اتخذت ايران من الثقافة والجمعيات الاهلية طريقا لغزو العراق والسيطرة علي مناطق فيها بدء بعد السيطرة علي العقول ويقول الباحث الدكتور فراس الياس في دراسة مهمة ان للبعد الثقافي دور هام في ترسيخ النفوذ الإيراني في العراق، فقد كان هذا البعد حاضر في عقلية السياسي الإيراني منذ بدء التفكير في ملئ الفراغ السياسي في عراق مابعد 2003، وجهدت الإستراتيجية الإيرانية في إبتكار الوسائل والأدوات والمدخلات الدافعة بإتجاه تقوية أركان نفوذها الثقافي في العراق، فقد ساعدت إستراتيجية الصدمة الأمريكية في تهيئة البيئة السياسية والثقافية العراقية لتقبل بعض الأفكار الدخيلة من جهة، والوقوف عاجزة أمام المد الإيراني العارم لملئ الفراغ الناجم عن غياب الدولة العراقية بكل مؤسساتها وهياكلها من جهة أخرى.
وكشف الباحث في دراسته عن بعض الصور والمحاور التى عملت ايران من خلالها في ترسيخ الدور الطائفي الإيراني في العراق فكتب يقول
عمدت إيران منذ إحتلال العراق عام 2003 إلى التوغل داخل المجتمع العراقي، كهدف يجعل تدخلها في شؤونه السياسية أمراً تلقائياً، من دون أن تواجه تهمة التدخل في شؤون بلد ذي سيادة، ثم بعد ذلك باتت تتذرع بأن كل ما تفعله في العراق هو بطلب من حكومته، لتتمكن عبر هذه السياسة من جعل العراق بحكوماته المتعاقبة منصاعاً لتوجهاتها، كما إعتمدت إيران على تأجيج الصراع العقائدي في العراق، لضمان كسب “شيعته”، لا سيما من الشباب الثوري المتحمس الذي يعاني في الوقت نفسه ظروفاً إقتصادية صعبة، ليجد ما يطمح إليه في صفوف المليشيات المسلحة التابعة لأحزاب سياسية ولاؤها بالدرجة الأولى للمرشد الأعلى في إيران
ويضيف الباحث قائلا أدت مأسسة الهويات الطائفية في العراق إلى نشوب صراعات حول مكانة وحجم وحدود وقوة كل طائفة، وقد كان لهذه الصراعات أثر مزعزع للإستقرار، خاصة عندما كانت تضفي مشروعية على أعمال الجماعات التي تمارس العنف، والتي تدعي تمثيل طوائفها، كما فاقم إعتماد العراق على البترول كمصدر رئيس للدخل هذه الصراعات، بسبب عدم وجود صيغة صريحة وواضحة لإدارة الموارد، وترافقت الصراعات الطائفية مع نوع من الإستقطاب الشامل الناجم عن تزايد سلطوية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وبدعم إيراني، فقد تمكن من تعزيز سلطته، وتهميش البرلمان والمؤسسات المستقلة، والسيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية، وإخضاع القضاء، وتوسيع دائرة دعمه السياسي على حساب منافسيه، وتعزيز النفوذ الإيراني في العراق، وبينما أثار هذا قلق منتقديه “الشيعة”، فإنه لم يدفعهم إلى الخروج عن الصف الطائفي.
وقد كان لإحتلال العراق عام 2003 نقطة إنعطاف في الشرق الأوسط، فقد وفر الاحتلال الفرصة للتيار السياسي “الشيعي” للعودة إلى العمل السياسي، وأشرع الأبواب أمام النفوذ الإيراني، وهكذا سرعان ما هرع حلفاء إيران في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق بدر الذي دربه الحرس الثوري، إلى العودة إلى البلاد من المنفى، وأصبحوا جزءاً من الواقع السياسي العراقي الجديد، لكن السياسات الداخلية العراقية، أثبتت أنها عامل معقد في علاقات إيران، ففي خضم سعيه لإبعاد نفسه عن الإنطباع بأنه وكيل إيراني، بدل المجلس أسمه ليصبح المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، وخففت قيادته الدينية من التزاماتها السابقة إزاء الخمينية، وهذا مادفع إلى بروز إنشقاق في فيلق بدر بقيادة هادي العامري، الذي شكل كياناً سياسياً جديداً بقي على صلة وثيقة بالحرس الثوري وطهران، أسماه منظمة بدر، وفيما بعد تحولت المليشيات المسلحة بعد أن نمت حجماً وإزدادت نفوذاً، إلى وسيلة في يد إيران للتأثير على الواقع الإجتماعي العراقي، وجنباً إلى جنب مع العلائق المديدة مع بدر والمجلس الأعلى والروابط الجديدة المتأنية مع سياسيين “شيعة” بارزين، إستطاع النفوذ الإيراني التغلغل في تضاعيف الديناميكيات الإجتماعية العراقية، هذه العلاقات خاصة مع الرابط الوثيق للمجلس الأعلى مع الفصائل المسلحة، جعلت إيران بشكل قطعي لاعباً طائفياً في العراق.
