بوابة الحركات الاسلامية : السجون الإسبانية.. بؤر جديدة لتجنيد واستقطاب الإرهابيين (طباعة)
السجون الإسبانية.. بؤر جديدة لتجنيد واستقطاب الإرهابيين
آخر تحديث: الثلاثاء 04/12/2018 01:29 م فاطمة عبدالغني
السجون الإسبانية..
تتنوع أساليب الجماعات الإرهابية في استقطاب الشباب، وأبرز تلك الأساليب عن طريق شبكة الإنترنت، ولكن نظرًا لما تحظى به هذه التنظيمات المتطرفة من دعم مالي كبير، فبإمكانها استخدام عدة وسائل أخرى للاستقطاب منها المساجد والسجون والتجنيد، ولكن رغم أن الاستقطاب في السجون هو أصعب الأساليب بسبب التواجد الأمني، إلا أن العناصر التي تقوم بعملية التجنيد يمكنها الاستفادة من الشعور بالحنق أو ربما بالظلم الذي يتعرض له السجين ومن ثمة تقوم بتحفيزه لكي يكون ناقماً على الدولة أو العالم بأسره؛ وبالتالي يسهل تجنيده وتوجيهه، فإذا خرج من السجن تحول بالطبع إلى أداة في أيدي التنظيم.
وتعد إسبانيا من بين الدول الأوروبية المستهدفة بصورة كبيرة من قِبَل الجماعات الإرهابية، وخاصة تلك التي تعيش في إسبانيا بلاد الأندلس (الفردوس المفقود)، حيث كشف معهد ألكانو الإسباني مطلع 2018 أن 25% من السجناء المعتقلين بالسجون الإسبانية في عام 2017 متهمون بجرائم تتعلق بالإرهاب مقارنة بالعام الماضي، موضحا أن هناك مسجونين من 18 جنسية في 28 سجنا لارتكابهم جرائم إرهابية.
كما أسفرت عملية الرصد أنه خلال عام 2015 كان قرابة 20% فقط من عمليات التجنيد تتم داخل السجون أو المساجد، بينما 80% تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، هذه النسبة تأتي عكسية لما كانت عليه خلال  عام 2012، حيث أن تطور الفكر المتطرف وتحديث آلياته أدى إلى تغير الأوضاع في هذا المجال بشكل جذري، وعكست أرقام 2012 أنه كان يتم تجنيد الإرهابيين في السجون ودور العبادة بنسبة ثمانية أشخاص من كل عشرة، بينما 20% فقط كان يتم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي مطلع أكتوبر الماضي أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية أن عناصر من الحرس المدني "حددوا واستجوبوا 25 معتقلاً في السجون الإسبانية، متهمين بالانتماء إلى جماعة مرتبطة بداعش تضم حوالى 20 سجيناً، "بعضهم لديه سوابق تشدد وآخرون تبنّوا التطرف في السجن"، وأشارت الوزارة إلى أنهم حاولوا "تجنيد سجناء وتجميع المعتقلين المسجونين بتهم إرهاب". وتابعت "أن معظم أفراد المجموعة هم مغاربة أو إسبان من أصول مغربية، وبينهم إسبان اعتنقوا الإسلام ودنماركي". وصرح مصدر قريب من إدارة مكافحة الإرهاب "إن المعتقلين لم يكونوا يملكون خطة ملموسة لتنفيذ الهجوم، لكنهم يثيرون عداءًا للعاملين في السجون"، جاء ذلك في أعقاب إعلان السلطات الإسبانية، تفكيك شبكة تكفيرية لتجنيد ونشر التطرف في 17 سجنا بالبلاد.
السجون الإسبانية..
وأشار سورين كيرن، باحث بارز بمعهد "جيتستون" الأمريكي المعني بالسياسة الدولية، خلال تقريره المنشور عبر الموقع الإلكتروني للمعهد أن الشبكة المزعوم اتضح أنها مرتبطة بداعش، وتم تأسيسها وتجنيدها من قبل أحد أبرز الإرهابيين في السجون الإسبانية، كما ضمت الشبكة في عضويتها إرهابيين مدانين إضافة إلى الإرهابيين المعتقلين في السجن، حيث كان من بينهم عدة مواطنين إسبان اعتنقوا الإسلام وكان بعض أعضاء الشبكة سجناء على وشك الانتهاء من قضاء فترات عقوبتهم وينتظرون الإفراج عنهم.
أما زعيم الشبكة فهو محمد أشرف، مغربي يبلغ من العمر 44 عاما واسمه الحقيقي عبد الرحمن الطاهري، يقضي حكما بالسجن لمدة 14 عاما بتهمة التخطيط لشن هجمات بالقنابل على أهداف بارزة في مدريد، من بينها المحكمة الوطنية الإسبانية ومحطة مترو برينسيب بيو بمدريد.
