بوابة الحركات الاسلامية : الدكتور وائل صالح في حوار خاص سقوط أردوغان وتميم يقضي على حركات الإسلام السياسي (طباعة)
الدكتور وائل صالح في حوار خاص سقوط أردوغان وتميم يقضي على حركات الإسلام السياسي
آخر تحديث: الأربعاء 17/06/2020 08:22 ص روبير الفارس
الدكتور وائل صالح
يمثل الدكتور وائل صالح تجربة ثرية للباحث الأكاديمي المتميز في فهم ودراسة حركات الإسلام السياسي، حصل على الماجستير في العلوم السياسية التطبيقية عام 2011 بتقدير امتياز من جامعة شيربروك بكندا، ثم الدكتوراه في العلوم الإنسانية التطبيقية (تخصص دقيق: علوم سياسية ودراسات إسلامية) عام 2016 بمرتبة الشرف الأولى من جامعة مونتريال بكندا، وتم تسجيل اسمه في لائحة شرف رئيس الجامعة عام 2017. 
الدكتور وائل صالح
عمل كباحث ما بعد دكتوراه بمعهد الدراسات الدينية (IÉR) وبمركز الدراسات الدولية (CÉRIUM) بجامعة مونتريال بكندا عام 2018، ثم عُين مدرس مشارك بمعهد الدراسات الدولية بجامعة كيبك في مونتريال عام ٢٠١٩ ليتخصص فيه في المجالات التالية: الجغرافيا السياسية للإسلام وللإسلاموية، تاريخ الأفكار في العالم العربي ومناهج البحث العلمي العابرة لحدود التخصصات. 
 يعمل أيضًا باحثًا مشاركًا بكرسي "راؤول دنديرون" للدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية بجامعة كيبك بمدينة مونتريال كندا، ومديرًا لوحدة التحديات المعرفية والمنهجية في دراسات التطرف باسم الاسلام لدى البرنامج الجامعي لدراسة الاسلام في أوروبا، مدينة ليون فرنسا.(PLURIEL)
شارك  في تأسيس معهد دراسات ما بعد الربيع (IEPPA)  ويعمل مديرًا له،  هذا المعهد يتبنى مدخلاً نقديًا تفكيكيًا متعددَ التخصصات والنظريات والنماذج المعرفية، ويطمح لتطبيق المعايير العلمية الدقيقة لفهم أفضل للعالم العربي، متفاديًا قدر الإمكان الزوايا أو النقاط العمياء في دراسة العالم العربي المعاصر، هذا المعهد البحثي يهدف أيضًا إلى تفادى أبحاثه المشكلتين الرئيسيتين اللتين تواجهان الباحث المتخصص في شئون العالم العربي والإسلامي، وهما "الإمبريالية العلمية" (بمعني وجود تفسير واحد للظاهرة محل البحث تنفى التفاسير الأخرى)  و"النسبية المتطرّفة" (التي تقيل كل التفسيرات بغض النظر عن مدى علمية وجدية المنهج المستخدم).
صدر له العديد من الكتب باللغة الفرنسية من بينها: "في البحث عن حداثة في الاسلام: طرق معاصرة" عام 2018، "الاسلام السياسي في زمن ما بعد الربيع العربي: هل دخلنا عصر موت الإسلاموية" عام 2017 ، "مفهوم الدولة في الفكر المصري الحديث والمعاصر: ما بين التواصل والتغير والقطيعة" عام 2017 وصدر له العديد من المقالات والفصول في كتب لآخرين حول موضوعات تتصل بمفاهيم كالهوية والانتماء و حرية الاعتقاد والدولة والإسلام والإسلاموية في العالم العربي المعاصر. له دراسات أيضًا في مواضيع تتصل بالتطرف وتأثير الربيع العربي وما بعده علي الصورة الذهنية الجمعية عن الدولة الديمقراطية والإسلام السياسي في المجتمع العربي.
