بوابة الحركات الاسلامية : تداعيات مذبحة المسجدين: اليمين المتطرف "لقد جاء من يبدأ مسيرتنا" (طباعة)
تداعيات مذبحة المسجدين: اليمين المتطرف "لقد جاء من يبدأ مسيرتنا"
آخر تحديث: الإثنين 18/03/2019 10:49 ص روبير الفارس
تداعيات مذبحة المسجدين:
سوف تظل مذبحة المسجدين في نيوزيلاندا محور للكثير من الابحاث والدراسات التى تعكف علي قراءة الدم المسكوب بين يدي الله، وخاصة تلك التى تحارب خطاب الكراهية بمختلف مصادرة، وفي هذا التقرير نقدم بعض القراءات المختلفة والمتعمقة للحادث البشع. 

من كتب المانيفستو؟
من سيدني باستراليا كتب "أنطون سابيلا " مقالا مهما بعنوان "أهداف وتداعيات العملية الارهابية في نيوزيلاندا" نشره المركز الكاثوليكيى للاعلام بالاردن " ابونا " وطرح خلاله عدة اسئلة مهمة حول هذه الجريمة النكراء  وجاء في المقال  قرأت البيان "المانيفستو" للمنفذ الرئيسي لمذبحة المسجدين في نيوزيلاندا برنتون تارانت وخرجت بعدة نتائج أهمها ما يلي:

برنتون لم يكتب المانيفستو المؤلف من 73 صفحة حيث أنه كان فاشلاً في المدرسة ومن خلفية اجتماعية فقيرة شبه معدمة بسبب وفاة والده في سن 49 عامًا نتيجة اصابته بمرض قاتل في الرئة ناجم عن التعرض للأسبستوس خلال عمله. وبإمكان القول أن برنتون قد تشرد بعد وفاة والده ولا يُعرف عنه أنه كان يتردد على الكنائس ولا أنه من المتدينين. وانتاج هذا المانيفستو بحاجة إلى شخص له معرفة دقيقة بالتاريخ الأوروبي والعثماني وحروب الفرنجة، ولكن هذه المعرفة غير موجودة لدى برنتون.

على ضوء ذلك هناك من كتب له المانيفستو! ويبقى السؤال الكبير من كتب المانيفستو؟ الإجابة في سياق المقالة.

عندما يتحدث المانيفستو (ولا اقول برنتون) عن "الغزو" الاسلامي لأوروبا فهو يحاول جاهدًا دغدغة مشاعر المسيحيين المتدينين وجذبهم إلى حظيرة اليمين المتطرف. ومن المعروف أن هناك فرق بين المتدين من جهة والعنصري والطائفي من جهة أخرى، فرئيس وزرائنا سكوت موريسون متدين لكنه غير عنصري ولا طائفي. وأكثر من 50 في المائة من الغربيين هم اليوم ملحدون ومن المستحيل لليمين المتطرف أن يجذبهم إلى صفوفه، كما من المستحيل أن يجذب المسيحيين العاديين، ولذا فإن الهدف من المانيفستو هو جذب المسيحيين المتدينين لمعسكر المتطرفين لعل وعسى!!

ولكن خاب ظن اليمين المتطرف في مسعاه لإحتواء أو جذب المسيحيين المتدينين، لأن رئيس وزرائنا موريسون كان أول من هاجمهم بقسوة بعد العملية الارهابية ونعتهم بأقذع الأوصاف، أي بكلمات أخرى قال لهم موريسون "لا ترتكبوا الجرائم بإسمنا ولا بإسم استراليا ونيوزيلاندا وحلّوا عنّا".

وهاجم المانيفستو الاستراليين ووصفهم بالشعب الذي "يهتم فقط بشرب الكحول ومتابعة الرياضة وغير واعِ للغزو الذي تتعرض له البلاد." وطبعا كان لليسار نصيبه من الهجوم اللاذع وأيضًا وسائل الاعلام اليسارية.

ولا بد هنا من القول أن وسائل الإعلام اليسارية واليمينية المتطرفة لعبت دورً رئيسيًا في شحن طاقات المتطرفين على حد سواء. فالإعلام المتطرف أعطاهم منبرًا لترويج افكارهم بينما الاعلام اليساري كان يهاجم كل شيء يقوله شخص غير يساري حتى لو كان هذا الشخص غير متطرف أو حتى من يسار الوسط مما أغلق الابواب أمام سماع أفكار وأراء ربما لها ما يبررها ودحض الاراء العنصرية.

