بوابة الحركات الاسلامية : أمريكا وحركات الإسلام السياسي (طباعة)
أمريكا وحركات الإسلام السياسي
آخر تحديث: الأحد 02/08/2020 12:24 م حسام الحداد
أمريكا وحركات الإسلام
يناقش كتاب "أمريكا وحركات الإسلام السياسي منذ سبتمبر 2011" الصادرة عن دار العربي للنشر، الدعم الأمريكي لإسرائيل، ودور الدين في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، فيما يسمى «الوعد الإلهي كأساس لشرعية العودة للأرض المقدسة».
ويتناول الكتاب بالدراسة أيضاً الحركات الإسلامية السياسية، وأبرزها حركة حماس، والعوامل التي أدت إلى ظهور وتصاعد الحركات الإسلامية السياسية في الوطن العربي في الفترة الماضية.
ويشير كذلك إلى أن الدعم الأمريكي لإسرائيل نابع من حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية، يقول: مثل بروز الهيمنة الامريكية وتفضيلها دعم النظم الديكتاتورية مقابل حماية مصالحها الاستراتيجية ومحاولات الهيمنة على مصادر الطاقة والنفط في الشرق الاوسط، فضلا عن سعيها عن الهيمنة في امور التعليم والدين مثل إشكالية محفزة لنمو حركات الاسلام السياسي.
ويأتي الكتاب في أربعة فصول؛ الإطار النظري والمفاهيمي، ومحددات السياسة الأمريكية تجاه حركات الإسلام السياسي في دول الشمال الافريقي، وأبعاد وآليات موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حركات الاسلام السياسي في دول الشمال الأفريقي، وتقييم موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حركات الإسلام السياسي في دول الشمال الافريقي.
والكتاب للدكتور أيمن محمود السيسي، من مواليد قطاع غزة – فلسطين. يعمل أستاذ جامعي من 2008: حتى الآن، وهو حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية (العلاقات الدولية) من جامعة القاهرة، وماجستير في العلوم السياسية (العلاقات الدولية) من جامعة القدس، وعضو فاعل في عدة مؤتمرات محلية ودولية معنية بالمجتمع المدني والرأي العام والمشاركة السياسية.
ويؤكد السيسي في هذا الكتاب أن هناك العديد من تصريحات النخب السياسية والوثائق الرسمية تؤشر إلى أن هناك مراجعة جذرية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه العالم العربي والإسلامي، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن ثمة إدراكاً متنامياً في صفوف النخب السياسية في الولايات المتحدة يتمحور حول أن إصلاح المنطقة العربية مسألة حيوية للاستقرار والأمن الإقليمي بعيد المدى على اعتبار أن استمرار الوضع القائم يغذي السخط الشعبي ويقدم أرضية خصبة لنمو التطرف في هذا الإطار يرى بريجنسكي أن الحكومات الفاشلة هي التربة الرئيسية التي تولد التطرف الإسلامي، والسياسات الخاطئة لهذه الحكومات هي التهديد الرئيسي لمصالحنا الاستراتيجية، وقد فشلت الحكومات والأحزاب العلمانية في توفير أنماط مستقرة للتنمية الاقتصادية والبنية الأساسية اللازمة لإجراء تغير اجتماعي ضخم.
وأضاف أن الخطاب الرسمي للولايات المتحدة أيضا تضمن الدعوة إلى إصلاحات بنيوية تطالب بضرورة التغيير الشامل في المنطقة العربية؛ فمبادرة الشرق الأوسط الكبير تستند على ثلاث ركائز أساسية: تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح، وبناء مجتمع المعرفة؛ وتوسيع الفرص الاقتصادية، وفقاً لهذا المنظور أضحى الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي للشرق الأوسط حجر الزاوية في الحرب على الإرهاب، وقد أعدت وزارة الخارجية برنامج "دعم الإصلاح" لسد نقص الديمقراطية في الشرق الأوسط. 
