بوابة الحركات الاسلامية : عبقرية مصر يرصد صفحات مضيئة من تاريخ التنوير في مواجهة التطرف (طباعة)
عبقرية مصر يرصد صفحات مضيئة من تاريخ التنوير في مواجهة التطرف
آخر تحديث: الخميس 20/06/2019 12:22 م روبير الفارس
عبقرية مصر يرصد صفحات
في مواجهة موجات الظلام والتشدد نحن في حاجة مستمرة الي العودة والتذكير  بالصفحات المُضيئة من تاريخ التنوير في مصر وهذا ما اقدم عليه الدكتور رامي عطا صديق في كتابه الجديد " عبقرية مصر صفحات مضيئة من تاريخ التنوير" والذى تناول بلغة بسيطة وفكر عميق اشكال متنوعة من التنوير المصري  في مجالات العلم؛ والفن؛ ونهضة المرأة؛ ومنظومة القيم؛ واحتضان التعددية والتنوع، في محاولة لاستعادة بعض تلك الرؤى المستنيرة والأفكار التنويرية، التي عرفناها عبر التاريخ الحديث والمعاصر، لعلنا نقرأ ونتعلم ونستفيد من أجل تطوير الحاضر وبناء المستقبل. و مصطلح التنوير "Enlightenment" عن إعمال العقل والتحرر من الوهم ومقاومة الجهل ومواجهة الاعتقادات الخاطئة، وقد مثلت عملية التنوير، وعبر التاريخ الطويل، حركة نضال ومشروع تحرر، بدأت في أوروبا أولًا ثم انتقلت إلى بلاد الشرق، ومنها مصر، وهي حركة ساهم فيها كثيرون ممن آمنوا بالحرية والنهضة وتحرير العقل، من أجل تحقيق الصالح العام وخير المجتمع. 
ومصر التنوير.. 
هي مصر المكان والمكانة، مصر الأصالة والمعاصرة، مصر القيمة والقامة، مصر الثقافة العريقة التي أنتجت حضارة عظيمة، أضاءت في الداخل والخارج، للمصريين ولغيرهم من شعوب الأرض. 
مصر التي قدمت شخصيات مُستنيرة ومُنيرة أنارت في كثير من فروع الثقافة ومجالات المعرفة الإنسانية، إذ نشرت وقدمت الكثير من قيم الاستنارة والتحديث والتطوير والإصلاح والتجديد. 
مصر التي تؤمن بالعلم والتعليم، وضرورة إعمال العقل وتشغيل الذهن، بحاسة نقدية ورؤية إبداعية، وتفكير خارج الصندوق، ترفض الحفظ والتلقين، وتترفع عن النقل غير الواعي وغير الأمين. 
مصر الفن الراقي، في مضمونه وشكله على السواء، ذلك الفن الذي انتشر بين جمهور عريض من مواطني الدول العربية، كواجهة حضارية وقوة ناعمة وزكية، نقلت ثقافة المصريين وحضارتهم لدول كثيرة وشعوب كبيرة.
مصر التي تؤمن بأن الرجل والمرأة متساويان في الإنسانية، في المكانة والقيمة، تؤمن بأن للرجل دوره وللمرأة دورها، وأن كلا منهما قادر على العطاء والإبداع، وأن تجاهل المرأة وإهمال دورها في المجتمع يعني فقدان قوة حية وطاقة إنتاجية كبيرة، لا يصح خسارتها ولا ينبغي الاستغناء عنها.
مصر التعاون والعيش المشترك، الإيجابي والبناء، الحي والفعّال، بين كل أبنائها، تؤمن بالوحدة الوطنية بين مختلف مكونات الجماعة الوطنية، كقيمة وطنية مقدسة لا تحيد أبدًا عنها، تدعو للمحبة والوئام والتسامح والسلام، ترفض العنف وتنبذ التعصب والتطرف وكل أشكال التشدد، وتدعو للتمثل بكل ما هو سامي وجميل، وتنادي بكل قيمة إنسانية راقية. 
مصر الإيمان بالتعددية والتنوع وقبول الآخر المختلف، واستيعاب الجميع، لا تعرف الخلاف، لكنها تحتوي الاختلاف باعتباره ظاهرة صحية وحاجة ضرورية لمجتمع حي ينبض بالحياة.
مصر التي تدافع عن المظلومين وتسعى لتحقيق العدل بين الجميع، تؤمن بالمساواة دون تفرقة أو تمييز بين مواطن وآخر. 
مصر التي استطاعت أن تحتضن الكثير ممن وفدوا إليها وطلبوا حمايتها وعونها، فأصبحوا مصريي الهوى والهوية. 
مصر صناعة المصريين
ويقول الدكتور رامي وإذا كنا نعتقد أن مصر الزمان والمكان ترتبط- وبالضرورة- بمصر الإنسان، فإن مصر هي هبة المصريين، بحلوها ومرها على السواء، وهي ليست هبة النيل مثلما قال عنها المؤرخ هيرودوت، على الرغم من قناعتنا بأهمية النيل ودوره في حياة المصريين، ولعلنا نستعين هنا بما قاله المؤرخ الكبير محمد شفيق غربال (1894-1961م) في كتابه (تكوين مصر) الذي صدرت طبعته الأولى بالقاهرة سنة 1957م: "إني لأدرك تمام الإدراك- وهل يمكن أن يكون الأمر غير ذلك- أن النيل منبع حياتنا، وأن مصر ما هي إلا الأراضي الواقعة على ضفتي النهر، وأن ليس لها من حدود إلا المدى الذي تصل إليه مياه النهر. ومع ذلك فإن المصريين هم الذين خلقوا مصر، تأمل النيل مُجتازًا آلاف الأميال من خط الاستواء إلى البحر الأبيض، هل تجد على طول مجراه إلا مصرًا واحدة؟ إن هبات النيل كهبات الطبيعة سواء بسواء، طائشة عمياء، إذا ما تركت دون ضبط، فإنها تدمر كل شيء، وتخلف مستنقعات الملاريا الوبيلة. والإنسان وحده هو الذي يستطيع أن يجعل من هذه الهبة نعمة لا نقمة. وقد كان ذلك ما عمله الإنسان في مصر، فمصر هبة المصريين. إن مصر، مصر التي تشكلت على هذا النحو المفاجئ المثير، قد سيطرت هي أيضًا على مصائر أبنائها، واقتضتهم ثمن بقائها على الشكل الذي صنعوه".
ويقول الدكتور رامي  في مقدمة الكتاب يحمل التاريخ الكثير من الحكم والمواعظ والعبرات، ومن خلاله يتعرف الإنسان على الكثير من التجارب والخبرات، وقراءة التاريخ تحقق التواصل بين الأجيال، وتدعم الانتماء للوطن عند الكبار والصغار، كما أنه كثيرًا ما يتم استعادة حوادث التاريخ واستدعاء رموزه، رؤاهم وأفكارهم ومواقفهم، للمساهمة في نشر الوعي ومواجهة الأزمات التي تطل علينا بين الحين والآخر، ما يجعلنا نؤمن بأن التاريخ هو للحاضر والمستقبل معًا، في حركة استمرار لا تتوقف وتواصل لا ينقطع. 
