بوابة الحركات الاسلامية : حركة النهضة.. هشاشة المراجعات والانتخابات الرئاسية (طباعة)
حركة النهضة.. هشاشة المراجعات والانتخابات الرئاسية
آخر تحديث: الأحد 14/07/2019 03:22 م حسام الحداد
حركة النهضة.. هشاشة
لم يعد هناك سوى ثلاثة أشهر تفصلنا عن موعد استحقاقين انتخابيين هامين، الأول تشريعي في 6 أكتوبر 2019، والثاني رئاسي في 10 نوفمبر 2019.
ومع اقتراب هذين الاستحقاقين تسارع مختلف الأحزاب السياسية إلى اختيار ممثلي قائمتها في الانتخابات البرلمانية إلى جانب اختيار مرشحيها للانتخابات الرئاسية.
وحول هذا الموضوع نشر موقع سبوتنك عربي اليوم 14 يوليو 2019، تقريرا اخباريا يتناول فيه هذين الاستحقاقين ودور حركة النهضة فيهما حيث أن الحركة 
ما تزال إلى يومنا هذا لم تعلن عن مرشحها للانتخابات الرئاسية على الرغم من تتالي تصريحات العديد من قيادييها بأن المرشح الطبيعي للحركة هو زعيمها راشد الغنوشي.
وفي رده حول إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية قال راشد الغنوشي في تصريحات إعلامية: "إن الحركة بصدد البحث عن العصفور النادر لترشيحه لهذه الانتخابات".
وأضاف الغنوشي: "بأنه يمكن أن يكون المرشح من خارج النهضة، وفي صورة ما كان المرشح من داخل الحركة فمن المفترض أن يكون المرشح رئيسها طبقا لقانونها الداخلي".
من جهته قال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني إن النهضة ستقدم مرشحا لرئاسة تونس لأول مرة منذ 50 سنة.
وأضاف الهاروني على هامش الندوة السنوية الثالثة لإطارات الحركة النهضة التي انعقدت مؤخرا، أن الحركة  بصدد مناقشة بقاء أو رحيل حكومة يوسف الشاهد وفق شروطها موضحا في هذا الإطار بأن الحركة ملتزمة بالخط السياسي الذي وضعه مجلس شورى الحركة.
وقال الهاروني في هذا الإطار: "نحن مازلنا نتفاوض مع رئيس الحكومة و نقدم شروطنا من أجل بناء شراكة فعلية".
ورصدت سبوتنك ردود الفعل حول تصريحات الهاروني التي خلقت جدلا في الساحة السياسية في تونس، بسبب نشر فيديو المداخلة على الصفحة الرسمية للحركة، وهو ما اعتبره البعض رسالة سياسية تريد الحركة توجيهها في هذا الوقت بالذات.
من جهته اعتبر القيادي في حركة "تحيا تونس" (حزب رئيس الحكومة  يوسف الشاهد) وليد جلاد، أن تصريحات رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني غير مسؤولة لا سيما في الوقت الراهن الذي تمر به البلاد على حد تعبيره.
في المقابل قال القيادي في حركة النهضة الصحبي عتيق: "إن  كلام الهاروني هو كلام قديم ولكن الهاروني أساء اختيار التوقيت لإعادة طرحه من جديد.
في ذات السياق قال القيادي في حركة النهضة ناجي الجمل أنه على الرغم من أهمية تصريحات كل من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني إلا أنه إلى حد اليوم ليس هناك موقف رسمي من الحركة بشأن مسالة إمكانية ترشح رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد للرئاسة.
وأضاف الجمل: "ما أنا متأكد منه أن إمكانية سحب الثقة من الحكومة الحالية وتشكيل حكومة أخرى قبل الانتخابات أمر غير مطروح حاليا، معتبرا أن ذلك ستكون له نتائج سلبية على العملية السياسية وعلى الوضع السياسي الراهن بالبلاد.
من جهتة قال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي، أن المناورة هي جزء من عقيدة حركة النهضة السياسية  وأن هذه التصريحات هي بمثابة بث رسائل في جميع الاتجاهات.
