حذرت مصادر إعلامية أميركية
من خطورة الاتفاقية العسكرية التي أبرمها النظام القطري مع تركيا قبل شهور، وقالت إن
حكام الدوحة سيعملون على استغلال هذه الاتفاقية ذات البنود المبهمة والغامضة، من أجل
زعزعة الاستقرار الإقليمي، وارتكاب أعمالٍ طائشةٍ ضد دول الجوار، وتصعيد أزمتهم الحالية
التي أدت إلى فرض العزلة عليهم منذ أكثر من 20 شهراً.
ووصفت المصادر، عبر تقريرٍ
تحليليٍ نشرته صحيفة «دَيلي كوللر» الأميركية واسعة الانتشار، هذه الاتفاقية بأنها
«الأولى من نوعها» بالنسبة لـ«نظام الحمدين»، وقالت إنها تمثل فرصةً لهذا النظام لأن
«يجلب قواتٍ تركيةً للحدود بينه وبين جيرانه ومن ثم تصعيد الخلاف» الراهن في المنطقة.
وأكد التقرير، الذي أعدته
الكاتبة أديل نازاريان، أن توقيع تلك الاتفاقية يهدد الأمن في الشرق الأوسط بأسره،
ويستهدف حشد القوى المتشددة في المنطقة، من قبيل الميليشيات الحوثية الموالية لإيران
والتي تتلقى تدريباتٍ فيها كذلك، والجماعات المسلحة الموجودة في العراق، التي تخضع
أيضاً لسيطرة نظام الملالي، إلى جانب الموالين للنظام القطري.
وفي إشارةٍ إلى أن أنشطة
تلك الميليشيات تشكل خطورةً حتى على مصالح الدول الغربية في المنطقة، لفتت الكاتبة
الانتباه إلى الأمر الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية في سبتمبر الماضي بإخلاء
قنصلية الولايات المتحدة في مدينة البصرة العراقية، إثر سلسلةٍ من الهجمات التي شنتها
آنذاك ميلشيات مدعومة من «فيلق القدس» التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني، المتورطة
في الكثير من الأحداث الإرهابية التي شهدتها المنطقة على مدار العقود الماضية.
وأوضحت أن مخاطر النفوذ
الإيراني تتزايد مع حرية الحركة التي باتت تحظى بها القوات التركية في قطر، بموجب الاتفاقية
العسكرية الأخيرة بين نظام تميم بن حمد وحكومة أنقرة، وهو ما يجعل الأمر يبدو وكأنه
يصب في مصلحة محورٍ ثلاثيٍ يضم قطر وإيران وتركيا.
وأبرزت «دَيلي كوللر» حقيقة
أن توقيع هذه المعاهدة، التي وُصِفَتْ رسمياً بأنها الاتفاقية المبرمة بين الدوحة وأنقرة
حول نشر قواتٍ تركيةٍ في أراضي دولة قطر، كان يعني «أن الجيش التركي سينتشر في أراضٍ
بالخليج للمرة الأولى منذ مئة عام وواحد».
وأشارت إلى أن هذه الخطوة
تمنح الحكومة التركية «حرية الحركة لاستغلال الأراضي القطرية لتعزيز مصالحها الإيديولوجية،
في وقت تستخدم فيه قوة حلف شمال الأطلسي باعتباره تحالفاً دولياً، يمثل الجيش التركي
ثاني أكبر جيشٍ فيه» بعد جيش الولايات المتحدة.
وسلطت الصحيفة الأميركية
واسعة الانتشار الضوء على ما أعرب عنه محللون أوروبيون من مخاوف من أن الاتفاق العسكري
الأخير بين الدوحة وأنقرة «يمكن أن يُساء استخدامه لتنفيذ مهام عسكريةٍ» في منطقة الخليج،
بالنظر إلى أن «قطر دولةٌ ذات أهميةٍ استراتيجيةٍ بالنسبة لتركيا».
