بوابة الحركات الاسلامية : الخليفة العثمانلي بين ابتزاز أوروبا والعداء لفرنسا والاحتماء بالتنظيمات الإرهابية (طباعة)
الخليفة العثمانلي بين ابتزاز أوروبا والعداء لفرنسا والاحتماء بالتنظيمات الإرهابية
آخر تحديث: الأحد 01/12/2019 01:37 م حسام الحداد
الخليفة العثمانلي
تتجه أنظار العالم إلى قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" المقرر انعقادها بالعاصمة البريطانية لندن، الثلاثاء المقبل 3 ديسمبر 2019، في الذكرى السبعين على تأسيس الحلف، بمشاركة زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء والبالغ عددهم 29، ولا سيما بعد عاصفة جدل تسببت فيها "إهانة" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لنظيره الفرنسي إمانويل ماكرون.
فقبل أيام من القمة المرتقبة، تبادل الرئيسان الاتهامات، فيما أهان أردوغان ماكرون واصفاً إياه بأنه في حالة موت دماغية، ما اعتبره الإليزيه تجاوزاً واستدعت السفير التركي لدى باريس، كما دعا سياسيون فرنسيون إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أردوغان تتضمن عقوبات على تركيا.
وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن تصريحات أردوغان تعزز التوترات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، قبل قمة الحلف الحاسمة في لندن، مشيرة إلى أنه يجب أن يجتمع أردوغان وماكرون، وكذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على هامش هذه القمة.
وفي هذا التقرير نحاول تتبع مسارات التوترات ما بين الخليفة العثمانلي أردوغان والقارة العجوز وفي القلب منها فرنسا 
أسباب التوترات بين فرنسا وتركيا
ففي منتصف نوفمبر 2019، حددت صحيفة لوبينيون الفرنسية 3 أسباب لتوتر العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وباريس، رغم كونهما عضوين في حلف شمال الأطلسي.  
وفي مقال له بصحيفة لوبينيون حمل عنوان "فرنسا وتركيا: موجة باردة خطيرة للغاية على الرغم من التعاون لمكافحة الإرهاب"، أكد الباحث جون دومنيك مارشييه أن أول أسباب الانتقادات الفرنسية لتركيا يعود إلى عدوان رجب طيب أردوغان على الشمال السوري.
أما السببان الآخران فيتمثلان في احتضان باريس بعض الأكراد مقابل تهديدات تركيا بإغراق أوروبا بالمهاجرين، إضافة إلى إرسال أنقرة مسلحين أجانب إلى بلادهم الأصلية وفي مقدمتها فرنسا.
الباحث الفرنسي مارشييه أكد في مقاله أن الهجوم التركي على الأكراد أثار غضبا قويا في باريس، في الوقت الذي تستمر عمليات إعادة الإرهابيين الأجانب إلى بلادهم الأصلية، وسط مخاوف فرنسية من فرار هؤلاء المتطرفين بعد استلامها لهم.
وبدأت السلطات التركية، الإثنين 11 نوفمبر 2019، إعادة 25 إرهابيا وعائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية، بينهم 11 فرنسيا، بينما تريد الدول الغربية الحكم على هؤلاء الإرهابيين في العراق.
حادثة ثانية رصدها مارشييه، عكست بدورها حالة الجمود في العلاقات بين حليفي (الناتو)، وتتمثل في موقف باريس من عدوان أنقرة على شمال سوريا، والذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه "جنون".
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه لم تتم دعوة السفير التركي في باريس لاحتفالات ذكرى هدنة كومبين الأولى، التي تُجرى في 11 نوفمبر من كل عام، والتي أنهت بموجبها الحرب العالمية الأولى.
ولا يخفى على المتابعين للعلاقات الفرنسية التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان قد تمت دعوته للاحتفال نفسه، العام الماضي في باريس.
وفي المقابل، تم إرسال تعميم إلى السفراء الفرنسيين بعدم حضور فعاليات اليوم الوطني التركي 29 أكتوبر الماضي.
وعن تصريحات ماكرون الخاصة بوضع الناتو بقوله إنه "في حالة موت دماغي"، رد أردوغان خلال زيارته الأخيرة لواشنطن: "كلمات غير مقبولة".
