بوابة الحركات الاسلامية : الإرهاب ... اقتلاع الجذور (طباعة)
الإرهاب ... اقتلاع الجذور
آخر تحديث: السبت 20/04/2019 03:34 م
د. إكرام لمعى د. إكرام لمعى
الحديث عن جذور الإرهاب أو الأصولية فى الكتب المقدسة والتقليد والثقافة فى الأديان الإبراهيمية الثلاثة ( اليهودية والمسيحية والإسلام)إنما هو إقتحام حقل ألغام يحتاج إلى شجاعة.
مشكلة الأصولية والإرهاب كأحد نتائجها الأساسية هي مشكلة حقيقية وذلك لأنها تتعلق بالمقدس والمقدس لا يعتريه (تغيير ولا ظل دوران) وهذا التعبير كان ُيطلق فقط على الله ومع الزمن أُطلق على الكتب المقدسة ( رغم أنها جُمعت فى عدة سنوات ( عشرات أومئات وأكثر ) وأنتقى مما جُمع ما أتفق عليه فى ذلك الوقت ( وقت الجمع ) والذين اتفقوا كانوابشرًا لم يُوحى لهم بشئ ما ثم أخيرًا أطلق هذا التعبير الخطير " العصمة " على بعض كتب التفسير وليس فقط على الكتب الموحى بها.
من هنا كانت الماساة وستظل إلا إذا حدث فصل واضح بين الله والكتب المقدسة التى تعبرعنه لأن الكتب المقدسة ظهرت أو نزلت فى عصور مختلفة وفى خلفيات  متعددة وثقافات متنوعة، ليس ذلك فقط بل هناك كتب مقدسة بدأت واكتملت على مدى آلاف السنين مثل الكتاب المقدس فأسفار الكتاب المقدس كتبت فى عهود القبائل ثم القضاة والملوك ... إلخ ثم يأتى بعد ذلك تفسير الكتب والذى هو الطامة الكبرى عندما يصير التفسير البشرى مقدسًا .
إن النزعات الأصولية الجهادية فى الديانات الثلاث الإبراهيمية يبدأ بالتاريخ الإنسانى خاصة بالافكار الكبرى التأسيسية التى تسيطر على الإنسانية حتى تاتى فكرة أخرى أخرى بديلة تسيطر .
- حقبة السحر والخرافة
- حقبة الدين
- الحقبة الأخيرة الحديثة : النزعة الإنسانية والحداثة والحرية والديمقراطية ... إلخ
أولا : حقبة السحر والخرافة
هذه الحقبة لا يعرفون بدايتها بالضبط لكنها سميت مرحلة الطفولة الإنسانية التى اعتبر فيها الزلازل والأعاصير والفيضانات هى تجلى أرواح مجهولة عليه أن يقدم لها ذبائح ليسترضيها.
 
1
ثانيا : حقبة الدين :
والتى تميزت بالصراعات الأصولية فى الديانات الإبراهيمية الثلاث من جهة وصراع الأديان مع العلم من الناحية الأخرى .
وهذه الحقبة بدأت بوعى الإنسان بالعالم كما هو فى الواقع وليس كما يتمناه، ففى مرحلة الطفولة يعيش الطفل حياة كما يتمناها بمعنى أن كل طلباته مجابة، لكن فى اللحظة التى يعرف أن عليه أن يجاهد ويتعب ويقف أمام مصاعب الحياة، هنا يرى العالم كما هو فى الواقع ومن هنا بدأت حقبة سيطرة الأديان التى تحتضن العلوم داخلها، وأخذت ترتقى حتى وصلت إلى قمتها فى القرن الخامس الميلادى، ولقد كانت هذه القرون الخمسة الأخيرة قمة التفكير العلمى والفلسفى واللاهوتى للعصور القديمة حيث أٌعتبرت الإسكندرية عاصمة العالم الفكرى من خلال مكتبتها العظيمة وسلة الخبز للإمبراطورية الرومانية وكان بطاركة الكنيسة المصرية معظمهم من العلمانيين ومن مديري مكتبة الإسكندرية، وكل ذلك إنتهى بأمرين فى غاية السوء الأول إنقسام الكنيسة عام 451 م فى مجمع خلقدونية والآخر حريق مدرسة الإسكندرية مما أدى إلى تدنى شديد فى الفكر اللاهوتى نظرًا للصراع بين الكنيسة البيزنطية والمصرية من ناحية والصراع بين الكنيسة المصرية والفلاسفة الذين لا يؤمنون بالمسيحية من الناحية الأخرى والنموذج لذلك الفيلسوفة هيباتشيا التى صدر الأمر من الكنيسة بتكفيرها، فأدى ذلك إلى سحلها فى شوارع الإسكندرية حتى الموت . وقامت الكنيسة فى ذلك الوقت بتهجير اليهود من الإسكندرية وهدم وحرق المعابد الوثنية والمراكز الثقافية مثل السرابيوم وتم تحويلها إلى كنائس ومراكز مسيحية. هذا الإنهيار هيأ البلاد لدخول الإسلام فى القرن السابع .