إن التغيير في الخطاب الرسمي للولايات المتحدة باتجاه مزيد من الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية يفتح الباب لإمكانية تفاعل الولايات المتحدة مع الحركات الإسلامية المعتدلة التي تنبذ العنف وتتبنى الوسائل السلمية لتحقيق أهدافها، بما يمثل معكوس خبرة الماضي القائمة على إهمال وتهميش هذه الحركات، أثراً لذلك تباينت الآراء داخل المؤسسات الرسمية، وتمحورت حول تياران: الأول؛ تيار "التراضيون" الذي يميز بين حركات إسلامية معتدلة وأُخرى متطرفة، وأن الوقت قد حان لتبني سياسة قبول الحركات الإسلامية المعتدلة كفاعلين وشركاء محتملين في الشرق الأوسط على أساس أن هذه السياسة هي البديل الذي يمكن من خلاله مواجهة رؤى الحركات الإسلامية المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة. 
الثاني؛ التيار المتشدد الذي يضع جميع الحركات الإسلامية في سله واحدة دون التمييز بين الحركات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة؛ ويتخذ هذا التيار موقفاً متشدداً تجاه الحركات الإسلامية، ويرى أن جميع الإسلاميين وإن اختلفوا في التكتيكات فإنهم يتفقون في الغايات، ديمقراطية لمرة واحدة وقيام دولة أصولية، ويدعو هذا التيار للتحالف مع الليبراليين والعلمانيين ضد الإسلاميين. 
ولفت إلى أنه في هذا السياق تمت صياغة مواصفات وشروط رئيسة تميز الحركات الإسلامية المتطرفة عن الحركات الإسلامية المعتدلة التي يمكن أن تشارك في العملية السياسية، تمحورت هذه الشروط حول القبول بالديمقراطية والتعددية، ونبذ العنف لتحقيق أهداف سياسية، احترام وحقوق الإنسان والحريات الدينية وحقوق المرأة وحقها في التعليم.
ورأى السيسي أن الخطاب الرسمي للولايات المتحدة أشر إلى أنها تبنت مقاربة جديدة باتجاه تبني سياسة قبول الحركات الإسلامية كفاعلين وشركاء محتملين في الشرق الأوسط، مع إمكانية إدماجهم في الحياة السياسية، ففي العام 2001 أكد ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية "أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم ومساندة العملية الديمقراطية حتى لو كانت النتائج غير مرضية"، مضيفاً "ونحن ندرك أن الانتخابات الحرة في البلدان العربية يمكن أن تقود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة، فالولايات المتحدة لا تعارض الأحزاب الإسلامية" بوصفها كذلك".
وفي العام 2005 جاء حديث "كونداليزا رايس" وزير خارجية الولايات المتحدة أكثر وضوحاً باتجاه قبول الحركات الإسلامية في السلطة بقولها "الولايات المتحدة لا تخشى وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة عبر انتخابات حرة في العالم العربي". وأكد الرئيس باراك أوباما في خطابه عام 2009 في جامعة القاهرة على ذات السياسة قائلاً: "إن أميركا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبيرعن آرائهم بأسلوب سلمي يُراعي القانون، حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا، وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة، شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم".  
وأكد أن خطاب أوباما بالقاهرة أشر إلى أن هناك انفتاحًا أميركيًّا على الحركات الإسلامية، ويحمل الخطاب في طياته طمأنة للحركات الإسلامية بأن "الولايات المتحدة سترحب بكل الحكومات التي تنتخب ديمقراطيًّا وبطريقة سلمية"، بما يمثل تغيراً في السياسة التي تبنتها إدارة "بوش" الابن مع الحركات الإسلامية التي فازت في انتخابات ديمقراطية كحركة حماس والإخوان المسلمين في مصر وقلصت دعم برامج الديمقراطية بعد فوزهم في الانتخابات البرلمانية، فكلمات أوباما تُشير إلى اعتراف الولايات المتحدة بنتائج الانتخابات الديمقراطية التي فازت فيها الحركات الإسلامية، غير أن ذلك مقروناً بإعلانها التخلي عن العنف كأحد أدواتها السياسية، والالتزام بمبادئ العملية الديمقراطية. 
