بوابة الحركات الاسلامية : التدخل العسكري التركي.. صوره وتداعياته على المشهد الليبي (طباعة)
التدخل العسكري التركي.. صوره وتداعياته على المشهد الليبي
آخر تحديث: الخميس 09/01/2020 11:17 م عبد المجيد أبو العلا
التدخل العسكري التركي..
مع بدء الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، العملية العسكرية الأخيرة التي تستهدف السيطرة على العاصمة طرابلس، أخذت الأزمة الليبية تطورات متسارعة، ولجأت حكومة الوفاق إلى نظيرتها التركية للدعم والمساعدة في مواجهة تقدم قوات الجيش، حيث طلبت حكومة فايز السراج دعمًا وتدخلًا واسع النطاق ليغير من مسارات المعركة.
وقد تلقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الطلب، ليعزز من نفوذه داخل الأراضي الليبية وليستفيد من ذلك على عدة محاور.
ويثير طلب «الوفاق» وقرار البرلمان التركي الموافقة على نشر قوات عسكرية في ليبيا، تساؤلات حول طبيعة وحدود التعاون بين الطرفين، وكذلك حول الأدوات التي تستخدمها أنقرة في الداخل الليبي، كما يثير تساؤلات أيضًا بخصوص آثار هذا التدخل –المستمر- على الجماعات المسلحة والإرهابية في ليبيا.

أولا: صور التدخل العسكري التركي في ليبيا
1- الوجود الرسمي: فقد تقدم أردوغان للبرلمان بمذكرة لتفويضه في إرسال قوات عسكرية تركية للأراضي الليبية على غرار الحالتين السورية والعراقية، ووافق البرلمان التركي في جلسته المنعقدة في الثاني من يناير الجاري على هذا الأمر ولمدة عام قابلة للتجديد(1)، وحيث لا يعد الدعم التركي لحكومة السراج جديدًا، إلا أن التعهد بالتدخل العسكري واتخاذ إجراءات في هذا الصدد، مثل معطى جديدًا للعلاقات بين الحليفين.
ورغم أن تركيا كانت ولا تزال تمتلك عدة بدائل تتمكن من خلالها من دعم حليفها السراج دون أن تنقل قوات عسكرية للقتال هناك، فإنه يمكن القول إن «أردوغان» استغل حاجة السراج إلى هذا الدعم، حتى يحصل على موطئ قدم في ليبيا لعدة اعتبارات منها علاقته المتوترة مع مصر، ومنها حقول النفط، وكذلك مسألة غاز المتوسط. 
وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لإقامة قاعدة عسكرية تركية دائمة في ليبيا، إذا ما استتب الأمر لحكومة السراج -كما يراهن الأتراك- وذلك لما لليبيا من موقع جيوستراتيجي، أو على الأقل بقاء وجود عسكري رسمي تركي –أيًا كان عدده- على الأراضي الليبية.
2- إمدادات التسليح: تقدم الحكومة التركية دعمًا عسكريًّا لقوات السراج وميليشياتها المسلحة، عبر إرسال أسلحة ومعدات عسكرية -تركية ومستوردة- إلى هذه الميليشيات، مخترقة بذلك الحظر الأممي المفروض منذ 2011 والذي كان آخر تجديد له من قبل مجلس الأمن في يونيو 2019(2). 
ولعل تركيا بهذا الأمر تهدف إلى تحقيق ثلاثة أمور؛ الأول يتعلق بدعم قوات السراج والميليشيات في معاركها أمام قوات الجيش الوطني الليبي، أما ثاني الأهداف فيتعلق بالصناعة العسكرية التركية، وتسويق الأسلحة والمعدات التركية وتجربتها، بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية المباشرة.
وقد كانت قوات الجيش الوطني الليبي أعلنت أغسطس الماضي استهداف وتدمير طائرة إمداد عسكرية تركية ضخمة تحمل ذخائر وطائرات مسيّرة وصواريخ متعددة الأغراض (3)، كما تعد سفينة «أمازون» من أشهر الحوادث على خرق تركيا لحظر التسليح.
وتستخدم تركيا في مسألة إمدادات التسليح الطريقين البحري والجوي، كما أن إسقاط الجيش الليبي لطائرات تركية مسيرة، وتدميره مدرعات تركية الصنع دليلًا على هذا الدعم وتهريب الأسلحة بالمخالفة للقرار الأممي. 
ويبقى أن هذا الدعم لم يشكل فارقًا كبيرًا في المعارك الجارية، ولم يسهم في تحقيق تقدم للميليشيات على قوات الجيش، بل ربما يكون كل ما يسهم فيه هو تأخير وتعطيل تقدم قوات الجيش الوطني الليبي باتجاه العاصمة.
