بوابة الحركات الاسلامية : حركة النهضة التونسية وإعادة التجربة الإخوانية المصرية في الحكم (طباعة)
حركة النهضة التونسية وإعادة التجربة الإخوانية المصرية في الحكم
آخر تحديث: الإثنين 02/09/2019 02:34 م حسام الحداد
حركة النهضة التونسية
كشفت حركة النهضة التونسية عن تطلعها للاستحواذ على الرئاسات الثلاث، وذلك بعد تنصلها من وعودها بعدم خوض انتخابات الرئاسة، وترشيحها نائب زعيم الحركة عبد الفتاح مورو، أملا في الوصول إلى قصر قرطاج.
ويعد سلوك النهضة الذي أعلن عنه زعيم الحركة راشد الغنوشي، ليس سوى تكرار لتجربتها السابقة الفاشلة في الحكم، ولتجارب أخرى للتنظيمات الإخوانية والأحزاب ذات المرجعيات الدينية، التي انتهت بفشل ذريع، بحسب محللين.
وسبق للنهضة أن حازت الأغلبية في الانتخابات التشريعية في تونس عام 2011، غير أنها فشلت في الحكم، لتخسر الانتخابات التالية عام 2014.
ويري الكاتب والباحث السياسي التونسي، خالد عبيد، في مقابلة مع سكاي نيوز عربية أن "غاية حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي أن تفتك الحركة بالرئاسات الثلاث، البرلمان والحكومة والرئاسة.. لكن هل يمكن أن ينتج عنه تكريس للديمقراطية؟".
وأجاب عبيد "هذا ما نشك فيه باعتبار أننا رأينا كيف أن الحركة في انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 عندما تمكنت من الفوز بجانب كبير من الأصوات في الانتخابات كانت وعودها كبيرة جدا"، لكن رأينا على أرض الواقع كيف تراجعت عن وعودها ولم تحترم تعهداتها".
وأوضح عبيد أن كل هذه الأمور أدت إلى أن تكون هناك ريبة لدي جزء كبير من الناخبين التونسيين في أن تكون نوايا النهضة الحقيقية هي الديمقراطية.
وأضاف الكاتب التونسي أن النهضة "تدرك الآن أنها غير قادرة على تجسيد الظفر بالرئاسات الثلاث على أرض الواقع، "باعتبار أن الوضع الداخلي والرأي العام التونسي لايمكن أن يسمحا بذلك".
ويكشف تراجع الحركة عن وعدها بعدم التقدم بمرشح للرئاسة، وسعيها لدعم مرشح يكون ستارا لها تحكم من خلفه، عن عدم تعلمها من تجربتها السابقة الفاشلة في الحكم، ولا من تجارب أخرى خارج تونس.
ولفت عبيد إلى إسراع النهضة للتحلل من تعهداتها مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عندما اتضح لها أنه في أيامه الأخيرة.
وموقف النهضة الحالي، الطامح للاستحواذ على جميع السلطات في تونس، يكاد يكون مطابقا، لما قام به تنظيم الإخوان الأم في مصر عام 2012، فقد هيمن الإخوان على أول مجلس للنواب بعد سقوط نظام مبارك، وأعلن عدم رغبته في خوض انتخابات الرئاسة.
لكن التنظيم خاض الانتخابات الرئاسية وفاز فيها بهامش ضئيل مثير للجدل، وتراجع عن جميع تعهداته بالانفتاح على القوى السياسية الأخرى، وسعى إلى ما سمي وقتها بـ "أخونة" أجهزة الدولة، وذلك قبل أن تخرج احتجاجات شعبية مليونية  في 30 يونيو عام 2013، ضد حكم الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي، استدعت تدخل الجيش بعد فشل الإخوان في الاستجابة للمطالب الشعبية.
ولا شك أن فائض القوة الذي تشعر به حركة النهضة الإسلامية، نتيجة تفكك باقي القوى الوطنية، كشف زيف أطروحة التوافق التي تمسكت بها طيلة السنوات، وهو ما عكسته تصريحات رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي أكد أن حزبه يرنو إلى السيطرة على الرئاسات الثلاث.
وهكذا لم تصمد مواقف الغنوشي بخصوص التوافق والتشارك في الحكم على أرضية المصلحة الوطنية العليا وتقاسم الأهداف، أمام إغراءات السلطة والرغبة المُبيتة في الهيمنة التي كشفتها سطوة فائض القوة الناتجة عن تشتت بقية القوى السياسية في زمن انتخابي مفصلي تمرّ به تونس. 