فانتقلت الحضارة إلى العالم العربى الإسلامى بحسب المؤرخين العلماء – والتي بدأت من القرن السابع حتى القرن السادس عشر وذلك فى الوقت الذى فيه غرقت أوروبا فى ظلام العصور الوسطى فهى وإن كانت فترة زمنية واحدة إلا أنه كان هناك تفاوت عظيم فى التفكير العلمى بين هاتين المنطقتين من العالم، فقد وصل العالم الإسلامى إلى قمته فى القرون الوسطى بينما وصلت أوروبا إلى الحضيض، من هنا نقول على مدى هذه الحقب كان هناك صراع بين العلم والتفكير العلمى من ناحية وبين كهنة الدين بشكل عام الذين يعيدون كل الإكتشافات والعلوم إلى الكتب المقدسة . لذلك علينا أن نفرق بين العلم والدين، هل هما خطان متوازيان لا يلتقيان أم أنه صراع يفوز فيه واحد على آخر فى حقبة ما كماحدث فى القرون الوسطى فقد كانت الكنيسة مسيطرة بالدين على كل شئون الحياة فأحرقت العلماء ورفضت الإكتشافات العلمية مثل كروية الأرض ووجود كواكب أخرى غير الأرض فى الكون ... إلخ
 
 
2
ثالثا :  حقبة سيادة العلم وعودة الدين:
جاء عصر العلم بعد الإصلاح الديني في أوروبا بقيادة مارتن لوثر وجون كالفن وسيطر العلم والتفكير العلمي وظهرت مدرسة النقد العالي High criticism حيث حللت الكتب المقدسة علميًا وأخرجوا منها أخطاء علمية وتاريخية ولغوية ورفضوا المعجزات ... إلخ وظهرت نظرية ما سمى "الصراع بين مسيح الإيمان ومسيح التاريخ" .          
بعد هذه المقدمة أنتقل إلى :
أولا :  ملامح الفكر الأصولى الذى يؤدى إلى الإرهاب حيث يختزل الدين فى تفسير أحادى رغم ثراء الدين وتنوعه:
فى اليهودية :  فكرة تفوق العرق اليهودى على الأغيار كل من هم غير يهود ( الأمم ) ... مع أن هناك أفكارًا أُخرى فى الكتب المقدسة لليهود تركز على أن الله إختارهم كما اختار الكنعانيين من قبلهم إذن لم يكونوا هم أول شعب يختاره الله.
فى المسيحية :  فكرةعودة المسيح وحكمه على الأرض لألف عام ومعركة هرمجدون  التي يموت فيها ثلثي العالم ويتم أثناءها بناء الهيكل في أورشليم والذين اعتنقوا هذا الفكر من المسيحيين أطلق عليهم"المسيحيون الصهاينة" أو المسيحية الصهيونية.
فى الإسلام : فكرة الحاكمية – الجهاد ضد الآخر المختلف
وكما نعلم أن العقل  الأصولى يتعلق بصورة ذهنية يراد إستعادتها .
