بوابة الحركات الاسلامية : باحث يرصد اسباب تراجع الدراسات الفرنسية حول العالم الإسلامي (طباعة)
باحث يرصد اسباب تراجع الدراسات الفرنسية حول العالم الإسلامي
آخر تحديث: الثلاثاء 18/05/2021 10:53 ص روبير الفارس
باحث يرصد اسباب تراجع
 ماهي اسباب تراجع الدراسات الفرنسية حول العالم الاسلامي  خاصة مع  اشتعال الاحداث لهذا العقد من الزمن. فهنالك أحداث «الربيع العربي»، و«الربيع المضاد»، والحرب في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وكذلك العمليات الإرهابية المقترفة على الأراضي الأوربية… وكثير من التقلبات التي استدعت التساؤلات في أوساط العامة، وأحيانًا الشعور بالفجوة بين الإنتاج البحثي طويل المدى وما تستدعيه اللحظة من استجابات بحثية عاجلة. ‫ هذه الاسئلة طرحها الباحث الفرنسي إيريك فاليه  في دراسة له قام بترجمتها المترجم اليمني  محمد أحمد عثمان ونشرتها  مجلة الفيصل السعودية  ‬
 يقول ايريك هذه الحالة من انعدام الفهم ومن الانعدام النسبي لوسائط التواصل الدالة على هذه الأنشطة لا تعني أن الباحثين الفرنسيين، الشباب منهم والكهول، قد هجروا المجال البحثي. على العكس تمامًا؛ إذا ألقينا نظرة خاطفة على العام 2017م سنلحظ أن أكثر من 300 أطروحة لرسالة دكتوراة قد وُوفِقَ على دعمها في فرنسا حول موضوعات ذات صلة، كلية أو جزئية، بالعالم العربي والإسلامي ومن بينها كثير مما كان قد انقطع أعقاب أحداث العام 2011م. ويتجاوز عدد الأطروحات التي هي على قيد الإعداد في الوقت الحالي الألف. حتى لو ظلت الدراسات في مجال الدكتوراة غير محدودة، بعيدًا من ذلك يبقى هذا العدد دليلًا جيدًا على ديناميكية المجال البحثي، وعلى ميوله وحدوده.
وتقول الدراسة إن التفاتة سريعة إلى الوراء سوف تسمح لنا أن نقيس سلم التغييرات الحاصلة على مدار العقود الماضية. في العام 1970م، أحصى أحد آخر «السجلات الخاصة بالدراسات الاستعرابية» الفرنسية، وظهر في مجلة آرابيكا، أحصى أكثر من ثلاثين أطروحة من أطروحات الدولة، وتقريبًا الكثير من الأطروحات ذات الدائرة الثالثة التي هي في طور الإعداد في فرنسا في هذا المجال الذي لا تزال كل فروعه مختلطة. وعدد الأطروحات المدعومة خلال ذلك العام تعد بالأصابع. ومع ذلك يعد هذا العصر أحيانًا آخر «العصور الذهبية» للدراسات الفرنسية حول المغرب والشرق الأوسط. وقد وسم بالوجوه الكبيرة أمثال هنري كوربان (1903-1978م) وكلود كاهين (1909-1991م) وجاك بارك (1910-1995م) وماكسيم رودنسون (1915-2004م) ومحمد أركون (1928-2010م) أو أندريه ميكال (ولد في 1929م) والذين عرفت أعمالهم وقرئت خارج الدوائر المتخصصة. كما عرفت على نطاق واسع على المستوى العالمي.
 ويضيف ايريك قائلا  ان تزامن اختفاء آخر «عمالقة» التفكير الاستعرابي والاستشراقي الفرنسي مع اختفاء التعددية البحثية الذي تزامن بدوره مع تنامي التقسيم العلمي للعمل: فهو من قاد قبل كل شيء إلى انمحاء وجه العالم العام (غير المتخصص) على غرار جاك بيرك الذي امتلك الكفاءة في أن يعطي معنى وعمقًا للراهن السياسي العربي، بالقدر نفسه الذي اقترح فيه ترجمات جديدة للقرآن أو لقصائد من الشعر الجاهلي. ولقد تم تعويض هذا الوجه في عالم الأبحاث المهنية بوجه المتخصص حتى ما بعد المتخصص، اللذين يعرفان نفسيهما قبل كل شيء بدرجة كبيرة بعلاقتهما بالمنطق العالمي.