إن الاحتفال بأحداث التاريخ، والاحتفاء برموز الوطن من رواد التنوير في شتى المجالات ومختلف الفروع، إنما يُمثل واجبًا قوميًا يؤكد معاني الإخلاص والولاء، كما إنه يُنعش الذاكرة الجمعية للمواطنين الذين يجمعهم نضال مشترك، إلى الحد الذي يمكن القول معه إن كل صفحة من صفحات المصريين في التاريخ الحديث والمعاصر إنما تدعو إلى المجد والفخار، فقد عرفت مصر عبر تاريخها الطويل كثيرين من الرواد والرائدات، ممن قادوا بعبقريتهم حركة التنوير في مجالات السياسة والفكر والصحافة والأدب والفن والدين، وغيرها. ومن الصفحات المضيئة التى قدمها الكتاب.

العلم نور

للعلم مكانة كبيرة ومنزلة متقدمة في المجتمعات الحديثة المتمدنة والدول الناهضة، فالعلم يبني المجتمع بناءً سليمًا قويًا، ويضع أساسًا راسخًا ومتينًا لكل نهضة وتنمية، وإذا كان العلم ينشد النور ويتطلع إلى الكمال، يرفض الجهل ويطرد الظلمة ويزيل العتمة، فإنه أيضًا علامة قوة ومظهر من مظاهر الصحة والتحضر في أي مجتمع يبحث عن النجاح والنهضة والتميز والنمو، يسعى نحو حاضر أفضل لمواطنيه ومستقبل مشرق لأبنائه وبناته، فكل الطوبى لمن يحترم العلم ويقدسه ويعليه على الجهل والأمية والخرافات والأوهام، من أجل ترسيخ مجتمع جديد يقوم على نشر العلم وبناء الوعي وترسيخ المعرفة. 
 
قطعة من عقل مصر

من بين أبرز المؤسسات الثقافية، ذات التراث العريق، التي عرفها المجتمع المصري في تاريخه الحديث والمعاصر، يأتي المجمع العلمي المصري، الذي يعود تأسيسه إلى 22 أغسطس 1798م بقرار من الجنرال الفرنسي بونابرت الذي قاد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، وهي الحملة التي استمرت نحو ثلاث سنوات، لترحل عن مصرنا في عام 1801م.
لمحة تاريخية 
كان للحملة الفرنسية دور كبير وواضح في تعرف المصريين على نمط جديد من الحياة لم تعهده البلاد من قبل، فقبل الحملة الفرنسية كانت مصر ولاية عثمانية، منذ عام 1517م، وفي ظل هذا الحكم عاشت مصر في عزلة شديدة، أبعدتها عن سبل الحضارة والتقدم والتمدن، حيث اتسمت الأوضاع الثقافية والفكرية بالجمود والتخلف، وانهارت كافة الأنشطة الفكرية، لا سيما وأنه ساد التيار السلفي الجامد بين جموع المصريين، لتزداد أمور الدجل والشعوذة والخرافات مع انتشار الجهل والتخلف والإيمان الساذج بالخوارق. 
وكانت السلطة العثمانية من جهتها ترى في مصر غنيمة مملوكة لها بحد السيف، وكان المماليك يرون أن مصر ضيعة لهم، ومن ثم لم تكن مصر بلدًا حرًا أو مستقلًا ولا بلدًا محتلًا بل هي غنيمة وكأنها قرية وأبناؤها ملك للغانم وعبيد للحاكم، من العثمانيين والمماليك على حد سواء.
صدمة حضارية 
هكذا كانت مصر، قبل الحملة الفرنسية، مجتمع يعاني من الركود والاضمحلال الحضاري، حتى تأتي الحملة الفرنسية فتهز المجتمع المصري هزًا عنيفًا ليفيق على حقيقة تخلفه، إذ مثلت تلك الحملة صدمة حضارية للمصريين آنذاك، ومن ثم فإن الحملة الفرنسية- وحسب المؤرخ رؤوف عباس حامد- تُعد "واحدة من تلك الحوادث التاريخية التي يترتب عليها تحول في مجرى التاريخ"، ذلك أنها لم تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل إنها تعدت ذلك إلى الجانب الثقافي أيضًا، وظهر ذلك جليًا فيما أحضرته معها من مطابع وعلماء وما قامت به من بحوث ودراسات تناولت شتى مظاهر الحياة في مصر، إذ أن الفرنسيين قد غزوا مصر ليستقروا فيها إلى الأبد، حتى تكون مقرًا ومركزًا أبديًا لهم. 
جاء بونابرت مُصطحبًا معه "طائفة من أبرز علماء فرنسا ونوابغها في الرياضة والهندسة والطب والجغرافيا والفلك والأدب والكيمياء، والاقتصاد السياسي والآثار والمعادن، وطبقات الأرض والمعادن وفن المعمار وهندسة الري والقناطر والجسور والميكانيكا، وطائفة من رجال الفنون من المصورين والرسامين والموسيقيين والنقاشين والمثالين"، ليصل عدد هؤلاء العلماء إلى أكثر من مائة وأربعين عالمًا، وبخلاصة أعضاء بعثة العلوم والفنون التي صحبها بونابرت، أسس بونابرت المجمع العلمي المصري Institute d' Egypt، حيث انتظم هؤلاء العلماء في عدد من العلوم المختلفة، فقد تكون المجمع من ستة وثلاثين عضوًا تم توزيعهم على أقسام المجمع الأربعة هي: الرياضيات والطبيعيات والاقتصاد السياسي ثم قسم الفنون والآداب. 
كان أهم ما تركته الحملة الفرنسية من آثار هو ما خلفه هؤلاء العلماء ومجمعهم العلمي من أبحاث علمية غطت الأحوال الطبيعية والجغرافية والاقتصادية للبلاد، حيث تمثلت أهداف المجمع في العمل على تقدم مصر العلمي ونشر العلم والمعرفة في مصر، وبحث ودراسة ونشر أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية.
ومن ثم فإن الحملة الفرنسية تُعد أول احتكاك مباشر يبن نمط حضاري متحرك متطور (تمثله فرنسا)، وبين نمط أخر (تمثله مصر) يعيش في جو من العزلة، فإذا كانت الحملة قد أُخفقت عسكريًا ولم تحقق أهدافها السياسية والاقتصادية، إلا أنها- وربما دون قصد- قد نجحت في تقديم مصر للغرب، كما جعلت المصريين يطّلعون على عوالم أخرى وأنماط حضارية جديدة عليهم. 