من ناحية أخرى فان المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية والحركات الاسلامية المسلحة، أدت لبروز التمايز بين هذه الحركات وحركات الإسلام السياسي التي تطالب بالإصلاح السياسي وتقبل العمل ضمن الأطر السياسية القائمة، مثل الأخوان المسلمين التي قبلت الممارسة الديمقراطية وفكرة حرية تشكيل الأحزاب السياسية ودخول معترك الانتخابات والتنافس السياسي السلمي في مصر والمغرب.
وأشار السيسي إلى أن الاستراتيجية الأميركية قد اعتمدت في تعاملها مع الثورات العربية على التكتيك المرحلي والتغير في المواقف بحسب الظرف الذي تواجهه، بما يعني استمرار حالة عدم الاتساق والتباين في رؤية وممارسة الولايات المتحدة الأميركية لكيفية تنفيذ الخطوط الإرشادية العامة للولايات المتحدة الأميركية تجاه الحركات الإسلامية في منطقة الشمال الأفريقي، بما ينعكس سلباً على آليات تكوين علاقات استراتيجية وكذلك على فاعليه المنظومة المؤسساتية للولايات المتحدة الأميركية؛ إضافة إلى ذلك وعلى الرغم مما تتيحه الثورات العربية من فرصة للولايات المتحدة الأميركية للتصالح مع الشعوب العربية عن طريق تحالف جديد يستبدل تحالفاتها السابقة من أنظمة الحكم العربية، ترى بعض المؤسسات الأميركية أن الثورات العربية عرضت المصالح الأميركية في المنطقة العربية والشمال الأفريقي للخطر، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأميركية باتت تخشى أن تكون أمام أنظمة جديدة مع منطقة الشمال الأفريقي تصعب إعادتها إلى التبعية أو تطويعها في خدمة المصالح الأميركية الاستراتيجية.
وقال إن تجربة جماعة الأخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس تؤشر إلى أنه بمجرد وصول هاتين الحركتين الإسلاميتين للحكم عملتا على إعادة تشكيل نظام الحكم لضمان سيطرتهم وبقائهما باستخدام وسائل وآليات مختلفة، بما يؤشر على الغموض في الرؤية لدى الحركات الإسلامية لقضاء الديمقراطية والتعددية السلمية، الأمر الذي يتناقض مع رؤية أميركا القائمة على تحقيق الأمن والاستقرار، من خلال إدماج الحركات الاسلامية في العملية السياسية والعمل ضمن قواعد اللعبة السياسية وليس دفعها بديلاً للنظم الحاكمة.
وأكد أن الواقع في فشل حكم الحركات الإسلامية هو أن هذه الحركات الإسلامية لم يستوعبوا طبيعة اللحظة التي انتقلوا فيها من المعارضة إلى الحكم، وظلت هذه الحركات الإسلامية تنظر إلى نفسها على أنها ضحية مؤامرات الدولة العميقة والإعلام والقوى الخارجية، ولم تنظر الحركات الإسلامية إلى أدائها في السلطة وصورتها لدى قطاع واسع من الشعب. 
وأوضح السيسي أن من أهم التحديات التي يمكن أن تواجه أميركا سياسات القوى الإقليمية المحاورة وما لها من تأثيرات على المنطقة العربية، وقال: "هنا يبرز دور إيران لارتباطها بعلاقات وثيقة مع بعض الحركات الإسلامية، بالإضافة إلى دور "إسرائيل" القائم على رفض مشاركة الحركات الاسلامية أثرًا لما تحمله من رؤية عدائية تجاه هذه الحركات".
وتناول الدور الإيراني مشيرا إلى أن إيران تسعى إلي التمدد الإقليمي من خلال التمدد السياسي الخارجي، حيث تشير خريطة التحركات الإيرانية إلي أن الدول التي تم التوجه إليها تشترك معها أيديولوجيا، فقد طورت إيران علاقات وثيقة مع فاعليين من غير الدول مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحركة حماس في فلسطين، فضلًا عن دعم الأحزاب الشيعية في العراق، ودعم عناصر حكومية مثل العلويين في سوريا. 