كما أكد العبيدي: "أن خطاب الهاروني هو فقط للاستهلاك الداخلي وان الخطاب هو موجه لقواعد الحركة الرافضة لاستمرار التحالف مع يوسف  إضافة إلى أنه محاولة لإعادة إحياء الروح لدى قواعد النهضة وتطمينهم بأن الحركة لديها القدرة في التحكم في كل قوانين اللعبة  السياسية."
من جهة أخرى قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في لقاء خاص على إحدى المحطات التلفزية التونسية الخاصة:" أنه لو ترشح يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي للرئاسة فإن ذلك مدعاة لإعادة النظر. المحلل السياسي محمد صالح العبيدي يعتبر"إن هناك تجاذب بين الطموح الشخصي لراشد الغنوشي و بين درجة الشعبية التي يملكها في أوساط الشعب خاصة وأن أرقام سبر الآراء تؤكد تدني المكانة التي يحتلها الغنوشي في نوايا التصويت.
وأشار العبيدي أن القانون الداخلي للحركة يفرض على رئيس الحركة الترشح لمرتين فقط وهو ما يعني مغادرة الغنوشي لرئاسة الحركة بحلول سنة 2020 بعد أن تم انتخابه لمرة ثانية سنة 2016 وهو ما اعتبره العبيدي الأمر الذي صنع طموحا سياسيا خفيا لدى راشد الغنوشي.
وتساءل العبيدي إن كان الغنوشي يمتلك القدرة لصنع توليفة للموقف الدبلوماسي التونسي في إطار المعطيات الإقليمية الحالية. كما أكد العبيدي على أن زيارة راشد الغنوشي الأخيرة إلى فرنسا كانت محاولة لتصدير صورة رئيس حركة النهضة في الإعلام الفرنسي لكنها صدمت بالرفض من قبل بعض دوائر القرار الفرنسي على حد تعبيره.
رغم تباين المواقف صلب حركة النهضة حول مرشحها الرئاسي وتتالي التصريحات من قبل عدد من قيادييها، إلا أنها حسب متابعين خيرت مزيد الترقب إلى أن تتوضح الصورة أكثر على مستوى الخيارات والترشحات، فالانتخابات الرئاسية لسنة 2019 تهمها بدرجة كبيرة وستشارك فيها على عكس  انتخابات 2014 إما بشخصية من داخلها أو شخصية توافقية من خارجها وعلى الرغم من أن الأغلبية صلب الحركة مع ترشيح الغنوشي إلا أن مجلس الشورى لم يحسم بعد في هذه المسألة.
وعلى صعيد المراجعات فان حركة النهضة في مؤتمرها العاشر، الذي عقد في مايو 2016، كانت قد أعلنت عن التخصص في العمل السياسي وترك الأنشطة الدعوية للمنظمات المدنية، والفصل التام بين جهازها السياسي وأذرعها الدعوية. وحينذاك قال رئيسها، راشد الغنوشي:" "نريد أن يكون النشاط الديني مستقلاً تماما ًعن النشاط السياسي. هذا أمر جيد للسياسيين لأنهم لن يكونوا مستقبلاً متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد أيضاً للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفاً من قبل السياسيين".
ورغم ذلك، فإن الحركة وبعد حوالي الثلاث سنوات من ذلك الإعلان، لم تقدم حتى اليوم المنهجية ولا الصيغة الفكرية والسياسية لتوضيح الفصل التنظيمي بين الجانبيين الدعوي والسياسي. واللافت أن وثائق المؤتمر العاشر، الذي أعلن فيه عن الفصل، قد نشرت لاحقاً، على الموقع الرسمي للحركة على شبكة الإنترنت، ومن بينها اللائحة الهيكلية والتنظيمية، التي تضمنت نقداً للتنظيم الداخلي للحركة عبر السنوات ومقترحات بإصلاحها، لكنها لم توضح، بل لم تشر حتى مجرد الإشارة إلى موقع القسم الدعوي والديني في الحركة مستقبلاً وكيف سيتم فصله وإبعاده عن دائرة السياسة، ليبقى الإعلان مجرد إعلان للاستهلاك الإعلام دون خطوات عملية.