3- علاقات تركيا مع الميليشيات المسلحة: يتمتع «أردوغان» وحكومته بعلاقات قوية مع ميليشيات مسلحة تتراوح ما بين الدعم والتنسيق إلى الإمداد بالمعدات والأسلحة العسكرية. 
وعلى رأس هذه الميليشيات المجموعات التابعة لجماعة الإخوان، وكتائب مصراتة، فضلًا عن العلاقات الوثيقة مع قادة الجماعة الليبية المقاتلة، وكتيبة النواصي، ولواء الحلبوصي، وميليشيات أسامة الجويلي، وقوة الردع والتدخل المشتركة محور أبو سليم، وميليشيات فجر ليبيا، وغيرها من الميليشيات التي تقاتل ضد قوات الجيش الوطني الليبي بدعم تركي وقطري(4).
وتستهدف تركيا من علاقتها مع هذه الكتائب والميليشيات الحرب بالوكالة، إذ تدعم حكومة «أردوغان» الميليشيات المسلحة لتحقيق أهدافها، فهي من جهة تسعى إلى أن تكون أحد الفاعلين السياسيين في الأزمة، ومن جهة أخرى تحاول قدر الإمكان البعد عن تحمل الخسائر البشرية للمعارك.
4- إعادة توظيف المقاتلين السوريين: فلا يعتبر التوظيف التركي للميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية النشطة بسوريا في ليبيا جديدًا، وربما كل ما يختلف الآن هو التوسع في هذا التدفق، بجانب الوجود العسكري التركي النظامي المتوقع.
ففي يونيو 2019 عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه من تدفق الإرهابيين إلى ليبيا من إدلب السورية، وذلك على ضوء تقارير ومعلومات كانت قد تحدثت عن نقل الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة، عبدالكريم بلحاج، عبر شركة «الأجنحة الليبية» لعناصر إرهابية مسلحة من إدلب إلى ليبيا. 
وأشارت عدة تقارير غربية إلى عمل حكومة الوفاق على استجلاب ما تبقى من إرهابيين في سوريا عبر تركيا، كما أكدت لجنة الدفاع والأمن القومي، بمجلس النواب بطبرق، مايو 2019، وصول إرهابيين تابعين لجبهة النصرة من إدلب السورية ينتمون للقتال إلى جانب قوات الوفاق، بجهود تركية(5).
وبدأت تركيا منذ 25 ديسمبر 2019 في تسيير رحلات يومية ليلية من إسطنبول إلى ليبيا بمعدل رحلتين إلى أربع، تابعة لشركات طيران ليبية هي (الأفريقية – الأجنحة الليبية – البراق) في اتجاه طرابلس ومصراتة لنقل عناصر مسلحة وإرهابية من تلك التي كانت تقاتل الجيش العربي السوري إلى حيث تدعم حكومة الوفاق وتعوض خسائرها البشرية وتقاتل الجيش الوطنى الليبي(6).
وفي هذا السياق كانت أنباء تحدثت عن عقد اجتماعات بين عدد من كبار الضبّاط الأتراك اجتماعات مع ضبّاط تابعين لرئاسة أركان حكومة الوفاق في طرابلس، تلتها اجتماعات بين ضبّاط من المخابرات التركية وقياديين من أبرز الفصائل المسلّحة الموالية لتركيا في الشمال السوري(7).
وتعد غالبية هذه العناصر من القومية التركمانية وأفراد من الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، وقد اختاروا الذهاب للقتال في ليبيا مقابل وعود بمرتبات شهرية مجزية، وخدمات الإعاشة والسَكن التي ستقدّمها لهم حكومة الوفاق في طرابلس، بالإضافة إلى منحهم الجنسية التركية(8).
وتشير تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن 300 من المرتزقة وصلوا بالفعل إلى الأراضي الليبية فيما وصل 1600 مرتزق إلى المعسكرات التركية لتلقي التدريبات والتجهيز للسفر، وهؤلاء المقاتلون من فصائل «السلطان مراد» و«سليمان شاه» و«لواء المعتصم». وهو ما يعد جريمة طبقا للقانون الدولي الذي يمنع تجنيد المرتزقة واستخدامهم في القيام بأعمال مسلحة أو إرهابية(9)، وذلك في ضوء الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم.