لننظر عن قرب إلى المشهد الذي ترسمه ال323 أطروحة التي حظيت بالدعم في العام 2017م؛ إذ إن معظمها يندرج داخل الإطارات التخصصية على نحو خالص. هنالك في المقام الأول ال(57 أطروحة أي ما نسبته 17،6%) التي تهيمن عليها أعمال القانون المقارن، بين القانون الفرنسي أو الأوربي والقانون في بلد أو عدة بلدان من بلدان المغرب أو الشرق الأوسط. وإننا لنجد هنا تقليدًا قديمًا يسترشد به عدة طلاب أجانب قدموا إلى فرنسا من أجل تحضير رسائلهم للماجستير والدكتوراه بعد دراستهم القانون في بلدانهم الأصلية. الفروع الأساسية من العلوم الإنسانية والاجتماعية تتوزع بأسلوب متوازن نسبيًّا وذلك على النحو التالي: تاريخ الشرق الأوسط والمغرب (27 أطروحة)، الاقتصاد والإدارة (26)، علم اجتماع وجيولوجيا الشرق الأوسط والمغرب (25)، علوم سياسية وعلاقات دولية (24)ن جغرافيا وهندسة مدنية (24)، أدب (23)، لغويات (23). وخلف هذا التوزيع المتوافق في الظاهر تتوارى في الواقع تباينات خاصة. هكذا حدث أن أعدت في العام 2017م أطروحات حول الأدب الفرانكفوني في المغرب وفي الشرق الأوسط (8) أكثر من الأطروحات المعدة حول الأدب الحديث في اللغة العربية، التركية أو الفارسية (5) وأثارت دراسة الاستشراق الأدبي الفرنسي (12) اهتمامًا خاصًّا أكثر مما أثارته الدراسات المنصبة على الأدب العربي الكلاسيكي (5). النمط نفسه من الملاحظة يمكنه أن يوجه إلى التاريخ المعاصر (14 أطروحة) الذي تهيمن عليه في نطاق واسع الأعمال حول الحقبة الاستعمارية. إذ تعد الدراسات التي تعالج التطور التاريخي الخاص ببلدان المنطقة على أصابع اليد.
إن عدم التوازن واضح أيضًا فيما يختص بدراسة الإسلام المعاصر. في الوقت الذي توجد فيه 17 دراسة تعالج الوضع الحالي للمسلمين في فرنسا وأوروبا تحت مظاهر مختلفة، فإن هنالك دراستين فقط تهتمان بالفكر الإسلامي المعاصر. إن المقارنة مع توزيع الأطروحات للعام 1970م لا يخلو من المغزى. فقد أخذ الأدب العربي الكلاسيكي والإسلاموي (مفهومًا بوصفه دراسة للنصوص الدينية الإسلامية) واللذان كانا يحوزان على نصيب الأسد، آخذًا من الآن فصاعدًا في التقلص في الجامعات الفرنسية إلى الحد الأدنى، مع مجالات التدريب على الأبحاث المنعدمة تقريبًا.
وقال ايريك  ان  «الكتاب الأبيض» للدراسات الفرنسية حول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، الذي أعد في العام 2014م تحت إشراف كاترين ماير جوان،نجد  هذا التشخيص الذي لا يزال يجد له انعكاسات من العام 2017م:  حول الإسلاموية الكلاسيكية والفلسفة وتاريخ النصوص ودراسة الأدب في مظاهره الأكثر صعوبة وندرة الدراسات اللغوية..». ويضيف «الكتاب الأبيض» إلى ما سبق، ملحوظة ذات طابع عملي غالبًا لا تحدد عدد أعمال الدكتوراة التي تدور حول العالم العربي والإسلامي المعاصرين، والتي تغذيها ممارسة غير كافية للغات. من هنا، «يواجه الباحثون الشباب من حملة الدكتوراة صعوبة في الانتقال إلى موضوعات جديدة، تتطلب ثقافة وسعة نظر وعمقًا تخصصيًّا ذا مدى أبعد». فهل دفع الفصل، بين التأهيل اللغوي للباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية والتأهيل التخصصي، بالأمور بعيدًا داخل النظام الفرنسي للدراسات، منزلًا بذلك أعظم الضرر بالجودة الإجمالية للدراسات؟
