفهوم إقامة الدولة الإسلامية على نهج الخلافة الرشيدة بديلا عن الشكل الحالي لها، وأبرز مرتكزاتها مفهومي الحاكمية والجهاد  
الأصولية المسيحية:
كما يتناول الكتاب الأصولية المسيحية وبدايتها وآليات انتشارها حيث يبدأ بتعريف عام للأصولية يقول فيه "ان مصطلح الأصولية من الناحية اللغوية ينصرف إلى الرجوع إلى الأصل والالتزام به دونما أي تحريف، ولعل المعنى المتعارف عليه للأصولية في الوقت الراهن يتمثَّل في الموقف الديني الصارم الذي يتخذه اتباع دين معين، ويقتضي هذا الموقف، وفقاً لما يعتقده أولئك، تطبيق ما يُعْتقد أنه من أصل الدين وصحيحه فضلاً عن إلزام أنفسهم بنشر وحماية معتقداتهم المتشدِّدة، ومن ثم فالأصولية المسيحية تعني أن المسيحيين عليهم مسئولية فهم وتطبيق التفسير الإنجيلي في شتى المجالات الحياتية".
ويرجع الكتاب بدايات الأصولية المسيحية للقرن السادس عشر الميلادي مع دعوة مارتن لوثر بإصلاح الكنيسة الكاثوليكية، وذلك عن طريق الحد من سلطاتها مع العودة الحرفية للكتاب المقدس (التوراة والإنجيل)، والتمسك به كمرجعية تفوق سلطتها ماعداها من المرجعيات الأخرى، ويشدِّد الأصوليون المسيحيون على العديد من العقائد والمبادئ الأساسية
طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا:
يؤكد الكتاب الذي بين أيدينا على ان القارة الأفريقية تتسم بالتعددية الدينية، فإلى جانب وجود الديانات السماوية، هناك تواجد أيضاً للديانات الطبيعية التقليدية، الأمر الذي اكسب الحركات الدينية الأفريقية زخماً حقيقياً؛ فقد مزجت تلك الحركات بين المسيحية أو الإسلام وبين الديانات الطبيعية التقليدية، وقد اصطبغت تلك الحركات جميعها بالصبغة السياسية.
وثمة العديد من العوامل التي أججت الأصولية المسيحية والإسلامية في القارة الأفريقية كان من بينها استغلال الانتماء الديني من قِبل النخب السياسية سواء في الفترة الاستعمارية أو الفترة اللاحقة للاستعمار؛ فالممارسات الحكومية انطوت على التلاعب بالرموز والمفاهيم الدينية المسيحية والإسلامية على حد سواء ومن ثم استغلال الدين لإحكام سيطرة النخبة السياسية كما لا يمكن بأية حال إغفال الدور الذي لعبه الاستعمار في تغذية وعي أبناء الدولة الواحدة بالتمايزات الدينية وتغذية الانتماءات الدينية على ما عداها من انتماءات أخرى، وكان من بين الوسائل التي لجأ إليها الاستعمار لتحقيق ذلك التنمية غير المتوازنة لأقاليم القارة. فعلى سبيل المثال، اهتم الاستعمار البريطاني بتنمية الجنوب النيجيري ذي الأغلبية المسيحية على حساب الشمال ذي الأغلبية المسلمة، وكانت هذه التنمية أيضاً تتسق ومصالح الاستعمار الاقتصادية؛ فالجنوب النيجيري يزخر بالنفط، وقد انعكس هذا الأمر على الخدمات المقدَّمة لأبناء الشمال ومستويات تعليمهم، وكان تلك التنمية غير المتوازنة مآلاتها على استقرار الأوضاع في نيجيريا ما بعد الاستقلال حتى وصلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن من تصاعد نجم جماعة بوكو حرام الردايكالية التي لا زالت تهدِّد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لنيجيريا، ولم يقتصر الخطر الناجم عن تلك الجماعة على الداخل النيجيري بل انتقل منه إلى دول الجوار كالنيجر وتشاد والكاميرون.
