بوابة الحركات الاسلامية : الاتفاقية السرية بين قطر وتركيا.. تُرسخ أطماع أردوغان في المنطقة (طباعة)
الاتفاقية السرية بين قطر وتركيا.. تُرسخ أطماع أردوغان في المنطقة
آخر تحديث: الإثنين 14/01/2019 12:46 م فاطمة عبدالغني
الاتفاقية السرية
نشر موقع "نورديك مونيتور" الناطق بالإنجليزية، ومقره في العاصمة السويدية استوكهولم نص اتفاقية عسكرية سرية، كانت قد أبرمت بين تركيا وقطر في الـ28 من أبريل 2016، وتم توسيعها منتصف العام 2017، هذه الاتفاقية التي تحمل اسم (اتفاقية التنفيذ بين الجمهورية التركية وحكومة دولة قطر لنشر القوات التركية على الأراضي القطرية) وهي تقع في 16 صفحة، وموقعة ومختومة من الجانبين القطري والتركي ظلت طي الكتمان إلى أن تمكن الموقع السويدي من الحصول على نسخة منها وقام بنشرها.
وتبين أن الاتفاقية تفرض على قطر قائمة طويلة من الخدمات المجانية للجيش التركي، فضلاً عن أنها لا يقتصر على التدريبات العسكرية فقط، بل تتضمن إجراء عمليات والتي قد تشير إلى مهمات قتالية للقوات التركية، حسب ما نقل موقع "العربية نت".
وتنص المادة السادسة على أنه "وطوال سريان هذه الاتفاقية فإن السلطات القطرية تضمن للقوات العسكرية التركية استخدام المطارات القطرية للإقلاع والهبوط، وكذلك استخدام الأراضي القطرية والمياه الاقليمية والموانئ القطرية، وذلك بهدف تنفيذ هذه الاتفاقية"، كما تشير الاتفاقية إلى ضرورة الحصول على موافقة "القوات المسلحة التركية" من دون أية إشارة إلى ضرورة الحصول على أي موافقات قطرية.
ويشير البند (G) من الفقرة الثانية للاتفاقية إلى أنه "على قطر ضمان إعطاء الأولوية القصوى لكل المركبات الأرضية والجوية التركية، بما في ذلك المروحيات التي يمكن أن تحتاج المرور في حالات الطوارئ من وإلى الأجواء القطرية".
كذلك نصت المادة الخامسة من الاتفاقية في فقرتها الثانية على أن "الجمهورية التركية هي صاحبة الاختصاص القضائي فيما يتعلق بمواطنيها في حالات وقوع أية جريمة ضد الأمن أو الممتلكات أو الأشخاص التابعين لتركيا"، و"أية جرائم تتسبب بها الأعمال التي تتم لتنفيذ المهام الرسمية للأتراك، أو أخطاء، أو فشل قد يحدث عند إنجاز المهام الرسمية"، بالإضافة إلى "أية شهادات أو وثائق تتعلق بالمهام يتوجب أن تصدر بعد التواصل بين الجهات القانونية في البلدين، ويتوجب توقيعها من جنرالات أتراك وقطريين معا".
وتشير الفقرة الثالثة من المادة الخامسة أيضاً إلى أن "كل طرف من الطرفين يحتفظ بحق المطالبة نتيجة أية أضرار أو خسائر أو تدمير للممتلكات، كما يحتفظ بحق المطالبة بالتعويض عن الإصابات بجراح أو الوفيات التي يمكن أن تحدث من قبل عناصر القوات المسلحة"، لكن على الرغم من ذلك فإن الفقرة استدركت مسألة التعويض بالقول: "مع الأخذ بعين الاعتبار الاستثناءات المتفق عليها".
كما دعت المادة الخامسة أيضًا، عناصر الجيش التركي المنتشر على الأراضي القطرية إلى "احترام المعتقدات والقيم الدينية والقوانين والجمارك والعادات والتقاليد في دولة قطر"، لكنها في الوقت ذاته منحت الحماية للجنود الأتراك من أية مساءلة في حال انتهاك هذه الأشياء، ومنعت السلطات القطرية من اعتقال أي جندي تركي ينتهك القوانين أو المعتقدات الدينية، كما منعت محاكمته داخل قطر أو إخضاعه للقانون القطري.