هنا أوضح الباحث جون دومنيك مارشييه أن الرئيسين الفرنسي والتركي لم يلتقيا أو يتحادثا منذ 14 أكتوبر الماضي، وهو وقت مباراة لكرة القدم بين البلدين.
وفيما يرتبط بالسبب الثالث لتوتر العلاقات الفرنسية التركية، رأى باحث صحيفة لوبينيون أن احتضان باريس للأكراد يثير غضب أنقرة، موضحا أن الفرنسيين أعلنوا التحالف مع القوات الكردية في سوريا كحليف عسكري على الأرض لمكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي.
ففي تصريحات سابقة لها، قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلوانس بارلي: "لدينا واجب أخلاقي تجاه الأكراد الذين عملوا من أجلنا.. لا يمكن أن ينساها التاريخ".   
ابتزاز أردوغان
اعتبرت الصحف الفرنسية تهديد الرئيس التركي بترحيل إرهابيي داعش الأجانب إلى بلدانهم الأوروبية مناورة من رجب طيب أردوغان لابتزاز الغرب والحصول على أموال لتمويل بناء مدن اللاجئين في شمالي سوريا التي يعتزم نقل 3 ملايين سوري إليها، بجانب الانتقام من بعض الدول الأوروبية. 
وقالت صحيفة "لوفيجارو": "بعد تهديدات أردوغان المتكررة بفتح الباب أمام اللاجئين غير الشرعيين للسفر إلى أوروبا، يلعب الرئيس التركي بورقة إرهابيي داعش الأجانب لابتزاز أوروبا". 
وأضافت أن "أردوغان يهدد حاليا بترحيل إرهابيي داعش الأجانب الذين وقعوا في يد الجيش التركي بشمالي سوريا إلى بلدانهم في مناورة للضغط على أوروبا، والانتقام من بعض الدول، وبينها فرنسا لانتقادها الدائم سياساته الخاصة بحقوق الإنسان".  
ولفتت الصحيفة إلى تصريحات أردوغان التي وجهها لأوروبا قبل توجهه لواشنطن، حينما قال: "كن حذرا من موقفك تجاه بلد يستقبل 4 ملايين لاجئ"، وهو ما اعتبرته الصحيفة تهديدا للغرب لانتقاده سياساته الخاصة بحقوق الإنسان، والهجوم الأخير على شمالي سوريا".
وأشارت "لوفيجارو" إلى أن "أنقرة بدأت الإثنين الماضي في ترحيل عدد من إرهابيي داعش لبلدانهم، ومن بينها فرنسا التي لا يزال التهديد الإرهابي لديها مرتفعا". 
وتتزامن خطوة أردوغان مع الذكرى الرابعة للهجمات الإرهابية الدامية التي ضربت باريس 13 نوفمبر 2015، وراح ضحيتها 131 شخصا، وتبناها تنظيم داعش الإرهابي.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن من بين الأسباب الأخرى وراء إعلان أردوغان ترحيل الإرهابيين الأجانب لبلدانهم الأوروبية، رغبته في الحصول على تمويل لبناء مدن للمهاجرين في شمالي سوريا، ونقل اللاجئين السوريين في تركيا إليها.
وأشارت "لوفيجارو" إلى أن أردوغان يريد ابتزاز أوروبا للحصول على الأموال التي تمكنه من إنقاذ اقتصاد بلاده الهش من جانب والرد على الانتقادات الأوروبية المتكررة لتصرفات نظامه من جهة أخرى.  
الانتقام من فرنسا 
ومن جانبها، رأت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية الخطوة التركية بإرسال إرهابيي داعش الأجانب إلى فرنسا بأنها إجراء انتقامي ضد باريس بسبب دعمها الأكراد واحتضانهم، وعدد من تصرفاتها المعادية.
وخلال الشهر الماضي وصفت مجلة "لوبوان" الفرنسية الرئيس رجب طيب أردوغان، على غلاف عددها الصادر الشهر الماضي، بأنه "مبيد"، في إشارة لحملات التطهير العرقي ضد الأكراد، الأمر الذي دفع النظام التركي لتقديم شكوى ضد المجلة. 
