بوابة الحركات الاسلامية : المشاريع الثقافية بوابة قطر لاختراق السودان (طباعة)
المشاريع الثقافية بوابة قطر لاختراق السودان
آخر تحديث: الخميس 26/03/2020 12:16 م حسام الحداد
المشاريع الثقافية
مع تحرك السلطة الانتقالية في السودان لتفكيك ارتباطات الرئيس المعزول عمر البشير بقطر وجماعات الإسلام السياسي، بدأت الدوحة تبحث عن منافذ أخرى بعيدة نسبيا عن الشبهة للعودة للساحة السودانية وإعادة تفعيل مشروع تمكين الإخوان، محاولة القفز على بعض الحواجز والمطبات التي وضعتها قوى الحرية والتغيير أمام فلول النظام السابق.
ولم يكن خافيا حجم الارتباط الوثيق بين النظام السوداني السابق وقطر والذي تعزز على أكثر من مستوى كان أكثرها عقود سخية لإسناد البشير في مواجهة أزمات كثيرة.
وتسعى الدوحة لاستثمار شبكة العلاقات التي نسجتها في عهد الرئيس السوداني المعزول للحفاظ على حضورها السياسي الذي تقلص بشكل كبير مع كل خطوة تتخذها السلطة الانتقالية في الخرطوم لإزالة تمكين الحركة الإسلامية.
وحسب تقارير اخبارية متداولة، قد التفتت بالفعل إلى المشروعات الثقافية التي دشنتها في عهد البشير ومازالت مستمرة حتى الآن، بما يساعدها على استرداد جزء من البريق السياسي المفقود، فهذه الحيلة بدأت تحتل مكانة في تحركاتها المتباينة حيال السودان.
ووجدت قطر ضالتها في الآثار السودانية التي تولت مهمة تطويرها واستغلت الأمر في إرسال بعثات مختلفة بذريعة ترميمها وهي مدخل يبدو بعيدا نسبيا عن شبهة التوظيف السياسي ومساعي التمكين للإسلاميين.
وفي خضم هذا التحرك برزت عدة اتهامات للشركات القطرية بتهريب قطع أثرية سودانية إلى متحف قطر الوطني الذي افتتح منذ عام في الدوحة.
وحسب ميدل ايست اون لاين تحركت الدوحة في منتصف الشهر الحالي لتنشيط عمل البعثات الأثرية من جديد حيث زار الرئيس التنفيذي لمتاحف قطر السيدأحمد النملة السودان على رأس وفد رفيع بعد أن بلغ عددها أكثر من 40 بعثة بما لا يتناسب مع إمكانيات الدوحة الحقيقية أو ما يملكه السودان من آثار لها قيمة نوعية في التاريخ الإنساني.
وكانت وكالة الأنباء القطرية أيضا قد تحدثت في الفترة الأخيرة عن قرب توصل الدوحة لاكتشافات جديدة، ما يعني استمرارها في العمل، في إشارة إلى أن المهمة واعدة ويمكن أن تستغرق سنوات كي يتاح وضع السودان في مقدمة خريطة الآثار في العالم.
وبعد أن خسرت الدوحة ورقة الجمعيات التي وظفتها ضمن أدوار خبيثة لاختراق السودان باتت تنظر للمشروعات الثقافية كبديل لتلك الجمعيات التي يتهمها كثير من السودانيين بدعم الإرهاب ونشر التطرف.
وذكرت صحيفة العرب اللندنية نقلا عن مصادر سودانية أن قطر خصصت 135 مليون دولار في العام 2008 لتطوير الآثار السودانية، لكنها لم تبدأ في المشروع بشكل فعلي سوى بعد حوالي خمسة أعوام لتضاعف حضورها بعد ذلك بشكل كبير من خلال توقيع اتفاقيات جديدة لترميم الآثار.
وإلى جانب ذلك انخرطت أيضا في مشاريع ثقافية وإعلامية متعددة، وهي الساحة التي كانت مهيأة للاستثمار والمفتوحة على عدة مجالات لتشكل بذلك مسارا آخر يبدو بعيدا عن لفت الانتباه إلا أنه كان في النهاية سندا لأجندتها السياسية.
وعلى ضوء التطورات التي شهدها السودان في العام الماضي بداية بانهيار نظام البشير وتشكل خارطة سياسية جديدة مع اتفاق تقاسم السلطة وصولا إلى تصدع المشروع الاخواني وما ترتب عنه من تقلص نفوذ قطر، تحركت الأخيرة خلال العام الحالي لاستعادة حضورها في الساحة السودانية من بوابة المشاريع الثقافية القديمة المتجددة.
ووصل عدد البعثات القطرية إلى نحو 40 بعثة بعد أن كانت 28 بعثة تعمل في مواقع مختلفة. وتركز غالبيتها على ترميم أهرامات السودان التي صاحبتها ضجة مفتعلة وحاولت الدوحة جني مكاسب ثقافية من ورائها، مراهنة على تحويلها إلى ثمار سياسية.
ولإبعاد الشبهة عن تلك المشروعات عزفت الدوحة على الوتر الوطني وعمق الحضارة السودانية واستحضار مقارنة بين الحضارة المصرية في محاولة للاستقطاب وقعت فيه شريحة من المجتمع السوداني وكان ابرز ملامح حيلة الاستقطاب أن نشبت في تلك الفترة ملاسنات بين مواطنين مصريين وسودانيين عمقت الجراح السياسية وهو أمر عملت الدوحة على تأجيجه.
وبحسب المصادر ذاتها استغلت قطر وجود قيادات محسوبة على تنظيم الإخوان في الهيئات السياحية والأثرية بالسودان، نجحت في تمهيد الطريق لإعادة تفعيل تلك المشروعات في الوقت الحالي.