ويحقق هذا الأمر لتركيا هدفين، الأول يتمثل في حل مشكلة تدفق هذه العناصر المسلحة لتركيا إذا ما نجح الجيش العربي السوري في إكمال سيطرته على أراضي الشمال، ما يخلق عبئًا على الداخل التركي، وثاني الأهداف هو دعم حكومة السراج وتحقيق نفوذ تركي أكبر في ليبيا.

ثانيًا: تداعيات التدخل التركي على الميليشيات المسلحة في ليبيا
1- تحويل ليبيا إلى بؤرة إرهابية: تكمن خطورة نقل مسلحين إلى ليبيا في استقرار هؤلاء الإرهابيين هناك، وإقامة منطقة تجمع لهم على الأراضي الليبية، لتمثل ليبيا ما كانت تمثله سوريا قاعدة تمركز وانطلاق للجماعات الإرهابية. 
وفي هذه الحالة فإن هذه البؤرة ستهدد دول شمال أفريقيا وعلى رأسها مصر، إذ ستصبح الدولة الليبية نقطة انطلاق لعناصر إرهابية إلى داخل الأراضي المصرية عبر الصحراء الغربية، ويمثل النموذج السوري والأفغاني من قبله ما يدلل على خطورة نقل عناصر مسلحة وإقامة مناطق تجمع لها في دولة أخرى.
2- فتح الباب أمام تنظيمات إرهابية جديدة: ارتباطًا بالنقطة السابقة فإن نقل الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا يمكن أن يحمل معه نقل تنظيمات وليس أفراد، إذ قد تشكل هذه المجموعات تشكيلات جديدة في ليبيا استغلالاً لحالة السيولة الأمنية ولحالة العسكرة وتعدد الميليشيات الموجودة، وهو نمط شائع، إذ ستكون الخيارات أمام هؤلاء المسلحين إما الانضمام إلى جماعات موجودة بالفعل، أو تشكيل جماعات إرهابية جديدة، أو تشكيل أفرع لجماعات كانت فاعلة في سوريا.
3- تحول ليبيا إلى بيئة جاذبة للمرتزقة: في سياق نقل الحكومة التركية للمقاتلين من سوريا إلى ليبيا، ومع استمرار حالة القتال، فقد لا يقتصر الأمر على المقاتلين من سوريا فقط، بل ربما يطمح مسلحون من جنسيات مختلفة عربية وغربية إلى الاستفادة من الإغراءات التي تقدمها حكومتا "أردوغان" والسراج إلى المرتزقة للقتال في صفوفهم في ليبيا. 
وفي ظل وجود شركة "سدات" الأمنية التركية وشركة الطيران التابعة لبلحاج وغيرها من الشركات، ومع العوامل الجاذبة لانتقال المسلحين، فإن كل ذلك قد يدفع مقاتلين من جنسيات مختلفة سواء من داخل سوريا أو خارجها إلى السعي نحو الانتقال للقتال في ليبيا، لتصبح الأخيرة مركزًا للمرتزقة.
4- ميليشيات برعاية حكومية: يهدف التدخل التركي -الرسمي وغير الرسمي- إلى تمكين قوات حكومة الوفاق من صد تقدم قوات الجيش الوطني الليبي، ويعني هذا ضمن ما يعني استمرار سيطرة حكومة السراج على العاصمة الليبية، واستمرار الاعتماد على الميليشيات المسلحة، وزيادة نفوذها، إذ من المعروف أن السراج يعتمد على عدد من الميليشيات سبق ذكرها. 
وبالتالي فإن استمرار سيطرة السراج على مناطق نفوذه أو التوسع فيها يجعل هذه المناطق تحت سيطرة الميليشيات المسلحة دون أطر مؤسسية ونظامية، أو على أقل تقدير سوف يضفي الشرعية وغض الطرف عن عمل هذه الميليشيات.
5- زيادة خطورة وفعالية الميليشيات المسلحة: كما ذكرنا فإن أحد اشكال التدخل العسكري التركي هو عبر إمداد الميليشيات بالأسلحة والمعدات، وهو ما يزيد من درجة نشاطها وفعاليتها، ويمدد بقاءها. 
وهذا الأمر يدخل تحت ما يسمى بتمويل وإمداد جماعات إرهابية مسلحة بالسلاح والمعدات، في محاولة تركية لدعم بقاء وأنشطة هذه الجماعات، وتمددها. 
هذا بالإضافة إلى تدريب وتأهيل هذه الميليشيات عبر قادة القوات العسكرية التركية التي ستوجد في ليبيا، أو عبر الخبراء العسكريين الأتراك الموجودين بالفعل(10)، ويمكن القول إن الدعم التسليحي التركي للميليشيات كان من ضمن العوامل التي أسهمت في بقاء هذه الميليشيات.
