بوابة الحركات الاسلامية : خلافات «الزعامة» تكشف علاقة مقتل «زعيم الانتحاريين» بصفقة واشنطن (طباعة)
خلافات «الزعامة» تكشف علاقة مقتل «زعيم الانتحاريين» بصفقة واشنطن
آخر تحديث: السبت 04/01/2020 01:43 م نهلة عبدالمنعم
خلافات «الزعامة»
تعد «السرية» مظهرًا لصيقًا بالجماعات الإرهابية، بينما تلعب الخلافات والمناوشات الداخلية دور المتغير الكاشف لمجريات الأحداث المخفية عمدًا، مُعطية بذلك خيوطًا رفيعة لصورة أوضح من أوضاع قاتمة، ما ينعكس على القراءة الخاصة بمقتل «قاري سيف الله محسود» زعيم الجناح الانتحاري بحركة «طالبان باكستان» وأحد أهم قياداتها.



فمع إعلان مقتل «قاري» في نهاية ديسمبر 2019، تواترت الأنباء عن اتهامات متبادلة بين طالبان -الفرع الباكستاني- وحركة حقاني المتطرفة حول المسؤولية عن هذه التصفية الدموية، ففي تقرير إخباري لموقع «India Today» تمت الإشارة إلى رسالة صوتية أصدرها المتحدث باسم الجماعة المتشددة اتهم فيها حركة حقاني باستهداف «قاري» و3 من رفاقه في هذه العملية التي تم خلالها إطلاق نار من مجهولين في محيط مخيم جولون، بإقليم خوست شرق أفغانستان حيث كان يقيم «قاري» ورفاقه.

وإلى جانب ذلك، أشارت صحف محلية إلى أن إنهاء حياة "قاري" جاءت لضلوعه في قضية إعادة تجميع الحركة بعد تشتتها إلى أربع فرق، وهي: جماعة سوات، وجماعة محسود، وجماعة باجور، وجماعة دارا أدخيل، إذ كان يريد تجميع هذه المجموعات وإعادتها للواء واحد وفقًا للإعلام الداخلي.

خلافات داخلية متعددة الأطراف

بناء على ما سبق، يتضح وجود منظورين على الأقل في هذه القصة، يرتبط الأول بخلافات الجماعة التي تأسست رسميًا في 2007 على يد بيت الله محسود (1974-2009) مع حركة حقاني الشريك الأساسي لطالبان أفغانستان، بينما يتعلق الثاني بخلافات محتدمة بداخل الجماعة ذاتها.



ولتفتيت هذا التشابك، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في أحد تقاريرها المنشورة في 2012 أن الخلافات داخل الحركة اشتعلت من أجل السلطة وقيادة التنظيم وبدأت في 2009 بعد مقتل الزعيم المؤسس بيت الله محسود. 



وعلى إثر هذه الخلافات اضطر قائد المجموعة التالي لإقالة «فقير محمد »، الذي كان يشغل منصب نائب زعيم المجموعة لتطلعه للسلطة وخلافاته الداخلية، وهو ما صرح به فقير للشبكة البريطانية معترفًا بوجود خلافات بسيطة مع قيادة الحركة.



واللافت في هذا الأمر أن فقير كان مسؤول طالبان في منطقة باجور الواقعة بمالاكاند في مقاطعة خيبر باختونخوا بشمال غرب البلاد، وهو ما يفسر انشقاق فرع من طالبان واطلاق اسم مجموعة باجور عليه.



وقياسًا على ذلك، تفتتت الحركة من أجل الزعامة التي تعد أهم المتغيرات لدى الجماعات الإرهابية عمومًا، وفي مثال آخر ذكرت ورقة بحثية للموقع الأمريكي «Combating terrorism center» أن فقير محمد لم يعترض على شن الجيش الباكستاني ضربات مكثفة ضد فصائل طالبان في وزيرستان –المعقل المهم لطالبان- في أكتوبر 2009.



علاوة على ذلك، أصابت الحركة بعد الانفصالات لجماعات أخرى، ففي 2014 انفصلت جندالله من طالبان وانضمت تحت لواء داعش فرع ولاية خراسان.

مناوشات الحكومة الباكستانية

يقودنا ذلك نحو متغير آخر يتعلق بأقاويل تم إثارتها في الداخل بأن عزل «فقير محمد» من منصبه جاء لعلاقات تربطه مع الحكومة الباكستانية الرسمية وهو الأمر الذي نفاه حينها. 



وفي ضوء ذلك يحتمل أن تكون عملية قتل «قاري» تمت لخلافات بالداخل، ولكن الورقة البحثية للمركز الأمريكي أشارت إلى نقطة مهمة في هذا الإطار وهي أن الجبهات الداخلية لـ«طالبان» لا يمكنها التناحر بشكل قوي حتى الآن لتلقيها ضربات قوية من الجيش الباكستاني وحلف الناتو، ولذلك تتركز كل مقاومتها لصد ذلك بدلًا عن التناحر.



وأما من حيث الارتباطية بالحكومة ومدى ضلوعها في هذا الأمر، فيعول البعض على هذه الخلافات في احتمالية قيام الحكومة بهذا الأمر، وبالأخص أن هذا الاتهام يتردد دائمًا مع كل حادثة مقتل داخل طالبان باكستان.

تداعيات تمزيق «طالبان» على الصفقة الأمريكية

فيما يخص الأنباء المترددة بشأن علاقة حقاني بقتل زعيم الجبهة الانتحارية في التنظيم، فلا يجوز التحدث عن ذلك دون الإشارة لـ«طالبان» أفغانستان كشريك مهم لحقاني وعلاقة كليهما بطالبان باكستان، إذ تعد هذه العلاقة دافئة- بين طالبان الأفغانية والباكستانية- ولا يشوبها الكثير من الخلافات، وذلك لعدة لأسباب أبرزها أن الطرفين يتكونان من قبائل البشتون في أغلبهم إلى جانب وجود تنسيق كامل بينهما في جغرافيا العمليات فكل منهما مهتم بحدوده.



وفي ضوء ذلك، ينبثق سيناريو آخر يتعلق بجدية هذه الاتهامات في سياق المفاوضات الأمريكية مع طالبان أفغانستان ودور الطرف الباكستاني في تدعيم جبهة الأخيرة، وطموحات الأطراف الأخرى لتفتيت الجبهة الإرهابية المتشابكة في المنطقة، ففي يوليو 2019 أعلنت الإدارة الأمريكية تصنيف «جيش تحرير بلوشستان» أو «BLA» كمنظمة إرهابية دولية وهو معروف بعلاقاته المتينة بطالبان أفغانستان، وكان ذلك بالتوازي مع اقتراب إعلان اتفاق نهائي لم يكتمل بين واشنطن وطالبان.


يتضح من ذلك أن هناك أطرافًا تريد تشتيت المساعدين الإرهابيين لطالبان أفغانستان سواء عن طريق تقويض الجبهات المساعدة، أو بث روح الخلافات داخل الفصيلة الواحدة وتأجيج النزاعات وهو ما يحدث كثيرًا في الفترة الأخيرة عبر تصريحات حكومية بوجود تصدع في طالبان الأفغانية.