بوابة الحركات الاسلامية : الجهاد من أجل القيصر.. التحالف «الألماني- العثماني» لتجييش المسلمين ضد بريطانيا (طباعة)
الجهاد من أجل القيصر.. التحالف «الألماني- العثماني» لتجييش المسلمين ضد بريطانيا
آخر تحديث: الخميس 02/01/2020 02:36 م علي عبدالعال
الجهاد من أجل القيصر..
خلال أحداث الحرب العالمية الأولى، وجهت ألمانيا العاطفة الدينية للمسلمين من أجل مصالحها في الحرب، وعليه أقامت ألمانيا- بعد  تحالفها مع الدولة العثمانية- معسكرات لتدريب الجهاديين على أراضيها.

بحلول عام 1914، أدركت القوى الاستعمارية الغربية، أن الإسلام أظهر قوة في مناهضة الاستعمار ببلاد المسلمين، وأرادت بعض هذه القوى توظيف أو تحييد الإسلام، حسبما تسنى لها.

وفي خضم المواجهة المحتدمة مع «دول الوفاق» - سعت إلى تجييش العاطفة الدينية لدى المسلمين واستنهاضهم من أجل الجهاد ضد القوات البريطانية والفرنسية، في بلاد يعيش فيها أكثر من 300 مليون مُسلم.

وفي إطار مشروعها الجهادي، أقامت ألمانيا في العام 2015 معسكر الهلال halbmondlager لتدريب جهاديين بالقرب من برلين، وتحديدًا في منطقة تدعى زوسن Wünsdorf تقع شرق ألمانيا، في دلالة واضحة على «الهلال» كشعار للمسلمين.

كان الهدف من إقامة المعسكر في البداية، تجميع الأسرى المسلمين الذين كانوا يقاتلون لصالح بريطانيا وفرنسا في مستعمراتهما، وتم أسرهم من قبل الألمان؛ حيث اعتقلت القوات الألمانية، من ضمن ما اعتقلت، جنودًا مسلمين من أصول مغربية، جزائرية، هندية، سيبيرية، سنجالية وتاتارية.

قرابة 15.000 من هؤلاء الأسرى، تم وضعهم في معسكر أطلق علية «معسكر الهلال» خصص للأسرى العرب والأفارقة الذين كانوا يعملون مع الجيش البريطاني، بينما وضع الأسرى المسلمون العاملون مع الجيش الروسي في 
ومع الرغبة الألمانية في كسب ود هؤلاء وإقناعهم بتغيير ولاءاتهم، لم يكن أمام الألمان من وسيلة سوى دعوتهم إلى الجهاد كفريضة حث عليها الإسلام؛ لمحاربة الأعداء وتحرير الأراض المسلمة التي احتلت.

وخلال هذه الفترة، وما قبلها، تم إبرام عدة اتفاقيات بين ألمانيا والدولة العثمانية، فكانت ألمانيا خلالها تلعب دور الحليف لدولة الخلافة الإسلامية الذي يحترم مشاعر المسلمين، وهذه النقطة تحديدًا كانت العامل الأكثر تأثيرًا لتحديد شكل الحياة داخل معسكر الهلال.

ففي معسكر الهلال، بنى الألمان مسجدًا للصلاة من أجل الأسرى؛ لكسب تعاطفهم، وهو أول مسجد أقيم في ألمانيا «13 يوليو 1915»، كما تم تخصيص إمام، وتم دعوة علماء ومفكرين مسلمين إلى المعسكر؛ كي يخطبوا في المحتجزين الخُطب الجهادية والمواعظ الحماسية، التي تحث هؤلاء المقاتلين على الانضمام للحرب ضد الكفار من الإنجليز والفرنسيين.
وقيل وقتها: إن المسجد تم بناؤه من مال القيصر ويليام الثاني الخاص؛ كي يصلي فيه المسلمون الذين عوملوا بإحسان واهتمام كبيرين.

كما اشتمل المعسكر الذي ضم قرابة الخمسة آلاف محتجز، أغلبهم من المسلمين، مكتبةً تضم بين رفوفها نسخ من القرآن الكريم مع حرية مطلقة للقراءة وممارسة العبادات الإسلامية.
فقد استخدم معسكر الهلال على نطاق واسع كوسيلة دعائية، ولتلميع صورة ألمانيا في نفوس المسلمين، ولذا عندما أعلن السلطان العثماني - بالتنسيق مع ألمانيا - أن بريطانيا وفرنسا وروسيا أعداء للإسلام من مسجد في اسطنبول، تبعه السفير الألماني في المدينة بإعلان مماثل من على شرفة السفارة؛ حيث كان يحيط به 14 من هؤلاء الأسرى المسلمين، من المغرب والجزائر وتونس.