مقر المجمع
اختار بونابرت مقر المجمع في قصر حسن كاشف شركس بالناصرية، وهو واحد من بكوات المماليك في القاهرة، وكان قصره واحدًا من أجمل قصور المماليك، وألحق به القصور المجاورة وتم تخصيصها لسكن الأعضاء، ثم انتقل مقر المجمع إلى مدينة الإسكندرية في عام 1859م، ثم عاد إلى مدينة القاهرة مرة أخرى عام 1880م، ليستقر في أحد المباني بشارع قصر العيني، وهو مبنى أثري عتيق يمثل واحدًا من معالم مصر.
مكتبة المجمع
تضم مكتبة المجمع آلاف الكتب التراثية القيمة والنادرة، أبرزها كتاب "وصف مصر" الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية، كما تضم المكتبة كتابًا عن عادات وتقاليد المصريين، وكتاب أطلس عن فنون الهند القديمة، وأطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام 1752م، وأطلس ألماني عن مصر وإثيوبيا يعود لعام 1842م، وأطلس ليسوس وهو ليس له نظير في العالم وكان يمتلكه الأمير محمد علي ولي عهد مصر الأسبق، بالإضافة إلى عدد من الدوريات منها "مجلة المجمع العلمي المصري".
حريق المجمع
تعرض المجمع العلمي المصري للاحتراق، حين اشتعلت النيران في مبنى المجمع صباح يوم السبت 17 ديسمبر 2011م نتيجة وقوع اشتباكات مع عدد من متظاهري مجلس الوزراء المصري، وقد احترق نحو 75% من تراث مصر العلمي الموجود بالمجمع العلمي، الذي صرح البعض بأن أهمية ذلك المجمع تفوق مكتبة الكونجرس، وإن كانت هناك جهود واضحة لترميم المجمع ومحتوياته، ورغم كل شيء يبقى المجمع العلمي المصري قطعة عريقة من عقل مصر.
الحياة الوطنية
انتشار المعارف والصنائع

شهدت مدينة القاهرة في يوم 24 أغسطس من سنة 1892م، صدور العدد الأول من مجلة (الأستاذ)، التي تُعد واحدة من أهم الصحف المصرية التي صدرت في تلك الفترة من تاريخ الوطن، حيث أواخر القرن التاسع عشر، حين كانت البلاد تئن تحت وطأة الاحتلال البريطاني الجاسم على صدرها منذ سنة 1882م.  
و(الأستاذ) مجلة علمية تهذيبية فكاهية، أسبوعية، "تصدر يوم الثلاثاء من كل أسبوع"، مديرها عبد الفتاح النديم الإدريسي وكان محررها هو أخيه عبد الله النديم- صحفي الثورة العرابية وخطيبها، الذي عاد إلى الظهور بعد فترة اختفاء دامت لمدة عشر سنوات بعدها تم القبض عليه إلا أنه صدر العفو عنه من قبل الخديوي عباس حلمي الثاني (1892-1914م)، واستمرت مجلة (الأستاذ) بين سنتي 1892م و1893م. 
كان عبد الله النديم في تحرير مجلته يستخدم العامية المصرية أحيانًا إلى جانب اللغة العربية الفصحى، حتى تصل أفكاره لأكبر عدد من القراء، وقد استخدم طريقة الحوار بين طرفين أو عدة أطراف لتخرج موضوعاته بطريقة شائقة وجذابة، وعلى صفحات مجلة (الأستاذ) أثار النديم الكثير من القضايا الاجتماعية بالكشف عن السلبيات ومحاولة تفاديها.
الحياة الوطنية
اهتمت مجلة (الأستاذ) بمناقشة معنى الوطنية، ففي عددها الثاني من السنة الأولى، الصادر بتاريخ 30 أغسطس 1892م، نشرت مقالًا مطولًا عنوانه "الحياة الوطنية"، وأغلب الظن أن كاتب المقال هو عبد الله النديم نفسه، حيث جاء المقال في أسلوب النديم وفي مجال اهتمامه أيضًا. 
سعى كاتب المقال إلى تقديم تعريف لمعنى الحياة الوطنية الحقيقية، فهو يرى أن الحياة الوطنية ليست هي الجمهرة وإنما هي الاهتمام بالعلوم والصنائع والتعليم، حيث يقول كاتب المقال "يزعم كثير من الناس أن الحياة الوطنية هي الجمهرة أي تجمع الأمة في مكان متكثرين مُتضامين وليس كذلك فإن وفرة العدد والتجمع لا يغني شيئًا مع الفراغ من العلوم والصنائع الموصلين إلى توسيع دائرة العمران وحفظ الوطن من العاديات بما ينشأ عن العلوم من احتكاك الأفكار وتبادلها في تناول بواعث الاختراع والإتباع وبث النظام الهندسي والتحفظ الصحي والتحصن العسكري والإصلاح الزراعي والضبط الحسابي والإبداع الإنشائي والتعميم التجاري والتسهيل الآلي وحفظ الوحدة الوطنية في الأجناس القاطنة فيما يسمى وطنًا بتوحيد القضاء والمعاملة وتمكين الطوائف من إجراء عاداتهم في مجامعهم ومعابدهم وأعيادهم كل بما هو حق في معتقده جميل في عادته بلا حجر ولا تضييق وإطلاق حرية الإنشاء والمطبوعات إلى حد لا يبلغ تشويش الأفكار ولا المطاعن الدينية ولا الأهاجي الشخصية وفتح الاستيطان والمرور لمجاور معاهد وبعيد غير محارب وتبادل السياحة وتلقي المعارف بين الأمة ومعاهديها توسيعًا لنطاق الآداب والفنون وتعميم الأمن في أنحاء الوطن بضبط الوقائع والتضييق على الأشقياء واللصوص بالعقاب الشديد والتبصر ومراقبة أحوال الأفراد والالتفات إلى الأحزاب المضادة للوطن أو الدين أو السياسة وتبديد جموعهم أولًا فأولًا حرصًا على بقاء الملك وحفظًا للوحدة الوطنية من تجزيئها حول الأهواء والمقاصد المضرة أهلية كانت أو أجنبية. وكل هذا لا يحصل بالتجمهر المجرد والتجمع البسيط".
وضرب الكاتب أمثلة لبعض الدول التي وقعت تحت سيطرة دول أخرى بسبب تخلفها وبعدها عن المعارف، موضحًا أنه لما اهتمت تلك الدول بالمعرفة والصنائع فإنهم خرجوا من ذل التبعية.
ثم يقول الكاتب "بهذا يعلم أن الحياة الوطنية هي انتشار المعارف والصنائع في الأمة وأن التهور والتذمر مع الجهل والفراغ من المعدات لا يفيدان إلا الخذلان. إذ ليس لطالبي المعارف والصنائع سلم يُرتقى عليه إلى الحياة الوطنية إلا الهدو والسكون وقطع الوقت في تحصيل المراد منها حتى تتهذب الأفراد وترسخ أقدام الآخذين بيد النظام هنالك يُعرفون بين الأمم وتُظهرهم الحياة الوطنية ظهور من جاورهم في الجد والاجتهاد في تحصيل العلوم". 
