بوابة الحركات الاسلامية : فرنسا ودول الساحل الإفريقي وقمة "بو" لمكافحة الإرهاب (طباعة)
فرنسا ودول الساحل الإفريقي وقمة "بو" لمكافحة الإرهاب
آخر تحديث: الثلاثاء 14/01/2020 12:56 ص حسام الحداد
فرنسا ودول الساحل
منذ هجوم إيناتيس في النيجر وهو الأكثر دموية الذي يستهدف جيشاً في منطقة الساحل، وقع صادم على دول المنطقة وعلاقاتها مع فرنسا إلى حد التشكيك في استراتيجية مكافحة التنظيمات الجهادية التي تزداد هجماتها جرأةً.
حيث نفّذ مئات الجهاديين الثلاثاء 12 ديسمبر 2019، هجوماً استمرّ ساعات عدة على معسكر إيناتس في غرب النيجر، قرب الحدود مع مالي ما أسفر عن 71 قتيلاً وعدد من المفقودين وتسبب بنكسة غير مسبوقة للجيش النيجري.
 ولم يتوقف سفك الدماء في المنطقة التي باتت منذ 2012 ساحة لنشاط العديد من المجموعات الجهادية التي ترتبط بتنظيمي القاعدة "داعش"، وعشية عيد الميلاد، قتل سبعة عسكريين و35 مدنيا في هجوم في أربيندا ببوركينا فاسو تلاه الهجوم في شينيغودار على الحدود بين مالي والنيجر الذي قتل فيه 89 جنديا نيجريا.
وتبدو قوات القوة المشتركة لدول الساحل الخمس التي شكّلت عام 2017 عاجزة أمام تصاعد قوة هذه الهجمات. وضاعفت فرنسا هجماتها المضادة لكن النتائج العسكرية ليست كافية، بحسب الإليزيه، وحسب الأمم المتحدة، قتل أكثر من أربعة آلاف شخص في هجمات إرهابية في 2019 في بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وزاد عدد النازحين عشرة أضعاف ليبلغ نحو مليون.
من أجل كل ذلك اتّفقت فرنسا ودول الساحل الخمس الاثنين 13 يناير 2020، على تعزيز التعاون العسكري لمكافحة التمرد الجهادي الذي يهدد المنطقة، وفق ما أعلن قادة الدول عقب قمة عقدت في بو في جنوب غرب فرنسا.
وأعربت دول الساحل عن أملها بأن تواصل الولايات المتحدة "دعمها بالغ الأهمية" لمكافحة المتطرفين الإسلاميين وذلك بعدما أكد جنرال أميركي بارز الاثنين أن البنتاغون يدرس إمكانية تخفيض عديد قواته في إفريقيا.
ويأتي هذا الاجتماع بعد الإعلان عن تكبّد جيش النيجر أفدح خسائره حتى الآن على إثر هجوم ارهابي استهدف الخميس الماضي معسكر شينيغودار بالقرب من مالي أسفر عن مقتل 89 جنديا بحسب حصيلة جديدة أعلنت الأحد.
ومارس الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون ضغوطا شديدة على قادة خمس دول في غرب إفريقيا لاحتواء انتقادات داخلية لتنامي مشاعر العداء لفرنسا في تلك الدول حيث تنتشر قوات فرنسية للمساعدة في مكافحة تنظيمات إسلامية متشددة.
وقالت مصادر إن الضغوط التي سيمارسها ماكرون تهدف لدفع قادة تلك الدول ليعبروا عن استنكارهم للمشاعر المعادية لفرنسا في دولهم بشأن الطريقة التي تتعامل بها باريس مع تمرد إسلاميين متشددين وإلا فإنهم يخاطرون بأن تسحب فرنسا قواتها من المنطقة.
واستدعى ماكرون قادة كل من مالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر وموريتانيا إلى بلدة بو الواقعة في جنوب غرب فرنسا لمناقشة المعركة ضد المتمردين في منطقة الساحل الأفريقي وهي منطقة قاحلة جنوب الصحراء الكبرى.
ولفرنسا وهي القوة الاستعمارية السابقة نحو 4500 جندي في مالي وفي منطقة الساحل الأكثر اتساعا، لكن الأمن يتدهور في المنطقة بشكل مطرد.
