بوابة الحركات الاسلامية : حركة النهضة ومحاولات الهيمنة على السلطة من خلال ترشح مورو (طباعة)
حركة النهضة ومحاولات الهيمنة على السلطة من خلال ترشح مورو
آخر تحديث: الخميس 15/08/2019 01:56 م حسام الحداد
حركة النهضة ومحاولات
بكثير من الريبة والحذر ينظر التونسيون إلى موقف حركة "النهضة" من الانتخابات الرئاسية المبكرة، خصوصا بعد إعلانها ترشيح عبد الفتاح مورو لخوض السباق الرئاسي، خاصة أن حركة النهضة صاحبة تجربة فاشلة في الحكم، حاولت من خلالها الهيمنة على الدولة، وتغيير نمط حياة المجتمع التونسي، محكومة بفكر الإخوان الذي يشرع احتكار الحياة السياسية. 
يرى مراقبون محليون، أن قرار النهضة يفتح الباب واسعاً أمام تخوفات مشروعة حول استحضار تجربة إخوان مصر في الهيمنة على الدولة، من خلال التخطيط للاستحواذ على الرئاسيات الثلاث، أي رئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، فيما يحاول الغنوشي، بحسب المتابعين، تجنب تقديم مرشح من داخل النهضة، لأن هذه الخطوة ستطيح بكل الشعارات القديمة عن التوافق وعدم الرغبة في احتكار السلطة، وفق تقرير نشرته صحيفة "العرب" اللندنية.
وستدفع هذه الخطوة، بحسب العرب إلى توحيد صفوف القوى المدنية في مشهد شبيه بما جرى في 2014 من دعم واسع للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وحزبه نداء تونس، ما ألحق هزيمة بالنهضة، وهو ما كان الغنوشي يتجنبه بسبب ما يقول إنه ظروف محلية ودولية غير مناسبة، أي غير قابلة بسيطرة الإسلام السياسي على أي دولة.
واعتبر تقرير فرنسي أن ترشيح حركة ”النهضة“ الإسلامية لنائب رئيسها، عبدالفتاح مورو، للانتخابات الرئاسية المرتقبة في تونس منتصف الشهر المقبل، قد ينقذ الحركة مما وصفتها بـ“نكسة انتخابية قاسية“.
وذكرت مجلة ”جون أفريك“ الناطقة بالفرنسية، في تقرير لها صدر الأربعاء، أن ”ترشّح مورو قبل 72 ساعة من إغلاق باب إيداع ملفات الترشح، مثل مفاجأة باعتبار أن الحزب ذا المرجعية الإسلامية كان منقسمًا بشأن اختيار مرشحه، إذ أرادت أغلبية أعضاء مجلس الشورى اختيار شخصية من بينهم، في حين أظهر المقربون من رئيس الحركة، راشد الغنوشي، دعمهم لرئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد“.
وأضافت المجلة أنه ”بعدما خسرت الحركة زهاء مليون صوت بين انتخابات المجلس الوطني التأسيسي والانتخابات البلدية في سنة 2018، وجدت أخيرًا عصفورها النادر كما وصفه الغنوشي قبل بضعة أسابيع“.
وأوضحت المجلة أنه ”بعد أن حل رئيس مجلس النواب السابق، محمد الناصر، محل رئيس الجمهورية الراحل، الباجي قايد السبسي بصفة مؤقتة، بات العضو المؤسس لحزب حركة النهضة والرئيس الحالي بالإنابة لمجلس النواب، عبدالفتاح مورو البالغ من العمر 71 سنة، يمثل شخصية توافقية“.
ورأت المجلة أن ترشيح حركة النهضة لعبدالفتاح مورو، ”قد ينقذ الحركة من نكسة انتخابية قاسية، ذلك أن شعبيته وطلاقة لسانه قد تعيدان توحيد صفوف ناخبي الحزب“.
وتابعت أن ”مورو قادر على استقطاب أصوات محافظة من مناصري الدستوري المحافظ قيس سعيد، ومؤسس حزب التيار الديمقراطي، محمد عبو، فضلًا عن الأمين العام السابق لحزب حركة النهضة، حمادي الجبالي، الذي قطع علاقته بالحزب وقرر خوض الانتخابات وحدَه“.
وقالت إن ”وضع مورو في خط المواجهة، سيسهم بالتخفيف من حدة الهجمات التي يشنها مرشحون آخرون ضد الحركة الإسلامية حول إرسال الشباب التونسي إلى مناطق النزاع وغيرها من القضايا“.