تصاعد التوتر 
ونتيجة تصريحات أردوغان الغير مسؤلة والتي تعد اهانة للدولة الفرنسية تصاعدت حدة التوترات خلال اليومين الماضيين واستدعت باريس السفير التركي لدى باريس إسماعيل حقي موسى إثر الهجوم العنيف الذي شنه أردوغان خلال خطاب ألقاه في إسطنبول، كما ردت الرئاسة الفرنسية على ما وصفته بـ "التجاوزات الأخيرة" لأردوغان.
وقال بيان الإليزيه: "لنكن واضحين، هذا ليس تصريحاً إنه إهانة"، مضيفاً أنه "تم استدعاء السفير التركي في فرنسا إلى وزارة الخارجية الفرنسية لشرح تصريحات أردوغان، الذي اعتبر أن إيمانويل ماكرون كان في "حالة موت دماغي". واعتبر الإليزيه أنه "لا يوجد أي تعليق على الإهانات".
وردد أردوغان خلال خطاب ألقاه في إسطنبول تصريحات ماكرون، الذي وصف حلف الناتو بأنه يعاني من "موت دماغي" في مقابلة مع مجلة الإيكونومست الأسبوعية، وقال أردوغان: "أنا أتحدث من تركيا إلى السيد ماكرون، عليك أن تتوجه بنفسك إلى طبيب لفحص حالة الموت السريري لديك قبل كل شيء. أؤكد هذا من تركيا وسأتحدث عن ذلك خلال قمة الناتو المقبلة".
وتابع أردوغان مخاطبا ماكرون: "الحديث عن إخراج تركيا من الناتو أو إبقائها.. هل هذا من شأنك؟ هل لديك صلاحية اتخاذ هكذا قرارات؟"، مضيفاً أن "فرنسا تتجاهل حساسيات بلادنا في سوريا وتحاول في الوقت ذاته أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا البلد".
وتأتي هذه التصريحات الحادة بعد انتقادات صدرت عن ماكرون ضد العدوان التركي على سوريا الشهر الماضي، حيث قال: "ليس هناك أي تنسيق للقرار الاستراتيجي للولايات المتحدة مع شركائها في حلف شمال الأطلسي، ونحن نشهد عدوانا من شريك آخر في الحلف، تركيا، في منطقة تتعرض مصالحنا فيها للخطر، من دون تنسيق"، معتبرا أن "ما حصل يمثل مشكلة كبيرة للحلف".
وتساءل الرئيس الفرنسي خلال هذه التصريحات بشكل خاص عن مستقبل المادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي التي تنص على تضامن عسكري بين أعضاء التحالف في حال تعرض أحدهم لهجوم.
وقال ماكرون: "ما هي المادة 5 غدا؟ إذا قرر نظام بشار الأسد الرد على تركيا، هل سنقوم بالتدخل؟ هذا سؤال حقيقي".
وانتقد سياسيون فرنسيون إهانات الرئيس التركي لرئيس بلادهم، داعين إلى اتخاذ فرنسا خطوات صارمة ضد أردوغان، وفرض عقوبات على تركيا وقطع العلاقات.
بدوره، اعتبر الكاتب الفرنسي المتخصص في الشؤون الدولية، أوليفييه مازيرول أن أردوغان خان "الناتو" بالتحالف مع عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، موضحاً أن أردوغان يدعو أنصاره لعودة الخلافة العثمانية، وذلك ضمن سياسته الشعبوية أمام أنصاره القوميين".
وأضاف أن الرئيس التركي يسعى لتحقيق ذلك الهدف تحت مظلة التنظيمات الإرهابية المسلحة التي يدعمها في سوريا مثل جبهة النصرة، والتحالف مع "داعش"، ما دفع الرئيس الفرنسي إلى انتقاد تلك السياسات، بحسب محطة "إل.سي.إي" التلفزيونية الفرنسية.