حيث أفادت "سبوتنيك" أن الاتفاقية نصت على أن "كافة الجنود الأتراك المتواجدين على الأراضي القطرية لا يمكن أن يخضعوا للقانون القطري ولا للجهاز القضائي هناك، وإنه في حال ارتكب أي منهم مخالفة أو جريمة فإن القضاء التركي هو الذي يختص بالنظر فيها".
ويُشكل هذا البند بحسب المراقبون انتهاكاً واضحاً للسيادة القطرية، كما أنه يعيد إلى الأذهان فترة الاستعمار الأجنبي للمنطقة العربية عندما كان الجنود الأجانب يتمتعون بحماية بلدانهم على أراضي المستعمرات التي يحتلونها ولا تستطيع السلطات المحلية ملاحقتهم أو محاكمتهم على الجرائم والمخالفات التي يرتكبونها.
وثمة غموض في نص الاتفاقية السرية، حيث تنص المادة الأولى من الاتفاق على "الوجود طويل الأمد، والوجود المؤقت وأنشطة القوات المسلحة التركية" فلا تتضمن الاتفاقية ما يشير إلى تاريخ انتهاء تواجد القوات التركية، كما لا يوجد ما ينص على إطار زمني لخروجهم، وهو ما يعني أن قطر قد تظل ملزمة بهذه الالتزامات لعشرات السنين القادمة، بسبب هذه الاتفاقية السرية.
كما تتضمن الاتفاقية النص الغامض التالي: "تتمثل المهمة الرئيسية لهذه القوات في دعم وتعزيز القدرات الدفاعية لدولة قطر من خلال التدريبات المشتركة، وتخضع لموافقة الطرفين، وتنفيذ التدريب/ التدريبات مع القوات المسلحة للدول الأخرى والمساهمة في عمليات مكافحة الإرهاب وعمليات دعم السلام الدولية وأي بعثات أخرى متفق عليها بشكل متبادل وبموافقة خطية من كلا الطرفين".
وتنص المادة 16 من الاتفاقية على أن النزاعات "يتم حلها بالتفاوض بين الأطراف، دون الرجوع إلى اختصاص أي طرف ثالث أو منشأة أو محكمة وطنية أو دولية"، وهنا تفتقد الاتفاقية لعنصر بالغ الأهمية، وهو أنها لا تحدد أية آلية لتسوية أي نزاع ينشأ بموجب هذه الاتفاقية.
وجاء نص المادة الرابعة من الاتفاقية كالآتي: «المهمة الرئيسية للوحدة هي دعم تعزيزات القدرات الدفاعية لدولة قطر من خلال التدريبات المشتركة، وتخضع لموافقة الطرفين، وتنفيذ التدريبات مع القوات المسلحة للدول الأخرى، والمساهمة في عمليات مكافحة الإرهاب، والعمليات الدولية لمساندة السلام، وأي عمليات أخرى تحظى بموافقة متبادلة بموجب اتفاق كتابي موقع من قبل الطرفين».
وخلص موقع "نورديك مونيتور" إلى أن هذه الاتفاقية السرية، المسماة "اتفاقية التنفيذ" ليست سوى متابعة لاتفاق التعاون العسكري الذي وقعه الجانبين في 19 ديسمبر 2014 ودخلت حيز التنفيذ في 15 يونيو 2015، وخلافاً للاتفاق الأول فإن "اتفاقية التنفيذ" تتضمن تفاصيل حول ما تأمل تركيا وقطر أن تحققاه في منطقة الخليج.
وفي محاولة لتحليل مواد الاتفاقية عرضت "العربية نت" الاتفاقية على اللواء محمود خلف - قائد الحرس الجمهوري السابق في مصر والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية في محاولة للكشف عن إجابات لكل الأسئلة المحتملة.
وفي هذا الإطار صرح اللواء خلف "إن بعض البنود التي تضمنتها الاتفاقية وتسربت لوسائل الإعلام هي بنود طبيعية وبروتوكولية، وهناك بنود أخرى مذلة ومهينة للطرف القطري".
وأضاف أن هناك بنوداً أخرى أكثر سرية تُدرج في مثل هذه الاتفاقيات، ولكنها لم تعلن بعد في اتفاقية قطر وتركيا، ولن يتم الإعلان عنها، ولن تسمح الدولتان بأي تسريب لها لوسائل الإعلام، لأنها تمس سيادة الدولة المضيفة وهي قطر.
