بوابة الحركات الاسلامية : دراسة جديدة لمركز راند: مكافحة الطائفيّة في الشرق الأوسط (طباعة)
دراسة جديدة لمركز راند: مكافحة الطائفيّة في الشرق الأوسط
آخر تحديث: الأحد 08/08/2021 03:21 م حسام الحداد
دراسة جديدة لمركز
تشير نتائج دراسة أجرتها مؤسسة RAND إلى أنّ موجات العنف الطائفيّ والصراع الديني التي لا نهاية لها ليست أمراً حتميّاً وأنّه بإمكان المجتمعات الشرق أوسطيّة أن تصبح أكثر مرونةً في وجه الطائفيّة من خلال اتّباع مجموعة من التدابير.
وتَخْلُص الدراسة التي أُجْرِيَت بتمويلٍ من برنامج الدين في الشؤون الدولية التابع لمؤسسة هنري لوس  إلى فهمٍ فريدٍ لكيفيّة تَحَصُّن المجتمعات ضدّ الطائفيّة أو التعافي منها.
وبالتعاون مع علماء من خلفياتٍ اختصاصيّةٍ مختلفة، استكشف باحثو مؤسسة RAND تجارب أربعة بلدان في المنطقة تضمّ مجموعاتٍ طائفيّةً مختلطةً ومراحل تاريخيّة من التوتّر أو الصراع الطائفيّ، وهي: لبنان، والبحرين، وسوريا، والعراق. وقد حلّل باحثو مؤسسة RAND سبب تمكّن بعض المجتمعات بشكلٍ أفضل من غيرها من البقاء مرنةً في وجه الطائفيّة. وأنارت تلك النتائج المُستخلصة تحديد المؤلّفين لعبر أوسع نطاقاً وتوصيات في السياسات لتعزيز المرونة، وفي نهاية المطاف، لمنْع نشوب صراعٍ عنيفٍ في المنطقة أو للحدّ من حدّته.
تَجْري الانقسامات والصراعات الطائفيّة في كلّ زاوية في الشرق الأوسط. تُصوِّر الخريطة مستويات الصراع الطائفيّ، مع تصنيف البلدان بالاعتماد على مستويات العنف والتنوّع الطائفيّ. تملك البلدان المُظلّلة باللون البرتقالي مستوياتٍ معتدلةً من التنوّع الطائفيّ، في حين تملك تلك المُظلّلة باللون الأحمر مستويات مرتفعة من التنوّع الطائفيّ. ويُشار إلى الدول التي شهِدَت أكثر من 1,000 حالة وفاة في المعارك اعتباراً من عام 2016 )وهو العام الأخير الذي تتوفّر له البيانات( بخطوطٍ مائلة.
يُظهر لبنان، والبحرين، وسوريا، والع ا رق مستوياتٍ معتدلةً أو مرتفعةً من التنوّع الطائفيّ. على الرغم من ذلك، يوفّر كل واحد من هذه البلدان رؤى حول إمكانية تحلّي الشرق الأوسط بالمرونة أصلاً وحول العوامِل التي قد تعزّز هذه المرونة أو تقوّضها. يُشكّل تحديد المرونة على مستويات المجتمع المحلي في المجتمعات الشديدة الانقسام في المنطقة خطوةً أولى أساسيّةً في معالجة التحدّي المعقّد المتمثّل بالطائفيّة.
الحالة اللبنانية
تستخدم دراسة حالة لبنان سياسة بيروت البلديّة بمثابة عدسةٍ للنظر إلى ما يشكّل
المدّ والجزر للتصويت الطائفيّ. تُميّز دراسة الحالة بين العرض المثير للإعجاب لتحالفٍ عابرٍ للطوائف، وهو بيروت مدينتي ) Beirut Madinati (، في
انتخابات المجلس البلدي عام 2016 والتصويت الطائفيّ المباشر الذي ظهر في دورة انتخابات عام 2010 . وقد أتاحت هذه المقارنة للمؤلّفين استكشاف الأهميّة المختلفة للطائفيّة مع الوقت.