بعيدًا من الظهور بمظهر الضعف، فقد ظهر تقسيم العمل بين التخصصات منذ وقت طويل، بوصفه الإجابة الأساسية للأوساط البحثية عن «أزمة الاستشراق». عندما أعلن ماكسيم رودنسون في معرض ردوده على كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد (1935ـ 2003م) الذي ظهر في العام 1978م أن التماس بين الدراسات العربية والإسلامية مع «التخصصات الأخرى» وبشكل خاص علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ صارت «ضرورة إمبريقية»، فقد كان يتنبأ لها بمستقبل زاهر: «مؤثرة هي التطورات التي أفصحت عن نفسها. في حين لم يكن الثمن المدفوع مقابل ذلك شديد الارتفاع
في العام 1970م، توقف إعادة التوازن لصالح العلوم المعنية بكل ما هو معاصر، وترافق ذلك مع الانطلاقة المشهدية للأبحاث في مجال العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية حول الشرق الأدنى والأوسط، وذلك بالتزامن مع افتتاح المراكز الفرنسية المتخصصة في الخارج، على غرار مركز الدراسات والتوثيق الاقتصادي والقانوني والاجتماعي (cedej) في القاهرة (1968م)، أو مركز دراسات وأبحاث الشرق الأوسط المعاصر(cermoc) في بيروت (1977م) الذي تحول إلى المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (2003م) يقدم المشرق إذن مجالات تبدو حديثة وخصوصًا بالقياس إلى المغرب، الذي لا يزال تحت هيمنة النموذج الكولنيالي والمابعد كولنيالي.
إن ما حدث في العام 2017م هو صدى لهذا الانقلاب، على الرغم من التغيير الملحوظ في الاهتمام بالوضع السياسي لتونس في أعقاب ثورة 2011م: هناك حيث تظل في الأغلب الأعم الأطروحات الفرنسية في علم الاجتماع والأنثربولوجيا التي حظيت بالدعم مكرسة للمغرب، في حين لا يزال الشرق الأوسط يستولي في أيامنا هذه على الأبحاث في العلوم السياسية. كانت نتيجة هذا الوضع في الثمانينيات وحدات بحث متخصصة وصغيرة نسبيًّا. هذا التشتت يستدعي في المقابل جهودًا واقعية للارتقاء بهذه النزعة التخصصية الانتقالية.
على مدار سنوات التسعينيات، تجسد النداء لإقامة حوار بين العلوم الإنسانية والاجتماعية، في مشروعات كبيرة ذات ميول فيدرالية، مثل مؤسسة البيت الشرق أوسطي لعلوم الإنسان إكس إن بروفانس. وفي العام 1986م تأسست المؤسسة الفرنسية لدراسة العالم العربي والإسلامي (AFAMAM) كمبادرة من أندريه ريمون (1925-2011م) وذلك في سياق الجهد المتواصل الذي ظل يتلاحق وصولًا إلى منقلب العام 2000م. في العام 1999م تأسس في باريس معهد الدراسات الإسلامية ومجتمعات العالم الإسلامي (iismm) نتيجةً للتسوية السياسية، وهو ما شكل من دون شك المشروع التركيبي الأخير من هذا النوع الذي لقي الدعم من السلطات العامة.
وتقول الدراسة ان المشهد المؤسساتي للأبحاث الفرنسية كما نعرفه اليوم نتج على نطاق واسع من هذا الانسلاخ الأخير الذي تم في سنوات (1990/2000م) عندما استقرت وحدات بحثية كبيرة، مختلطة في معظم الوقت، على أساس تخصصي عريض، مع توظيف الباحثين والمعلمين/ الباحثين، ممن التفتوا على نحو أساسي ناحية العلوم السياسية والاجتماعية المعاصرة، المتركزة حول فضاء شرق أدنى يحظى بالتفضيل، يمتد على نحو خجول باتجاه الخليج والجزيرة العربية.
التوازن وانعدام التوازن بين التخصصات التي تأسست خلال السنوات من العام 1990م إلى العام 2000م تم بالكاد تصحيحهما على الهامش، وذلك من طريق تأكيد المقاربات التخصصية الانتقالية التي بقيت على نحو نهائي محدودة بما فيه الكفاية، ولم تشهد منذ ذلك الوقت تغيرًا.