وكان نتاجا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية واستشراء الفساد السياسيفي الدول الأفريقية أنْ استطاعت التيارات والحركات الدينية المسيحية والمسلمة أن تتغلغل إلى كافة طبقات المجتمع خاصة الطبقات المهمشة والفقيرة ومن ثم اكتسبت تلك التيارات تعاطفاً شعبياً حتى أضحت تطمح إلى اقتناص السلطة السياسية وانطلقت تعيث في المجتمعات فساداً وتدميراً، يتساوى في ذلك كلٌ من الأصولية الإسلامية والمسيحية، وقد عمدت تلك التيارات أيضاً على توظيف الرموز الدينية والأسطورية في الثقافات الأفريقية.
استطاعت الأصولية الإسلامية والمسيحية أن تعزز نفوذها وميادين نشاطاتها في الدول الأفريقية ليس فقط استناداً إلى الظروف والأوضاع الاجتماعية المتردية والإرث الاستعماري الذي أجَّج النعرات الدينية والإثنية بل اعتمدت أيضاً على أدوار الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية. وفي هذا الصدد، ثمة العديد من الشواهد كان من بينها، تقديم السودان الدعم لحركة جيش الرب في أوغندا؛ وذلك للاعتقاد بأن التوسع الإسلامي في القارة يجب أن يبدأ بأوغندا فضلاً عن الرد على دعم النظام الأوغندي للحركة الشعبية لتحرير السودان. وكان ذلك من أبرز مسببات التوتر بين الجانبيْن السوداني والأوغندي في أحيان كثيرة. كما أن إثيوبيا قد ساهمت في إيواء حركات المعارضة الصومالية. الأمر الذي ساهم في إسقاط نظام سياد بري وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية مطلع تسعينيات الألفية المنصرمة أفضت إلى انهيار شامل للدولة الصومالية. كما أن إثيوبيا اتَّخذت من تهديد اتحاد المحاكم الإسلامية ذريعة للتدخل العسكري في الصومال بدعم من الولايات المتحدة.
ولم يكن الدعم الذي حصلت عليه الحركات الأصولية الدينية قاصراً على دعم بعض الأطراف الإقليمية بل هناك العديد من الأطراف والأجندات الخارجية التي حرَّكت، ولا زالت، احتياجات ومخاوف كل  ومخاوف كل جماعة إثنية وعملت على تغذية الولاءات والانتماءات دون الوطنية. فعلى سبيل المثال، تدخَّلت الولايات المتحدة في أوغندا بهدف حماية الحركة الشعبية لجنوب السودان لاهتمامها باحتياطات النفط في أراضي جنوب السودان؛ لذا ضغطت على النظام السوداني لوقف تقديم الدعم لحركة جيش الرب في أوغندا كما دعَّمت العمليات العسكرية ضد الحركة بنحو 20 مليون دولار. كذلك تعاونت الولايات المتحدة مع إثيوبيا لتوجيه ضربات في الصومال إلى خلايا القاعدة كما وضعت حركة اتحاد المحاكم الإسلامية على قائمة الحركات الإرهابية عام 2001.
وقد خلص الكتاب إلى أن العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا هي علاقة تاريخية يمتزج فيها إحلال السلم بتفجير الصراعات؛ فمنذ أنْ عرفت القارة الأفريقية الديانات السماوية الثلاث وهي تربطها بالممارسات السياسية. الأمر الذي أفضى إلى تصاعد الدين ليكون سبباً في الدمار والصراعات بدلاً من أن يكون سبباً في إحلال السلم والطمأنينة. وعلى الرغم من الحاجة الملحة إلى فصل الدين عن السياسة في أفريقيا لحل إشكاليات الاندماج الوطني في بعض الدول إلا أن تحقيق هذا الفصل على أرض الواقع يكاد يكون مستحيلاً ذلك لأن الدين في أفريقيا بات يُستخدم كشأن يومي وكشعار سياسي كما أنه من الصعوبة بمكان في الدول الأفريقية ذات الطبيعة التعددية الدينية إقامة دولة وطنية ذات صبغة دينية تُعْلي شأن دين على دين آخر وإلا سيفتح هذا المجال واسعاً أمام المطالبات الانفصالية وتفكيك الدول الأفريقية. وبين هاتيْن الاستحالتيْن، سيستمر دوران العلاقة بين الدين والسياسة بالقارة الأفريقية في حلقة مفرغة يستحيل معها التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه مستقبلاً ومعرفة من الذي سيسيطر على من؟ الدين أم السياسة؟