وحسب خبراء في حركات الاسلام السياسي فان فرص حركة النهضة تقل في السباق الانتخابي الراهن، رغم محاولة الحركة خلال الأعوام الأخيرة التي أعقبت تجربة قصيرة فاشلة للحركة في الحكم، إلى ترميم صورتها، وتقليص تصادمها مع الدولة، والمجتمع، ومختلف النخب، عبر إقناع كل منهم بالنظر إلى الحركة على أنها مكون سياسي تونسي يبحث عن التوافق والشراكة. وهو ما يعكس براغماتية الحركة، ومحاولتها التكيف مع سياق تطور الوضع السياسي.
واعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، منتصر عمران، أنه في ظل ارتفاع أعداد المتقدمين لشغر منصب رئيس الجمهورية التونسية بعد رحيل القايد باجي السبسي، إلى 100 مرشح، في مقدمتهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وعبد الفتاح مورو، وعبدالكريم الزبيدي، والمنصف المرزوقي، فإن فرص النهضة باتت ضعيفة للغاية، وأن منافسات الجولة الثانية ستنحصر بين الزبيدي والشاهد، ما سيجعل حزب النهضة وقتها داعماً للشاهد وحزبه نداء تونس.
وأوضح عمران، أن حركة النهضة، تسعى للتأكيد على انفصالها عن التنظيم الدولي للإخوان، خاصة في ظل تخوفها من أن تنال مصير الجماعة في مصر، وأن حركة راشد الغنوشي تحاول التقارب مع الغرب خوفاً من تصنيفها كحركة إرهابية، مشدداً على أن تغير خطاب النهضة مؤخراً جاء نتيجة لتغير موازين القوى في المنطقة بعد سقوط إخوان مصر، وأنها بصدد إعلان انفصالها عن التنظيم الأم والتأكيد على أنها سياسية مدنية نتيجة الفزع الذي تعيشه.
ووفق متابعين للشأن التونسي، فإن هذه الخطوة التي أقدمت عليها حركة النهضة، لم تكن خارج سياق المقاربة التي تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين، بحكم أن المنهج الذي يحكم خطاب النهضة يكاد يكرر نفسه، من خلال اجترار المصطلحات ذاتها التي طبعت خطاب الإخوان، بحسب تقرير نشرته صحيفة "العرب" اللندنية.
وتخوض حركة النهضة من خلال قرارها خوض الاستحقاق الرئاسي، رهاناً للهيمنة على الدولة، والتحكم بمفاصل القرار ومراكز النفوذ، وذلك من خلال تمكين رئيسها الغنوشي، من أن يُصبح رئيساً للبرلمان، ونائب رئيسها عبد الفتاح مورو، رئيساً للدولة، وأمينها العام، زياد العذاري رئيساً للحكومة.
ومن جهته، قال زعيم اليسار والناطق باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، الذي قدم حديثاً أوارق ترشحه للمعركة الانتخابية الراهنة، الثلاثاء، إن "تنظيم الإخوان وحركة النهضة جزء أساسي من أزمات تونس على جميع المستويات"، وأكد أن تجربة حكم حركة النهضة زادت من وعي التونسيين بضرورة رفض وجود هذا التنظيم مرة أخرى وعدم دعمه للوصول إلى كرسي الحكم.
ويتفق الهمامي، مع الطرح الخاص بأن محدودية صلاحيات الرئاسة ربما هي التي دفعت رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي للزهد بالمقعد، وترشيح نفسه لعضوية البرلمان مصدر السلطات الحقيقي بنظام الحكم، خاصة مع وجود طموح واسع للرجل بالوصول لمنصب رئاسة البرلمان أو ما هو أبعد من ذلك لو حققت حركته الأغلبية، واصفاً ترشيح مورو للرئاسة بكونه "محاولة للالتفاف على الخلافات الكثيرة التي ظهرت داخل النهضة في الفترة الأخيرة وربما كانت ستودي لانقسامها".
تجربة فاشلة في الحكم
منذ فوزها بانتخابات المجلس التأسيسي في 2011، حاولت حركة النهضة مطلع 2012، تضمين دستور تونس الجديد فقرة تنص على أن الشريعة الإسلامية، هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد، وأخرى تنص على "تجريم الاعتداء على المقدسات"، قبل أن تتراجع عن ذلك، تحت ضغط أحزاب المعارضة والمجتمع المدني.