ولفت السيسي إلى إن ارتباط ودعم إيران للحركات الإسلامية في ظل جاذبية نموذج الثورة الإيرانية في التغيير لهذه الحركات بدفع هذه الحركات لتبني منهج التغيير الثوري العنيف، ويزود إيران بوسائل ضغط على الأنظمة العربية، بما يهدد استقرارها ويضع قيداً على رغبتها في إدماج الحركات الإسلامية في النظام السياسي، حتى بالنسبة للحركات الإسلامية المعتدلة التي تسعى للعمل في حدود القواعد التي يعمل بها النظام السياسي القائم. ولم يقتصر تأثير النظام الإيراني على الأقليات الشيعية وحسب، بل امتد للعديد من الحركات الإسلامية السنية "غير الشيعية" من خلال إسهامه في تشكيل المناخ الأيديولوجي في المنطقة باتجاه استعادة فكر المواجهة مع الغرب، معتمداً على الخطاب السياسي الذي تروج له أدوات الدعاية وتوظيف الأداة الدبلوماسية لكسب التأييد في العالم الإسلامي والعربي، ومن ثم حشده في مواجهة الغرب وحليفته "إسرائيل" فقد عمل النظام على تصوير أميركا بأنها العدو الأكبر للمسلمين واصفاً إياها "بالشيطان الأكبر" معتبراً العداوة لها جذور فكرية عميقة لا يمكن التغلب عليها وهي أعمق بكثير من كونها اختلافات في وجهات النظر السياسية. 
وأكد أنه في ضوء هذا فإن إيران تقدم نموذجاً جذاباً للحركات الإسلامية من منظور اعتبارها حليفاً استراتيجياً تجاه ملفات حيوية تشكل أساس التقارب السياسي بينهما، خاصة ملف الصراع العربي الإسرائيلي، ومواجهة الهيمنة الخارجية، أما على صعيد الممارسة الإيرانية الداخلية، فقد تأثرت العديد من الحركات الإسلامية في الوطن العربي بالتجربة الإيرانية في الحكم، فإيران جمهورية إسلامية قائمة بشكل أساسي على دور الدين والمؤسسات الدينية في الحياة السياسية، مما انعكس على فكر الحركات الإسلامية العربية، من حيث رؤيتها لموقع الدين ودور المؤسسات الدينية في تشكيل الحياة السياسية، فقد تضمن برنامج الإخوان المسلمين في مصر تشكيل مجلس علماء الدين مهمته ضمان أن التشريع الذي يصدر عن الرئيس أو البرلمان يتوافق مع الشريعة الإسلامية بما يجعله شبيهاً بمجلس صيانة الدستور. 
وفيما يتعلق بـإسرائيل، فقد أوضح السيسي أن الخطاب الإسرائيلي وقف موقف الرفض لإدماج الحركات الإسلامية في النظم السياسية العربية، وعبر عن رؤية تشكك في منطق المشاركة والمكاسب المتوقفة منه، ومحذراً من النتائج المترتبة على هذه السياسة، وأسهم هذا الخطاب في محاولة التأثير سلباً على رؤية الولايات المتحدة الأميركية لإدماج الحركات الإسلامية، فمن ناحية يشكك الخطاب "الإسرائيلي" في طبيعة التحولات التي شهدتها الحركات الإسلامية باتجاه تبني العمل السلمي والاعتدال، فعكفت المؤسسة الحاكمة في "إسرائيل" والنخب المرتبطة بها على التشكيك في طابع ثورات التحول الديموقراطي في الوطن العربي وتحذير العالم من مآلتاها، عبر الزعم بانها ستفضي حتماً إلى هيمنة الحركات الإسلامية على مقاليد الأمور في الدول العربية. ومن ناحية أخرى يرى الخطاب الإسرائيلي ان الحركات الإسلامية لا تزال تتبنى رؤية مناهضة للغرب ويصعب تغييرها ولا يمكن الثقة بتغييرها نحو الحوار والتعاون.