وقد أسس المستشرق الألماني «ماكس فرايهر فون أوبنهايم» الأب الروحي للتجربة الجهادية الألمانية، مكتبًا لإدارة المعسكر وأيضًا لينقل ما يدور بداخله إلى العالم، فكان من أبرز ما قام به هو إنتاج طابع بريدي يحمل صورة المسجد الفريد داخل المعسكر، كما طُبعت بطاقات بريدية تُظهر السجناء، وهم يشاركون في أنشطة رياضية ودينية، ويشاركون في ذبح حيوانات اللحوم الحلال.

ومن المقولات التي كانت تنقل عن أوبنهايم Oppenheim  في ذلك الوقت، قوله: «إن الإسلام سوف يكون أهم أسلحتنا على الإطلاق في الصراع ضد إنجلترا».

وهو الذي كان يروّج لشائعات، أن فرنسا تُخطط لهدم «الكعبة» ونقل «الحجر الأسود» إلى متحف اللوفر وعلى المُسلمين أن ينهضوا لحماية مُقدساتهم، ولذلك استقطبت ألمانيا في العام 1915 عددًا لا بأس به من المُسلمين إلى برلين؛ للمُساهمة في حملة إعلان الجهاد، وبحسب وثائقي «جهادٌ من أجل القيصر» - بالألمانية Dschihad für den Kaiser -  الذي عُرض على قناة ZDF الألمانية، فقد كان هناك حوالي 60 إعلامي وعالم مسلم، يعملون في «مركز الجهاد» في برلين.

وقد تولى الشيخ التونسي صالح الشريف مسؤولية النشاط الدعوي في المعسكر، كما تولى بالتعاون مع «أوبنهايم» والشيخ الخضر الحسين إصدار صحيفة «الجهاد» التي كانت توزع على المسلمين في المعسكر.

وتنقل سجلات التحقيق الخاصة بالحرب العالمية الأولى والتي نشرت، مؤخرًا، صورة عن الحياة داخل معسكر الهلال، فنجد أحد الأسرى واسمه «أحمد بن حسين» من المزارعين المغاربة، يقول: «لقد كانوا يقدمون لنا أفضل الأغذية واللحوم، بمختلف أنواعها، مع مراعاة أن لحم الخنزير لم يكن يومًا من ضمنها، وتم منح كل أسير ثلاثة أغطية وملابس جديدة وزوجًا من الأحذية، وكانوا يهتمون بصحتنا ونظافتنا، وكان يتم حلق شعورنا بشكل دوري، وكان يزور المخيم شيوخ ومندوبون عسكريون من الجانب العثماني؛ بهدف استمالتنا للتطوع والقتال لصالح الجيش العثماني والألماني بدافع الجهاد من أجل الإسلام».

بذل المسؤولون الألمان جهودًا فائقة، وخصصوا اعتمادات مالية ضخمة -على ما يبدو – للاستثمار في «الجهاد»، ونشر أفكاره في مناطق العالم الإسلامي، كما تعاون معهم الوطنيون من المسلمين والعرب على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، لكن رغم هذا الدعم المادي والمعنوي من الطرفين، فإن النتائج التي تحققت على الأرض كانت ضعيفة، ولم تسفر الأوضاع عما كان يرجى منها.

إذ انتهت الحرب في خريف 1918، بانهزام كل من ألمانيا والدولة العثمانية، وإن لم تكن أسباب الهزيمة تعود إلى هؤلاء الجنود.

لكن شكل وصول القوات الأمريكية إلى فرنسا في يوليو 1917 تحولًا هامًّا في مسار الحرب؛ لأنها ساعدت جيوش الوفاق على شن هجوم مضاد على الألمان، فتراجع هؤلاء في الوقت الذي كانت فيه جيوش الوفاق قضت على قوات العثمانيين في سوريا ومصر.

وفي البلقان، أجبرت قوات الوفاق بلغاريا على الاستسلام في سبتمبر 1918، فطلبت الدولة العثمانية الصلح في أكتوبر من نفس السنة وكذلك فعلت النمسا في بداية نوفمبر، فلم تجد ألمانيا بدًا من الاستسلام، ووقعت الهدنة في 11 نوفمبر 1918، بعد أن فشلت في مواجهة تكتل الوفاق الثلاثي بمفردها.