تحت تأثير البطء والتوقف عن خلق وظائف جديدة، تجمد الوضع على نحو ما، ثم أخذ في التآكل مؤديًا هكذا إلى شيخوخة الهرم الديموغرافي للباحثين والمعلمين/ الباحثين، وإلى موجة من الانكفاء نحو التقاعد، لم يتم تعويض أفرادها. لقد أدى المناخ الذي ساد عقب  ما يعرف بالربيع العربي وما صاحبه من توترات هوياتية وتتابع سريع للإصلاحات التكوينية لمجال البحث والجامعة والتقييد المفروض على الموازنات، أدى كل ذلك خلال ما يقارب العقد من الزمن، إلى أن تصاب بالشلل كل الجهود الجماعية الحقيقية المبذولة من أجل إحياء الحوار بين العلوم الإنسانية والاجتماعية المرتبطة بدراسة «العالم العربي والإسلامي». لقد مثل اختفاء ال (AFEMAM) وغياب أي مؤتمر بعد العام 2007م العلامة الأوضح على استنفاد هذا النموذج، وعلى المشكلات التي يمكن مواجهتها عند القيام بتنظيم التنوع المتنامي للمقاربات والموضوعات والأمكنة (حينذاك كنا ننتقل طوعًا من «العالم العربي والإسلامي» إلى «العالم الاسلامي») ومن ثم صار لدينا المطلب الاجتماعي في وجود تقاربات مؤكدة.
ما من شك في أن بطء النمو الجماعي قد نتج من الهوة المتنامية بين التكوين العلمي والبحث، وبشكل خاص الملحوظ داخل أقسام اللغة العربية أو الدراسات الشرقية التي أضعفتها كثافة التعليم العالي للسنوات 1980 و 1990م والزيادة السريعة للعاملين ووصول جمهور جديد من الطلاب.
في اللحظة التي عرفت فيها الدراسات حول الإسلام انطلاقة سريعة موسومة بشكل خاص بما هو جديد من أعمال ونقاشات حول القرآن والحديث والفكر الإسلامي الكلاسيكي والحديث والمعاصر، شهدت أقسام اللغة العربية في فرنسا تراجعًا كبيرًا في تعليم اللغة، من دون أن تكون قد امتلكت وسائل البدء وذلك لنقص في الدماء الجديدة وتباين اتجاهاتها وبشكل خاص في مجال التأهيل أثناء البحث. ووجدت أمكنة التأهيل في العلوم الإنسانية والاجتماعية ومعاهد الدراسات السياسية والأقسام الجامعية ومرافق التأهيل المتقدم، وجدت نفسها مأخوذة بين ديناميكية التخصص المتنامي أكثر فأكثر (تشجعه ديناميكيات البحث الجديدة المنصبة على موضوع مع التمويل المالي الوطني أو الأوربي) والمشكلات المستنبطة من واقع مناهج التأهيل اللغوي المتكيف مع حاجاتها المعمقة تعمقًا كافيًا، في حين كان قد صار الدخول إلى المجال أكثر صعوبة في عدد من بلدان الإقليم.
 ويقول ايريك تتمثل هذه الديناميكيات الاجتماعية الجديدة في تلك التناقضات والانسدادات التي تطرق إليها “الكتاب الأبيض” للعام 2014م تحت اسم حالة الأمكنة الجماعية، والتي أسهم فيها عشرات من الباحثين والمعلمين/الباحثين سواء بشكل فردي أو جماعات بحثية. وهذا العمل ما كان له أن ينجز من دون إنشاء فضاء جديد للحوار والتبادل على المستوى الوطني، بمبادرة من معهد الدراسات الإنسانية والاجتماعية (cnrs) وفي العام 2013م ولد مجمع الاهتمام العلمي (Gis) الذي يعد “الشرق الأوسط والعالم الإسلامي” إحدى شبكاته التي جمعت مختلف مرافق التعليم العالي والبحثي في فرنسا، منتجة وداعمة أشكالًا من التأهيل والأبحاث حول العالم العربي والإسلامي. وهي تجمع 22 جامعة ومدرسة كبيرة وتنظيمًا بحثيًّا، مقدمة يد العون ل45 معهدًا ومختبرًا متخصصًا، جزئيًّا أو كليًّا، داخل هذا المجال
علاوة على إصدار “الكتاب الأبيض”، قامت هذه الشبكة كأول عمل لها بتنظيم مؤتمر دراسات الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، الذي ينعقد كل عامين (انعقد في باريس في العامين 2015 و 2017م) وضم 80 جلسة واستضاف قرابة ال600 مشارك، في تعدادهم عدد من الباحثين الشباب، وقد حاز الباحثون الدوليون على حصة حضور لا بأس بها.