أما التداعيات فهي خطيرة وأهمها احتمال وقوع اعمال انتقامية، وهذا ما يريده اليمين المتطرف لأن اي عمل انتقامي سوف يجد له "متطوعًا" في اوساط اليمين المتطرف على استعداد حتى لتنفيذ تفجير انتحاري، علمًا أن مصادر امنية في نيو زيلاندا رجحت أن تفخيخ سيارة برنتون ربما لأنه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية.

وبناءً على هذه المصادر الأمنية فإن العملية الإرهابية بدأ التخطيط لها قبل عامين. وهذا يعني أن جهات عالمية ورائها وهي التي كتبت المانيفستو ليشمل اوروبا وامريكا الشمالية وأن المنفذين المحليين كانوا فقط أدواتها. وعلى ضوء ذلك مطلوب عدم الانتقام أو ردود أفعال غير محمودة العواقب وإتاحة المجال للدوائر الأمنية لملاحقة الارهابيين من اي جهة كانت لأن اليمين المتطرف بدأ مسيرته الارهابية حسب ما قاله انصاره عبر صفحاته الاجتماعية: "لقد جاء من يبدأ مسيرتنا".

كل الضحايا الذين يسقطون بإسم العنصرية أو الدين هم ضحايا أبرياء لا دخل لهم بالسياسة ولا بالخلافات الدينية أو المذهبية، وإنما يسقطون على أيدي من لديهم اجندات سياسية لا تأخذ بعين الاعتبار حق الانسان في العيش الكريم وحقه في ممارسة شعائره الدينية بكل حرية وآمان. وطوبى لصانعي السلام لأنهم ابناء الله يدعون!لعنة الإرهاب ووجع خطاب الكراهية الدامي
"الصراع الدولي ضد التطرف العنيف"
اما الدكتورة  أماني غازي جرار فكتبت تقول 
نعيش اليوم حالة من الذعر، لما نلمس من عنف بشتى الاشكال وارهاب بكافة السبل . ويشهد عالمنا المعاصر حالة مزرية من الفوضى واللاإنسانية، يسوده جو من انتشار العنف وحالات الارهاب الفكري وبث لخطاب الكراهية بشتى اشكاله . ولا خلاف بين الأسرة الدولية على اعتبار الإرهاب الدولي بكل أشكاله جريمة مدانة قانوناً وأخلاقاً.

ولعل أكثر ما يعزز تلك الحالة ضعف الاخلاقيات ومستوى المهنية وتراجع القيم التربوية في مجتمعاتنا عموما . والراصد لأحوال عالمنا الانساني بأسره يرى اننا اليوم نعيش حالة من الذعر والعنف والارهاب بشتى الاشكال. وقد تختلف وكالات الأنباء في الاشارة للمفهوم لتعني أي عمل يستخدم العنف ، ويمكن القول ان كافة العمليات الإرهابية غير مشروعة بالمعنى الانساني. وقد تحولت بعض الادارات عن استعمال مصطلح الحرب على الإرهاب واستعاضت عنه باستعمال "الصراع الدولي ضد التطرف العنيف". وبغض النظر عن التسميات وأبعاده الايديولوجية او السياسية ، فإن هذا النوع من الحرب هو أمر مثير للجدل ولا بد ان تتعزز جهوده . وقد اختلف الأكاديميون والسياسيون في تعريفه ،ولكنه بصورة عامة يستخدم لوصف أساليب تهدد الحياة.

ومما سبق ذكره ، نجد أنه لا خلاف بين الأسرة الدولية على اعتبار الإرهاب الدولي بكل أشكاله جريمة مدانة قانوناً وأخلاقاً. ويمكن تعريف الإرهاب بذلك أنه الاستخدام المدروس للعنف ، أو التهديد بالعنف لتحقيق أهداف ذات طبيعة سياسية أو دينية أو عقائدية عن طريق الترهيب أو الإكراه أو بث الخوف . فقد ترعى بعض الدول والجماعات الإرهاب ، لإثارة الفزع وتحقيق مصالحها الخاصة ؛ وهو وباء ينشره مفسدون معادون للحضارة والإنسانية ، بحيث تعود فيها إلى جذور البربرية. أما العلاقة بين العنف السياسي والإرهاب فيكمن في كون الأول وسيلة أو أداة، بينما الإرهاب هو ناتج العنف . ويمكن القول ان خطاب الكراهية يوفر بيئة محفزة للعنف و الارهاب . ولمواجهة خطاب الكراهية يجدر بمؤسسات المجتمع الانساني الكبير والدولة و المجتمع المدني ان تسعى معا لتعزيز خطاب التسامح والمحبة والسلام .