وبدا واضحا أن الغنوشي الذي يُدرك جيدا أن استمرار ذلك التشتت يخدم أجندات حركته، ولا بد من تجاوز المواقف الرمادية تمهيدا لمُتطلبات المرحلة القادمة التي تستدعي الاستحواذ على الرئاسات الثلاث في البلاد وفق قراءة سياسية مُرتبطة بحسابات هذه الفترة الانتخابية.
ولا تخرج تلك الحسابات عن سياق المشروع الاستراتيجي لتنظيمات الإسلام السياسي، وحركة النهضة الإسلامية واحدة منها، الذي يقوم على مبدأ التمكين للوصول إلى السلطة، ثم الاستيلاء عليها في التوقيت المُناسب بمُبررات مُتعددة وتحت عناوين مُختلفة.
ويرى الغنوشي الذي يُراهن كثيرا على الوقت، أن الظروف أصبحت الآن أفضل للاندفاع نحو محاولة تنفيذ المقاربة السياسية لمستقبل المشهد التونسي، وفقا لأجندات حركته، لذلك سارع في كلمة ألقاها، مساء السبت، أمام حشد من أنصاره في مدينة الحمامات الساحلية، إلى التنصل من مواقفه حول التعايش والشراكة في الحكم التي طالما دفع بها إلى الرأي العام.
ولم يتردد في تلك الكلمة التي جاءت في جوهرها مُتناقضة مع ما أعلنه قبل يوم واحد، في القول إن حركته ترنو إلى “الفوز بالرئاسات الثلاث في تونس”، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، ما يعني السيطرة التامة على السلطات التنفيذية والتشريعية، وبالتالي السيطرة على مُجمل المؤسسات السيادية في البلاد.
وقال الغنوشي إن حركة النهضة “تطمح للوصول إلى السلطة لتحكم عبر قصر قرطاج الرئاسي بفوز مرشحها عبدالفتاح مورو، وتُعول على الحكم عبر فوزها بالتشريعية فيكون رئيس الحكومة من صلبها، ما يخوّل لها تشكيل الحكومة المقبلة، فضلا عن حصد الأغلبية في مجلس النواب، وبالتالي تولي أحد ممثليها رئاسة البرلمان”.
وأضاف “منذ 2011 تدربنا على الحكم في البرلمان، ثم تيقنا أن الحكم في تونس بعد دستور 2014 لا يكون إلا بالبرلمان، وقد مارسنا الحكم في البرلمان بشكل مسؤول وخبرناه، فلماذا لا يكون حاكم قرطاج غدا أحد أبنائنا؟”.
وكان لافتا أن الإفصاح عن هذا الموقف الذي يشي بأن سياسة التمويه التي مارسها راشد الغنوشي، قد وصلت إلى آخر فصولها، لاسيما وأنه تزامن مع بدء الحملات الانتخابية للاستحقاق الرئاسي السابق لأوانه، وجاء بعد يوم واحد من إعلانه عن مواقف مُغايرة.
واعتبر الغنوشي في تلك المواقف التي عبّر عنها، الجمعة الماضي، في كلمة ألقاها خلال ندوة عُقدت بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة خُصصت لتقديم البرنامج الانتخابي لحركته، أن “تونس ما زالت تحتاج إلى التوافق، وبعيدة من أن تُحكم بحزب واحد ولو ديمقراطيا”.
وأضاف في كلمته أن “سياسة التوافق كانت السبيل لإنقاذ البلاد، وصنع الاستثناء التونسي، وتجنيب البلاد منزلقات كثيرة كانت قد شهدتها عدة بلدان أخرى، وما كان للنموذج التونسي أن يصمد في مواجهة الأعاصير لولا سياسة التوافق التي غلب عليها أنها كانت بين شخصين إلا أنها تحولت إلى سياسة بلد”.
وأمعن الغنوشي في مواقفه المُتضاربة في رسائل تعكس ازدواجية في الخطاب الموجه إلى الداخل والخارج، حيث شدد في كلمته، على أن حركة النهضة “تؤمن بالتوافق وفي سبيله تنازلت عن الحكم سنة 2013 لمصلحة البلاد باعتبار أن تونس أغلى على النهضة من السلطة”.
وحركت هذه المواقف التي تبدو شديدة الارتباط بسياق الترتيبات التي يُريد الغنوشي أن تنتهي إليها الأوضاع في البلاد، المخاوف من جديد لدى مختلف الأوساط السياسية والمراقبين لتطور المشهد التونسي، خصوصا وأن ارتداداتها المحتملة تتجاوز ما هو تكتيكي في علاقة بالحملات الانتخابية، إلى ما هو استراتيجي مُرتبط بخطط وأجندات تنظيمات الإسلام السياسي.