بالتناوب مع المؤتمرات، هدفت المنتديات التي تنعقد كل عامين إلى تشجيع التبادلات بين عالم البحث وجمهور المستمعين المتنوع. هكذا حدث أن اجتمع في العام 2016م على هذا النحو أكثر من مئة من المتخصصين ومعلمي المدارس الابتدائية والثانوية وممثلي التعليم الوطني في مدينة ليون، لإدارة نقاشات حول مدارس البلدان الإسلامية في فرنسا. كما امتلك منتدى إكس في إقليم بروفانس المناسبة لمساءلة الممارسات البحثية من منظور كل الوسائط الجديدة الخاصة بتشارك المعرفة: فيديوهات ووثائق ومدونات ومسارات اجتماعية وأداءات فنية ومسرحية؛ إنسانية رقمية عربية جديدة غيرت شروط البحث بقدر اغتنائها بالإمكانيات المترتبة على ملامستها لجمهور جديد.
بالتوازي مع ذلك، منذ العام 2015م، وبالشراكة معIISMM، حرك تنظيم “جائزة الأطروحة” حول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عشرات من المتخصصين من كل المجالات، وقادهم إلى أن يعقدوا مناقشات مشتركة حول الإسهامات الأكثر تميزًا الخاصة بالبحوث الفرنسية الشابة. ومنذ العام 2014م، رأت النور ديناميكيات جماعية جديدة، كما فتحت أعدادًا أخرى من فضاءات النقاش التي تتعلق بالمبادرات الجديدة العابرة للتخصصات، التي جاءت ردَّ فعل على المعارك والاعتداءات أو التأملات العميقة، مثل تلك المبادرة التي نظمتها شبكة “إسلاميات وباحثون داخل المدينة” التي نسقت لها ناديا مرزوقي بالأصالة عن مركز الأبحاث الدولي (ceri_sciencepo) الذي يسعى إلى تحديث شروط تسجيل العلوم الاجتماعية التي تعالج الفعل الإسلامي في الفضاء العام.
أطلق “الكتاب الأبيض” للعام 2014م نداء يدعو إلى إعادة الروح إلى الدراسات الإسلامية العالمية، وكان أن لقي هذا النداء الاستجابة من السلطات العامة التي سعت إلى خلق قرابة عشرات الوظائف في العامين 2016م و 2017م، ما سمح بانطلاق الدراسات المتعلقة بأنظمة المعتقدات الإسلامية ومتونها النصية داخل أقسام جامعية متنوعة في كل من جامعة ستراسبورغ، وإكس إن بورفانس، وليون، وباريس، وليل، ومتز. يمكن لهذا الجهد أن يبدو متواضعًا في ضوء عشرات الوظائف المستحدثة في الولايات المتحدة في هذا المجال خلال العقود الأخيرة، مع ذلك ليس بلا مغزى أن نملك وعيًا ويكون هذا الوعي متقاسمًا بين السلطات الوزارية والمؤسسات شديدة التجاوب مع هذا النداء.
ولن تنضج ثمار هذا الفعل إلا إذا رافقها التصميم على تعويض التأخر الفرنسي في مجال برامج التكوين المكثف، في حقل الدراسات المتعلقة بالعالم الإسلامي. وترجمة النتاجات الأكاديمية والفكرية المكتوبة ليس فقط باللغات الأوروبية لكن أيضًا بالعربية والفارسية وكذلك بالتركية، لتحفيز المساهمات الفرنسية في النقاشات الأكاديمية التي أصبحت عابرة للحدود إلى حد كبير؛ ودعم وتكامل الباحثين الشباب الواعدين في دوائر البحوث، في فرنسا وفي الخارج.
ويقول ايريك اذا عدنا  للحظة إلى مشهدنا الأساسي، ذلك المشهد المتعلق بطروحات العام م2017. إن أعمال سيدو ويال المنصبة على تحليل خطابات المصري سيد قطب (1906_ 1966م)، وأعمال نبيل الناصري حول تأثير يوسف القرضاوي (مولود في العام 1926م) ليست وحدها التي تمثل صدى للانشغالات الجادة للحاضر. ولعلنا نشعر حينها بالظمأ إلى معرفة لم يسبقنا إليها أحد، إلى الحد الذي سيصعب علينا أن نعطيها إمكانية التبلور من خلال الاحتكاك مع الأوساط البحثية المدعومة والتي هي في طور الإنتاج والنقل والتأهيل.