وأوضح أن البنود السرية الأخرى تتضمن قيمة المبالغ التي ستسدد للدولة صاحبة القاعدة العسكرية سنوياً، والهدف من إقامة القاعدة، وهل هي لصد أي تهديدات أو اعتداءات توجه للدولة المضيفة أو منشآتها النفطية أو الأمنية أو العسكرية؟ أم لأغراض أخرى؟ وأضاف أنه إذا كانت هناك قاعدة أميركية كبيرة متواجدة في منطقة العديد والسيلية لحماية قطر، فماذا ستفعل القوة التركية؟
وتابع اللواء خلف قوله إن توقيت توقيع الاتفاقية، وهو أبريل من العام 2014، وعقب أيام قليلة من قرار دول الرباعي العربي (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) سحب سفرائهم من الدوحة، يعني أن قطر كانت تهدف لشيء ما من الاتفاقية غير الحماية العسكرية، فهي تعلم تماماً ومتيقنة أنها لن تتعرض لأي هجوم عسكري من جانب الرباعي العربي، فضلاً عن أن القاعدة الأميركية في العديد والسيلية ستتكفل بحمايتها من أي اعتداءات.
وأشار اللواء خلف أن الاتفاقية كانت لهدفين، الأول هو إقامة تحالفات جديدة تستطيع من خلالها مواجهة الرباعي العربي دولياً ودبلوماسياً، والثاني هو شراء موقف تركيا ورئيسها أروغان مادياً تحت مسمى توقيع اتفاقية عسكرية.
وكشف الخبير العسكري المصري بحسب "العربية نت" أن أروغان يعلم تماماً أن قطر لن تتعرض لهجوم عسكري، ولن تخوض القاعدة أي حروب عسكرية، لكنه وقع الاتفاقية بعد إقرارها سريعاً من البرلمان، كي يضمن لنفسه موطئ قدم يمكن من خلاله تحقيق أغراضه الأيديولوجية والسياسية في المنطقة، وأن يحقق استفادة مادية كبرى تنعش ولو قليلاً اقتصاده المهترئ، مضيفاً أن تسريب الاتفاقية ربما يكون بإيعاز من جانبه، كي يطمئن الشعب التركي أن أبناءه لم يذهبوا لقطر، ويضحوا بأرواحهم دون تسهيلات وامتيازات لهم ولدولتهم.
ويؤكد خلف أن الاتفاقية وما تسرب من بنودها فيها إذلال للطرف القطري، وما خفي من بنودها قد يكشف أهدافها الحقيقية، فليس من المنطقي أن تذهب قاعدة قوامها 3 آلاف جندي قد ترتفع إلى 5 آلاف جندي لحماية دولة بمنشآتها وشعبها، بل ربما تكون كافية لحماية النظام وأفراده، لكن حماية الدولة يكون صعباً عليها.
ويقول إن البنود غير المعلنة تحدد أماكن انتشار القوات وتمركزها، والمنشآت والأهداف التي تقوم بحمايتها، مضيفاً أن كل هذه المهام تُدرج في الاتفاقية وبشكل واضح.
ويختتم الخبير العسكري المصري حديثة لـ"العربية.نت"، قائلاً إن الاتفاقية، وإن كان يطلق عليها عسكرية، إلا أنها ذات دلالات وأبعاد سياسية مشتركة، فهي فرصة للحكومة التركية كي تستنزف قطر مالياً وتناوئ دول الخليج التي ترفض سياساتها وتدخلاتها.
وبالنسبة لقطر، فهي محاولة للكيد السياسي ضد دول الرباعي العربي، وشراء موقف تركيا والحصول على دعمها، ومساندتها ضد العرب في المحافل الدولية، مثلما تفعل مع إيران، ولكن ليس باتفاقيات عسكرية بل باتفاقيات اقتصادية مباشرة.
وفي هذا الإطار لفت نايف الوقائع، الخبير الاستراتيجي وأستاذ الأمن الفكري  إلى أن الاتفاقية الموقعة بين "قطر وتركيا" تنازلت فيها الدوحة عن سيادتها، بما يتنافى مع مفهوم السيادة للدول، ويتعارض مع أمن المنطقة.