ونقلت عن هؤلاء المحللين
قولهم إن هذا الاتفاق «ينطوي على مخاطر هائلةٍ على صعيد احتمال تصعيد التدخلات التركية
في صراعاتٍ محتملةٍ» قد تنشب في الشرق الأوسط، وإشارتهم إلى أن ذلك يؤكد الرؤية القائلة
بأن «الغموض الذي تصطبغ به الاتفاقية هو أمرٌ متعمدٌ وممنهجٌ للسماح للقيادة التركية
باستغلالها بالشكل الذي تراه مناسباً». فهذه المعاهدة -بحسب النصوص التي نشرتها «دَيلي
كوللر»- لا تحدد مدى زمنياً لبقاء القوات التركية في قطر، كما لا تضع معايير تحكم الأنشطة
التي ستمارسها تلك القوات على الأراضي القطرية.
وأشارت الصحيفة إلى أرقام
الفقرات التي أُحيطت عمداً بالغموض لفتح الباب أمام إمكانية التلاعب بها من جانب النظامين
القطري والتركي، وإفساح المجال كذلك أمام حكومة أنقرة لاستخدام جنودها في الأراضي القطرية
في أي مهام عسكريةٍ من دون العودة إلى البرلمان أو الالتزام بنصوص الدستور الساري في
تركيا.
وخص تقريرها التحليلي بالذكر
الفقرة الرابعة التي تقول إن المعاهدة تسمح للقوة التركية المنتشرة في قطر بـ«تنفيذ
مهام تدريبيةٍ ومناورات.. وكذلك أي مهام أخرى، شريطة الموافقة الخطية من قبل الجانبين»
وهو أمرٌ يبدو محسوماً في ظل التوافق المشبوه القائم بين البلدين في الوقت الحاضر.
كما لا تشير نصوص الاتفاق إلى أي «طرفٍ ثالثٍ يمكن أن يتم اللجوء إليه لفض أي خلاف
أو نزاع» بين الجانبين القطري والتركي، بل إن الفقرة السادسة عشرة منه تقول إن أي مشكلةٍ
من هذا النوع «ستُحل عبر المفاوضات بين الطرفين، من دون إحالتها إلى أي طرفٍ أو مؤسسةٍ
أو محكمةٍ وطنيةٍ أو دوليةٍ».
ونقلت الصحيفة الأميركية
عن جريج رومان مدير مركز «منتدى الشرق الأوسط» للأبحاث في واشنطن تأكيده على الأهداف
المثيرة للجدل لذلك الاتفاق ومخاطره على الوضع في المنطقة العربية، في ضوء أن «الوجود
العسكري التركي في الخليج لا يتعلق (بدعم) الاستقرار الإقليمي، ولكنه يرتبط بمحاولة
بسط الهيمنة العثمانية» التي تسعى إليها القيادة التركية كجزءٍ من رؤيتها لدور البلاد
على الساحة الإقليمية.
وأشار رومان إلى أن هذه
الاتفاقية العسكرية «تمنح تركيا -وبشكلٍ جوهريٍ- القدرة على فرض أجندتها الإقليمية
من دون أي كوابح أو ضوابط»، قائلاً إن كل هذا يستهدف تمكين أنقرة من تحقيق مطامعها
المتعلقة بأن تتحول إلى قوةٍ ذات ثقلٍ في الشرق الأوسط، وبسط نفوذها خارج دولٍ مثل
العراق وسوريا. أما رونالد ساندي الخبير الاستراتيجي الحالي والمحلل السابق لدى الاستخبارات
العسكرية الهولندية فيرى أن الاتفاق القطري التركي «شديد الغرابة بشكلٍ أو بآخر» ولا
يتسق مع المعايير الغربية، وهو ما «يدعونا للإقرار بأنه (كُتِبَ من جانب) أناسٍ يتلاعبون
بنا».
وأشار ساندي -الذي كان
واحداً من بين أكثر من 1200 شخصية تعرضت على مدار السنوات الماضية لحملة قرصنةٍ إلكترونية
وقف «نظام الحمدين» وراءها- إلى أن قطر وتركيا «تعملان بالفعل على التعاون من أجل تعزيز
نفوذهما، وأعتقد أن إيران -في مرحلةٍ ما- تعمل على تحقيق هذا الهدف بدورها كذلك».