ولعل حل هذه المعضلة المتفشية هذا اليوم يكمن في محاولة حل مشاكل مجتماعاتنا بطرق إيجابية تتطلب حماية حقوق الانسان والاهتمام بالتربية الأخلاقية والانسانية .

فالقضية بداية تكمن في جوهر العملية التربوية وبالتالي دور المؤسسات المعنية بخلق مواطن عقلاني اخلاقي واع وفاضل يؤمن بالديموقراطية والحوار كأساس للتفاهم البشري وتقبل الاخر، وينبذ العنف و يعزز قيم المحبة والسلام والتسامح بعيدا عن الكراهية لأخيه الانسان مهما اختلف معه في الفكر والدين والاعتقاد . فالمواطن الذي نريد بناءه هو ذلك الايجابي الذي يهتم بمستقبل الاخوة الانسانية وبالوطن والإنسان ، ويرفض خطاب الكراهية حيثما يبرز ، وبغض النظر عن أية تحديدات عرقية او مذهبية او فكرية او قطرية ، فهو مواطن ينتمي للبشرية جمعاء ويحافظ على الارض ويسهم في بناء و إعمار كوكبنا الام.

وهنا يأتي دور وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والشباب والتنمية السياسية و الإعلام التي يقع عليها عاتقها التربية الانسانية بالمعنى الانساني الشامل.

أما ما نعيشه اليوم من ضحايا خطاب الكراهية والإرهاب الفظيع ، كل ذلك يشكل الأساس لما علينا أن نغير حاله لخير البشرية ، ولعل خير وسيلة لذلك ممارسة فن الحوار، فالحل للخلاص من ذلك هو فتح قنوات الحوار لتصبح لغة عالمية من اجل التفاهم الإنساني المنشود . علينا إذا التحاور حول المسائل المتعلقة بالاختلافات الثقافية والفكرية والايديولوجية في إطار من المساواة والاعتدال والوسطية واحترام حقوق الإنسان والتسامح الديني باعتباره مدخلاً حكيماً وأخلاقياً للحوار بين الثقافات .

ولعل الطريق للسعي نحو السلام والسعي إلى مطاردة من يشكل تهديداً للسلام كخطوة أولى ، وكما اعتقد الفيلسوف نعوم تشومسكي ، فقد تكون الحرب ضد الإرهاب بتخليص العالم من مرتكبي الشرور وعدم السماح لبلاء الإرهاب الشرير بالبقاء . ولعلني أجد هنا المحرك الأساسي الكامن وراء ظاهرة الإرهاب في العالم المعاصر بروز حالة من الرغبة في التصفية لأسباب سياسية قد تعود لجذور أهمها التعدي على الاخر بأي حجة كانت ، وعدم تقبل الاخر من منطلق الاختلاف العقائدي مثلا او العرقي،وغياب لتربية ديموقراطية وحماية لحقوق الانسان . ومن هنا فإن القيم الإنسانية هي أساس الحوار والتفاهم الإنساني في عصر التطرف . وفي الوقت الذي يمكننا فيه حل الصراعات بالطرق السلمية ،و التغيير المؤسسي الإصلاحي وحماية حقوق الإنسان ، نجد الافراد الاقل عقلانية والابعد عن القيم الاخلاقية يلجأون الى العنف وبث خطاب الكراهية . وهذا يتطلب جهداً جماعياً للتعامل مع خطاب الكراهية الذي يسيطر على ذهنية الإنسان المشوه العقل والوجدان .

ولإحداث النقلة النوعية المطلوبة من حالة الهمجية والبربرية والكراهية التي نعيشها للأسف نحو القيم الانسانية الحقة ، نحتاج كبشر إلى إحداث تغيير جوهري في التركيبة الفكرية لنا كأفراد وجماعات . نحن بحاجة ماسة لخلق الفكر البنائي والثقافة التنويرية العقلانية الإنسانية الرافضة للعصبية والتطرف والعنف والكراهية . وللتغلب على ثقافة الكراهية ،علينا كأفراد بداية الخروج من حالة الأنا المنغلقة القسرية الرافضة للآخر ، والتأكيد على غرس وتعزيز ثقافة أكثر تحضرا وإنسانية ، ثقافة ترفض كل محاولة لمحو الرأي الاخر المخالف لنا بصورة لاأخلاقية ولاانسانية. هكذا نحارب جذور الارهاب الفكري ، هكذا نحارب لعنة الارهاب ووجع خطاب الكراهية الدامي!
خوف وكراهية متبادلة 
وتحت هذا العنوان كتب الدكتور الاردني " باسم الطويسي "
جاءت العملية الإرهابية التي استهدفت مسجدين في نيوزيلندا وراح فيها نحو 50 ضحية لتعيد مشهد ظاهرة الخوف من الإسلام إلى الواجهة من جديد، ولتعيد أجواء الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) مرة اخرى، وابرزها على المستوى الإعلامي والدعائي الذي بات يشهد نغمة من التحريض وأشكالا من خطابات الكراهية كل ما نخشاه ان تنتقل الى المستوى الشعبي على أشكال ممارسات عدائية أو تهديد ووعيد وتحريض كما لمسنا خلال الساعات القليلة الماضية.

