بوابة الحركات الاسلامية : الأقليات فى مصر.. متى تنتبه الدولة؟ (طباعة)
الأقليات فى مصر.. متى تنتبه الدولة؟
آخر تحديث: الجمعة 17/02/2023 05:51 م
سليم صفي الدين سليم صفي الدين
بدايةً، سوف أترك التعريفات والمفاهيم الأكاديمية حول الأقليات جانبًا، وأغوص في تلابيب المفاهيم الشعبوية المصرية التي نحن بصدد التصارع معها فى مقامنا هذا، فالأقليات في المفهوم الشعبوي المصري هي مجموعة من الأفراد، لا حق لهم ولا صوت، ويجب عليهم التبعية للأغلبية السائدة والمسيطرة على مجريات الأمور في الشارع السياسي والاجتماعي والديني والتربوي والأخلاقي، إلى آخره.
وهو ما يتنافى بكل تأكيد مع المفاهيم الأكاديمية المتعارف عليها لفكرة الأقليات، ولكن سوف أزيدك من الشعرِ بيتًا بأن أقول بوضوح إن الأقليات في مصر ليست تابعة بالإجبار فقط، بل إنها فئة مزدراة ومرفوضة ومكروهة ومجابهة مهما كان عددهم!
وقبل الخوض والشرح في تلك المسألة المؤلمة في جبين الوطن، نذهب إلى المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية، وكذا إلى أقليات دينية، والتي تشير إلى لزوم حماية الدول لوجود تلك الأقليات. والأقلية بوجهٍ عام هى مجموعة من المواطنين عددهم أقل من عدد باقي السكان، أمّا السكان الأصليون فهم الأشخاص الذين كانوا يمكلون أراضٍ في إقليمٍ محدّدٍ قبل غزوه أو استعماره، وهنا حدث ولا حرج.
وحتى يكون لحديثنا منهجية تأصيل سوف نطرح ما يدور في الوجدان الشعبي المصري حاليًا، ونذكر ما ينافيه بالأرقام -هذا إن وجدت-.
العقل الجمعي المصري مُصر منذ عقود على أن الجسد المصري مكون من عنصرين اثنين لا ثالث لهما، "المسلمون وهم الأغلبية بلا شك، والمسيحيون وهم الأقلية بلا ريب" وعليه تم دحض كافة الأقليات الأخرى، وبما أن المسيحيين -اجتماعيًا- لا حق لهم في شيىء (وكفاية إننا سايبنهم عايشين معانا) كما يردد البعض، فبالتبعية فقدت كل الأقليات الأخرى حقوقها قبل أن تظهر وتعلن عن نفسها من الأساس!
وحتى تتضح الصورة سوف أعرض حقيقة الأقليات في مصر، وما يتعرضون له من اضطهاد وتعنيف، بل وأحيانا قتل بلا جانٍ!
قد تتعجب عزيزي القارئ حينما أقول إنه لا توجد إحصائية موثوق بها بالنسبة لي كباحث، تؤكد عدد المسلمين داخل مصر؛ فكلها أرقام خزعبلية مضخمة جدًا بلا دليل إحصائي واحد، حتى أن البعض قد ذهب إلى أن عدد المسلمين داخل مصر كسر حاجز الـ90%، الأمر الذي ترفضه حقيقة باقي الأقليات داخل الإقليم المصري.
وإذا فرضنا -مجازًا- صحة تلك الأرقام "العشوائية" فهل كل هذا العدد من المسلمين ينتمون إلى مذهب واحد؟ أم أنَّ بعضهم ينبذ بعضًا؛ ويكفر كلٌ منهم الآخر؛ بل الأدهى أن يُخرج بعضهم بعضًا من الدين أفوجًا!
فإذا جئنا مثلًا إلى التيار الأكثر انتشارًا في الشارع المصري، وانتشاره ليس عن وعي شعبي، بل عقل جمعي صُنع بفعل فاعل على مدار أكثر من ثلاثة عقود كاملة -ولهذا مقال آخر- وهو التيار السلفي، لن أتكلم عن تكفيرهِ لغير المسلمين، فهذا أمرٌ منتهٍ تماما ولا يحتاج إلى دليلٍ أو بحث، وإنما نفس هذا التيار كفّر "الأزاهرة، والمتصوفة، والشيعة -بكل طوائفها-، والمتكلمين بفلسفة الدين، والفلسفة الإسلامية، من أمثال الدكتور نصر حامد أبو زيد -الذي تحتفي بهِ السعودية الآن ونحن ما زلنا ننبذه وعلمه- وعليّ مبروك، وحسن حنفي، ومحمد الخُشت، ويوسف زيدان، إلى آخر تلك القائمة، وبذلك انغلق الدين على مذهبهم، وأُقفلَ أكثر على من تبعهم هم أنفسهم بما قالوا وما فعلوا، ومن خالف حرفًا، كفر وتزندق.