موضوع رسالته لنيل الماجيستير التي تمت مناقشتها في أواخر عام 2010 كانت بعنوان:ـ "اتخاذ القرار السياسي عند جماعة الاخوان المسلمين: الأيدلوجية أم الانتهازية." والتي أوضح فيها من خلال دراسته لأول انقلاب قام به الإخوان المسلمين عام 1948 في اليمن ضد الإمام يحيي، فسلوكهم على أرض الواقع لا علاقة له بـأي إطار أخلاقي ينظرون له في كتبهم وخطابهم. أهم ما توصلت إليه تلك الرسالة هي ما أسماه: متلازمة الإخوان المسلمين أي مجموعة من العلامات والأعراض والظواهر المرتبطة مع بعضها تلازم وتنتج عن أي تدخل سياسي من طرفهم. ملامح تلك المتلازمة: 1. التوسل بالدين للوصول لمآربهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية . 2. يزداد الوضع سوء عما قبل تدخلهم. اليمن أكثر انغلاقا والمجتمع تمزق. 3. الرابح الوحيد من تدخلهم تكون فقط قوى دولية وإقليمية.  4. تسويغ وممارسة العنف. قتل الإمام يحيي وحفيديه ووزيره الأول.  5. انقسام المجتمع دينيًا وضرب مفهوم المواطنة.  6. يتورط في التدخل أشخاص من جنسيات مختلفة وبأدوار مشبوهة مترابطة ومعقدة. 7. صعوبة كتابة تاريخ تدخلهم حيث لا يتوقفون عن إدخال الباحث والمراقب في دوامة الإنكار فالاعتراف فالإنكار فالاعتراف فالتبرير فالتزوير الكلي فإضفاء القداسة على كل تدخل لهم في أي شأن. 8. تشتت الجماعة وضربها بقوة من الخارج  وتفتتها أو انقسامها مرحليا من الداخل لتعيش محنة لعدة سنوات.
موضوع الدكتوراه كان بعنوان "مفهوم الدولة الفكر المصري الحديث ( 2010-1805) والمعاصر ( 2011-2015): الاستمرارية والتطور والقطيعة في تفسير علاقة الديني بالسياسي". مفهوم الدولة تم قياسه في تلك الرسالة من خلال ثلاثة عناصر محددة وهي:  مفهوم الفضاء العام، مصادر شرعية السلطة السياسية، مصادر التشريع. للمقارنة بين الفكر المصري الحديث (2010-1805) والمعاصر (2011-2015) قام بتحليل خطاب عدد 22 من الفاعلين الثقافيين والمفكرين المصريين المعاصرين من كل الاتجاهات الفكرية والتي صدرت لهم كتب ومقالات حول مفهوم الدولة في الفترة ما بين 2011 و 2015 وذلك من أجل الوقوف على: ما هو ثابت لم يتغير في مفهوم الدولة، ما الذي تطور  في  هذا المفهوم، وما الذي مثل قطيعة مع الفكر المصري الحديث الذي قسمته إلي ثلاثة تيارت رئيسية وهي: "الإسلاموية الشمولية الحركية" و"الإنسانوية المسلمة" و أخيرًا "الإصلاحية المسلمة". كل هذه الأبحاث العلمية والدراسات دفعتنا لإجراء هذا  الحوار  القيم الشامل مع الدكتور وائل صالح.
في البداية..
كيف تجد انتشار جماعة الإخوان المسلمين في كندا وهل تدرك الحكومة الكندية خطورة هذه الجماعة؟
بداية تتميز النخب المسلمة السُنيّة في كندا بتعدد مرجعياتها أو أشكال التدين الرئيسة فيها؛ ويمكن الإشارة إلى ثلاث: الإصلاحية، الإسلاموية، الليبرالية الإنسانوية. وكل شكل من أشكال التدين تلك يقدم أنموذجًا نظريًا، فلسفيًا، سياسيًا، دينيًا وأخلاقيًا مختلفًا إلي الكندايين ذي الإيمان والثقافة المسلمة. وحال التوتر بين هذه التيارات الثلاثة التي تعيش عليها وتغذيها جماعة الإخوان قد ساهم بلا جدال في توليد الكثير من التحديات (الاندماج، التعددية الدينية، العيش معا، التطرف والعنف باسم الإسلام، رهاب الإسلام… إلخ)، التي يواجهها الكندايون اليوم، معتنقو الإيمان والثقافة الإسلامية. 
أستطيع أن أقول إن الإسلاموية ليست هي التيار الذي يمثل غالبية المسلمين هنا في كندا ولكن هو التيار الأكثر تنظيمًا والأكثر ظهورا في وسائل الإعلام الكنداية وفي النقاشات حول المسلمين في ذلك البلد. يستهدف الإخوان من ذلك أولاً و بالطبع تحقيق لمصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ثانياً لتعمل كجماعة ضغط لصالح التنظيم الدولي وأهدافه الجيوسياسية. ثالثاً شيطنة الأنظمة العربية. ورابعاً تجييش مواطني الدول العربية ضد دولهم الوطنية.  