هذه الأجواء تخلق في هذا الوقت ردود فعل في العالمين العربي والإسلامي ذات طابع تبريري وقد وصلت – عند بعض الفئات – إلى حد تسويغ الجماعات الإرهابية وأفعالها، وعلى طريقة: “شاهدوا ماذا يقولون وماذا يفعلون بنا” ويتم استدعاء التاريخ وحقب الصراع الطويلة لتسويغ ما يحدث والدفع بالمزيد من الحطب على النيران المشتعلة، وهو الخطاب نفسه الذي عبر عنه الإرهابي برينتون تارنيت منفذ عملية نيوزلندا في منشور ليلة الهجوم الذي وصف فيه الجاليات الإسلامية بـ(الغزاة الجدد) مبررا عمليته بانها انتقام لملايين الأوروبيين الذين قتلهم الاجانب عبر التاريخ!

هذه البيئة يزدهر فيها التنميط الثقافي والسياسي الذي يشكل الاساس المتين لنمو التطرف المتبادل، أكثر المناطق الرخوة التي تصيبها حمى الإسلامفوبيا في هذا الوقت هم المهاجرون واللاجئون حيث شهدت مخيمات للاجئين في أوروبا خلال الاعوام الماضية سلسلة من الاعتداءات كما تعرضت مساجد لاعتداءات متعددة، وكتابة عبارات مضادة واحتجاجات يمينية متشددة في فرنسا ايطاليا والمانيا ووصلت إلى كندا، إلا أن حالة الإسلامفوبيا تراجعت بالفعل في العام الأخير في الوقت الذي شهدنا فيه محاصرة الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط.

كما هو الحال الذي يتطلب فيه الكشف عن مظاهر الإسلام فوبيا في أوروبا وغيرها فان الانتباه الى ما يحدث في الجبهة الاخرى هو الأصل فموجات التبرير والتسويغ التي تستثمر ظاهرة الخوف من الاسلام لتبرير مباشر أو غير المباشر لما يحدث يجب ان تكشف وتعرى، كما أن ردود الافعال الخجولة تحتاج الى محاكمة من نوع آخر.

هذه التطورات تطرح مخاوف اخلاقية عديدة على وسائل الإعلام المستقلة تحت عنوان عريض كيف تبقى الصحافة وفية لمهمتها الاساسية في حماية حق الناس في المعرفة دون أن تقع في شبكات الصراع، وان تتحول إلى أحد أطراف هذا الصراع بعدما نالها رصاص الإرهابيين. ثمة معطيات مختلفة تحمل كثافة عالية من السياسة المرتبطة بالاديان التي تحتاج من مجتمع الصحافيين العودة الى المربع الأول والاحتكام الى قوة الضمير الاخلاقي الجمعي ومقاصد فلسفة حقوق الإنسان.

في الوقت الذي تفرض الظروف الراهنة والتطورات العمل على ضرورة بناء ضمانات حقيقية لحماية حرية التعبير في مواجهة التطرف الذي تفرضه قوى ظلامية لدى الطرفين فان ثمة اسئلة تبقى مشروعة؛ متى تكون حرية التعبير في خدمة الدعاية السياسية والدينية؟ ومتى يمارس الخطاب الإعلامي الاستفزاز المبرمج الذي يعبر عن حالة من التحريض والاستقطاب؟ هل الرموز الدينية اقل قداسة من الهولوكوست على سبيل المثال في الثقافة العالمية؟ وكيف تحافظ وسائل الإعلام المستقلة على معادلة مهنية واخلاقية تحمي حرية التعبير وتبعدها في نفس الوقت عن ان تكون طرفا من اطراف الصراعات ذات السمات الدينية.