ثم نأتى للمتصوفة، والتي نشر عنها موقع DW تقريرًا في مارس 2014 يحمل عنوان "الطرق الصوفية في مصر؛ تقارب مع السلطة وصراع مع السلفيين" جاء فيه أن الطرق الصوفية المختلفة في مصر والمنتشرة في العديد من المحافظات، يقترب عدد مريديها ومحبيها من 10 ملايين!
وهو ما يتنافى مع بيان المشيخة العامة للطرق الصوفية الصادر في يونيو 2012، أي قبل ذلك التقرير بنحو عامين كاملين، جاء فيه اعتراض المشيخة على عدم تمثيلها بتأسيسية الدستور، مشيرة إلى أن ذلك يعد إهمالًا متعمدًا لأعرق مؤسسة مصرية ينتشر أتباعها في كافة ربوع البلاد، وصرح حينها عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، بأن الوثيقة الدستورية تعد في المقام الأول عقدًا اجتماعيًا وأن إهمال طائفة تمثل ما يزيد عن 15 مليون مواطن مصري هو إغفال متعمد.
أي أننا بحسب تصريح "القصبي" أمام أقلية تمثل وحدها فقط 15 مليون مصري!
ونظل في طور الإسلام، فقط نذهب إلى فئة أخرى ليست قليلة العدد ولكنها أقلية مُكفَّرة من قِبَل التيارات الدينية السلفية المختلفة، وهم القرآنيون، لا أستطيع الجزم بعددٍ محددٍ لهم، لكنهم فئة ليست بالقليلة، ومنهم من تخرج من الأزهر، أو درس فى الخارج، وقد سبق أن أعلنوا عن أنفسهم قبل ثورة يناير 2011، وأثناءها، ثم اختفوا، وأظن أن الأسباب معروفة.
هذا فضلا عن الشيعة، والمقدر عددهم داخل مصر بالآلاف، ولكن تصريحات قادتهم تقول إنهم يتخطون حاجز المليون، وبحسب صحيفة الإيكونومست، فإن التقديرات تقترب من المليون، وأيضًا وفقاً لتقرير الحريات الدينية الذي تصدره الخارجية الأميركية فإن عدد الشيعة في مصر يقدر بحوالي 1% من إجمالي السكان المصريين، هذا حينما كان عددهم 70 مليونًا! وبما أننا ذكرنا الشيعة فلا يمكن أن ننسى ما حدث مع الشيخ الشيعي حسن شحاتة، الذي قتل علنا وتم التمثيل بجثتهِ ولم يحاكم بتهمة قتلهِ أحد!
ننتقل إلى الفئة الأكثر غرابة في مصر، وهم البهائيون، بكل تأكيد لن تجد مصريّ واحد يقدر عددهم، فهم يتبعون الدين البهائي، غير المعترف به داخل القطر المصريّ، بل الأكثر دهشة هو اعتبار الدين البهائي مذهب داخل الدين الإسلامي! ورغم حصول هذه الفئة على حكم من محكمة القضاء الإداري في إبريل 2006، والذي أقرت فيه المحكمة بحق المواطنين المصريين البهائيين في الاعتراف بديانتهم وإثباتها في أوراقهم الرسمية، كان قد سبقه حكمًا للمحكمة الإدارية العليا في عام 1983 ألزمت فيه المحكمة وزارة الداخلية بإصدار بطاقة شخصية لأحد المواطنين تثبت اعتناقه للديانة البهائية، إلا أن كل ذلك أصبح لا محل له من الإعراب أمام سلطة المؤسسات الدينية، والذين أنتهى بهم المطاف إلى الانزواء خوفًا على حيواتهم.
تخيل معي عزيزي القارئ أن كل ما كُتِب، وأمام كل تلك الأرقام التي حاولت البحث عنها، لم أخرج عن دائرة الإسلام السلفي الشعبوي، وذلك ليس لشيءٍ سوى كسر وتطويع كافة المذاهب المنبثقة عن الإسلام لطائفة واحدة بعينها، وهذا ما قد نجحوا فيه بشكلٍ ليس بضئيل.
