بوابة الحركات الاسلامية : التنظيم الدولي للإخوان.. والعداء الدائم لأوطانهم (طباعة)
التنظيم الدولي للإخوان.. والعداء الدائم لأوطانهم
آخر تحديث: الأربعاء 11/09/2019 02:41 م حسام الحداد
التنظيم الدولي للإخوان..
تتكيف الجماعة الإخوانية وفقاً لمعطيات البيئة التي تعيشها، وفي الحديث عن نشاط الإخوان في الخارج، ثمة محطات ملتبسة، يتيه الدارسون في فهمها، مثل اضطراب الهيكل التنظيمي، وتخفي الأجندة، والخلاف بين الداخل والخارج، وإنتاج منظومة القيم غير الوطنية، أو العابرة للوطنية. لا يدعي الكتاب أنه يقدم أجوبة قطعية لحل هذه الاشتباكات، بل يعرض لعدد من المقدمات التي تساعد الباحث على صناعة صورة أوضح؛ تتيح له فهم الكيفية التي تعمل بها تنظيمات الإسلام السياسي على توظيف الوقائع لخدمة أجندتها التكتيكية أو الاستراتيجية، فكل أنموذج من النماذج المطروحة في هذا الكتاب يعكس حالةً تنظيمية تتقاطع -إلى حد كبير- مع الأطراف الأخرى.
كما يرصد كتاب مركز المسبار للدراسات والبحوث «إخوان الشتات: المدخل لدراسة التنظيم الدولي» أنشطة جماعة الإخوان وفروعها في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأستراليا وكوريا الجنوبية، متناولاً السياق التاريخي لوجودهم في هذه البلدان، وتفاعلهم النفعي مع قضايا المجتمعات المسلمة فيها، ومحاولة مصادرة «شرعية تمثيلها»، والتحايل على فكرة الاندماج لتوفير فرصٍ سياسية يتربح منها تنظيمهم الدولي.
هذا الكتاب ليس خلاصة نهائية، وإنما هو مقدمة تمهيدية تحاول تعبيد الطريق لدراسات مستقبلية أكثر عمقاً، بغية تمييز الثقافة السياسية الفرعية الطارئة التي تكتسبها تنظيمات الإسلام السياسي في الخارج، وانعكاساتها في البنية التنظيمية في الوطن الأم؛ صحيح أن المواد المدرجة لا تعرض لتحليل وتفسير تشكل التنظيم الدولي المعروف، أو السري المنكور، ولا للخلافات الإدارية واللوجستية لكنها تضع المفاتيح الرئيسة التي تمكِّن الباحث الحصيف من رصدها، والتي لم تنشأ لكونها مجرد صراع على الموارد بين الداخل والخارج، وليست محض «تمثيلية سياسية» فجة، ولكنها نسيج من ذلك كله، يضاف إليها حقيقة وجود تنظيمٍ دولي يستقل بذاته مكوِّناً الفروع الإخوانية الخارجية بعيداً عن سطوة المرشد في الوطن، فبقدر ما هم يهربون من «الدولة» يهربون من التنظيم الداخلي أيضاً، حسب إحدى الفرضيات.
يبدأ هذا الهروب على شكل حساسيات صغيرة، ثم ما تلبث أن تتحول إلى خلافٍ حول المال والإدارة. ساهمت هذه العلاقة في تعقيد دراسة التنظيم الدولي للإخوان، وفروعه الخارجية، فبينما تكون البنية الفكرية أكثر تماسكاً وتشابهاً، فإن السلوك المتنافر فيما بين الكيانات الإخوانية كلها، يجعل حصرها تحت مظلة واحدة صعباً، ولكنه ممكن. هذا ما يمهد له هذا الكتاب.