مع كل هذه الاحداث العدائية، وكل التحريض المعادي لكتل بشرية كبيرة تحت وسم الهوية الدينية والاثنية، ومع كل الكراهية التي يصبها اليمين الأوروبي والغربي، ومع كل هذه الاختراقات لحقوق الإنسان التي صدعنا بها العالم المتحضر على مدى عقود علينا أن لا ننسى ان الذين قتلوا العشرات من الابرياء وجرحوا المئات قاموا بفعلتهم وهم يصرخون بصيحات باسم الله والاديان.
كيف سيواجه العالم هجمات نيوزلندا؟
سؤال مهم طرحته الكاتبة "تهاني روحي " يف مقال جاء فيه 

أصاب العالم أجمع حالة من الصدمة جراء ما حدث من هجمات دامية على المصلين في مسجدين في بلد معروف عنه بالأمان والتسامح ويندر فيه العنف. ووصفته رئيسة وزراءه جاسيندا أرديرن، أن الهجوم يمثل واحدا من أحلك أيام نيوزيلندا. أما المحلل النيوزلندي في شؤون الدفاع فقد قال: ان هذا يثبت أننا لا نعيش في بيئة حميدة في هذا العصر، فلقد أصابنا فيروس التطرف وكان مصدره المؤمنون بتميز العرق الأبيض."

فالتعصبات بكافة أشكالها سواء الدينية او العرقية أو غيرها، اذ تشكل حاجزا كبيرا امام تقدم البشرية، وهذا التعصب ينخر في هياكل المجتمع، واحيانا يتم التلاعب به بحيث يفرض على اللاوعي عند الافراد بطريقة ممنهجة. بل يتم استغلاله اعلاميا وللأسف دينيا باستخدام اساليب تضلل الحقائق وتروج لأجندات لجماعات معينة.

ولهذا فان الانسان الواعي وفي رحلته المستمرة للبحث عن الحقيقة، عليه أن يشاهد الأشياء بعينه لا بعيون الآخرين، فالتحري المستقل عن الحقيقة سيؤهلنا لتمييز الحقيقة من الزيف والتي شأنها ان تمحو التعصبات والخرافات التي تعرقل سير الوحدة والاتحاد. كما علينا أن نتعلم سويا، كيف يمكن اضغاف جذوة التعصب والقضاء عليها في النهاية، وكيف نتسامى فوق الحواجز التقليدية التي تفرق بين الناس في المجتمع، وتزيد التوتر بين الشعوب التي تنتمي الى خلفيات دينية مختلفة. ولطالما كان الجهل هو الباعث الاساسي والمحرك للتعصب، بل هو " ابشع أشكال الظلم" لانه يقوي الاسوار العتيدة للتعصب ويكون عائقا امام فتح جسور التواصل مع العالم البشري ككل ويزيد من خطر الانغلاق والتعفن الفكري.

وبما انه لدي بعض المساهمات المتواضعة، وربما يعتبرني البعض ناشطة ان جاز التعبير في حوارات الاديان على مدار أكثر من عقد مضى سواء على المستوى المحلي، والاعلامي، والوطني والدولي ، ومن خلال مشاهدات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي بحيث أساهم في النقاش على صفحات معنية بالحوار والتواصل والانفتاح على الاخر المختلف، إلا انها لم تكن كافية للتصدي للتحدي المتنامي لهذا التعصب والتطرف الديني. ولربما كانت هذه الحوارات معنية بالنخب المجتمعية وتحاكي دائما ذووي العقول المستنيرة . اسئلة كثيرة يجب أن توضع محط اهتمام ونقاش وعلة مختلف المستويات حتى ترتقي الى حوار وطني يتشاور فيه كافة مكونات واطياف المجتمع من قبيل: ما هو دور الدين في المجتمع ؟ اعادة تعريق التعايش الديني بكافة ابعاده، وما المقصد بحرية الدين والعقيدة؟ وكيف يمكن التغلب على التحدي الماضي امامننا في القضاء على التعصب الديني والعرقي؟

فإذن لا تزال هناك الحاجة الى المزيد والمزيد من الجهود الدؤوبة والمخلصة للتوجه الى كافة شرائح المجتمع وبمختلف أطيافه. فكل يوم يمر بنا يتفاقم الخطر من أن النيران المتصاعدة من التعصبات الدينية سوف يستعر لهيبها ليصل الى العالم أجمع، وهذا ما شهدناه وللأسف في هجمات مساجد نيوزلندا الدامية.
أيتها الإنسانية.. لوين الدرب مودّينا؟
 وهذا التساؤل ذو الشجون طرحه الدكتور الاب رفعت بدر في مقال له رئيس تحرير موقع ابونا الكاثوليكي  جاء فيه
 
