بوابة الحركات الاسلامية : الأزمة الليبية.. ومؤتمر برلين (طباعة)
الأزمة الليبية.. ومؤتمر برلين
آخر تحديث: الإثنين 20/01/2020 12:59 م حسام الحداد
الأزمة الليبية..
اعلن قادة ابرز الدول المعنية بالنزاع في ليبيا التزامهم باحترام حظر ارسال الاسلحة الذي فرضته الامم المتحدة العام 2011، ووقف أي تدخل خارجي في هذا النزاع خلال مؤتمر برلين.
ووافقت 11 دولةً مشاركة في هذا المؤتمر الذي عقد برعاية الأمم المتحدة، بينها روسيا وتركيا، على أن لا "حل عسكريا" للنزاع الذي يمزق ليبيا منذ نحو 10 سنوات، وفق ما أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ختام المحادثات.
وقد دخلت الأطراف الليبية المتنازعة "مؤتمر برلين" لإيجاد حلٍ سياسيّ في كثير من الخلافات، وقليلٍ من التوافق حول سُبل الحل الممكنة لتلك الأزمة الممتدة منذ سنوات في هذا البلد الغنيّ بالنفط، الواقع جنوب المتوسط في الشمال الأفريقي.
وحسب مراقبين، فإن خيارات التوصل إلى "حل شامل"، رغم حضور أغلب الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة "تبقى قليلة"، لا سيما مع وجود مصالح متضاربة ومتعارضة "بالكلية" تعكسها الأطراف الدولية والمحلية الحاضرة، رغم إعلان الجميع "التمسُّك بالحل السياسي مخرجاً وحيداً للأزمة، ورفض الخيار العسكري"، إذ تعكس المُعطيات على الأرض واقع تعقيد الأزمة بخلاف ما تُظهره المؤتمرات واللقاءات الدولية في الغرف الدبلوماسية.
ووفق تعبير مسؤول مصري رفيع المستوى، ومطلّع بشكل مباشر على مجريات الأزمة الليبية منذ سنوات، فإن ما يعقّد الحل في ليبيا "تجاوز ولاءات الأطراف المحلية لما فوق الدولة الوطنية، بحثاً عن تدعيم مواقفهم المحلية في مجابهة الطرف الآخر".
المسؤول المصري، قال في حديثٍ مُقتضب مع "اندبندنت عربية"، "الجميعُ يعلن تمسّكه ودعمه الحل السياسي مخرجاً للأزمة، ورغم ذلك يتواصل الدعم المباشر وغير المباشر من أغلب الأطراف لصناعة الولاءات في الداخل الليبي، متجاوزة في ذلك مصالح الليبيين ذاتهم في ضرورة الاستقرار"، مستنكراً ما وصفه بـ"التدخل الأجنبي في الأزمة" على حساب الدور العربي.
ورغم استبعاد توصّل أو اتفاق الأطراف الدولية إلى "حل شامل على المدى المنظور للأزمة الليبية"، يذكر المصدر، أن "تطورات الوقائع على الأرض والرسائل المتضاربة من الأطراف الدولية والإقليمية، فضلاً عن عدم جدية المسعى في فرض حل سياسي يؤخّر بالضرورة الوصول إلى حل سياسي على المدى المنظور".
ودخل وقف لإطلاق النار بين طرفي النزاع حيز التنفيذ في 12 يناير 2020، لكنه لا يزال هشاً.
وسيجري تنظيم لقاءات بين القادة العسكريين من طرفي النزاع لضمان احترام فعال ودائم لوقف العمليات القتالية، وستوجه دعوة "خلال الأيام المقبلة" في هذا الصدد، وفق ما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
من جهته، اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان طرفي النزاع في ليبيا لم ينجحا في بدء "حوار جدي" خلال المؤتمر.
وصرح لافروف للصحافيين في مطار برلين "كان المؤتمر مفيدا جدا. لكن من الواضح اننا لم ننجح حتى الان في اطلاق حوار جدي ودائم" بين السراج والمشير حفتر.
وقال "لقد خطت الأطراف الليبية خطوة صغيرة إلى الأمام مقارنة بما حدث خلال اجتماعات موسكو "الاثنين الماضي عندما رفض حفتر التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، قائلًا إنه بحاجة إلى مزيد من الوقت.