أظن أن بعض الجهات الحكومية في كندا تدرك خطورة الجماعة ولكن في بلد يمثل فيه المسلمون نحو (3.6%) من مجموع سكان كندا وفي ظل وجود مراقبة حثيثة للمساجد للتعامل الفوري مع أي خطاب يحض على العنف فأغلبية متخذي القرار لا يرى خطورة ملحة وآنية، خصوصا بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا وتشديد الرقابة علي سفر الشباب الذي له تاريخ في التطرف إلي تركيا. 
عام 2015 كان عامًا مصيريًا في محاربة التطرف باسم الإسلام فلقد شهد هجومين استهدفا جنودًا في مدينة سان جان سور ريشليو من مقاطعة كيبيك شرقي كندا، وفي برلمان العاصمة الاتحادية أوتاوا. الهجومان نفذهما شابان اعتنقا أفكارًا متشددة، بفارق يومين في 20 و22 أكتوبر/تشرين الأول. في نفس العام بدأت السلطات الكنداية توقف الكندايين اللذين يبثون مواد دعائية لصالح تنظيم الدولة الإسلامية ويحرضون على القتل باسم الجهاد، فاعتقلت السلطات على سبيل المثال  عثمان إياد حمدان في مقاطعة كولومبيا البريطانية أقصى غربي البلاد. في نفس العام تم إنشاء "مركز الوقاية من التطرف الذي يقود إلى العنف" في مدينة مونتريال.  في تلك السنة تحديدا لاحظت رغبة من السلطات الكنداية لتحجيم الإخوان المسلمين في كندا والتدقيق في مصدر أموال الجمعيات التابعة لهم مثل  ISNA و MAC. 
 
في رأيك ماهي الطريقة الأمثل لاكتشاف الدول الغربية لحقيقة حركات الإسلام السياسي؟
الأجهزة المعنية في الدول تعرف بالطبع حقيقية حركات الإسلام السياسي، ولكن البعض منها يستغل وجودها لتحقيق أهدافه الجيو استراتيجية والبعض الآخر يصمت لأن الأمر لا يعنيه أو كانه يقول لنفسه دعهم يتقاتلون فيما بينهم بدلاً من أن ينشغلوا بالتعمير والتنمية. المشكلة الكبيرة في القطاع العريض من الفاعلين في الحياة السياسية والثقافية المتعاطف مع تلك الجماعات وخصوصًا جماعة الإخوان. هذا التعاطف مؤسس منذ عقود على أفكار خاطئة عن جماعة الإخوان ولكنها أصبحت من مسلمات في اللاوعي الجمعي لهؤلاء. علي سبيل المثال هناك من يعتبرها الشكل الإسلامي للاهوت التحرير، وآخر يعتبرها تيارًا ذو بُعد ما بعد حداثي، وآخر يعتقد أن فصل الدين عن الدولة هو خصوصية مسيحية بينما المزج بينهما بالطريقة التي ينادي بها الإخوان هي من خصوصية وهوية الإسلام ، وآخر يجزم بأن جماعة الإخوان هي الإسلام أو هي التيار الغالب في الإسلام، وآخر  يؤكد أنها جماعة يمكن لها أن تتوافق مع القيم الأساسية للعيش المشترك، وآخر ينظر لاعتبار العنف التي تمارسه الإسلاموية ليس بسبب الأيديولوجية ولكن لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية فقط، وآخر لا يد شك في أن الإسلاموية هي عملية ستؤدي حتمًا الي تطور الإخوان إلي تيار ما بعد إسلاموي ، وآخر  يزعم أن جماعة الإخوان يمكن لها أن تسلك نفس الطريق الذي سلكته الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا، وآخر لديه يقين لا يتزعزع في أن الإخوان هي رد فعل هويات مشروعات المستعمر السابق في المجال الثقافي، وآخر يعتبر أن تحليل النصوص التأسيسية لفهم ممارسات ومخيلة الإسلاميين هو نوع من الاختزال لحقيقتهم.
كل تلك المقولات التي يعتمد عليها المتعاطفون مع الإسلاموية من باحثين في الأكاديمية الغربية هي مقولات غير صحيحة وغير مبنية علي قراءة منضبطة منهجيًا ومعرفيًا للإسلاموية. ومما لا شك فيه أن تلك المقولات المغلوطة والتي تحولت بمرور الوقت إلى لا مفكر فيه تصب في صالح الإسلام السياسي لأنها تدفع تلقائيًا ليس فقط نحو قبول حركات الإسلام السياسي ولكن للتعاون معها والزود عنها في الأكاديميات الغربية.  