يتتبع الكتاب نمو المصالح البراجماتية لنشاط الإخوان في الخارج، وفقاً لاستجابة التنظيمات الإخوانية للضغوط والإكراهات التي تفرضها عليها الدول التي تستضيفهم، مما قد يؤدي إلى التبعية للخارج والارتهان للداعمين الجدد، حتى ضد مصلحة التنظيم ذاته، لا يكون ذلك بسبب عداء ظرفي للدولة، أو الوطن، أو الأنظمة السياسية. كما يكشف عن حالات ارتكبتها التنظيمات، لصالح تركيا، ضد المصلحة القومية لبلدانهم، وعكس الإرادة الجزئية لتنظيماتهم!
استخدم الإخوان المسلمون في أمريكا الجنوبية، وسائل عدة مثلت «مراكز لعملياتهم» ونفوذهم وعمقهم الاجتماعي يمكن تحديدها في أربع: المساجد، المراكز الثقافية والإسلامية؛ منظمات وهيئات العمل الخيري والإغاثي؛ والسيطرة على تجارة اللحوم الحلال. عموماً، تُعد هذه الروافد الدعائم الحيوية التي تعمل عبرها جماعة الإخوان في الغرب، وذلك بامتلاكها قدرات مالية، وروابط سياسية واجتماعية تساعدها على اختراق المؤسسات السياسية، وتشبيك علاقاتها مع الأحزاب، واستقطاب المسلمين الجدد.
تطرق الكتاب إلى «الإسلامويين المغاربة في أوروبا» الغربية وطرح ثلاثة محاور أساسية: المفاتيح النظرية للمشروع الإسلامي الحركي؛ آليات اشتغال العقل الإسلامي الحركي؛ ومعالم وأداء المشروع الإسلامي الحركي المغربي في أوروبا. إن درس التنظيمات الإخوانية في الشتات، يجب النظر إليه كجزء لا ينفصل عن أداء المشروع الإسلاموي الحركي بشكل عام، ككتلة حركية صلبة ترتكز على خطاب سياسي ودعوي يفعّل وجوده في المؤسسات التمثيلية ومنظمات المجتمع المدني، بمقتضى العمل بقاعدة الانتشار العمودي، مع توظيف آليات التقية والاختراق، والإفادة من الصراعات والأزمات التي قد تعاني منها بعض الجاليات المسلمة.
ومن أجل الدراسة العميقة لنشاط الإخوان في الغرب، من الضروري الاعتماد على تحليل متعدد الجوانب، بمعنى أن المقاربات السياسية لا تكفي وحدها لرصد هذا الحضور الإسلاموي؛ ذلك أن الجماعة الأم منذ نشأتها تبني عمقها الاجتماعي والديني والأيديولوجي، وقد ساعدها النشاط الاجتماعي على فرض نفوذها لدى الجاليات المسلمة المنتشرة في الدول الأوروبية، وأمريكا وأستراليا، يضاف إلى ذلك ما يمتلكه الإخوان وأفرعهم من منابر إعلامية في دول الشتات تساعدهم على التلاعب بالحقائق؛ وهذا يفرض علينا التقدم بجملة من الإشكاليات المرتبطة بالظاهرة الإسلاموية: كيف استطاع الإسلاميون بناء عمقهم الاجتماعي على غفلة من الدول؟ ولماذا تنجذب فئات اجتماعية للمشروع الإسلاموي على الرغم من معاكسته للأنظمة السياسية الديمقراطية الحديثة؟ وما السبل الأنجح للحد من تمددهم؟ وهل الصراع هو صراع من أجل الوعي أم على هوية الإسلام والدين؟
إن التشكلات في السياسات المعاصرة في السنوات الأخيرة في ضوء صعود اليمين ونجاحاته في الغرب، تشي بأن العالم يتجه نحو مزيد من نمو الخطابات المتشددة وانغلاق الحدود، وهذا يعطي جرعة قوة إضافية للحركات الإسلاموية التي تتقاطع في العديد من المواقف مع أحزاب اليمين، خصوصاً وأنها حركات تقوم على مبدأ الاتساع والهجرة، وتستغل قوانين اللجوء كما في حالة كوريا الجنوبية.