وكما حدث في موسكو، لم يجتمع السراج وحفتر في العاصمة الألمانية.
وشارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المؤتمر إلى جانب قادة آخرين من البلدان المعنية بالنزاع الليبي.
ونقلت وكالة أنباء الإمارات عن وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان قوله الأحد إن الإمارات تدعم تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا على أساس عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وأشاد الوزير أيضا بألمانيا لاستضافتها قمة برلين.
ودعا الأمين العام طرفي النزاع إلى تشكيل "لجنة عسكرية" مؤلفة من عشرة مسؤولين عسكريين، خمسة من كل طرف، من أجل تعزيز وقف إطلاق النار.
ووافق المجتمعون كذلك على "احترام" تام لحظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا، و"سيخضع هذا الحظر لرقابة أقوى من ذي قبل"، وفق ما أوضحت ميركل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع غوتيريش ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة.
وقال جوتيريش من جهته "لقد شهدنا تصعيداً في النزاع وصل في الأيام الأخيرة إلى مستويات خطيرة"، مشيراً إلى "خطر تصعيد إقليمي فعلي".
وتناول المؤتمر كذلك التدخل الخارجي من أكثر من دولة أجنبية بشكل مباشر أو غير مباشر في النزاع.
وقال جوتيريش ان "جميع المشاركين التزموا عدم التدخل بعد اليوم في النزاع المسلح او في الشؤون الداخلية لليبيا"، علما بان تركيا تساند حكومة فائز السراج في طرابلس عسكريا ويشتبه بان روسيا تدعم المشير خليفة حفتر.
ومنذ تجدد المعارك بين طرفي النزاع في ليبيا في ابريل 2019، قتل أكثر من 280 مدنياً وألفا مقاتل، بحسب الأمم المتحدة، ونزح أكثر من 170 ألف شخص.
واتخذت الأزمة الليبية، منحى متصاعداً منذ أواخر نوفمبر 2019، بعد أن وقّعت تركيا وحكومة الوفاق (مقرها طرابلس، وتعترف بها الأمم المتحدة) اتفاقين، يتعلق الأول بترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، بينما يتناول الثاني التعاون العسكري والأمني. وتلا ذلك إعلانٌ جديدٌ من خليفة حفتر قائد الجيش الليبي في الشرق، "ساعة الصفر" للسيطرة على العاصمة طرابلس.
ومع قرار أنقرة، المثير الجدل، إرسال قوات عسكرية لدعم حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، سلَّطت الأضواء على التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية، لا سيما مع حصول قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، على دعم من أطراف إقليمية ودولية، أبرزها مصر والإمارات وفرنسا.
وحسبما ذكر سلامة، الذي أعرب عن "تفاؤله الحَذر" بشأن نتائج مؤتمر برلين، فإن "القوى الدولية تدعم منظمات محلية بالمرتزقة والتمويل العسكري المباشر ما خلق حلقة مفرغة من الاقتتال"، معتبراً، أن "طموحات الأطراف الخارجية جلبت مزيداً من الانقسام".
ووفقا لما نقلته عنه هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن "الحل السياسي للنزاع هو الأفضل لجميع الأطراف، لأن ليبيا بتضاريسها المترامية الأطراف والهُويات المحلية القوية والسكان الشديدي التسليح، والحكومة ذات البنية التحتية الضعيفة تجعل جهة واحدة غير قادرة على السيطرة على الأوضاع".
وفي إطار التقليل المُسبق من النتائج المرجوة من مؤتمر برلين بشأن الأزمة في ليبيا، أقرّ وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، حسبما نقلت عنه صحيفة "بيلد" الألمانية اليوم الأحد، فإن المؤتمر "يمكن أن يكون خطوة أولى من أجل السلام في ليبيا".
ونقلت وكالة (رويترز) عن مسؤول أميركي، وصفته بأنه "بارز في وزارة الخارجية الأميركية" مساء السبت، قوله إن "الأمر بات يتعلق بنزاعٍ إقليميّ يتسع ويصبح أكثر شبهاً بسوريا، وهذا هو سبب تعبئة الأسرة الدولية".
وكان لافتاً حدة التباين والتخوّف المُسبق من نتائج "مؤتمر برلين"، استباق السراج المؤتمر بدعوته إلى نشر "قوة حماية دولية" في ليبيا، في حال استأنف الجيش الوطني الليبي الأعمال القتالية.