هناك جهد يجب بذله لمجابهة الإسلامويين إبستمولجيا وهي المجابهة المصيرية والأكثر نجاعة لإفهام حقيقة حركات الإسلام للفاعلين في المجال السياسي والثقافي  في الغرب. أسعى للمساهمة في ذلك بسلسلة مقالات ومداخلات في القريب العاجل. 
يبقي بعد ذلك أن أهم الطريقة الأمثل يتوجب الإصرار عليه في عملية كشف حقيقة حركات الإسلام السياسي للمجتمع الغربي  هو إيضاح أن الإرهابي ليس هو فقط من يقوم بتسهيل أو بتنفيذ عمل إرهابي وهو استخدام العنف من قبل شخص أو أكثر ليس مخول له استخدامه (لأنه عمل من أعمال الدولة والقاصر عليها فقط) من أجل أو بالادعاء أنه من أجل قضية سياسية أو عرقية أو دينية من أجل إرهاب من استخدم ضده مباشرة أو المجتمع الذي يعيش فيه أو أجهزة الدولة الذي وقع في نطاقها الفعل أو مجموعة الدول المتحالفة معها أو الإقليم أو العالم أجمع، الإرهابي هو من نظر وشرعن لذلك الفعل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأنشأ أو انضم أو شارك في قيادة الجماعات والخلايا القابلة للاستخدام العنف لنشر أفكارها أو فرضها في الحال أو لاحقا. الإرهابي هو من يبرر للفعل الإرهابي مرجعًا إياه لأسباب اقتصادية أو سياسية أو لأمور تتصل بحقوق الانسان أو الديمقراطية. الإرهابي هو من يقدم التغطية الإعلامية أو التحليلات التي تحقق أهداف العمل الإرهابي قبل أو بعد وقوعه أو تعفى أو تهون من مسؤولية الايدلوجية في العمل الإرهابي أو من مسئولية مرتكب الفعل الإرهابي. هذا هو التعريف المبدئي للإرهاب الذي يتوجب علينا الإصرار عليه. 

 في كتابك الأخير الإسلام السياسي بعد الربيع العربي توصلت إلى نتيجة موت هذه الحركات، ماهي الدلائل التي أدت إلى هذه النتيجة؟

الدلائل التي أكدت لنا ما توصلنا اليه من زوال الإسلاموية هي أولاً التغيرات التي طرأت على التصورات الخاصة بالإسلاموية والدولة الوطنية والديمقراطية في الذهنية العربية الإسلامية بعد الربيع العربي والتي من خلالها يتضح فقدان الإسلاموية للحاضنة المجتمعية التي كانت لديهم قبل الربيع العربي. إليكم بعض تلك التغيرات: 
المؤشر الأول هو عندما ترك القائمون على الدول العربية المهمة قبل الربيع العربي الساحة فارغة للإسلام السياسي وكان الفضاء المجتمعي والديني  محتل من قبل الإسلام السياسي، أصبح الإسلام السياسي بعد الربيع العربي مكروهًا مجتمعيًا و تعتبره الدولة الوطنية العربية عدوها الأول.
الدكتور وائل صالح
نستطيع أن تقول أن شريحة كبيرة من المجتمعات العربية أدركت أخيرًا أن "الإسلاموية هي المشكلة" و بأنها لم تكن أبدا حلاً لأي مشكلة. نتذكر بعد وصولهم للحكم في مصر اختفى فجأة شعار "الإسلام هو الحل" الذي كان لا يخلو من حوائط أي شارع في مصر قبل الربيع العربي وكأنه كان شعارًا يستخدم فقط للوصول للحكم ثم يختفى. واكتشف الناس أن مشروعهم ليس إدارة الدولة بشكل أفضل لصالح المواطن ولكن مشروعهم هو تغيير ماهية الدولة وفرض فهمهم للإسلام على الجميع.  
المؤشر الثاني هو إدراك شريحة كبيرة من الناس بأن الإسلاموية ليست الإسلام، فالإسلاموية هي رؤية شمولية حركية للدين تعتقد أن هناك نموذج معد مسبقًا يجب على المسلم وإتباعه وغير مسموح له بغير ذلك. نموذج هم واضعوه في الحقيقة و لكن  يلبسونه رداء القداسة. يمكننا أن نقول إن فهمهم للإسلام في أحيان كثيرة حل محل الإسلام ذاته بشكل كامل فأصبح هو الإسلام وأصبحت باقي التفسيرات والمذاهب و التيارات و المدارس خارج الإسلام. كانت جملة القائد الإخواني صبحي في عام 2013  جد معبرة حينما قال "اللهم أمتني على الإخوان".