لا يمكن مقارنة موقع حركة النهضة الحالي، فكريا وتنظيماً، بالجماعات الإسلامية الجهادية، لكن المراجعات التي تقدم عليها الحركات الإسلامية عموماً تكون دائماً رهينة بالسياق العام، الداخلي والإقليمي، ونتيجة ظروف موضوعية وليست وليدة استعداد ذاتي، ويمكن أن نوجز بعض خصائص هذه المراجعات في، إن أغلب المراجعات التي أقدمت عليها جماعات إسلامية سواء كانت سياسية أو جهادية، قد حدث وهذه الجماعات في أزمات ومحن أمنية وسياسية وقياداتها في السجون، لذلك فهي محاولة للخروج من الأزمة أكثر منها محاولة جادة للمراجعة. أي أنها تقع في حيز التكتيكي وليست تغيرات استراتيجية جذرية.
ولفد أثبتت دروس التجربة التاريخية أن هذه المراجعات شديدة الهشاشة ولم تصمد أمام المتغيرات السياسية. فعلى السبيل المثال نشرت الجماعة الليبية المقاتلة في العام 2009 مراجعات اعترفت فيها بشرعية النظام الليبي وقالت إن معمر القذافي ولي أمر شرعي لا يجوز الخروج عليه. وبعد أقل من عام واحد من هذه المراجعات عاد أعضاء الجماعة إلى رفع السلاح في وجه النظام، وذهبت المراجعات أدراج الرياح. وعليه، فإن السياق التاريخي الذي أعلنت فيه حركة النهضة عن مراجعاتها الفكرية والتنظيمية، يكشف عن أن هذه المراجعات ليست مبدئية بقدر ماهي محاولة منها للالتفاف على مصاعب المرحلة التي كانت تعيشها.
والشاهد على أن هذه المراجعات هي مجرد انحناءة أمام العاصفة ولا تعبر عن نسق فكري جديد داخل حركة النهضة، هو الموقف العدائي الذي كشفت عنه من لجنة الحريات والمساواة التي قدمت تقريرا لرئاسة الجمهورية يدعوا إلى مراجعات العديد من القوانين التي تتعلق بالمرأة، والذي اعتبرته النهضة مخالفاً للنص القرآني وتمسك بظاهرة النص دون النظر في مقاصد التشريع، مع أن اللجنة قد وضعت مقدمات وحجج وبراهين من النصوص الإسلامية لإثبات دعوتها.
ومن قراءة التاريخ ورصد الأحداث يتبين أن الحركة الإسلامية بتونس قد مرت بالعديد من التحولات التنظيمية والفكرية منذ نشأتها في نهاية ستينات القرن الماضي. من الجماعة الدينية إلى الحزب السياسي، ومن المشاريع الكبرى في إقامة الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي إلى استيعاب الدولة الوطنية القطرية والمشاركة في إدارتها، لكن العقل الحاكم للحركة بقي دائماً ينظر للإسلام كدين ودولة، ولا ينظر للسياسة إلا كامتداد للدين، الأمر الذي أوقع الخصومة بينها وبين بقية الفرقاء، والذين اعتبروها محتكرة لمشترك ثقافي يهم كل المجتمع تجيره لحسابها كي تجني به مكاسب سياسية وسلطوية.

لكن الحركة ومع حلول العام 2016 قررت أن تضع حداً لكل هذه الاتهامات وأعلنت عن فصلها بين الجانب الدعوي والسياسي وخروجها من "الإسلام السياسي إلى الإسلام الديمقراطي". هذا الإعلان لم يزد الوضع إلا مزيداً من عدم الوضوح. فبقي مجرد إعلان ولم يتبلور إلى واقع. حتى بدى أن الحركة استعلمت إعلانها الفصل لمجرد الدعاية بأنها تغيرت، ولم يكن إلا إعلان نوايا للاستهلاك الإعلامي في الداخل والخارج، والتفافاً على مصاعب المرحلة التي تعيشها، داخلياً وخارجياً.