بوابة الحركات الاسلامية : الدكتور محمد شوقي الزين : التطرف الديني يعيش حالة من الانحسار (طباعة)
الدكتور محمد شوقي الزين : التطرف الديني يعيش حالة من الانحسار
آخر تحديث: الثلاثاء 24/05/2022 12:38 م روبير الفارس
الدكتور محمد شوقي
اكد الباحث والمفكر محمد شوقي الزين، الأستاذ السابق للفلسفة في جامعة إكس أون بروفانس الفرنسية، وأستاذها الحالي في جامعة تلمسان في حوار له مع مجلة الفيصل السعودية  ان التطرف الديني مثله مثل التطرف القومي هو ما يتفاقم من العلاقة بالدين، وما يحتد من العلاقة بالوطن. كل تفاقم أو إفراط أو إسراف يضر بالدين كما يضر بالوطن. وذلك  لأن نظام الخيال لا يتلاءم أو لا ينطبق مع نظام الواقع. 
في الدين، نتخيل يوتوبيا في شكل مملكة الله في الأرض أو الخلافة، وفي الوطن نتخيل عرقًا صافيًا ومتفوقًا كما كانت تؤمن الأيديولوجيا النازية. في كلتا الحالتين نحن إزاء ظاهرة مَرَضية، متفاقمة مثل الحمى، مُسرفة تتجاوز حدود العدل والاعتدال، حدود التوازن بالسقوط في الاختلال. إذا كان التطرف الديني يعيش حالة من الانحسار في المنطقة العربية، فذلك لأسباب ثقافية وسياسية.أما الأسباب الثقافية، فهي رفض المسلمين أن تلتصق بهم نعوت التطرف والإرهاب وأن تُسحَب منهم نعوت التسامح والتعايش، وبخاصة أن لهم تمثلًا تاريخيًّا هو صناعتهم لحضارة إنسانية من بغداد ودمشق والقاهرة إلى غرناطة وقرطبة تعايشت فيها مجتمعات متنوعة الانتماء الثقافي والديني، وتجادلت فيها تيارات كلامية وفلسفية، وتناقشت فيها مصاير وقرارات. بهذا التمثل الذي يجعلهم ورثة حضارة إنسانية، يرفضون أن يُنسبوا إلى التعصب والإرهاب. وأما الأسباب السياسية، فهي إقدام الحكومات العربية والإسلامية على محاربة التطرف بالقانون من جهة، وبالتربية من جهة أخرى.

بهذه المحاربة المزدوجة تراجع التطرف الديني لكن لم تزُل أسبابه التي هي مادية من جهة، ورمزية من جهة أخرى. أما الأسباب المادية فهي ضعف المدخول والفقر الذي يمس شرائح واسعة من المجتمعات العربية والإسلامية، وأما الأسباب الرمزية فهي الجرح النرجسي في فقدان العظمة الإسلامية التي صنعت حضارة إنسانية اختفت ولم تعُد قادرة على الانبعاث أو النهوض. لكن يبقى التطرف الديني الاستثناء وليس القاعدة، الأقلية في العدد وفي العُدة.

  وحول سؤال يقول هل يمكن للصوفية أن تكون بديلًا أو سبيلًا للخلاص من التوجهات الدينية المتشددة؟
 قال الدكتور محمد في حواره مع الكاتب الجزائري "موسى أشرشور "أنا واثق من ذلك. الرؤية الصوفية للعالم هي رؤية هادئة، وتأملية، وبنائية. تصور أن الكاثوليكية التي طبعت الغرب خلال أكثر من ألف سنة هي فرقة صوفية من المسيحية. كبار المفكرين الكاثوليك كانوا متصوفة مثل أوغسطين والمايستر إكهرت اللذين تركا إرثًا هائلًا أثر في تاريخ الغرب ومصيره فيما أصبح يسمى بسؤال الذات أو كيف يتمثل الغرب ذاته. انطلق هذا السؤال من المتصوفة لينتهي عند الفلاسفة مثل ديكارت (الذي تربى عند اليسوعيين وهم فرقة صوفية) وإلى فرويد مرورًا بالروح الرأسمالية والفلسفة الليبرالية مع الإصلاح الديني عند البروتستانت.

وأضاف قائلا لدينا تراث صوفي كبير يمكن استئنافه بالاقتباس منه في تنظير عصري تنتقل فيه الرؤية الصوفية إلى القراءة الفلسفية والدينية للتراث، وإلى المعالجة النفسية للفرد والمجتمع. لماذا هجرنا التصوف؟ لأن تصورنا له في غاية الابتذال والغفلة. أولًا: أرجعناه إلى الفرار من العالم. هذا خطأ، لأن الفلسفات الحاسمة في تاريخ البشرية مثل الرواقية كانت ذات نزوع صوفي، وقدمت دعامة أساسية لبناء نظريات اجتماعية وأخلاقية كان لها دوي كبير في تاريخ الفكر؛ ثانيًا: أرجعناه إلى زوايا وطرق ومشيخة وهذا فقط التجلي الأنثروبولوجي.

أما التجليات الفكرية والفلسفية لا تزال اليوم مهمشة بالرغم مما كُتب حول أسماء شهيرة مثل ابن عربي والسهروردي، لكنها قراءات بقيت في حدود التكرار والقدامة. أي أننا أهملنا البُعد الفكري للتصوف لنركز على البُعد الاجتماعي والأنثروبولوجي؛ ثالثًا: فصلنا بشكل حاد بين العقل والقلب، ومن ثمة بين الفلسفة والتصوف، ولم نلقَ جسورًا بينهما. مثلما اكتشف كانط قارة الفاهمة بين العقل الخالص والحس وهو أمر خفي عن الغزالي وابن سينا والفارابي، اكتشف الكاردينال نيكولا الكوزي، متصوف ألماني، قارة العقل اللطيف (intellect) الذي هو وساطة بين العقل الكثيف (reason) والعالم الحسي، أي إمكانية الربط بين الفلسفة والتصوف بهذا العقل الوسيط.

نسينا أن الفكرة موجودة عند ابن عربي، لكن لم نُعِرْها الاهتمام لأن استهلاكنا للدين لا يزال تراثيًّا أو ما سماه الجابري «القراءة التراثية للتراث»؛ رابعًا: انجر عن الفصل الحاد والجذري بين العقل والقلب أو بين الفلسفة والتصوف، احتقار الثاني وإرجاعه إلى شطحات وخزعبلات، ونسينا أو تناسينا المدونة النفسية التي يزخر بها التصوف التي سمحت في الغرب بظهور التحليل النفسي على أساس التجربة أولًا (المنهج الوضعي الشائع وقتها) وعلى أساس الاقتباس من مدونة الصوفية الكاثوليك مثل تيريزا الآبلية التي ألهمت جاك لاكان في التحليل النفسي. يُوفر التصوف صورًا إبداعية يمكنها أن تصير أفكارًا تأسيسية في المجالات الاجتماعية والنفسية.