المؤشر الثالث هو إدراك أن كل الجماعات الإسلامية بمختلف أطيافها وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين تتشارك نفس المبادئ المؤسسة لا تعترف بالأوطان وحدودها، تخلط بين الدين والسياسية فتدنس الديني بإنزاله لمستوى السياسي وترفع من شأن السياسي بتقديسه فينتج خلطة أيدولوجية يختلط فيها الرأي والتفسير بالنص المقدس فيتداخلان ويكونان تدينًا جديدًا ينفجر إن عاجلا أم أجلا في وجه كل من لن ينضوي تحت لوائه. كل هذه الجماعات لها امتدادات عابرة للحدود، ينتج عن ذلك مشكلة الولاء، فلمن ولائهم؟ للتنظيم والجماعة بلا جدال ولكن في صورة الولاء لما يعتقدون أنه الدين. كل هذه الجماعات ترفض التنوع وتجنح للاعتقاد بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة وبالتالي فميلها للعنف مؤكد وسيظهر عاجلا أم أجلا.
 كما تبين أن كل تلك الجماعات تستخدم الدين في تحقيق مصالحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبالتالي فالتناقض في المنطق واضح وجلي والحديث المزدوج والمبتور والمخرج من سياقه هو السائد. هذه الجماعات مؤسسة من داخلها على السمع والطاعة وبنائها هرمي عسكري. السؤال الأن، هل من الممكن أن حكمت دولة إحدى تلك الجماعات أن تحقق ديمقراطية أو أن تحفظ سلمًا اجتماعيًا أو تبني دولة مواطنة؟ هل من الممكن أن حكمت دولة إحدى تلك الجماعات أن يؤدي ذلك الي مجتمع دامج لكل طوائفه، عادل، آمن؟
أدركنا أن إيمان هذه التيارات بالديمقراطية يتمحور بشكل أساسي في العملية الديمقراطية الإجرائية، وليس في العملية الديمقراطية الجوهرية. أي أن هذه التيارات تؤمن بالديمقراطية كوسيلة تستطيع من خلالها الوصول إلى السلطة، إلا أنها لا تؤمن كثيرًا بجوهر العملية الديمقراطية، والمتمثل في احترام التعددية والسعي للعمل المشترك مع كافة الأطراف السياسية والمجتمعية، لضمان التطبيق الفعلي لجوهر مفهوم الديمقراطية، الذي يعتمد على فلسفة حكم الشعب.
المؤشر الرابع نستطيع أن نقول إن الدولة الوطنية كانت لا تحظى بالترحيب والقبول من معظم الفصائل والتيارات  السياسية والاجتماعية. الإسلاميون والإخوان ضد الدولة الوطنية لأنهم يؤمنون بأستاذية العالم. أغلب اليسار وخاصة الشيوعيين ضدها لأنهم يؤمنون بالأممية الشيوعية ولأنها ضد طبقات الشعب. أغلب الليبراليين كان ضدها لأنهم يرون أنها ضد حقوق الإنسان والديمقراطية. بعد نتائج الربيع العربي انتقلت شرائح كثيرة من تلك الفئات من الخوف من الدولة الوطنية إلى الخوف عليها من السقوط. إن الدولة الوطنية ليست بطبيعتها ضد المجتمع ولكنها المجتمع منظمًا.
 أكدت ما توصلنا إليه في الكتاب أيضا شبكة البارومتر العربي البحثية في أكبر وأوسع استطلاع للآراء في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصالح بي بي سي عربي علمي 2018 و 2019 أن الشباب العربي يدير ظهره للجمعات الإسلاموية وهذا ما كان قد أكده أيضا بشكل مباشر المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات في عام 2015 من خلال نتائج استطلاع المؤشّر العربيّ لعام 2015 الذي نفّذ في 12 بلدًا عربيًّا.