ففى اليهودية الإرهاب ينتج من الصراع بين الجيتو ( المغلق ) والإندماج فى الحضارة الإنسانية والحركة التنويرية وكانت الحركة التنويرية هى النموذج لليهود حتى جاءت الحركة الصهيونية لترفض الحركة التنويرية
وأخذوا هذا الإتجاه من العهد القديم وتجاهلوا باقى الإتجاهات .
وهكذا أنهى الأصوليين اليهود إيمانهم ودينهم فى دولة تعتبر جيتو ضخم يعيش فيه اليهود ويحاربون لأجله .
المسيحية بدأت مغتربة عن العالم ( روحية وليست دنيوية ) وبعد قسطنطين الذى اعترف بالمسيحية كإحدى ديانات الإمبراطورية الرومانية هنا تحولت الكنيسة إلى السلطة السياسية .
وتحت تعبير " دولة الكنيسة " أصبحت الكنيسة ممثلة الله على الأرض .
 
3
وهنا كان :
• الصراع بين القانون الإلهى والقانون الارضى الصراع بين الكنيسة والإمبراطورية وإنتهت  
   بإنتصار الكنيسة ماذا حدث – هيباتشيا – تهجير اليهود – حرق المعابد ( قرون الظلام
   السادس إلى السادس عشر )
• جاء الإصلاح فى القرنالسادس عشر
• الإصلاح الدينى إتجه إلى العلمانية وقد جمع بين طريقين الأول التسامح مع الآخر المختلف
    بفعل الانقسامات والثاني بداية علمانية مبكرة .
• هنا وقع الصراع بين الإمبراطور ويسوع إلى أن جاء مؤتمر الفاتيكان الثانى الذى فيه قبلت  
   الله
• هنا الحداثة السياسيىة .
• وقبلت ان تكون الكنيسة سلطة روحية والدولة سلطة زمنية ( وقبول الجميع – المسلم – البوذى  
    – الملحد على المستوى الإنسانى )
• فى الفاتيكان الثانى تم إعادة النظر فى كل شئ
• انتهى الصراع للفصل بين الدين والدولة والعلمانية .
 
صراع الأنا والآخر
اليهودية :
- نزعة تنويرية تجهضها حركة إستيطانية و الصهيونية العلمانية .
المسيحية:
- الأنا المسيحية وصدمة العلاقة مع الله إلى الروح الصليبية ثم الإستعمارية ثم من الإستعمار  
   إلى الثقافة العالمية والحداثة والعلمانية .
الاسلام:
- الإسلام : الجدل بين الخصوصية والعالمية ثم النزعة الجهادية
 
التحدى القائم الآن فى الأديان الثلاثة صراع الحداثة مع الأصولية الدينية
4
 
الخاتمة
استمرت هذه المدارس حتى ظهر كتاب " مقدس وعلمانى " 2013 لبيبا نوريس Beba Noress ورونالد إنجلهارت Ronald Engelhard حيث أثبتا أن الغرب الحديث يتقدم فى العلوم والتكنولوجيا، بالترافق مع تدين واضح فى مجتمعاته خصوصا الولايات المتحدة .    ومن يتابع ذلك النقاش يرى أن ما ذهب إليه نوريس وإنجلهارت ينطبق خصوصا على المجتمع العلمى فى الغرب .
وذلك مما يثير سؤالا عن سبب إندفاع مجموعة كبيرة من علماء الفرن الـ 21 صوب التدين، وبعبارة أخرى، ما هى تلك الإكتشافات التى حيرت عقول العلماء منذ بدايات القرن العشرين، وجعلتهم يعيدون التفكير بأصل الكون ؟!
هناك ثلاثة إكتشافات حديثة فى علمى الفلك والبيولوجيا الجزئية جعلت العلماء – مؤمنين وغير مؤمنين أساسا – يستحضرون الله فى سياق شرح أصل الكون والحياة – تتمثل تلك الإكتشافاتفى التثبت من وجود بداية الكون، وعدم قدم الحياة على الأرض نسبيا، والمكتشفات المتعلقة بالجينات فقد بات العلماء على يقين من أنه، من أجل أن يتشكل هذا الكون ويتطور إلى مرتبة الحياة الكاملة والذكاء فإن قوة الجاذبية وقوى الطبيعة الأخرى كان عليها أن تكون ما هى عليه تماما . وإلا فلا كون ولا حياة، ولو أن تمدد الكون كان ابطأ قليلا، لتمكنت قوى الجاذبية الكونية من الإمساك بالمادة ومنعتها من التشكل على هيئة نجم وكواكب واقمار وغيرها .