وأضاف: "أصبح معلوماً للعالم أن قطر هي رأس الحربة في المشروع التخريبي الذي تدعمه تركيا وإيران، للإضرار بالأمن العربي، وتأذت منه المنطقة ، ودول المقاطعة الأربع، على وجه الخصوص".
وشدد على أن "التحالف القطري التركي الإيراني يريد العودة بالمنطقة إلى المربع الأول في مشروع الربيع العربي التخريبي، وهو ما وقفت السعودية تحديداً في مواجهته، وكانت حائط صد قوياً أمام المد الإخواني، ومحاولات تلك الجماعة المحظورة في تخريب الدول العربية، وظهر ذلك جلياً في تحركات الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، ووقوفه مع مصر حتى نهضت واستعادت عافيتها، وأصبحت شوكة في حلق الجماعات الإرهابية".
وعلى الصعيد ذاته، يقول سيلمان العقيلي، الكاتب والمحلل السياسي، "إن قطر وتركيا لديهما مشروع مشترك للتدوير وإسقاط الأنظمة، ونشر الفوضى في المنطقة، لا سيما الدول التي تحظى بالأمن والاعتدال، وتحقق نجاحات ملحوظة في دعم الاستقرار داخلياً وخارجياً، وفي مقدمتها السعودية إلى جانب دولة الإمارات والبحرين ومصر".
وتابع "أنقرة والدوحة تكملان بعضهما بعضاً، إذ تقدم الأولى القوة العسكرية والثانية الدعم المالي واللوجيستي من أجل إرباك السعودية، التي كانت طوال التاريخ الحديث، ولا تزال، مصدراً للأمن وتثبيت الاستقرار وفك عقد الاختلاف والصراع في المنطقة، حفاظاً على الأمن القومي العربي".
وأضاف أن "قطر ظلت لسنوات مستريحة بوصفها دولة تغرد خارج السرب، معتقدة أن ذلك يعطيها استقلالية وميزة في دائرة السياسة الدولية، وجعلها تسعى لمن يوافقها في التوجهات مثل إيران"، لافتاً إلى أن علاقة الدوحة وطهران قديمة.
ولم تقتصر ردود الأفعال المنتقدة للاتفاقية على أوساط السياسيين، حيث دشن مستخدمو موقع تويتر، هاشتاج "الاتفاقية القطرية التركية"، للتأكيد على رفضهم الشديد للخنوع القطري لتركيا، وتصدر الهاشتاج ترند الإمارات، وحل في المراكز الأولى بين الأكثر تداولا بين مستخدمي الموقع أمس الأحد.
وشن المدونون عبر الهاشتاج هجوما شديدا على تنظيم الحمدين، واعتبروا أن الاتفاقية خيانة لقطر، ومصلحة الشعب القطري.
وبحسب المراقبون فإن القراءة المتأنية للظروف التي أحاطت بهذا الاتفاق، تبرز كيف استطاعت تركيا أن تستغل ضياع البوصلة القطرية لصالح أجندتها في التغلغل العسكري في منطقة الشرق الأوسط عموما والخليج خصوصا، في إطار السعي لإحياء العثمانية الجديدة ذات المرتكز الفكري الإخواني.
كما أن تفاصيل الاتفاق العسكري بين قطر وتركيا، والذي كشف بنوده السرية موقع "نورديك مونيتور" السويدي، أثبتت أن لدى الدول الداعية لمكافحة الإرهاب مبررها في المطلب المشروع بإغلاق القاعدة العسكرية في قطر، كأحد شروطها الـ13 لإنهاء مقاطعة الدوحة، التي بدأت في 5 يونيو 2017، وذلك إدراكاً منها لخطورته على الأمن القومي الخليجي والعربي، فالاتفاق هو بمثابة وثيقة تتنازل الدوحة بموجبها عن سيادتها بالسماح للقوات التركية التصرف بحرية دون استئذانها، ما يتنافى مع مفهوم “سيادة الدول” وينتهك بشكل فاضح السيادة القطرية، الأمر الذي يعرض أمن المنطقة للخطر، وهو ما فطنت له دول الرباعي العربي ووقفت أمام تلك المحاولات بالمرصاد حفاظاً على الأمن العربي والخليجي.