لقد كَشَف المؤلّفون أنّ عاملين رئيسيين يشرحان هذا الاختلاف، وهما: تراجُع شرعية النُخَب التقليديّة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدوائر الانتخابيّة الطائفيّة، والقدرات المتنامية للمنافسين من بيروت مدينتي والتي تمّ تطويرها من خلال المجتمع المدنيّ والشبكات المهنيّة.
وبالتالي، اجتمعت الفرص السياسيّة عام 2016 مع الخبرة التي اكتسبها الناشطون والمهنيّون على مرّ العقود من أجل البدء بالدفع
بلبنان باتّجاه حوكمةٍ أكثر تكنوقراطيّة.
لا يزال تَمَكُّن بيروت مدينتي من النموّ أمراً غير معلوم، وإنّما تشير اتّجاهاتٌ متعدّدةٌ إلى تفاؤلٍ حَذِر. تَجَنَّبَت بيروت مدينتي حتّى هذا التاريخ الانشقاقات الدّاخليّة التي غالباً ما تهدّد المجموعات السياسيّة الجديدة. لقد استفادت من الزخم نتيجةً لتحقيقها المرتبة الثانية في المنافسة البلديّة عام 2016 من أجل الفوز بمناصب قياديّة مهمّة في الانتخابات النقابيّة المهنيّة. ولكن، يبدو أنّه من المرجّح أيضاً أن تستفيد بيروت مدينتي من التغييرات في العملية الانتخابية في لبنان، بما في ذلك إدخال التمثيل النسبي على المستوى الوطنيّ، ومن التغيّرات الجيليّة التي أتت بشرائح أصغر
سنّاً أقلّ تمسُّكاً بالهويّات الطائفيّة.
الحالة البحرينية
على الرغم من أنّه غالباً ما يُشار إلى التوتّرات بين الأقليّة السنيّة الحاكمة
والأكثريّة الشيعيّة في البحرين، ولا سيّما في ضوء ثورة عام 2011 ، على أنّها مثالٌ واضحٌ على الصراع الطائفيّ في الشرق الأوسط، ثمّة حالات من
المرونة على مستوى المجتمع في وجه الطائفيّة. ويعتبر مؤلّفو دراسة الحالة أنّ الدمج السكّاني (أي أحياء سنيّة-شيعيّة مختلطة( هو مكوّن مهمٌّ للمرونة في وجه الطائفيّة.
تُعتبر خيارات الإسكان التي يتّخذها سكّان مختلف الأحياء في بلدات البحرين المترامية الأطراف خارج العاصمة، وبالتحديد، مدينة عيسى، وهي كناية عن مستوطنةٍ سنيّةٍ شيعيّةٍ-مختلطة، ومدينة حمد، وهي جيْبٌ داخليٌّ طائفيٌّ افتراضيّ، انعكاساً لانفتاح المجتمع على الاختلاط العابِر للطوائف. فخلال ثورة عام 2011 ، كانت مدينة عيسى أقلّ عرضةً للعنف الطائفيّ من مدينة حمد التي شهِدَت اشتباكاتٍ عنيفةً وميليشيات طائفيّة.