ولا يدور الحديث هنا عن بطء فى تمدد الكون بنسبة 1% أو 2% إطلاقا يقول ستيفن هوكينج فى هذا الشأن : " إن تباطؤ بجزء من مائة مليون بليون من الثانية بعد ال" بيج بانج " Big Bang الإنفجار العظيم الذى حدث نتيجة إنفجار فى الشمس أدى إلى إنفصال كتلة هائلة منها بردت على مدى ملايين السنين كانت كفيلة بألا يتشكل الكون كليا .
فى المقابل، فمن أجل أن تتشكل الحياة على الارض كان على النظام الشمسى وكوكب الأرض أن يتمتعا بشروط دقيقة، وإلا لا تظهر الأشكال الحية أبدا ومن البديهى القول أيضا، إنه لا يمكن لمعظم الكائنات الحية العيش من دون غلاف جوى يحتوى على الأوكسجين، وهو أساس أيضا لتشكل الماء الذى هو أساس الحياة على الأرض . وهناك عناصر أخرى كالهيدروجين والنيتروجين والصوديوم والكربون والكالسيوم والفسفور أيضا ضرورية للحياة وإضافة إلى كل تلك العناصر، هناك عناصر أخرى ضرورية لظهور الحياة على الأرض كحجم الكوكب الازرق وحرارته، وقربه من الشمس، وتركيبته الكيماوية، ووجود القمر وغيرها، وهناك عشرات الشروط الأخرى الضرورية لإتمام عملية تشكل الحياة عل الكوكب الأزرق .
5
فى الغالب يتوقع العلماء المؤمنون بالله هذه الدقة فى صناعة الكون، ولكن الملحدين واللادينيين غير قادرين على شرح كل تلك الأمور عبر مبدأ المصادفة، بل تكرار الصدف النادرة . وفى ذلك السياق، لاحظ ستيفن هوكينج وهو عالم بريطانى ملحد " إن الأمر المثير للملاحظة، هو أن قيمة تلك الأرقام " تبدو منتقاه بدقة متناهية من أجل أن يصبح تطور الحياة ممكنا فى هذا الكون .
وهكذا نرى فى ظل تدفق هائل للإكتشافات العلمية تبقى هناك حقيقة واضحة يصعب غض النظر عنها تتمثل فى عدم قدرة العلم على التوصل إلى جواب مقنع عن سبب وجود الكون ومسببه، وهكذا اتفق عدة علماء على إستنتاج يقول " عندما تشرح تمدد الكون يستطيع القارئ أن يفكر فيما قبل التمدد وفى ظل غياب تفسير لذلك الأمر لا يكون المشهد مكتملا " . وقد أعرب بعض علماء الفلك أخيرا عن إعتقادهم بأن شيئا كحدوث إنفجار نووى كونى يستولد الحياة لابد من أن يكون مصمما بدقة متناهية وقد استخدم بعض من هؤلاء العلماء مصطلحات تعبر عن تلك القناعة مثل : " الذكاء الأعلى " أو " الكائن الأعلى " أو المهندس الأكبر " .وهكذا نستطيع أن نضع تعريفا جديدا للتنوير هو : " علينا أن نجمع دينا متحررا من الخرافة مع علم منفتح لكل الإحتمالات " .
إذا قدرنا على ذلك نستطيع أن ندرك معنى التنوير .
دين يحقق الحاجات الروحية ويحافظ على المتطلبات العلمانية والعلمية .
وهناك ثلاثة طرق لصنع هذه المعادلة الصعبة
1 – من أعلى : السلطة أى تحدد السلطة ما تحتاجه من تنوير وتحققه بقوانين وسيطرة على الخطاب الدينى ... إلخ
2 – من أسفل : من خلال المؤسسات التى على الأرض
      3 – من خارج : إستيراد نموذج من الخارج نجح فى ذلك وتعميمه