كما استفزت استراتيجية حركة النهضة بعد وصولها إلى الحكم، الأحزاب العلمانية في تونس، والشارع التونسي ومختلف النخب، حيث حاولت بعد وصولها إلى الحكم "اختراق" أجهزة الدولة و"تغيير نمط المجتمع التونسي"، و"أسلمة" البلاد، التي تعتبر من أكثر البلدان العربية انفتاحاً على الغرب.
وقد تزامنت المدة التي قضتها الحركة في السلطة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتصاعد عنف جماعات إسلامية متطرفة، واغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية، وقتل عناصر من الجيش والأمن، في هجمات نسبتها السلطات إلى إسلاميين متطرفين.
ووفق محللين، وفق تقرير لصحيفة "النهار" اللبنانية، سعت حركة النهضة إلى ترميم صورتها، منذ ان أطاح الجيش المصري بنظام الرئيس الاسلامي محمد مرسي، وقمع جماعة "الإخوان المسلمين" التي صنفتها السلطات المصرية تنظيماً "إرهابياً". ومنذ خروج النهضة من الحكم مطلع 2014، أصبحت عبارات مثل "التوافق" و"الوحدة الوطنية" من الكلمات المفاتيح في خطابات قياديي الحركة.
موقف "النهضة" من المرأة 
تعكس مواقف حركة النهضة تجاه المرأة في تونس ازواجية الخطاب الذي تعتمده الحركة الإسلامية، فهي من جهة تتحدث عن أهمية المرأة ومكانتها ودورها في البناء والنهوض الاجتماعي، ومن جهة أخرى تمتهن المرأة وتحجّم دورها وتقصيها من الصفوف الأمامية، وتستغلها لأغراض انتخابية كقوة تصويت دون أن يكون لذلك انعكاس على مستوى المناصب القيادية، سواء داخل الحركة أو في الحكومات التي تشكلها الحركة، وفق مراقبين.
إذ سعت حركة "النهضة" إلى استثمار احتفال المرأة التونسية بعيدها الوطني، في 13 أغسطسالحالي، وتوجيه رسائل تقرب من هذه الفئة، التي تُعد خزانًا انتخابياً كبيراً، خصوصاً مع اقتراب مواعيد الاستحقاق الانتخابي بشقيه الرئاسي والتشريعي.
وقال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، إن "المرأة ليست نصف المجتمع بل هي المجتمع كله، لأن النصف الآخر يتربى في أحضانها أيضاً"، مؤكداً أن "الانتصار لحقوقها هو جزء من المشروع الذي تناضل الحركة من أجله منذ عقود"، ما اعتُبر مزايدة ومبالغة من الحركة التي لا تتبنى في أدبياتها، ولا في ممارستها السياسية مثل هذا الخطاب".
وقال الغنوشي، على صفحته عبر موقع "فيس بوك"، بمناسبة احتفاء تونس باليوم الوطني للمرأة، إن "المرأة هي قوة التجدد في الأمة وهي قوة حفظ المجتمعات وعنصر التماسك فيها، وكل جهد يتجه إلى ضرب المرأة وترذيلها وامتهان كرامتها وحرمانها من حقوقها الشرعية إنما هو ضرب للمجتمع التونسي في الصميم وضرب لاستقراره وتوازنه"، بحسب تعبيره.
وتأتي تصريحات رئيس حركة "النهضة" قبل شهر من موعد الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، فيما اعتُبر مغازلة من الحركة للمرأة التي تمثل نحو نصف المسجلين للتصويت في الانتخابات المقبلة، وتمثل قوة انتخابية ذات تأثير.
واعتبر مراقبون، أن تصريحات رئيس حركة "النهضة" لا تعكس موقف الحركة من المرأة حتى في سياق العمل الحزبي الداخلي، مشيرين إلى الجدل الكبير الذي أثاره تشكيل القوائم المترشحة للانتخابات التشريعية المقبلة، وخصوصًا تدخل رئيس الحركة لإعادة ترتيب الأسماء، ما تسبب في إقصاء عدد كبير من القيادات النسائية داخل الحركة، مقابل صعود وجوه مقربة من الغنوشي.
أخيراً، فإنه مع اشتداد الصراع على منصب الرئاسة في تونس، نظراً لكثرة الأحزاب والقوى السياسية المشاركة، ونظراً إلى السجل السيء لتجارب الإخوان المسلمين في الحكم، وبالنظر أيضا لأداء النهضة السيء في البرلماني التونسي، وتحالفها مع الرئيس الأسبق منصف المرزوق، الذي أدخل تونس في العديد من الأزمات الأمنية والاقتصادية، يتوقع العديد من الخبراء ألا يكون برنامج النهضة ضمن اهتمامات الناخب التونسي في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.