وكان من المقرر إطلاق سراح أشرف من السجن في 14 أكتوبر 2018 أي قبل أربع سنوات من موعد إطلاق سراحه. وقد سُجِن في عام 2008 وقضى معظم فترة عقوبته في الانتقال من سجن لآخر، وهو بروتوكول متبع يستهدف منع الإرهابيين من إنشاء موطئ قدم لهم داخل أي سجن وتجنيد السجناء الأخرين. وفي فبراير 2018  نُقل أشرف إلى سجن كامبوس ديل ريو في مرسيا، حيث احتجز في الحبس الانفرادي.
وفي أوائل أكتوبر الماضي، فتشت شرطة مكافحة الإرهاب زنزانة أشرف، واكتشفت أنه كان يدير شبكة "منظمة" من السجناء الإرهابيين تعمل على تجنيد واستقطاب السجناء الأخرين، فضلاً عن التخطيط لشن هجمات ضد أهداف محددة.
وقالت وزارة الداخلية إن الشبكة مارست أنشطتها من خلال التفاعل المادي بين السجناء داخل نفس السجون، وكذلك من خلال الرسائل بين السجناء الموجودين في سجون مختلفة. وقد تهربت الشبكة من آليات المراقبة عن طريق إجراء الاتصالات من خلال السجناء الذين لا يخضعون للمراقبة الخاصة.
وذكرت صحيفة "لا فيرد" الإسبانية نقلا عن مصادر شرطية، أن أشرف من المرجح أن يحاكم بتهمة إرهابية جديدة، وبدلا من إطلاق سراحه مبكرًا، سيظل في الحبس الاحتياطي.
أشرف له سجل حافل بالتشدد والتطرف في إسبانيا، فخلال فترة سجنه السابقة  بين عامي 1999 و 2002 في سجن توباس في سالامانكا الإسبانية، نظم شبكة إرهابية مشابهة - تسمى "شهداء المغرب" – عملت داخل وخارج ما لا يقل عن خمسة سجون إسبانية، وتألفت الشبكة من أربع خلايا كانت- بحسب المدّعين العامين- "منظمة تمامًا ومتصلة ببعضها البعض".
السجون الإسبانية..
وبعد تفجيرات القطارات في مدريد عام 2004، والتي راح ضحيتها 193 شخصاً وأصيب 2000 آخرين، شنت السلطات الإسبانية حملة على الجماعات الإرهابية، أسفرت إحداها -عملية "نوفا"- عن اعتقال 36 إرهابيًا، من بينهم العديد من أعضاء شبكة أشرف، وعثر المحققون على رسائل كشفت عن أن أشرف كان يخطط لتفجير المحكمة العليا في مدريد حيث كانت السلطات القضائية تحقيق في تفجيرات قطارات مدريد أنذاك.
كما عثر المحققون على رسائل بين أشرف وإرهابيين آخرين، من بينها رسالة يقول فيها "نريد أن نعد أنفسنا للجهاد في سبيل الله، لدي أخبار سارة، لقد أنشأت مجموعة جديدة، نحن مستعدون للموت في سبيل الله في أي لحظة، ننتظر إطلاق سراحنا من السجن حتى نتمكن من بدء العمل، لدينا رجال ولدينا أسلحة ولدينا أهداف. كل ما نحتاجه هو التنفيذ".
وفي أبريل 2005 ، تم تسليم أشرف إلى إسبانيا من سويسرا، لكنه هرب بعد إطلاق سراحه من السجن، وحاول طلب اللجوء مدعياً أنه فلسطيني، لكنه فشل.
في فبراير 2008، حُكم على أشرف بالسجن لمدة 14 عاماً بتهمة "تأسيس وإدارة جماعة إرهابية"، وخلال محاكمته علمت المحكمة كيف استغل أشرف، الذي أشار إلى نفسه بأنه "أمير"، مسجداً مؤقتاً في صالة للألعاب الرياضية في السجن "لتلقين" السجناء الآخرين الأيديولوجية المتطرفة التكفيرية المتشددة التي يروج لها تنظيم داعش.
وبالنظر إلى تاريخ أشرف الإرهابي وجهوده السابقة في تجنيد السجناء خلال أول فترة قضاها في السجن، يظل من غير الواضح لماذا سمحت له السلطات الإسبانية بتأسيس شبكة إرهابية أخرى أكبر حتى خلال فترة احتجازه الثانية في السجن.
وذكرت صحيفة "لا فيرد" أن شبكة أشرف "كانت منظمة للغاية ... وكان لديها بالفعل أهداف محددة" و"هددت بعض مسؤولي السجون، وبعضهم في مناصب رفيعة"، كما كان لدى الشبكة "رموزها وشعارتها الخاص بها" و"تم تنظيمها بشكل كامل، فضلاً عن أساليب العمل والتدريب والأوامر المحددة".
السجون الإسبانية..
وعلى صعيد متصل، أصدر المركز التذكاري لضحايا الاعتداءات الإرهابية في إسبانيا، تقريرا جديدا له، أوضح ارتفاع أعداد المغاربة المعتقلين في السجون الإسبانية بتهم إرهابية، خلال السنتين الأخيرتين، حيث كشف عن اعتقال 75 مغربيا مشتبها فيهم، في مختلف المدن الإسبانية ما بين عامي2016 و2017.