ونظرًا لأهمية التعليم عند الكاتب وأهمية تعميمه على الجميع، فإنه في نهاية المقال يقول "فإذا أقللنا من المدارس بعد أن عرفنا ثمراتها أو قصرنا التعليم على أفراد معلومة أو حولنا طريقة التعليم باللغة الوطنية الرسمية إلى التدريس باللغات الأجنبية فقد رجعنا بمدنيتنا القهقرى إذ يموت العلم بموت أهله ويحيا الجهل في الطبقة التالية وهناك تقوى حجة الغربي في قوله: الشرقي لا يصلح لتولي الأعمال ونعوذ بالله تعالى من السقوط في هذه الوهدة وكيف يحصل هذا والقائم بأمر الأمة مولي الفضل وحبيب المعارف أفندينا المفخم أيده الله. ومن يرى الشرق الآن وتدافع أهله في تعلم العلوم الدينية والرياضية والطبيعية يعلم أن التربية تحت الأحضان تنتج العمران والمدنية. ويشهد بحبهم للمعارف قول اللورد كرومر (السير بارنج) ما مررت بقرية من قرى مصر إلا رأيت أهلها يطالبون بتكثير المدارس. ولا بدع إن قلنا إن الحياة الوطنية بعد أن زارت الغرب وألبسته ثوب التمدن وأطلعت فيه شموس المعارف والمخترعات عادت إلى وطنها ومحل نشأتها فتلقاها أهلها بالتحية والسلام".  
هكذا اهتمت (الأستاذ)، مجلة الأستاذ عبد الله النديم، منذ أكثر من قرن وربع قرن، بتقديم المعنى الحقيقي للحياة الوطنية لجمهور القراء باعتبارها الاهتمام بانتشار المعارف والصنائع في الأمة.

العلم نور والجهل ظلام 

كانت معركة التعليم ونشر نور العلم بين المصريين واحدة من أهم معارك الكتاب والمثقفين، طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، بل يمكن القول إنها قضية مستمرة إلى يومنا هذا، حيث ترتفع نسبة الأمية بين المصريين، بصورة لا تليق بمصر الثقافة والحضارة.
وعبر سنوات طويلة مضت فإنه كثيرًا ما نشرت الجرائد والمجلات العديد من المقالات والموضوعات التي تبين أهمية التعليم ونشر العلم، وتحث المصريين على الاهتمام بالعلم والتحلي به، حتى أن محمد أنيس يذهب في أحد مؤلفاته إلى أن معركة التعليم بالنسبة للمثقفين والمفكرين المصريين كانت واحدة من مجالات الحركة الوطنية ومعاركها. 
ومن ذلك مثلًا أن مجلة (الهلال)، لصاحبها جُرجي زيدان الذي أصدرها بمدينة القاهرة سنة 1892م، كمجلة علمية تاريخية صحية أدبية في أول سبتمبر من سنة 1892م ولازالت توالي الصدور إلى اليوم كأقدم المجلات الثقافية في المنطقة العربية، قد نشرت مقالًا عنوانه "الجهل عمى"، كتبه قاسم هلالي مهندس بديوان الأشغال بالقاهرة في (باب المراسلات)، في عددها الصادر بتاريخ أول مارس 1893م. 
قال الكاتب، المهندس قاسم هلالي، في مقاله "قاتل الله الجهل قد اشتدت ظلماته فحجبت الضياء في وقت آن لشمس العلم أن تظهر فيه بعد الغروب فتبصر بها عيون عميت وتهتدي بها عقول ضلت وقد اتسع نطاق المعارف ودنت قطوفها فما من بلد من البلاد أو جهة من الجهات إلا وهي روضة من رياض العلوم التي نتوصل بها إلى اكتشاف الحقائق حتى عرفنا ما عرفناه عن سير الكواكب ومقارنة النجوم بعضها ببعض".
وهاجم الكاتب بعض الخرافات والأكاذيب المضللة التي يروجها البعض وتنتشر بين الجُهّال آنذاك، وهو يتساءل قائلًا "إلى متى تظل هذه العوائد راسخة بيننا ونور التمدن ملأ الأقطار وبدد ظلام الجهل من جميع الأمصار وانكشفت الغياهب وانفتحت حروب المواهب وانسدل الستار على كل بأس وعار وخفت المتاعب وسهلت المصاعب وزال كل وعر بنظافة المخيلات وصيرورتها معدنًا لطبع كل ما يعني ويبهر وعم العموم، ذلك إلا النفر اليسير سيء الحظ والتدبير الذين لا نزال بهم وبجهلهم أضحوكة للضاحكين ومضغة في أفواه الماضغين".
كما يقول "كنا نرى الجُهّال على عادتهم القديمة وعقولهم السخيفة فمن لنا يهذب أفكارهم وينير عقولهم بدور المعرفة والعلم حتى يرجعوا عن ضلالهم القديم وينتظموا في سلك من عرف الحق حقًا فاتبعه والباطل باطلًا فتجنبه لأن العاقل من اتحدت كلمته مع نجباء الوطن وغلت قيمته بين أولي العظمة وتمسك بعروة الفضائل واستأصل شأفة الرذائل واحتذى سيرة الحكماء وعمل بقول العلماء وبيّن أن هذه الخرافات من الآفات وأنكر هذه الأفكار كل الإنكار حتى يكون قدوة لمن اهتدى وسراجًا لمن استهدى". 
واختتم الكاتب مقاله بأبيات شعر يقول صاحبها:
ألا هيا بني الأوطان نسعى                 إلى روض المعارف والكمال
فلا ترجوا لموطنكم مقامـًا                  سوى أوج التمدن والجــــلال
فصالحنا يعززه انضمــام                   وبذل مع خلوص وامتثـــــال
  وهكذا تظل معركة التعليم مستمرة من أجل بيان أهمية العلم وفائدته في مصر المحروسة، بما يليق بالمواطنين المصريين في القرن الحادي والعشرين. 
العلم حياة الأمم

في 21 ديسمبر من عام 1908م شهدت مصر افتتاح الجامعة الأهلية المصرية، التي عُرفت فيما بعد باسم جامعة فؤاد الأول، ثم تغير اسمها إلى جامعة القاهرة بعد ثورة 23 يوليو 1952م.  
كان إنشاء الجامعة بجهود مجموعة من رواد الحركة الفكرية والثقافية التي شهدتها البلاد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، منهم مصطفى كامل وقاسم أمين وسعد زغلول وأحمد لطفي السيد وميخائيل عبد السيد وجُرجي زيدان وآخرين كثيرين، وكانت الصحف المصرية، تهتم بمتابعة أخبار الجامعة الأهلية المصرية, كما كانت تنشر أحيانًا بعض محاضرات الجامعة لينتفع بها عموم القراء. 