المؤشر الخامس نستطيع القول بإن الجماعة تنقسم وتتفجر تفجر من الداخل. ومنذ حصول هذا الانقسام وكل كتلة تندد مرارا بالكتلة الأخرى باعتبارها غير شرعية وتصرّح أن كبار مسؤوليها لم يعودوا من "الإخوان"، حتى أنه بات لكل كتلة ناطق رسمي خاص وموقع إلكتروني خاص يدّعي أنه الممثل الرسمي للجماعة. أحيلك أيضا لمثال آخر يوضح هذا الانفجار من الداخل: استقالة الجلاصي (القيادي في حركة النهضة) والتي قال فيها بوضوح مسببًا تلك الاستقالة بالأمراض الاجتماعية والإدارية التي ستفجر الجماعة من داخلها - تركز الموارد والمصالح والقرار في الكبير والصغير في يد واحدة- تهميش لمؤسسات الحركة - السفه في إدارة الموارد المادية والبشرية والتجويف للهياكل – انتشار الشللية والتدخلات العائلية - هوس التنظيم السري ورهاب المؤامرة التي توظفها وتستفيد منها منظومة حوكمة، تجاوزها الزمن وليس لها من سلاح لتأبيد سيطرتها سوى التخويف من المؤامرات داخل التنظيم وفي البلاد وفي المنطقة- يفعل بعض أعضاء الجماعة أشياء فقط وفاء لرفاق وأصدقاء - وليس عن اقتناع - فقط إيفاء بدين تجاههم فهم الذين صنعوهم - تقديس القيادة والتعامل معهم كأنهم من الصحابة - استنزاف ما يسمى الرصيد الأخلاقي والقيمي والأركان التأسيسية للحركة.
المؤشر السادس هناك تغيرات حدثت أيضا أثرت سلبيا على صورة الإخوان في الإقليم وعلى المستوى الدولي فأصبحت الجماعة مضيق عليها ومشكوك فيها على المستوى الإقليمي والدولي مما أدى إلي إعلان اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا رسميًّا فك الارتباط بجماعة الإخوان، إعلان حركة حماس الانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين، إلغاء مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تبعيتها للجماعة الأم في مصر. ولا ننسي في هذا الإطار تقرير "جنكيز- فار" الذي أعدته لجنة التحقيق في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة بقيادة السير جون جنكيز السفير البريطاني السابق لدى الرياض، وتشارلز فار رئيس جهاز مكافحة الإرهاب. هذا التقرير اعتبر الإخوان جماعة سرية عابرة للحدود لها صلات في المملكة المتحدة وداخل وخارج العالم الإسلامي، وتتضمن النصوص المؤسسة للإخوان أفكارا تتعلق بالتطهير الفردي وبقى هدفهم النهائي هو الوصول للخلافة الإسلامية. هذا التقرير أقر أن بعض قطاعات الإخوان لديها صلة غامضة بالعنف، وأن الكثيرين اعتمدوا على فكر الإخوان وتنظيمهم كمعبر للتطرف. 

أكد هذا التقرير  أيضاً بأن الجماعة ربما  تعارض الجماعات الإرهابية ولكنها لم تدين استغلال الجماعات التي تلجأ للعنف والمستندة عادة لأفكار سيد قطب، أهم رموز الإخوان الفكرية. أقر أيضًا ذلك التقرير بأن منصات الجماعة الإعلامية حتى منتصف 2014 كانت تبث بيانات تحرض عمدًا على العنف في مصر.
من كان يتصور أن يخرج ذلك التقرير من لندن عاصمة التنظيم الدولي للإخوان. على المستوى الإقليمي لأول مرة نجد تحالف استراتيجي بين أربع دول بأهمية مصر والسعودية والإمارات يضع في القلب من هذا التحالف القضاء على الإسلاموية كطريق وحيد يضمن الحياة للدولة الوطنية العربية. 
المؤشر السابع على موت الإسلاموية هو فشل "النموذج التركي" الذي كان يقدم على أنه النموذج الذي ينظر لإمكانية الدمج بين  الإسلاموية والديمقراطية على نحو فعال. الآن مركز ستوكهولم الحقوقي في تقريره 2019 قال: إن نحو 260 ألف سجين محتجزون في 385 سجنا مكتظا في مختلف أنحاء تركيا. وقد أدين نحو 44،930 شخصًا، يقضون فترات عقوبتهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، من بينهم 31،442 سجينًا سياسيًا متهمون بالانتماء إلى جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن. على الناحية الأخرى، فإن أعضاء داعش المعتقلين في تركيا يصل عددهم إلى 1،150 فقط، فيما يصل عدد أعضاء حزب العمال الكردستاني  نحو 9،731 معتقلا. وأضاف تقرير ستكهولم أيضاً أن هناك نحو 120 حالة وفاة وانتحار مشبوهة على الأقل، بين المعتقلين فى تركيا خلال العامين الأخيرين. فصل أكثر من 130 ألف موظفا تعسفيا من وظائفهم الحكومية. مصادرة أكثر من 3000 جامعة ومدرسة ومؤسسة تعليمية مع فصل آلاف الأكاديميين. حبس وسجن المئات من الصحفيين والعاملين بالمجال الإعلامي، حيث أصبحت تركيا أكثر دول العالم سجنًا للصحفيين والإعلاميين وفقا للعديد من التقارير الدولية. فرار عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك إلى الخارج نتيجة الحملات القمعية في البلاد. فشل النموذج التركي هذا سيساهم بلا جدال في أفول الإسلاموية.