وقال السراج، في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية، "إذا لم ينهِ حفتر هجومه، سيتعين على المجتمع الدولي التدخل عبر قوة دولية لحماية السكّان المدنيين الليبيين".
وأضاف، "سنرحب بقوة حماية، ليس لأنه يجب أن نكون محميين بصفتنا حكومة، بل من أجل حماية المدنيين".
ومنذ تفجّر الأوضاع بليبيا فشل المجتمع الدولي في إحلال السلام، على الرغم من عقد مجلس الأمن 15 اجتماعاً لمناقشة الأزمة دون التوصّل إلى اتفاق، بسبب تباين وجهات نظر الدول، وتعارض مصالحها في البلد الغني بالثروات النفطية، والذي يشكل موقعه الجغرافي أهمية استراتيجية فيما يتعلق بأمن دول الاتحاد الأوروبي التي تتخوّف من الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية إلى الدول الأوروبية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن اتساع دائرة التدخلات الخارجية وأدوار متناقضة من دول إقليمية، ومن روسيا وعددٍ من دول الاتحاد الأوروبي، أبرزها باريس وروما، وكذلك الولايات المتحدة ودول أخرى، ما زاد من تعقيد الأزمة وعرقلة التسوية بين الأطراف المتحاربة.
في الوقت الذي تتواصل فيه الرسائل المتضاربة والغامضة بشأن تطورات الأوضاع في ليبيا على الأرض، وعدم القدرة على الاتفاق على إقرار "حل سياسي" لتلك الأزمة المشتعلة منذ سنوات، زادت المخاوف الإقليمية والدولية، من تحوّل ليبيا إلى "سوريا جديدة"، لا سيما بعد إرسال أنقرة قوات عسكرية إلى طرابلس.
ووفق ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، فإن "ليبيا باتت الآن على حافة أن تنضم إلى سوريا مكاناً للنزاع الدولي"، في إشارة إلى وجود قوات تركية على الأرض دعماً لحكومة الوفاق، فضلاً عن توارد تقارير وأنباء عن انضمام مرتزقة روس إلى صفوف قوات الجيش الليبي بقيادة حفتر.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن تعقّد الأوضاع في ليبيا جاء بعد أن "فشلت واشنطن" في ممارسة ضغوط على أطراف الأزمة المتنازعين على الأرض، وكذلك الدول الإقليمية والدولية، إثر رسائلها "المتضاربة والغامضة".
بدوره يرى عماد الدين بادي الباحث في معهد الشرق الأوسط، أن "التقاعس الأميركي والأوروبي فتح الباب أمام تعدد الأقطاب في ليبيا، مع قيام كل من أنقرة وموسكو معاً بملء الفراغ الذي خلّفته الولايات المتحدة وأوروبا"، معتبراً أن "ثمة حاجة بلا شك إلى التقاء حقيقي لمصالح الفرقاء الخارجيين في ليبيا من أجل إرساء السلام".
وذكر بادي، أن "غياب التماسك بين الموقفين الأميركي والأوروبي والتباعد بين الطرفين يجعلان التوصل إلى تسوية للمأزق الليبي في المدى البعيد أمراً صعب المنال".
وفيما تدعم باريس حفتر، معوّلة، وفق مراقبين، على "توازن القوى على الأرض وحقائقه"، إذ يسيطر على نحو "80% من الأراضي الليبية"، يتضارب الموقف الإيطالي الأكثر ميولاً إلى دعم حكومة الوفاق، إلا أنه لم تلبث أن ترسل رسائل دعم إلى المشير القوي في شرق البلاد.
وظهر جلياً اضطراب الموقف الإيطالي في الأيام الأخيرة، بعد أن وقع رئيس وزرائها جوزيبي كونتي، في موقف حرج إثر رفض السراج لقاءه الأربعاء الماضي، بعدما اكتشف أن خصمه حفتر تلقّى دعوة أيضاً إلى روما.
وقبل أيام أيضاً، وجد وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو نفسه وحيداً خلال اجتماع مع نظرائه من فرنسا ومصر واليونان وقبرص في رفض التوقيع على البيان الختامي للاجتماع بشأن ليبيا، لأنه شعر أنه منحازٌ لصالح حفتر.