وتُشير تجربتا مدينة عيسى ومدينة حمد المختلفتان خلال الثورة إلى أنّ الدمج السكّاني يشكّل كابحاً للصراع العنيف خلال فترات التوتّر. وقد يُعزى هذا إلى التفاعلات العابرة للطوائف والدمج بينها والتي تعزّزها المساحات الماديّة المُشتركة. علاوةً على ذلك، يُحْبِط التصميم المختلط لمدينة عيسى، حيث يعيش البحرينيون السنّة والشيعة البعض منهم إلى جانب البعض الآخر، جهود النظام الرامية إلى توفير المنافِع للسنّة الأقران فحسب ويعزّز الاختيار الذاتيّ للبحرينيين من ذوي الفكر الشموليّ للعيش في الأحياء المختلطة
الحالة السورية
على الرغم من أنّ الحرب الأهليّة قد زادت بلا شكّ من حدّة الهويّات الطائفيّة في
سوريا، برزت حالاتٌ مهمّةٌ من المرونة في وجه العنف الطائفيّ. فلقد سقطت إدلب
التي تقع في الشمال فريسةً في يد الجهات الفاعلة الطائفيّة في حين برهنت درعا الواقعة في الجنوب أنّها أكثر مرونةً في وجه غزوات الجهات الفاعلة الطائفيّة السنيّة.
وَجَدَ مؤلّفو دراسة الحالة أنّ الفَرْق الأساسي يكمن في المقاربة التي تعتمدها الدول الأجنبيّة المجاورة. تقع منطقة شمال إدلب على حدود تركيا وهي تضمّ نقطة عبور مهمّة وطريق لإعادة الإمداد لقوّات المعارضة في المحافظة. لقد دعمت تركيا الجهات الفاعلة الطائفيّة لتحقيق أغراض أوسع نطاقاً من حيث الأمن القومي، مثْل العزم المُبكر للإطاحة بنظام بشّار الأسد، الأمر الذي اعتَبَرَتْه أنقرة في الأساس فرصةً لتوسيع النفوذ الإقليمي التركيّ. وتَطَوَّرَ ذلك الغرض مع الوقت إلى الحدّ من الحكم الذاتي الكردي والذي أصبحت قوّات المعارضة السنيّة العربيّة شريكاً مفيداً له.
في المقابل، تقع درعا على حدود الأردن، ما وفّر ملاذاً لبعض عناصر المعارضة وهي منطقة مارَسَت الولايات المتّحدة انطلاقاً منها درجةً من السيطرة عن طريق المساعدة بحسب شروط.
اعتمدت عَمّان وواشنطن على حدّ سواء مقاربة أكثر صرامةً للمعارضة التي تعمل على حدود الأردن، باستخدام الملاذ والمساعدة لوحدات المعارضة المعتدلة وفرْض قيودٍ على العمليّات التي تضطلع بها هذه الوحدات من أجل تحويل تركيزها من استهداف النظام إلى مكافحة الدولة الإسلامية. تُفَسِّر هذه المقاربة الموقف
الضعيف للجهات الفاعلة الطائفيّة في درعا، على عكس أراضي إدلب الأكثر جاذبية.
الحالة العراقية:
لقد عزّز انجرار العراق إلى حالةٍ من التمرّد بعد غزو عام 2003 الانقسامات الطائفيّة. على الرغم من ذلك، حدّدت نظرة إلى الأحياء في بغداد عام 2010 ونظرة إلى منطقتين في محافظة الدهوك (في إقليم كوردستان-العراق) خلال نشوء الدولة الإسلاميّة أمثلةً واضحةً عن المرونة في وجه الطائفيّة.
ففي بغداد، اختلف وجود الميليشيات الطائفيّة ومستويات العنف عبْر الأحياء. لقد نجا بعض الأحياء، مثل الكرادة، والكريعات، وشارع فلسطين، والضبّاط، من أسوأ مستويات العنف بفضل عوامِل فريدة. وبرز عدد من هذه المُتَغَيِّرات أيضاً في الدهوك التي شهِدَت تدفّقاً من الأشخاص العراقيين النازحين داخلياً بعد استيلاء الدولة الإسلاميّة على مدينة الموصل المجاورة، وهي ثاني أكثر مدن العراق اكتظاظاً بالسكّان.