والواقع أنه لم يكن غريبًا أن تحتل قضية التعليم على وجه العموم، والتعليم الجامعي منه على وجه الخصوص، مكانًا بارزًا من بين اهتمامات الصحف المصرية، على مختلف توجهاتها وانتماءاتها، باعتبار العلم حياة الأمم ماديًا وأدبيًا.
فقد شهدت مصر القرن التاسع عشر اهتمام محمد علي باشا (1805-1848م) بالتعليم, من حيث إنشاء المدارس وإرسال البعثات التعليمية إلى الخارج واتساع حركة الترجمة, إلا أنه نظرًا لظروف سياسية واقتصادية فرضتها الدول الأوروبية الاستعمارية الطامعة في مصر, فقد ساد الركود على الحياة التعليمية، ما انعكس على الوضع الاجتماعي والثقافي في أواخر عصر محمد علي, ثم جاء من بعده عباس الأول (1848-1854م) وسعيد باشا (1854-1863م) ليقضيا على الكثير من آثار تلك النهضة، حسبما يذهب جُل المؤرخين، إلى أن تولى إسماعيل حكم مصر (1863-1879م), وكانت معظم المدارس التي أنشأها جده محمد علي مُغلقة, فاهتم الرجل بأمر التعليم, حيث أعاد تأليف ديوان المدارس وأنشأ عددًا كبيرًا من المدارس وأوفد المبعوثين إلى مدارس أوروبا, كما كثرت في عصره المدارس الأوروبية والأهلية. 
ولكنه أيضًا وبسبب بعض الظروف السياسية والاقتصادية تمر البلاد بحالة من الضعف, ويتم عزل الخديوي إسماعيل وتعيين ابنه توفيق في عام 1879م, ومع وقوع الاحتلال البريطاني على مصر سنة 1882م, يعمل المستعمر على (نجلزة) الإدارة والتعليم, إذ إنه يتبع سياسة التقتير في تعليم المصريين ويقصر غرض التعليم على الإعداد للوظائف, كما يهتم بنشر الثقافة الإنجليزية, وبالجملة فإنه يقوم بتشكيل المناهج التعليمية لتلائم أغراض الاحتلال. 
إلا أنه كان للجمعيات الأهلية الخيرية, الإسلامية منها والقبطية، جهود وطنية ملموسة من أجل نشر التعليم, كما جاءت تلك الجهود المعنية بالتعليم كرد فعل على سياسة الاحتلال البريـطـاني التعليمية، ولـيـس هــذا فحـسب بل كانت هناك أيضـًا جهود أهلية فردية لنشر التعليم وإنشاء المدارس, سواء كخدمة للبلاد أو كمصدر لزيادة الدخل، فبحسب الدكتور محمد أنيس, كان التعليم آنذاك بالنسبة للمثقفين المصريين بمثابة معركة من معارك الحركة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني. 
مدرسة جامعة
في هذا المقام يُذكر أن جريدة (الوطن)، لصاحبها ميخائيل عبد السيد، قد اهتمت بتقديم دعوة مبكرة لإنشاء مدرسة جامعة, ففي 30 أغسطس 1893م وتحت عنوان "إنشاء مدرسة جامعة" اقترحت الجريدة على عموم المصريين إنشاء كلية على أسلوب البلاد الأوروبية والأمريكية, فعندها أن إنشاء مثل هذه الكلية يكون من أعظم وسائط التربية في الإدارة والسياسة والهندسة والحربية والطب بل وكل ما يتعلق بمستقبل وجود المصريين, فإنشاؤها من هنا يُعد أجل خدمة يؤديها الإنسان لبلاده، وقد حثت الجريدة أفراد الأمة وأغنياءها على الاهتمام بهذا المشروع وليس الارتكان على الحكومة، وهي تتمنى كذلك لو يعرف أغنياء البلاد أن تربية العقول وتعميم المعارف أجزل وأفضل من جميع أموالهم, وتشير إلى تبرع بعض أهل الخير والإحسان في البلاد الأخرى لإنشاء مدارس جامعة مثل مدارس (كولومبيا) و(هارفرد) و(ستانفورد) و(كاليفورنيا). 
وفي مقال آخر عنوانه "مدرسة جامعة" نشرته (الوطن) في 14 أكتوبر 1893م تتمنى الجريدة لو أنه يتم إنشاء مدرسة جامعة مصرية تضم المدرسة الطبية ومدرسة الحقوق ومدرسة الزراعة والمهندسخانة والصنائع وغيرها من المدارس العالية, وذلك لفائدة المصريين وحتى يتقدموا في العلوم والمعارف, وهي هنا تشيد بالأمة اليابانية التي أنشأت مدرسة جامعة عسى أن يقتدي بها المصريون.  
وفي 2 إبريل 1897م وتحت عنوان "مدرسة عالية" تشير جريدة (الوطن) إلى عزم الإنجليز إنشاء مدرسة عالية في مدينة الإسكندرية وتقول إنه إذا كانت هذه المدرسة على مثال المدارس العالية في بلادهم (ينفيرستي) يُعلّمون بها الطب والسياسة والحقوق والهندسة كانت من المشروعات المهمة, أما إذا تم إنشاء مدرسة عالية في فن واحد من العلوم فهو أمر عديم الأهمية. 
وتتوالى الأيام لتشهد البلاد افتتاح الجامعة الأهلية المصرية (القاهرة حاليًا) في عام 1908م، وهي تُعد أعرق جامعة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، يقصدها الكثيرون طلبًا للعلم والمعرفة في كثير من المجالات والتخصصات.
 
التعليم نظرية وتطبيق
تناولت الصحف المصرية قضية إصلاح التعليم وضرورة تطويره، وكثيرًا ما أكدت الحاجة إلى توجيه العناية والاهتمام بالتعليم الفني (العملي)، على مختلف أنواعه ما بين تعليم زراعي وآخر صناعي وثالث تجاري.
أشارت جريدة (الإنذار)، وكانت تصدر بمدينة المنيا لصاحبها صادق سلامة، في 11 يونيو 1933م، إلى الخطبة التي ألقاها عزيز عباس ناظر مدرسة إخوان ويصا بأسيوط في الاحتفال السنوي للمدرسة، وقالت إنها "موضوع هام جدير بالعناية والبحث لأنه يعالج حل أكبر معضلة في هذا العصر وهي معضلة التعليم النظري البحت وعدم ملاءمته لروح العصر الحاضر وضرورة مزجه بالتعليم العملي"، ونقلت الجريدة قوله "يجب ألا يعيش الطالب ليتعلم إنما يتعلم ليعيش. وأرى أن يسير التعليم النظري مع التعليم العملي جنبًا إلى جنب فإن وُفق الطالب إلى عمل حكومي أو أهلي بعد نيل الشهادة الدراسية كان خيرًا وإلا استطاع أن يعتمد على نفسه وما تزود به من معلومات عملية أثناء حياته المدرسية في كسب عيشه وإسعاد نفسه وغيره".
