بوابة الحركات الاسلامية : السمات الشخصية التقريبية للإرهابي (طباعة)
السمات الشخصية التقريبية للإرهابي
آخر تحديث: الثلاثاء 09/06/2020 10:59 م حسام الحداد
السمات الشخصية التقريبية
الأكاديمية اللبنانية والمحللة النفسية رندا نبوت شليطا في دراستها التي شاركت بها ضمن أبحاث كتاب المسبار “علم نفس الإرهاب: الأفراد والجماعات الإرهابية”، والذي يتناول العديد من القضايا المهمة التي تسمح لنا بفهم ظاهرة الإرهاب بأدوات التحليل النفسي، لا سيما في المنطقة العربية. شارك في الكتاب باحثون متخصصون سعوا إلى تقديم تحليلات نفسية في دراسة الظاهرة الإرهابية بكل تشعباتها وتعقيداتها. حاولت الدراسات تغطية “سيكولوجيا الإرهاب” عبر درس مجموعة من المحاور الرئيسة: “سيكولوجية الجماعة الإرهابية ودوافع الأفراد للانضمام إليها”؛ “سيكولوجية الإرهاب: نظرية الإحباط – العدوانية والغضب النرجسي”؛ “الانتحاريون و”الذئاب المتوحدة” أَهُم شخصيات سيكوباتية؟”؛ “العوامل النفسية والاجتماعية المعززة للتطرف لدى الشباب”؛ “السمات الشخصية التقريبية للإرهابي”؛ “إرهاب الجماعات المسلحة من منظور التحليل النفسي”؛ “عقل الإرهابي: مراجعة المناهج السيكولوجية ونقدها”؛ و”الإدارة النفسية لمحاربة الإرهاب: تدابير التحليل التبادلي”.
ترى رندا نبوت شليطا أن ذهنية المنافسة (أو التسابق) التي وُجِدت دائماً قبل العولمة، قد تفاقمت من بداية هذا القرن، بحيث إن الشعور بالإخفاق يقض مضاجعنا، وسرعان ما يتحول إلى شعور بالحقد، الحقد ضد الذات في المقام الأول، ومن ثم ضد الآخرين، أولئك الذين هم ببساطة مختلفون عنا. الذي يقول: منافسةً، يقول أيضاً: استبعاداً. وإذا كان قرننا هو قرن التسابق، فإنه وبالفعل نفسه، هو قرن الاستبعاد. لأنه، وفي كل شيء، يجب رؤية الوجه الآخر للقطعة النقدية. هناك الرفاه الذي نوفره للسيّاح في جزر الأحلام تلك، لكن هناك أيضاً، وأحياناً على بعد أمتار، البؤس الذي يذيب القلوب. وفي كل الأحوال، فإن الشعور بالاستبعاد، الذي سنعود إليه، يُعد شعوراً مؤسِساً للإرهاب. وإذا كان الإرهاب الحالي يُقيم تحت راية بعينها، فإنه الآن وحصراً تحت راية الإسلام، النسخة المتزمتة، والتي تتوافق مع سمة النزعة الإسلامية السياسية. وتحيلنا هذه التسمية إلى: إسلام أصولي أو جذري (راديكالي)، أو سلفي أو تمامي… كما لو أن كل شكل ونوع من الإرهاب قد تبخر، ولم يبق إلا هذا. وإذا كان موضوع بحثنا يتعلق بالإرهاب الحالي، ذائع الصيّت، فإننا وجدنا من المستحسن التخفيف من حدة الكلام، بهذا المعنى، الإرهاب الحالي المتحدر من الأصولية الإسلامية، ليس إلا شكلاً واحداً من الإرهاب المعاصر. وعِظم شقائنا آتٍ تحديداً، من واقع أن الإرهاب ليس مسلماً أو يهودياً أو مسيحياً فحسب، وليس أمريكياً أو روسياً فقط. الإرهاب بشري، وهذا هو لب المشكلة. إن من يقوم بالتعذيب يمكن أن يكون رجلاً عادياً، أو شبيهاً به، في وسعه ارتكاب أفعال بربرية من دون ندم أو أدنى شعور بالذنب، وهذا كله من دون أن يستطيع، كما نؤكد دائماً في حديثنا عن الساديّة، الحصول على أي