وعزز المتشددون المرتبطون بتنظيمي القاعدة و"داعش" موطئ أقدامهم في المنطقة مما تسبب في جعل أجزاء كبيرة من الأراضي خارج سيطرة الحكومات وأشعل العنف العرقي خاصة في مالي وبوركينا فاسو.
وتزداد خيبة أمل ماكرون وحكومته بعد انتقادات في فرنسا للسماح بغرق القوات الفرنسية في مستنقع الصراع ومواجهة عداء متنام في غرب أفريقيا نتيجة الفشل في تحقيق الاستقرار.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي لراديو 'فرانس إنفو' يوم السبت "في الأسابيع القليلة الماضية نما سياق معين يذهب إلى أن وجود فرنسا لم يعد مرغوبا فيه ومن أجل ذلك نحن نريد توضيحا".
وقال ماكرون في ديسمبر 2019 إنه يريد من القادة الأفارقة أن يوضحوا ما إذا كانوا يريدون "وجودنا" ويحتاجون إليه، مضيفا "لا يمكن أن أُبقي على قوات فرنسية على الأرض في الساحل بينما هناك التباس من قبل السلطات بشأن التحركات المناوئة لفرنسا والتصريحات التي تصدر أحيانا عن سياسيين ووزراء".
وكانت القوات الفرنسية قد اعتبرت بطلة في عام 2013 عندما ساعد تدخلها في وقف اندفاع المتشددين صوب العاصمة المالية باماكو.
وتشن فرنسا منذ سنوات عملية عسكرية أطلقت عليها سام 'عملية سرفال' في مالي من أجل المساعدة في مكافحة تنظيمات متشددة بدأت بالاندفاع نحو وسط البلاد.
وكان قد دعي ماكرون الرؤساء الخمسة بشكل مفاجئ إلى بو مطلع ديسمبر 2019، بعدما شعر بالاستياء من الانتقادات العلنية للرأي العام في هذه الدول لوجود نحو 4500 عسكري من قوة برخان الفرنسية في المنطقة وتصريحات لبعض وزرائهم اعتبرت مبهمة.
وعند إطلاقه هذه الدعوة المفاجئة التي اعتبرها رؤساء الدول الخمس "استدعاء"، حذر ماكرون من أنه سيضع كافة الخيارات الممكنة على الطاولة من ضمنها خيار انسحاب قوة برخان أو خفض عدد المشاركين فيها، لكنه أرجأ هذه القمة بعد الهجوم الدموي على معسكر إيناتس في النيجر الذي قتل فيه 71 شخصا وكان الأكثر دموية منذ 2015.
وتريد باريس من قمة بو الحصول على إعلان مشترك من قبل الرؤساء الخمسة، يؤكد أن فرنسا تعمل في دولهم بطلب منهم بهدف "إضفاء الشرعية مجددا" على وجودها في المنطقة، وفق ما يوضح الإليزيه المستاء من "الخطاب المناهض لفرنسا".
وقال الرئيس المالي إبراهيم أبوبكر كيتا مطلع يناير إن "هذا اللقاء سيكون حاسما لأنه سيسمح في أن توضع على الطاولة كل القضايا والمطالب والحلول".
وعلاوة على شقها السياسي يمكن أن تكون قمة بو فرصة لإعادة صياغة الاستراتيجية العسكرية ضد الجهاديين في تلك المنطقة الشاسعة التي تعادل مساحة أوروبا ودعوة الحلفاء الدوليين والأوروبيين خصوصا إلى زيادة مشاركتهم.
وتعمل فرنسا على إنشاء عملية جديدة تحت اسم "تاكوبا" تضم قوات خاصة من نحو عشر دول أوروبية، فيما تأمل أن تقنع قمة بو الأوروبيين المترددين في الانضمام إليها، فهؤلاء مؤيدون لضرورة مكافحة الجهاديين في تلك المنطقة، لكنهم قلقون من تعرض باريس لانتقادات دون تحقيق مكسب سياسي من هذا التدخل.
ويعدّ تردد الأميركيين الذين لا يمكن الاستغناء عن دعمهم العسكري في المنطقة، مصدر قلق آخر لفرنسا، وفق ما يوضح الإليزيه.