وتعلق الجريدة بقولها "هو قول حكيم يؤيده المصلحون وبهذه المناسبة نتمنى لمدرسة إخوان ويصا كل فلاح ونعتبرها في عهد الأستاذ ناظرها أنها المدرسة التي تختط لنفسها الطريق القويم بجعل التعليم النظري يسير مع التعليم العملي جنبًا إلى جنب".
لا عار في العمل
من جانبها علقت جريدة (المنتظر)، وكانت تصدر بمدينة أسيوط لصاحبها محمد فهمي حسونة، في عددها الصادر بتاريخ 16 يونيو 1933م، بقولها إنه "خطاب يتضمن ما أنتجته التجارب من عدم صلاح برامج التعليم الحاضرة لتثقيف الطالب الثقافة الكاملة وإعداده للحياة العاملة مرفوعًا إلى حضرة صاحب المعالي وزير المعارف العمومية وحضرات أعضاء مجلسي النواب والشيوخ". 
وأجرى صاحب (المنتظر) حوارًا مع ناظر مدرسة إخوان ويصا، عزيز عباس، نشره في 23 يونيو 1933م، وكان مما قاله ناظر المدرسة "إن الآباء يثقلون كواهلهم بمصاريف مدرسية وقد يبيعون في سبيل تعليم أولادهم ممتلكاتهم ثم يخرج الطالب من المدرسة ولم يأخذ منها غير التأنق في الملبس والأخذ بمظاهر المدنية الكاذبة فيأنف أن يشتغل بعمل والده والحالة الحاضرة قد لا تهيئ له وظيفة من الوظائف فيكون مثله كمثل الغراب الذي حاول التشبه بالطاووس فلا وصل إلى مرتبته ولا زف بعطف إخوانه. يدفع الآباء ما يدفعون ويخرج الطالب ولا يعلم كيف يعمل ليعيش فعلى هذا كان مبدئي أن أعزز في نفس الطالب هذه الجملة التي كانت شعاري في حياتي وهي (أنه لا عار في العمل وما عار إلا العار) أريد أن أُعلّم الطالب بأن الصناعة لا تقل كسبًا ومرتبة عن عمل حكومي. فإذا ما التحق الطالب بأحد هذه الأقسام الصناعية قلل من زهوه وغروره وأشعره أن النجاح في الحيل متوقف على العمل". 
وأوضح ناظر المدرسة أن "الصناعات هي تعليم: 1- الموسيقى وإصلاح آلاتها وقد كان هذا العام الماضي وسنوجد فرقة أخرى. 2- صناعة السجاد والأكلمة. 3- صناعة كراسي الخيرزان. 4- تعليم فن الزراعة وقد أعددنا العدد لذلك وأحضرنا بعض مواد الخام والحاجيات الضرورية لذلك واتفقنا فعلًا مع بعض المدرسين. ولا يشترط أن يتعلم الطالب هذه الصناعات كلها إنما يختار منها واحدة لا سيما طلاب القسم الابتدائي فمعظمهم رقاق الحال وقد يهجر الكثير منهم المدارس قبل أن يتمم دراسته الابتدائية فبعدما يجد الطالب أن في مدرسته ما يساعده على الكسب بعد حين يرغبه ذلك في البقاء حتى يستكمل دراسته الابتدائية ولو فرض أنه أراد الالتحاق بمصنع من المصانع أو بمدرسة صناعية قبل نواله الشهادة الابتدائية فيكون قد تعلم في المدرسة بعض المبادئ التي تساعده على هذا".
وأضاف أن المنهاج يسير "بدون تدخل فيه فيبدأ العمل في الصباح كالمعتاد والحصة الأولى بعد الظهر كذلك ثم في حصة الأشغال اليدوية التي ستكون الحصة السادسة يبدأ العمل الصناعي وينتهي الساعة الرابعة والنصف أي أن الطالب يقضي يومه في تعلم حرفة زهاء ساعتين ونصف وستقسم الطلبة إلى جماعات كل جماعة تتعلم ما تميل إليه. وفي أثناء الإجازات المدرسية يبدأ العمل فيحضر الطلاب في الصباح من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الثانية ويلاحظ أن هذا لا يرهق الطالب فقد ذكر علماء التربية أن تغير العمل هو درب من دروب الرياضة وقد بدأت فعلًا بإرسال خطابات إلى الطلبة الذين أدرجوا أسماؤهم في سجل القسم الصناعي وسنبدأ العمل معهم في أول أغسطس القادم".
وعند ناظر مدرسة إخوان ويصا، الأستاذ عزيز عباس، أن قسم فلاحة البساتين من أهم الأقسام وأنفعها "إذ قد يلج الطالب الذي ينجح في مدرسته إليه فنعمل على استئجار بعض الأطيان لزرعها وينقسم الزراعة إلى قسمين زراعة الخضراوات المختلفة وزراعة الحبوب والقطن وقد استأجرنا أرضًا فسيحة من جناب السيدة روجينا لزراعة الحبوب بأنواعها لزراعتها زراعة شتوية وصيفية، أما الخضراوات ستكون في الجناح الغربي والخلفي من فناء المدرسة وستوضع على كل قسم لوحات مختلفة يبين فيها زراعة كل صنف على حدة وقد اتفقنا مع زراعي جيد من خريجي الزراعة ويمده بمعلوماته الفنية كما ستوضع لوحات مكتوبة بخط واضح تعلق على كل جزء وفيه يتبين كيفية الزراعة على أسسها الصحيحة". 
ومن جانبه اختتم محمد فهمي حسونة الحوار بقوله "ولما تزودنا منه بهذه المعلومات خرجنا من عنده شاكرين له فضله وهمته التي يجدر بكل مُعلمي المدارس أن يحذوا حذوه فيها ونسأل الله تعالى أن يوفقه والعاملين لخير الوطن".
 
العلم أساس البناء
يحمل التاريخ الكثير من الرؤى والأفكار المهمة التي يمكن الاسترشاد بها في بناء حاضرنا والاستفادة منها ونحن نتطلع إلى مستقبل مشرق، نتجاوز فيه أخطاء الماضي وانكسارات الحاضر. 
من تلك الرؤى المستنيرة ما كتبه عبد الكريم ناصر، في جريدة (الصعيد الأقصى)، لصاحبيها عبد الكريم ناصر ومحمد مكي، وكانت جريدة سياسية أسبوعية جامعة صدرت بمدينة أسوان سنة 1936م واستمرت في الصدور حتى منتصف الستينيات من القرن العشرين، ففي سنة 1937م كتب عبد الكريم مقالًا مُهمًا عن واجب وزارة المعارف (التربية والتعليم) بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وبريطانيا سنة 1936م، قال فيه "لا خلاف في أن رقي الأمم والشعوب بما يناله أبناؤهم من ثقافة وتهذيب في مختلف العلوم والفنون"، وهو يضيف أن "مصر الفتية الناهضة في حاجة قصوى إلى إعداد أبنائها وشبابها وتهيئتهم للنهوض إلى ذرى السؤدد والمجد".