لذة ساديّة أو غيرها من ممارسة هذه الأفعال. على هذا النحو، يمكن للسيد أو السيدة العاديين، أن يرتكبا أعمال عنف، وتبرير الأمر بأيديولوجيا دينية أو سياسية، إلى ذلك، من دون أي أساس منطقي. ولا يوجد أفضل من أيديولوجيا (ما) تستخدم كحاجز واق للاختباء خلفها والتسبب بكل شرور العالم. في كل محاكمات الديكتاتوريين (المستبدين)، وضباط الحرب أو الجلادين، ينتشر الكلام عن الأيديولوجيات. فباسمها يشارك الموظف الصغير البسيط في الجرائم الفظيعة، وينجح في الخروج سالماً معافى، متحللاً من كل مسؤولية. إذ تمنعنا الأيديولوجيا من رؤية الوقائع، بحيث إن مجرد وضع فكرة أو حكم مسبق موضع المساءلة، يُضحي خطراً على الجموع المُشبعة بالعقيدة. وهكذا، فإن غرس العقيدة الهادف إلى إلغاء صيغ الفكر والحُكم والتفكير، هو تمهيد للفعل الإرهابي، لأنه أفضل وسيلة لجعل الشر شيئاً عادياً. وهذا ما سردته على نحو رائع المنظِّرة والفيلسوفة الألمانية حنه أرندت (Hannah Arendt) في وصفها موقف أيخمان (Eichmann) خلال محاكمته، فتقول: “كان على الأغلب مسروراً، ومن دون أن يدرك غياب التماسك (عنده) من أي نوع… لقد حافظ لحين ساعة موته على هذه الموهبة في التعزي بالشعارات”. وإذا ما اختبأ أيخمان خلف الأيديولوجيا، فلأن هذه الأخيرة وفرت له أجنحة لكي يطير بعيداً من الشرط الإنساني. هذه القدرة على البقاء مصدوداً (من الصد Bloqué) تماماً في مشاعره قد سُجِلت عند عدد من الذُهانيين (Psycopathes) الذين، وبعد فترة من ارتكاب جريمة لا تعليل لها، لم يتوصلوا إلى إبداء أدنى علامة تعاطف، ولا أي أثر صغير من الندم بإزاء ضحاياهم. وهكذا، فإن الخطر على الكائن الإنساني أن ينفصل كلية عن الواقع الموجود، وهذه المخاطرة مستمرة في الوجود. فبما أن الروح الإنسانية صعب غورها، فإن انعدام خطر الوحش الذي يمكن أن يستيقظ في داخل كل منا غير موجود. وبناء على هذا القول، يمكننا متابعة البحث الذي سيدور حول محاور ثلاثة: ما قيل عن الإرهاب، أو قليل من الأدبيات حول الإرهاب، السمة الشخصية التقريبية للإرهابي كما تظهر في التسويق المعاصر (Marketing Moderne)، وسنحاول لاحقاً عرض الجذور العميقة للإرهاب في مرآة علم النفس. نرى إذاً أن الطريق الذي يقود المراهق إلى الجريمة طويل. فالانتقال إلى المراهقة صعب أحياناً بالتأكيد، لكن ليس في وسع أي مراهق أن يصبح قاتلاً، إرهابياً أو مجرِماً. فحين تجتمع عند المراهق شروط الانتقال إلى الفعل الذهاني يكون عرضة للانتقال إلى الفعل الجُرمي. يُقدم ماليفال مفتاحين للوقاية: العمل على تشكيل حدود الخشية ولا سيّما الجمال عند هؤلاء الأشخاص. ونحن نعلم أن الفترة -حيث يمكن لهذه الحدود أن تتشكل- تقع في فترة الكمون، فترة الكمون الجنسي الواقع تقريباً بين عمر (6) و(12) سنة. وهكذا، فلا يمكننا الكلام عن سمة تقريبية واحدة للإرهابي، وإذا ما أظهرنا كيف تعمل غالبية المُجندين، وما هي وجوه ضعفهم الوجودي والنفسي، فلأن ذلك يتيح لنا أن نفهم بشكل أفضل بأي سهولة يمكن للمُجنِّدين أن يعثروا عليهم ويجذبوهم من زوايا الأرض الأربع.