يضاف إلي ذلك كشف تفاصيل كان الناس يعتقدون أنها نجاح خصوصًا على المستوى الاقتصادي للإسلامويين، ففي ماليزيا علي سبيل المثال اكتشفنا أنه كان لها ثمن فادح. اكتشفنا مثلاً أن الولايات المتحدة باعت ماليزيا طائرات "إف 16" بدون الشفرات الأساسية وبدون البرمجة الكاملة التي تتيح لها الانتفاع بكافة قدرات الطائرة، بما فيها القتالية. وأن الفائدة الوحيدة التي جنتها ماليزيا من طائرة "إف 16" هي استخدامها في العروض العسكرية فقط كمال مهاتير محمد بنفسه. 
كل ما سبق من مؤشرات هي بعض الأمثلة المذكورة في الكتاب من الممكن لها أن توضح لماذا نظرنا أنا وزميلي  البروفسيور "باتريس برودور" في كتابنا عن موت الإسلاموية. وهذا الموت لا يعني الاختفاء الفوري أو الاندثار التام للإسلاموية و لكن يعني أن التأثير الذي كان لديها قبل الربيع العربي لن يعود أبداً. هو نوع من الموت الإكلينيكي يجعل من الإسلاموية لا تغادر أبداً نطاق الهامش وكلما استعادت الدولة الوطنية قوتها ومكانتها ودورها كلما اضمحلت الإسلاموية لتصل إلى درجة الخروج التام من مشهد التأثير بالكامل. وهذا ربما يفسر استمرارية وجود الحواضن الفكرية والاجتماعية للإسلاموية في عدد من الدول العربية حتي الأن خصوصا التي بها نزاعات مسلحة ومقسمة طائفياً أو ملكيات تسمح للإخوان بهامش معين من المشاركة في الحكم. يجب الإشارة أخيرًا أن الوصول للنهاية التامة لهذا التيار تستلزم جهدًا صادقًا من الدولة الوطنية والمثقفين والمفكرين في حصارها أكثر فأكثر. 

 بعد ٤١ عاما من قيام الجمهورية الإسلامية أوشك نظام الملالي على السقوط وفي رأيك لماذا فشل في تصدير الثورة الإسلامية؟
يمكننا القول اليوم إن تلك التجربة فشل ذريع للإسلاموية في صيغتها الشيعية الخومينية. فشل على كل المستويات الاقتصادي والاجتماعي...ألخ. أيوجد فشل أكبر من أن أنظمة دفاعية إيرانية تطلق النيران على طائرات مدنية وقطع بحرية إيرانية تطلق على بعضها النيران. لقد سحبت الولايات المتحدة أنظمة "باتريوت" الدفاعية من المملكة العربية السعودية فيبدوا أنها لم تعد بحاجة إليها ويبدو أنها قد تمكنت من احتلال إيران إلكترونيا.  
كيف ترى دعم تركيا وقطر لحركات الاسلام السياسي وما مستقبل ذلك؟
 قد يري البعض أن دعم قطر وتركيا المادي واللوجستي لهذه الحركات يعطيها قبلة الحياة وهذا يبدو صحيحا للوهلة الأولي خصوصًا على المدى القريب والمتوسط ولكن على المدى الطويل قد يكون ذلك من أهم عوامل الأفول حيث ربطت الإخوان مصيرها بمصير النظامين الحاكمين في الدولتين وفي المقابل ربطا مستقبليهما هما أيضًا بمصير الإخوان. ففي مقابل هذا الدعم التركي على سبيل المثال هناك التأييد المطلق من الإسلاميين العرب لما يفعله الأتراك يؤكد أولاً أن "العرب المتعثمنة" اختاروا ألا يكون  لهم مكان في الدولة الوطنية ولا عند العرب. ثانياً الجميع يعرف أن تركيا مختزلة حالياً في شخص واحد، فأردوغان هو الحزب وهو الدولة هو كل شيء فإن سقط سقط معه الجميع. وتبرير تقلبات المواقف التركية من مختلف القضايا المثارة في الإقليم تضرب مصداقية الإخوان في مقتل وتقدم هدايا لخصومهم. على سبيل المثال التبريرات المضحكة للإخوان لعدم تطبيق أردوغان الشريعة إلي الآن وعدم منعه لبيوت الدعارة...ألخ. 