وعند الكاتب أن مصر في حاجة إلى ضباط وطيارين ومهندسين وأطباء وفنانين وعلماء ودكاترة للبحث والدرس، وهو يقول "نريد شبابًا يهيم بالعلم للعلم ويعشق الدرس والبحث للدرس فتنجب مصر المخترعين والمشترعين والمفكرين العاملين والباحثين في الاقتصاد وغيره مما تحتاج إليهم البلاد وتصل بسببه إلى طريق الرفعة والرشاد وتستعيض ما فقدته من مجد تليد في عصر الاستعباد والاستبداد".
يبدو الكاتب، عبد الكريم ناصر، وكأنه يتحدث عن مصرنا اليوم، كما يبدو أيضًا وكأنه يتحدث عن المصريين الآن، مُتمنيًا لهم ما نتمناه للوطن كل يوم من حيث رفعة العلم والتعليم، ولكن واقع المجتمع المصري يشير إلى أنه مازال يعاني من ارتفاع نسبة أمية القراءة والكتابة بين أبنائه وبناته!!
يتطلع المواطنون المصريون إلى بناء وطن جديد، دولة حديثة ناهضة تقوم على دعائم الديمقراطية والحرية، دولة حديثة أساسها العلم ولا مكان فيها للجهل، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل قيمة العلم ونحن نتحدث عن الوطن الجديد الذي نتطلع إليه، ومن المهم هنا التأكيد، قولًا وعملًا، فكرًا وممارسة، على أن العلم هو أساس مهم من أسس بناء الدولة المدنية الحديثة التي يتطلع إليها المواطنون في مصر.
إننا نتطلع إلى تعليم راق يدعم قيم المواطنة والتسامح والتعاون والعمل الجماعي البناء وقبول الآخر المختلف والتعايش السلمي المشترك، وغيرها من القيم الحياتية الإيجابية التي تُساهم في صناعة الخير العام وتحقيق صالح المجتمع.
نتطلع إلى وطن يخلو من ظاهرة الأمية، ويحترم التعليم، كأساس راسخ للبناء والعمران. وطن يهتم بالتعليم في كافة مراحله، منذ مرحلة الحضانة ورياض الأطفال حتى مرحلة التعليم الجامعي، ويولى عناية واهتمامًا خاصًا بالتعليم الفني (العملي). وطن يُشجع البحث العلمي ويدعمه، ويقدّر الباحثين من خلال توفير سبل البحث المادية والفنية، من أجل خلق مجتمع علمي متقدم، ما يتطلب زيادة الميزانية المقررة للتعليم والبحث العلمي، وتشجيع التفكير الإبداعي. 
نريد وطنًا يقدر العلماء من أبنائه في شتى المجالات والعلوم المعرفية ويعطيهم حق قدرهم، ويهتم بإرسال البعثات العلمية إلى الخارج للتواصل مع العالم الخارجي.
كل هذا وغيره من أجل بناء وطن حديث، نامي ومتقدم وناهض، يحقق النجاحات والإنجازات، يتواصل ويتفاعل مع بلدان العالم المتقدمة.   
والسؤال الآن، هل تستجيب الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال والشعب على السواء لنداء الاهتمام بالتعليم، حتى يعلو ويرتفع شأن العلم والعلماء؟
 
محو الأمية واجب على كل مصري

"العلم نور".. جملة صغيرة من كلمتين لكنها عميقة المعنى، تربينا عليها منذ الصغر، ومع ذلك تُعد الأمية وصمة عار في جبين مصر، ويشر الواقع- في جانب كبير منه- إلى أنها تعوق عمليات التنمية التي ينشدها المواطنون المصريون ويتطلعون إليها منذ عقود بعيدة، حيث تصل نسبة الأمية بين المصريين- وحسب بعض التقديرات- إلى ما يقرب من 50% من تعداد سكانها، الأمر الذي يدعونا إلى القلق وضرورة الإسراع في تنفيذ مشروع قومي شامل تتبناه وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع كافة الجهات المعنية ومنها وزارات الثقافة والشباب والتضامن الاجتماعي ووسائل الإعلام والمساجد والكنائس ومنظمات المجتمع المدني، كما يمكن التنسيق أيضًا مع وزارة الدفاع لتنفيذ هذا المشروع، حيث يطرح البعض فكرة خاصة بتجنيد عدد من الشبان في كل نواحي مصر من الإسكندرية إلى أسوان، وعلى وجه التحديد هؤلاء الشبان الذين يتم إعفائهم من خدمة التجنيد، ونفس الأمر بالنسبة للشابات في إطار الخدمة العامة التي تشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعي، من أجل المشاركة في واجب محو الأمية. 
صفحة من ذاكرة الوطن
يشهد تاريخ المصريين الحديث والمعاصر أن الاهتمام بقضية محو الأمية ليس اهتمامًا حديثًا، بل سبق وأن ناقشه البعض، ومن ذلك مثلًا أن جريدة (المنتظر)، التي كانت تصدر بمدينة أسيوط بصعيد مصر لصاحبها محمد فهمي حسونة، قد نشرت مقالًا كتبه علي الزير- سكرتير وزير الشئون الاجتماعية آنذاك- في عددها الصادر بتاريخ 9 سبتمبر 1944م عنوانه "محو الأمية ضريبة على كل مصري"، أشاد فيه بنهضة تركيا في محو الأمية بين أفرادها، ويقول إن مصر تسعى اليوم لإحراز مثل ذلك النصر، حيث امتدح جهود وزير الشئون الاجتماعية في جعل "مشروع مكافحة الأمية ونشر الثقافة الشعبية قانونًا نافذًا من قوانين الدولة وأن يعجل بنظره في مجلس الوزراء.. وفي مجلسي البرلمان". 
وهو يُطالب (المتعلم) بالإقبال على هذا المشروع بالتعضيد وأن يُقبل عليه (الأمي) ليستفيد، وعلى رجال الأعمال تأييده وإلزام العمال بالإقبال عليه، وأن يدعو له الرجال بين ذويهم، ويقول الكاتب أيضًا "مشروع محو الأمية ضريبة على كل مصري في هذه البلاد- فهو إنما يقوم على مبدأ التعاون والأساس فيه الحكمة المأثورة (المجموع للفرد والفرد للمجموع) وكما أن التعاون عمل شعبي فكذلك مشروع محو الأمية مشروع شعبي فهو مشروع الشعب للشعب، وليس واجب الحكومات في هذا الميدان إلا التنظيم والتنسيق والمراقبة والإشراف وإدراك الأمل المقصود".