وسجل التقرير أن 33 مغربيًا اعتقلوا عام 2016، فيما تم اعتقال 44 مغربيًا في 2017، وأن المغاربة المعتقلين يمثلون 57.3% من أصل 76 معتقلا من مختلف الجنسيات، ليحتلوا بذلك المرتبة الأولى، يليهم الإسبان، الذين يمثلون 29.3% بـ 23 معتقلا، فيما تم اعتقال جزائريين، ودانماركيين، ومصريين، ومكسيكي، وباكستاني.
فيما أشار تحليل حديث للبيانات الرسمية للسجن نشر على الانترنت أعدته شركة "اندبندينتي" أن أكثر من 150 سجينا حاليا معتقلون في 28 سجنًا إسبانيًا مختلفًا لجرائم تتعلق بالإرهاب. فضلاً عن أن الجرائم الأكثر انتشارًا بين السجناء هي العضوية في جماعة إرهابية، يليها التجنيد والاستقطاب والتدريب على الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك 120 سجيناً آخر يقضون عقوبات بالسجن في جرائم غير إرهابية، لكن تم رصدهم بحثاً عن علامات  تتعلق "بالتعصب والتطرف"، وفقاً لصحيفة "الباييس" نقلاً عن مصادر من وزارة الداخلية.
هذا، ويمكن القول أن شبكة أشرف سلطت الضوء على مدى فعالية الإجراءات الأمنية داخل السجون الإسبانية، وبرامج إعادة تأهيل المعتقلين من أجل دمجهم في المجتمع وفقا لمبادئ حماية حقوق الإنسان التي يكفلها الدستور الإسباني، خاصة أنه لا يمكن تطبيق هذه البرامج إلا على أساس طوعي. فمن بين حوالي 270 معتقلًا في قضايا إرهابية، فإن 20 فقط منهم يشاركون في برامج "إصلاح" الإرهابيين بحسب وكالة الأنباء الإسبانية EFE  نقلاً عن وزارة الداخلية .
السجون الإسبانية..
من هذا المنطلق لا تغفل السلطات الإسبانية عن أن السجون من الممكن أن تتحول إلى بؤر للتجنيد لحساب التنظيمات الإرهابية وخاصة داعش والقاعدة، ومن  أجل القضاء على التطرف في مهده فقد اتخذت السلطات الإسبانية والأجهزة الأمنية بها عدة إجراءات من بينها برنامج "التداخل مع المعتقلين الإسلاميين في السجون" والذي يسمح لمصلحة السجون بتعقبهم وتتبع سلوكهم سواء أكانوا من المجنِّدين أو ممن يُحتمل إقناعهم بتلك الأفكار، وخدمة "وقف التطرف" التي أطلقتها وزارة الداخلية الإسبانية للإبلاغ عن حالات التطرف داخل إسبانيا، كما قررت مصلحة السجون الإسبانية إطلاق خطة جديدة تهدف إلى "تحقيق إعادة الاندماج" بين السجناء المدانين بالإرهاب الجهادي من خلال خطة مراقبة خاصة، أيضًا مدرسة "سيبر ريتامار"، وهي مدرسة داخل أحد مراكز السجون – تعمل على تشجيع مشروعٍ بحثيٍ رائد في هذا المجال، هدفه الرئيس تصميم نموذج تعليمي موجه للوقاية من التطرف بكافة أشكاله، ويطلق على هذا المشروع اسم "سيتيبال"، وهو جزء من مبادرة "إيراسموس" الأوروبية، ويضم هذا المشروع خمس دول وهي: إسبانيا وفرنسا وألمانيا والمجر وتركيا.
وختامًا يمكن القول، إن تجنيد التنظيمات الإرهابية للسجناء يعد أمرًا بالغ الخطورة، خاصة أن اعتناق هؤلاء السجناء للفكر المتطرف يشكل تهديدًا متعاظمًا على بقية أفراد المجتمع، ومن هنا يوصي المراقبون بأن تولي السلطات الأمنية على كافة المستويات اهتمامًا بهذه القضية التي يتزايد ضررها يومًا بعد آخر، بهدف محاولة اجتثاث هذه التطرف من جذور، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يمكن التركيز على الجانب التوعوي والثقافي داخل السجون، وعزل المتطرفين خاصة القيادات المؤثرة عن غيرهم من أصحاب الجرائم العامة سدًا لثغرة تسرب الأفكار المتطرفة إليهم من جديد، فضلاً عن عقد برامج تأهيلية للسجناء كافة بإشراف عدد من الخبراء المتخصصين في هذا المجال، بهدف تحويلهم إلى أشخاص أسوياء فكرًا وسلوكيًا بما يضمن تأهيلهم واندماجهم في المجتمع بشكل إيجابي، إضافة إلى أهمية اتخاذ إجراءات وخطوات استباقية تتلاءم مع استراتيجيات الجماعات الإرهابية والمتطرفة الحالية وما يستحدث منها فيما بعد.