إليك مثال فج لهذا التناقض: تشتري الدولة التركية بقيادة أردوغان وبنقود قطر حليفي الإخوان من شركة صهر أردوغان سلجوق بيرقدار طائرات مسيّرة بدون طيّار فيقتل بها الأتراك بالأموال القطرية الليبيين والسوريين والعراقيين العرب المسلمين ويحتفل بذلك الفساد المالي الفج والقتل والتدمير في بلاد العرب الإخواني المصري. 
من جانب آخر موقف الإخوان من تركيا يؤلب عليهم المجتمعات والدول الوطنية  العربية وتركيا  أردوغان لها حدود في الحماية ، فالحوادث أثبتت أن القرار والمواقف التركية النهائية لا ثوابت إلا المصلحة. أخيرًا  ارتهان الإخوان لتركيا أشاع لديهم مواقف وتصريحات تعارض على طول الخط بما يسمى لديهم بثوابت الجماعة، فأظهرها أكثر وأكثر متعارضة مع نفسها مهللة منقسمة على نفسها فأفقده ثقة حتى الكثير ممن ينتمي إليها.  
من كل تلك الأمثلة نستنتج أن تركيا والإخوان يحرق كلا منهما الآخر على المدى الطويل. ونفس الشيء يتطبق بأمثلة أخرى مع قطر التي اضطرت في شهر رمضان لسحب مقال من على موقع  الجزيرة يقول إن هشام عشماوي لم يفعل شيئا  سوى أنه "سلك طريق المقاومة المسلحة" و أن رفاعي سرور ما هو إلا "شيخ فاضل وشخصية إسلامية بارزة"!
قطر مقاطعة من جيرانها وهناك كتب تؤلف للكشف بالوثائق والأدلة عن كيفية تغلغل الإرهاب في أوروبا عبر تنظيم الإخوان المُموّل من قبل قطر على سبيل المثال "أوراق قطرية.. كيف تُموّل الدوحة الإخوان المُسلمين في أوروبا". 
بالتأكيد من أهل قطر من يسأل لماذا دولتنا ووسائل إعلامنا التي تتدعي أنه تدافع عن الديمقراطية ليل نهار لا تدعم إنشاء ديقراطية في قطر. فقطر لمن لا يعرف لا يوجد بها أحزاب وليس فيه إي نوع من الانتخابات سوى  انتخابات البلدية التي تختص فقط بمراقبة القوانين والقرارات المتعلقة بشؤون تنظيم المباني وتخطيط الأراضي. 
قطر تخسر الكثير بسبب هذا التحالف وبطبيعة الأحوال ربما تطعن الإخوان الطعنة الأخيرة ما قبل الموت أو قد ينقلب الإخوان على الحكم في قطر فيستولوا على الحكم أو قد يستمروا في استنزاف كلا منهما للآخر حتي الهلاك معا. 

هل تتفق مع من يري أن الحركات الصوفية هي البديل المستقبلي لحركات الإسلام السياسي؟
يعتقد الكثير من الباحثين بذلك ولكن لي وجهة نظر مختلفة. أنا أظن أن المستقبل للإسلام غير الإسلاموي. بمعنى كل إسلام يعتقد بأنه لو تكلمت التجارب الحداثية الفكرية في العالم العربي في القرنين ال ١٩ و ال٢٠ لقالت للإسلاميين:  "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت". المستقبل لكل إسلام يؤمن بأننا لا يجب علينا أن نفكّر نيابة عن الناس، بل أن نعطيهم الوسائل كي يشكّلوا رؤيتهم للدين بطريقة متبصّرة . كل إسلام يعتقد بأنه لا جدوى من أي تجديد للخطاب أو للفكر الديني دون تعليم يرتكز في الأساس على الفكر النقدي. المستقبل لكل إسلام لا يدعي فيه أحد أنه الممثل الحصري (بشكل مباشر أو غير مباشر) للنسخة الصحيحة للإسلام أو يدعي فيه أنه ممثل الله في الأرض وأن من يعارضه هو الطاغوت. المستقبل للإسلام الذي لا يصادر السياسة ولا تصادره السياسة فيظل في نطاق علاقة الإنسان بربه. الإسلام الذي ينشغل فيه المسلم بعلاقته بربه وليس بعلاقة الأخر (سواء كان مسلمًا أو غير مسلم)