ووصف مازيرول تصريحات أردوغان بأنها ضمن السياسة الديكتاتورية للرئيس التركي الذي لا يقبل النقض، فبينما انتقد ماكرون السياسة التركية، يوجه أردوغان انتقادات شخصية للرئيس الفرنسي، فضلاً عن استخدام المقاتلين الفرنسيين والمهاجرين ورقة لابتزاز تركيا، مطالباً باريس بفرض عقوبات على تركيا واتخاذ خطوات صارمة ضد السياسة التركية، أهمها وقف تصدير الأسلحة الفرنسية إلى تركيا وأي مشروعات تعاون بين البلدين.
من جانبه، قال الكاتب الفرنسي، برنار هنري ليفي، في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التدوينات القصيرة "تويتر": "ماكرون مريض عقلي"؟، في الواقع فإنه في وجهة نظر أردوغان من يدافع عن الأكراد ويترك لمعارضيه مساحة من الحرية ويحترم الديمقراطية، ويوفي بتعهداته الدولية وحقوق الإنسان إنه محض جنون، مضيفاً أن تركيا تستحق أفضل بكثير من أردوغان.
أما البرلماني الفرنسي عن حزب "التجمع الوطني" (يمين متطرف) إيريك سيوتي فأكد أنه: "بعد إهانة أردوغان لفرنسا ورئيسها، أطالب بسحب السفير الفرنسي في أنقرة، والرفض النهائي لطلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مضيفاً أن "هجوم أردوغان الذي يعد "عراب داعش" على فرنسا أمر لا يطاق".
كما وصف سيوتي أردوغان بالزعيم المستبد الخطر على السلام العالمي.
فيما أشار البرلماني الفرنسي عن حزب "التجمع الوطني" (يمين متطرف) فلوريان فليبوت إلى أن: "أي دولة ليس لها سيادة لا يحترمها أحد، هذا ما يحدث في فرنسا.. إنها ليست مجرد مسألة أفراد، دعونا نترك حلف شمال الأطلسي (ناتو)، دعونا نترك الاتحاد الأوروبي الذي يضخ كثيرا من المال لتركيا، علينا تعزيز جيشا، وعودة استراتيجية القوة العالمية الفرنسية".
من جهته، قال زعيم حزب "انهضي يا فرنسا" (وسط) نيكولا دوبون إينيان، إن "ماكرون لا يجب أن يسمح لأردوغان أن يدوس على فرنسا مثل الممسحة، معتبراً أن تصريحاته فضيحة دبلوماسية ناجمة عن سياسة تقديم ماكرون تنازلات لتركيا".
فيما اعتبر زعيم حزب "فرنسا المتمردة" (يسار متطرف) جون لوك ميلانشون أن هجوم أردوغان ضد الرئيس الفرنسي يظهر طبيعته الفظة كالعادة باستخدام الإيذاء البدني أو اللفظي، موضحاً أن "حلف الناتو قد أصبح ميتاً للغاية؛ لأن أردوغان عضو فيه".
كما وصف موقع "ميديا بارت" الفرنسي التراشق بين الرئيسين الفرنسي والتركي بأنه حرب أعصاب بين أردوغان وماكرون حول الناتو قبل أيام من قمة مرتقبة تأتي في وقت حرج وسط الخروقات التركية والتعثر البريطاني في "بريكسيت"، ومن المتوقع أن تشهد اتخاذ قرارات مهمة".
بدورها، أشارت مجلة "لوبوان" الفرنسية إلى أن باريس ردت على الفور على تلك الإهانات، معتبرة أن رد الخارجية الفرنسية ليس كافياً لمعاقبة تركيا على تصريحاتها، داعياً إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات لردع أردوغان.
بدوره، اعتبر الباحث الفرنسي، المتخصص في الشأن التركي، بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، ديدييه بيليون، أنه منذ استقبال الرئيس الفرنسي ممثلي قوات سوريا الديمقراطية في الإليزيه، فإن التدهور في العلاقات بين البلدين يتعمق، مشيراً إلى تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو واصفاً ماكرون بأنه راعياً للإرهاب.
وفي يناير 2018، صرح ماكرون أمام نظيره التركي لدى زيارته الإليزيه بأن وضع حقوق الإنسان في تركيا يستبعد "أي تقدم" في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن اعتراف باريس بالإبادة الجماعية للأرمن وتخصيص يوم وطني 29 أبريل في فرنسا لذكرى مذبحة الأرمن على يد الدولة العثمانية.