ننتقل خارج الإسلام، إلى المسيحيين، المعترف بهم وبدينهم في مصر، ورغم ذلك لن تجد أيضًا إحصاءً واحدًا يحدد عددهم في مصر، وأمام ذلك الغموض ادعى الأقباط أنهم يمثلون نحو 15% من إجمالي تعداد سكان مصر، وفي حوارهِ الذي أجراه البابا تواضروس الثاني، مع إحدى الصحف السعودية في 2018، قال إن تعداد المسيحيين في مصر بلغ نحو 15 مليونا، فضلا عن مليونين يقيمون خارجها!
ثم نترك الأديان قليل لنذهب إلى فئة أخرى ليست هينة سواء في أفكارهم أو عددهم، وهم الملحدون، ففى يناير عام 2018، كتب دندراوي الهواري، في مقالٍ له بعنوان "مصر الأولى في الإلحاد ورقم 13 عالميًا في الإرهاب.. «إزاي مش عارف»؟!" أن عدد الملحدين في مصر بلغ 5 ملايين ملحد، وذلك بحسب جهات معنية قدرت الأمر، وذلك بحسب ما نشرهُ هو حينها.
كل هذه الأرقام يا عزيزي فضلًا عن النوبيين، الذين قدموا مقترحًا لمادة دستورية تعترف باللغات النوبية والأمازيغية والقبطية كلغات محلية من خلال ممثلهم في لجنة الخمسين "حجاج أدول" لتكون لغتهم لغة رسمية لهم بجوار العربية.
إذا ذهبنا للدستور والقانون المصري سنجد أن الكل سواء أمامهما، ولا وجود لمعنى أو مفهوم "الأقلية" ومن خلالهما سعت الدولة إلى المساواة بين المواطنين كافة، والمادة (244) و(235) من الدستور المصري يؤكدان ذلك. وهذا يوضح جليًا مساعي الدولة للتوفيق بين أطياف المجتمع، ورفض الفئة الغالبة محاولاتها للمساواة بين كافة المواطنين دون تفريق!
إذًا، نحن أمام اختلافات فكرية، وعقائدية، ودينية، وعرقية، وسياسية كبيرة جدًا داخل النسيج المصري، وهذا لا يعني انشقاق، فالاختلاف ليس خلاف، بل إنه سُنّة محمودة في تاريخ عالمنا الإنساني،
أما المرفوض؛ فهو أن يكون هناك كل ذلك الاختلاف، وما زلنا نقول بأننا منهج واحد، وطريقة تفكير واحدة، وكلما ظهرت مجموعة تعبرعن نفسها وكنهها، يتم تهديدها وإرهابها فكريا.
الدستور والقانون المصري، حاولا كثيرًا تمثيل تلك الأقليات عن طريق مواد صريحة داخل الدستور والقانون المصري مثلا المادة الثالثة من الدستور المصري، والتي تنص على "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، ومواد غير صريحة أقرت فيها بحق المواطنين في التعبير عن آرائهم، وأن الكل أمام القانون واحد... إلى آخره
ولكن كل ذلك سيذهب سدًى طالما التيار الديني ما زال يعتلي المشهد، ويتولى قيادة أمور الشارع المصري، وحتى يتم سحب البساط من منه وتكون للدولة بمؤسساتها السلطة والكلمة الأولى، ومن ثم الاعتراف بكافة الأفكار والتيارات في إطار قانوني ودستوري منظم لكل تلك الاختلافات، يجب تقزيم دور رجالات الدين بشكل عام، وغلق الأبواق الإعلامية المفتوحة لهم على مصراعيها، فقد تكلموا في كل شيء، بلا استثناء حتى توافه الأمور، وذلك نظرا لحجم المساحات الإعلامية المفتوحة أمامهم. وأن يتم كذلك فتح المجال للمفكرين، وأصحاب الرؤى، وأن يعود المسرح الذي نعرفه، وكذلك السينما، فما يفعله عرض مسرحي واحد، يضاهي قوانين تضعها الدولة لنزع حقوق أقلية بداخلها، فالمواطن إن فهم وأدرك، لن يحتاج إلى نص قانوني كي يتعامل مع غيره بمساواة وحق في الوطن.
الدولة المصرية يجب أن تنتبه إلى كل هذا الكم من الاختلاف، قبل أن يتحول بفعل الضغط إلى خلاف، ومن ثم يؤدي إلى انفجار لا يعلم عواقبه أحد غير الأيام.
 ما زالت الفرصة سانحة، وأظن أن الدولة تريد، فقط افتحوا المجال وقزموا رجالات الدين.