لقد فَسَّر عاملان مهمّان المرونة في هذه المناطق وهما ضروريّان من أجل تشكيل منطقةٍ عازلةٍ قويّةٍ في وجه الصراع الطائفي: الوجود المسبق لرأس المال الاجتماعي )أي مستويات الثقة، والمعايير الخاصّة بالتعاون المجتمعي، والشبكات الاجتماعيّة التي تربط مجموعات الهويّات( ووضْع عمليات لحلّ النزاعات، وآليات
لرَصْد الحدود، واستراتيجيات تَكَيُّفيّة أخرى خلال الأزمات.
خمس عِبَر أوسع نطاقاً
لقد حدّد المؤلّفون العِبَر الخمس الأوسع نطاقاً التالية من دراسات الحالة الأربع:
الجغرافيا: كانت الحدود مهمّةً في تحديد ما إذا أصبحت مجتمعات معيّنة أكثر مرونةً في وجه الجهات الفاعلة الطائفيّة، وهي غالباً ما تنشأ من خارج البلد. ففي سوريا مثلاً، شكّلت قدرة الجهات الفاعلة الطائفية على العبور من تركيا دافعاً رئيسياً
مؤدّياً إلى المستويات الأعلى من العنف الطائفي في إدلب. أما في العراق، فتساعد القدرة على منْع الدخول الماديّ للميليشيات الطائفية إلى بعض الأحياء على تفسير مستويات العنف الطائفي المختلفة في المجتمعات.
يمكن للنُخَب السياسيّة أن تعزّز الطائفيّة وأن تعيقها على حدّ سواء: يمكن للنُخَب السياسيّة التي تعتمد على أنظمة المحسوبيّة، ولا سيّما من مصادر خارجيّة، أن تعزّز الطائفيّة وتحبط التعاون العابر للطوائف. على الرغم من ذلك، عندما تفقد هذه النُخَب المشروعيّة وتعجز عن تلبية متطلّبات دوائرها
الانتخابية، كما جرى في لبنان، قد تُتاح الفرص لقادة بديلين ولحركات بديلةٍ تعمل على أجندات غير طائفيّة.
إنّ تطوير المجتمع المدني أمر أساسيّ: تستدعي الحركات غير الطائفيّة بعض الانفتاح من الفضاء السياسيّ، أقلّه على المستوى المحليّ، لتتمكّن الحركات من التَشَكُّل حول قضايا تتجاوز الهويات الطائفيّة، مثل التنمية الاقتصاديّة، والإصلاح التعليمي، وتمكين المراة، والتحديّات البيئيّة. في حال حركة بيروت مدينتي في لبنان، شكّلت أزمة جَمْع النفايات نقطة التركيز الرئيسية للتنظيم على مستوى الشعب والحشد السياسيّ عبر خطوط طائفيّة.
يمكن أن يشكّل التفاعل العابر للطوائف منطقةً عازلةً في وجه الطائفيّة: مع ارتفاع مستويات الثقة والتواصل الاجتماعي بين أعضاء المجتمعات على امتداد خطوط طائفية، يزداد رأس المال الاجتماعي أيضاً، الأمر الذي يمكن أن يجهّز المجتمعات بشكلٍ أفضل لمقاومة الانزلاق إلى الطائفية عندما ينشب صراع ما. على عكس ذلك، عندما يتمّ تشكيل المجتمعات للفصْل بين المواطنين على طول خطوطٍ طائفيّةٍ ولإحداث فوارِق اقتصاديّة، كما جرى في مدينة حمد في البحرين، تزداد توقّعات الانقسام والصراع الطائفيين.
تُحَسِّن الفجوات الاجتماعية الاقتصاديّة الأقلّ حدّةً قدرة المجتمع على مقاومة الطائفية: يُبَيِّن مثال مدينة عيسى من البحرين أنّه، ومع تضييق الفجوات الاجتماعيّة الاقتصاديّة بين المُقيمين السنّة والشيعة، يَقُلُّ احتمال نشوء المظالم والعنف الطائفيّ. ولكن في الأحياء حيث المظالم والتمييز الاقتصاديّ أكبر، تُعتبر المجتمعات عرضةً للعنف الطائفيّ.