بلغ حجم التضامن العالمي أوجه، بعد وصول الأخبار المحزنة عن وصول الأحقاد ومشاعر الكراهية والقتل إلى مرحلة متقدّمة، استخدم فيها «السفاح» أحدث التقنيات للبث المباشر، وبدم بارد أتى على حياة البشر الآمنين المؤمنين والمصلين في مسجد النور في مدينة «Christ Church» النيوزلندية.دعونا نعود اقل من شهرين إلى الوراء، حيث جلس البابا فرنسيس على طاولة واحدة مع شيخ الأزهر، ووقعا وثيقة شكلت بوابة لرحلة جديدة متقدّمة على درب التعاون الإسلامي المسيحي، وحملت عنوانًا رائدًا هو «وثيقة الأخوّة الانسانية».

اذكرها اليوم لانها حذرت من أي اعتداء على البشر لأن كرامتهم الانسانية مقدسة. وكذلك على الحجر أو بيوت العبادة فقالت: «إن حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجبٌ تكفله كلّ الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدوليّة، وكلّ محاولةٍ للتعرّض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروجٌ صريحٌ عن تعاليم الأديان، وانتهاكٌ واضحٌ للقوانين الدوليّة».

واليوم يجد العالم نفسه أمام حسرات لا تنتهي، وأمام طوفان الدموع والدماء والغضب و«القرف» من وحشية الإنسان المتجددة والتي تطور نفسها مع الأسف مع التطور التقني، حتى بتنا نقول إننا «قد تقدمنا تقنيًا نعم، وتراجعنا أخلاقيًا وثقافيًا وإنسانيًا وأدبيًا ومهنيًا». وفي وقت الانفراج الدولي تبعًا لانتهاء تنظيمات أطلقت على نفسها أسماء تلامس الدين وتتحدث باسمه، وتنسب العنف إليه، نجد أنفسنا مجدّدا أمام دوّامة جديدة من الهمجية المخطط لها وتتخذ من إراقة الدماء بدم بارد تصفية لكراهية عنصرية وعرقية يمينية وحشية.

نطل في هذه الأيام على الذكرى السنوية الخامسة عشرة لإطلاق رسالة عمّان 2004، برعاية من جلالة الملك عبدالله الثاني الحائز على جائزة تمبلتون لحوار الأديان نهاية السنة الماضية، ومصباح السلام العالمي في أسيزي مع بداية الشهر الحالي، وقد قام الأردن بفضل جلالته بتصدير رسائل عدة للعالم، هدفت إلى إبلاغ العالم الرسالة الحقيقية للدين، وتوافقت مع دعوات الفاتيكان وغيره من المؤسسات الدينية العليا، لكي تشكل السد المنيع لكلّ من يحاول المساس بجوهر الدين وبكرامة الانسان بالعنف والوحشية. ولكننا اليوم أمام سموم العنصرية واليمين المتطرف، النابع من تعاليم وتنشئة وتوجيهات تُغرس في نفوس وعقول وقلوب الأطفال، فتخلق «عقلية» الكراهية فينشأون عليها ويمارسون أفعالها مستخدمين أحدث الوسائل.

وعلينا، مسلمين ومسيحيين في العالم، وهم يشكلون 57%، ومع كل أصحاب النيات الحسنة من سكان الكرة الأرضية، أن نتضامن فكريًا وروحيًا وثقافيًا، فنؤّسس ونعزز عقليات الانفتاح والتقبل والاحترام ونبذ الإرهاب والتطرف، بدرجة صفر في التساهل أو Zero tolerance مع أيّ توجه عنيف. وهذا ما قالته كذلك وثيقة الأخوة الإنسانية: «يجب وقف دعم الحركات الإرهابية بالمال أو بالسلاح أو التخطيط أو التبرير، أو بتوفير الغطاء الإعلاميّ لها، واعتبار ذلك من الجرائم الدوليّة التي تُهدّد الأمن والسِلْم العالميّين، ويجب إدانة ذلك التطرّف بكّل أشكاله وصوره».

أيتها الإنسانية، كما تقول الاغنية: تعب المشوار... ولوين الدرب مودّينا؟ ولكن، أكملي السير نحو مستقبل أكثر إنسانية !