6- عودة الإخوان إلى الساحة السياسية بشمال أفريقيا: يهدف التدخل العسكري التركي ضمن ما يهدف إلى دعم حكومة الوفاق، المحسوبة على جماعة الإخوان(11)، وتحاول تركيا أن تحافظ على وجود للمشروع الإخواني في شمال أفريقيا، خاصة بعد تراجعه في تونس والجزائر ومصر. فيمكن في تلك الحالة أن تصبح ليبيا تحت رئاسة الوفاق، مرتكزًا للإخوان في الإقليم ونقطة لإعادة الانطلاق بعد خسارة نفوذهم السياسي.

خاتمة:
يبدو واضحًا وجليًا أن تركيا تسعى لتحقيق وجود في شمال أفريقيا، وأن ليبيا هي الموقع المثالي الآن لهذا الوجود لعدة عوامل بعضها يتعلق بإمكانات ليبيا وموقعها ومواردها من جهة، وبعضها يتعلق بالميزة النسبية التي تراها الحكومة التركية لنفسها هناك، ومدى قدرتها على تحقيق وجود في ليبيا مقارنة بأماكن أخرى. 
وفي سبيل ذلك فإن من الواضح أن الرئيس التركى لا يتعامل مع فائز السراج كحليف عادي، بل يتعامل مع حكومة "الوفاق" على أنها فرصته الوحيدة حتى لا يلاقي ذات المصير الذي لاقاه في سوريا، وبالتالي فهي معركة مصير بالنسبة لأردوغان لحسم مسألة النفوذ والوجود التركي في ليبيا وشمال أفريقيا، وهو بذلك لا يكتفي بأشكال الدعم الاقتصادي والسياسي المختلفة، بل يستخدم عدة أشكال من الدعم العسكري تتراوح ما بين الدعم والحرب بالوكالة والحرب المباشرة.
وهذا الدعم والتدخل لا يؤثر فقط على الأزمة السياسية الليبية، بل يلقي بظلاله على انتشار ودرجة قوة التنظيمات الإرهابية المسلحة في ليبيا وشمال أفريقيا، وتبقى هذه الآثار والتداعيات مرتبطة بمدى تغلغل التدخل التركي العسكري والصور التي سيركز عليها هذا التدخل، ومدى نجاحه، وموقف الأطراف الأخرى لمحاولة منع ذلك، أو الحد من آثاره.

الهوامش:
(1) البرلمان التركي يقرّ بالأغلبية مذكرة إرسال قوات تركية إلى ليبيا، روسيا اليوم، 2 يناير 2020، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us.com/sHoE
(2) عبد الهادي ربيع، بعد طوفان الكرامة.. كيف دعمت تركيا الإرهاب في طرابلس؟، العين الإخبارية، 31 مايو 2019، متاح على الرابط التالي: https://al-ain.com/article/dignity-turkey-terrorism-tripoli
(3) خالد محمود، استهداف إمدادات تركية للسراج، الشرق الأوسط، 7 أغسطس 2019، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us.com/S30Ra5
(4) لطفى سالمان، تعرف على أبرز الميليشيات الموجودة في ليبيا، الوطن، 7 أبريل 2019، متاح على الرابط التالي: https://www.elwatannews.com/news/details/4102368
(5) بوتين يعرب عن مخاوفه من تدفق الميليشيات الإرهابية على ليبيا من إدلب السورية عبر تركيا، سكاي نيوز عربية (يوتيوب)، 5 يوليو 2019، متاح على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=0tqCgfGuk6E
(6) محمد منصور، الخيارات التركية والمصرية في ليبيا.. حرب إقليمية على الأبواب؟، الميادين، 30 ديسمبر 2019، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us.com/15WwPUa
(7) المصدر السابق
(8) المصدر السابق
(9) المرصد السوري لحقوق الانسان: تركيا جندت 1600 مرتزق تمهيدًا لإرسالهم إلى ليبيا، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 4 يناير 2020، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us.com/7mWIL
(10) حسن الورفلي، قائد عسكري ليبي لـ "الاتحاد": خبراء أتراك يدربون الميليشيات في طرابلس، الاتحاد، 1 يونيو 2019، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us.com/QKxBTmN
(11) Leela JACINTO, Between Ankara and Athens, the eastern Mediterranean is simmering with tensions, france24, 02/01/2020, Available at:  https://www.france24.com/en/20200102-between-ankara-athens-eastern-mediterranean-simmering-with-tensions-turkey-greece