ومنذ إندلاع مايسمي بالربيع العربي، ومع تفاقم الإنقسامات الطائفية في الشرق الأوسط، بفعل الإضطرابات السياسية أججت السياسات الإيرانية ونشاطات الحرس الثوري في العراق تحديداً، نيران الخلافات أكثر مما أخمدتها، فاقمت الإنقسامات الدينية في العراق، ثم جاء بروز تنظيم داعش ليرسم إستمرار وجه النزاعات الطائفية في العراق، على قدر ما رسمها وكلاء إيران في المنطقة.
كما قامت ايران بتأسيس العديد من منظمات المجتمع المدني والمراكز الثقافية ذات التوجه الإيراني
منذ العام 2003، ونتيجة لحالة الفراغ الأمني الذي عانى منه العراق، وبالتوازي مع النفوذ السياسي الإيراني المتصاعد، سعت إيران إلى توظيف الجانب المجتمعي أيضاً، وهذه المرة عن طريق المنظمات والمراكز الثقافية، التي لعبت دوراً أمنياً وإستخباراياً فاعلاً في الساحة العراقية، وبالنظر لأدارتها المباشرة من قبل المخابرات الإيرانية، فإنها أعتبرت أداة فاعلة وربما أكثر خطورة من المؤسسات العلنية، لجسامة الأعمال التي قامت وتقوم بها إلى جانب أنشطتها السرية، ولكن مهما تعددت أوجهها وأغراضها ووسائلها، فأنها صبت جميعاً في رفد المشروع الإيراني في العراق، الذي منبعه الرئيس أحزاب الإسلام السياسي “الشيعي” على الساحة العراقية، ومنها حزب الدعوة بأجنحته المتعددة والمجلس الأعلى وقوات بدر وحزب الله وثأر الله وبقية التنظيمات العلنية والسرية، وهذا ما صرح به رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام السابق هاشمي رفسنجاني بقوله: “إن طهران قد وصلت إلى ما تريده في العراق، بإعتبار أن قادته في الوقت الحاضر هم من أصدقاء إيران”.
كما قامت إيران بتأسيس العديد من المؤسسات في العراق، ذات واجهات سياسية متعددة، والمرتبطة مالياً وإدارياً بإيران ومنها علي سبيل المثال
مؤسسة الإمام السجاد الخيرية في كربلاء.
مؤسسة الإمام المهدي في بغداد.
مؤسسة المشاريع الخيرية، ومقرها بغداد/ الجادرية.
مؤسسة شهيد المحراب، ومقرها بغداد/ الكرادة.
مؤسسة المدينة المنورة، مقرها بغداد، ولها فرع في البصرة.
مؤسسة الكوثر، ومقرها في بغداد.
مؤسسة النخيل، مقرها الرئيس في بغداد والبصرة.
مؤسسة الحجة، مقرها بغداد/ الكاظمية.
مؤسسة بارسيان الخضراء، مقرها في بغداد.
مؤسسة البصرة الهندسية، مقرها البصرة.
مؤسسة الرافدين للسياحة، ومقرها بغداد/ مدينة الصدر.
منظمة الحوار الإنساني الإسلامي، مقرها بغداد/ العطيفية/ جامع براثا.
مؤسسة ميلي المصرفية أو بنك ميلي، مقره بغداد/ شارع عرصات الهندية.
بنك سبه مقره بغداد، وله فروع بالنجف والبصرة.
بنك التعاون الإقليمي الإسلامي للتنمية والإستثمار، مقره بغداد، وله فروع بالنجف وكربلاء والبصرة والسليمانية.
شركة الوسام، ومقرها في بغداد.
مؤسسة البصيرة، ومقرها العمارة وميسان والناصرية
وتساهم هذه المؤسسات التي تعمل ضمن إطر إجتماعية متعددة، بشكل مباشر أو غير مباشر في تنفيذ الإستراتيجية الإيرانية في العراق، ونظراً لإرتباطها المباشر بالمخابرات الإيرانية، فإنها تشكل أدوات خطيرة لبلورة المشروع الإيراني في العراق، فالإستراتيجية الإيرانية في العراق بنيت على أسس وعقيدة الثورة الايرانية، وتعتبر المؤسسات والمنظمات المراكز المجتمعية، إحدى الوسائل المهمة لتنفيذ هذه الإستراتيجية، بالإضافة إلى الأحزاب المنضوية تحت المظلة الإيرانية، وهناك المئات من المؤسسات الرئيسية والفرعية المرتبطة بإيران بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والتي تحصل على دعم مالي مباشر من قبل مكتب المرشد الأعلى والمخابرات الإيرانية.
ويضاف أيضاً إلى أن إيران عملت على تأسيس الكثير من المنظمات والمؤسسات والمراكز الثقافية في العراق بعد إحتلاله، وشمل عمل هذه المؤسسات جميع جوانب الحالة العراقية: إنسانياً وثقافياً وإقتصادياً وإجتماعياً وتوعوياً، وقد تحددت مجالات عمل هذه المؤسسات بالآتي: مؤسسات تجنيد الشباب، كمكتب مساعدة فقراء “الشيعة” في العراق، ومقره كربلاء، وله فرع في النجف.