ووظفت قطر أيضا الوعود المالية السخية لتسريع وتيرة العمل في بعض المناطق التي أشارت إلى أنها واعدة في الاكتشافات الأثرية ولعل ذلك كان على رأس أهداف زيارة رئيس متاحف قطر للخرطوم قبل أيام.
وركزت الدوحة على قطاع الآثار والسياحة الذي يعج بفلول محسوبة على النظام السابق ولأنه أيضا قطاع سهل الاختراق ولا يشكل في ظاهره خطرا سياسيا مباشرا على السلطة الانتقالية ولا يلقى كذلك اهتماما كبيرا من الرافضين لدور قطر المشبوه.
وتشير المصادر السودانية إلى أن الدوحة في سباق ضد الساعة للالتفاف على الغضب الشعبي ضدها عقب ظهور تقارير إعلامية محلية تحدثت عن تحول المشروع القطري السوداني إلى ما يشبه محاولة التنقيب عن الآثار من دون أن تكون هناك اتفاقات تجعل عمل البعثة القطرية يسري بشكل رسمي في هذا الاتجاه.
وسلطت تلكم التقارير الضوء على انحراف المشروع عن الأهداف المعلنة التي تتمثل في تهيئة المنطقة المحيطة بأهرامات السودان من أجل تحويلها لمكان جاذب للسياحة العالمية وتقديم الاستشارات العلمية للمركز القومي للآثار وتأهيل المتحف السوداني القومي وتحويله إلى مشروع لإجراء حفريات اختبارية لاكتشاف ميزات جديدة في هذه المنطقة.
وللسودان أهرامات في مدينة مروي وهي مدينة قديمة على الضفة الشرقية لنهر النيل وتبعد بحوالي 200 كيلومتر شمال شرق الخرطوم ويوجد بها نحو 200 هرم.
وبعد سقوط البشير برزت العديد من قضايا الفساد المرتبطة بالنظام السابق ومنها قضايا تتعلق ببيع الرئيس المعزول للعديد من الآثار السودانية الفريدة لقطر تحت غطاء ما يعرف بـ"المشروع القطري لتنمية الآثار السودانية ".
وأرسلت الدوحة في فبراير/شباط بعثة فرنسية تابعة لها لإجراء دراسات على بعض الآثار التاريخية في جزيرة 'صاى' شمال السودان والتي تعود إلى ألفي عام ويجرى الإعداد الآن لنقلها إلى قطر بشكل نهائي.
بعض القوى السياسية في السودان انتبهت لتلك الحيل التي تقوم بها الدوحة وحاولت أيضا لفت انتباه الحكومة التي يبدو أن رحلت هذا الملف إلى اجل غير مسمى خشية أن يفضي ذلك إلى مشكلات دقيقة وقد يكشف عن الطرق الملتوية التي نهبت بها الدوحة أجزاء من تراث السودان.
وترى هبة البشبيشي، أستاذة العلوم السياسية بمركز الدراسات الأفريقية بالقاهرة أن الدوحة تسعى لتعويض بعض خسائرها التي مُنيت بها في أكثر من دولة خلال الفترة الماضية وعلى رأسها السودان وتريد استثمار الروابط الناعمة مع السلطة الانتقالية التي لم تحسم تدخلها نهائيا في ملفات ثقافية ورياضية وخيرية عديدة.
 وأضافت أن السلطة الانتقالية في السودان لا تمانع من إبداء ترحيب في المجال الاستثماري بحجة رغبتها الملحة في الخروج من المأزق الاقتصادي الذي تواجهه الخرطوم.
وتابعت أن "الروابط الوثيقة بين الدوحة وتنظيم الإخوان وتغلغل أذرع الأخير في مناحي مختلفة يدعم استمرار حضورها من خلال الكثير من القنوات ولعبت قيادات في التنظيم على وتر الدور الذي تقوم به قطر في دعم البلاد بأشكال متفرقة وهو ما ساعد الدوحة على أن تكون سخية في عطائها الاقتصادي والتركيز على توصيله مباشرة لفئة كبيرة من الشباب، أملا في استقطابهم وتحويلهم إلى مبشرين بها".
وقد ركزت الدوحة على استقطاب الشباب في السودان بأن أطلقت العديد من المبادرات لصالح هذه الفئة ومنها تعهدات بتقديم وتسهيل وتمويل مليوني شاب سوداني من خلال مؤسسات بنكية وخيرية.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن قطر وظفّت الفراغ الذي عانى منه السودان في فترة النظام السابق للاستثمار في مجالات لا تحظى بتركيز الحكومات لكنها مؤثرة في الوجدان العام.
وأشار إلى أنها وجدت في المجال السياحي والثقافي فرصة مناسبة لتحقيق عوائد جيدة، لأن نظام البشير لم يول اهتماما كافيا بتطوير المعالم الأثرية التي أضحت مهملة ولا تتمتع بشهرة دولية كبيرة.
وتابع أن قطر تسعى جاهدة للفوز بعدد من المشروعات التي لها علاقة بأدوات القوة الناعمة في السودان، محاولة الاستفادة من انفتاح الحكومة الانتقالية على الخارج من دون قيود أو محاذير وتعمل على تمديد حضورها في الملفات التي لم تكن مفعّلة من قبل.
وتبحث الدوحة من خلال تلك المشروعات عن علاقات خلفية مع السلطة الانتقالية أو من سيعقبها بعد الانتخابات ضمن تحرك يهدف إلى لاستعادة حضورها السياسي في السودان.