ويضيف سكرتير وزير الشئون الاجتماعية قائلًا "في مصر معركة بين العلم والجهل، بين النور والظلام.. واجب الجهاد فيها هو واجب العلماء نحو الجهلاء، والمتعلمين نحو الأميين. وأهل العلم هم أضيق الناس ذرعًا بالجهل، وأخجل الناس من معركة الجهالة. وأشد الناس لهفة إلى الانتساب إلى شعب مهذب، وأمة راقية ووطن يغمره نور العلم والمعرفة. فهم فيما ينهضون به من الواجب نحو مكافحة الأمية، إنما يخدمون أمتهم ويمهدون سبيل العزة والفخار لوطنهم ولأنفسهم".
الجدير بالذكر أن وزارة الشئون الاجتماعية، وزارة التضامن الاجتماعي فيما بعد، كانت قد تأسست عام 1939م في عهد وزارة علي ماهر باشا الثانية التي استمرت في الفترة من 18 أغسطس 1939م إلى 27 يونيو 1940م، وكان عبد السلام الشاذلي باشا هو أول من تولى وزارة الشئون الاجتماعية، التي اهتمت بتقديم الكثير من الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين.
جامعة أسوان رغبة قديمة تتحقق

في يونيو 2012م أصدر المجلس الأعلى للجامعات، الذي يتبع وزارة التعليم العالي، قرارًا باستقلال فرع جامعة جنوب الوادي بمحافظة أسوان، لتصبح جامعة مستقلة تحمل اسم جامعة أسوان، وذلك مع بدء العام الجامعي 2012-2013م. 
ومشروع جامعة أسوان هي رغبة قديمة، تعود إلى الوراء عشرات السنين، فقد اهتمت جريدة (الصعيد الأقصى) وكانت تصدر بمدينة أسوان لصاحبيها عبد الكريم ناصر ومحمد مكي، بمتابعة إنشاء وتأسيس جامعة محمد علي (جامعة أسيوط فيما بعد) في مدينة أسيوط بصعيد مصر، كما نقلت الجريدة رغبة البعض في أن يكون للجامعة الجديدة (جامعة أسيوط) فروعًا في مدينة أسوان، بل وطالب البعض في ذلك الوقت بتأسيس جامعة جديدة في أسوان.
أشارت (الصعيد الأقصى)، في موضوع عنوانه "جامعة محمد علي.. مشروع بإنشائها في الصعيد"، 13 فبراير 1949م، إلى أنه سيعقب صدور القانون الخاص بإنشاء جامعة محمد علي فترة إعداد نحو خمس سنوات قبل أن تفتح الجامعة الجديدة أبوابها من أجل إعداد الأبنية والمعامل والبعثات اللازمة لهيئة التدريس، وأن "هذه الجامعة قد لا تنشأ في مدينة واحدة بل تُوزع كلياتها على أكثر من مدينة من مدن الصعيد"، وتمنت الجريدة "أن يكون لإقليم أسوان النصيب الأوفر من هذه الكليات في الجامعة المزمع إنشائها في الصعيد سيما وأنه- بمناسبة تسميتها بجامعة محمد علي- لا يغيب عن الأذهان ما لأسوان من تاريخ حافل حيث اُتخذت في عهد ساكن الجنان المغفور له محمد علي الكبير مقرًا لتعليم الجنود الفنون العسكرية في حملة السودان وكانت قلعة حربية ومركزًا تجاريًا هامًا كما كانت مبعث حركة فكرية ومحط العلماء والقواد فعسى ألا يغمط حق أسوان في صدد إنشاء هذه الجامعة".
وأكد عبد الكريم ناصر، في مقال عنوانه "حول إنشاء جامعة محمد علي في أسيوط ونصيب أسوان من كليات هذه الجامعة"، 6 مارس 1949م، أن أسوان جديرة بأن يكون لها نصيب من كليات الجامعة التي سيتم إنشاؤها في أسيوط التي تتوسط الوجه القبلي توفيرًا لمشقة السفر إلى مدينتي القاهرة والإسكندرية.
وهو يرى أنه "من باب أولى- والحالة هذه- أن يُعمل من الآن حساب إنشاء كليات من هذه الجامعة في مدينة أسوان النائية وبذلك ييسر لأبنائنا التعليم الجامعي بأبعد حدوده ويوفر عليهم مشاق السفر والاغتراب، ومقتضيات الإقامة في بلاد بعيدة عن مدنهم وقراهم"، وهو يشير إلى حاجة أسوان إلى الانتفاع بمواهب المهندسين ورجال التجارة والقانون والتعليم، ويقول إنه "ما أجدر أبناء أسوان بإعدادهم لمستقبل بلادهم القريب المؤذن بإعادة ما كان لها من نهضة ومجد وحضارة من قديم الزمان.. فليكن إذن لأبناء أسوان حظهم الوفير من إنشاء هذه الجامعة وقد طالما شكونا في مستهل كل عام من أن جامعة فؤاد الأول (القاهرة فيما بعد) وجامعة فاروق الأول (الإسكندرية فيما بعد) قد صدتا عن التعليم عددًا من الطلبة الناجحين في امتحان الشهادة التوجيهية ممن يرغب ذووهم في إعدادهم للتعليم الجامعي". 
ومن جانبه أكد عبد الفتاح السيد هلالي في مقال عنوانه "جامعة أسيوط"، 27 مارس 1949م، الحاجة لإنشاء جامعة أسيوط ويضيف "بل قد نحتاج إلى غيرها في مستقبل الأيام والأيام القريبة جدًا".
لن يضيع حق وراءه مطالب
واقترح علي إبراهيم القنديلي في مقال عنوانه "لا بد لنا من جامعة"، 12 مارس 1950م، إنشاء جامعة جديدة باسم (أمير الصعيد) في مدينة أسوان "لتيسير وسائل العلم والثقافة أمام أبنائنا وأبناء الأقاليم المجاورة لنا وليس من المصلحة العامة ولا مما يعين على نشر الثقافة أن تكون الجامعات في مكان واحد أو أماكن متقاربة ولا تكفي جامعة محمد علي بأسيوط لتثقيف أبناء الوجه القبلي وأن كثرة السكان المتلاحقة مع مما يُلاحظ من شدة الرغبة في الثقافة الجامعية مما يؤكد الإسراع بإنشاء- جامعة أمير الصعيد بأسوان- وإن هذه الأمنية من أهم أمانينا وأقدس حقوقنا وواجباتنا ولن يضيع حق وراءه مطالب".  
وهو ما كان، وتحقق بالفعل، من حيث تأسيس جامعة أسوان التي تقدم خدمات تعليمية وتؤدي أنشطة ثقافية واجتماعية لأبناء محافظة أسوان والأقاليم المجاورة أيضًا، فالجامعة طاقة نور وشعلة نشاط وتنوير في محيطها الجغرافي، لها مشاركتها المجتمعية الرائدة وخدماتها المتنوعة.