عودة الى الموقع عودة رئيسية الملف
مدخل
بوابة الحركات الاسلامية
تمر شبه جزيرة سيناء في الوقت الراهن، بمنعطف شديد الخطورة، برزت ملامحه الأولى بالتوازي مع سقوط حكم الإخوان لمصر، في الثلاثين من يونيه لعام 2013، في تداعٍ على أكثر من مستوى كشف عن حقيقة وجود نشاط إرهابي في سيناء، اعتمد في تنفيذ عملياته على عدة عوامل محورية، منها الجغرافيا والخريطة الاجتماعية والقبلية وتسليح الجماعات المتطرفة واستراتيجية تحركهم، إضافة إلى تعاون التيار السلفي مع جماعة الإخوان وارتباطه بمصالح اقتصادية وسياسية وأيديلوجية.
وقد أسهمت هذه العناصر في خلق واقع، بحاجة إلى مواجهة دقيقة ومحسوبة، دون التركيز على عوامل بعينها وإهمال أخرى، حتى تُسد تلك الفجوات الجانبية التي أثرت سلبًا في مسيرة حرب الدولة على الإرهاب، وقد فطنت الجماعات المتطرفة لتلك الإشكالية، فلعبت على وترها، بمحاولات متكررة في استقطاب القاعدة القبلية إلى صفوفها، ولا مجال لإنكار تحقيق الجماعات نجاحًا ما في مسعاها حتى الآن، خاصة أن الظهير السلفي المتعاون مع الإخوان، يملك حتى الآن حرية التحرك الدعوي والمحرض على الدولة المصرية، مستغلاً رصيده المالي المدعوم من الجماعة، فضلًا عن علاقاته بالمجتمع المحيط، وممارسته العمل الاجتماعي عبر جمعياته الأهلية، خلال عقود مضت.
1 - سيناء بين استراتيجيتين
اللواء احمد وصفي
اللواء احمد وصفي
أشارت المعطيات الأولى لتحرك الجماعات المتطرفة في سيناء، والتي تزامنت مع أحداث يناير 2011، وما أعقبها من انفلات أمني، إلى أن هناك صفقات وتوجهات عامة بين تلك التنظيمات المحلية وأخرى إقليمية، وأن هناك هدفًا يتم السعي إلى تحقيقه، خاصة بعد أن شهد مارس 2011 طباعة أول جرافيتي تكفيري، على جدران منازل "الشيخ زويد"، جاء بتوقيع "إمارة سيناء الإسلامية"، والذي يكشف بدوره حقيقة التربص بتلك المساحة الجغرافية ذات الأهمية الجيوسياسية، ومحاولة سيطرة التيار الراديكالي عليها، واقتطاعها من الخريطة المصرية، لصالح الأجندة الغربية التي ترى في مشروع "الوطن البديل"، حلاً أمثل للقضية الفلسطينية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أن أجهزة الدولة المعلوماتية والسيادية، كانت تمتلك رؤية وافية عما يدور على أرض سيناء، فإن هناك بعض العوامل التي عطَلت عملها نحو إنجاز خطوة فارقة في تطهير سيناء من البؤر الإرهابية، ويأتي على رأس تلك العوامل علاقة تنظيم الإخوان بتلك الجماعات، في فترة تصدر فيها التنظيم المشهد السياسي، واحتكر أغلبية المجالس النيابية، ليمارس لعبة كروت الضغط على السلطة السياسية، المتمثلة في المجلس العسكري، والذي بدأ بدوره أولى خطوات التطهير في أغسطس 2011، مع إطلاق العملية العسكرية "نسر1"، في حين أن العديد من الخبراء الاستراتيجيين يرون أن التطهير الفعلى بدأ مع زوال النظام الإخواني، وعزله عن حكم البلاد في الثلاثين من يونيه 2013.
وقد تولى الفريق أحمد وصفي قائد الجيش الثاني الميداني حينها، مهمة قيادة العملية العسكرية في حربها على الإرهاب، والذى نشط بقوة بعد عزل د. محمد مرسى، كاشفاً عن تطور نوعي كبير في إمكانيات التنظيمات الإرهابية، التدريبة والقتالية والخططية، إضافة لمهارات التستر والتخفي والهروب، والتي تكشف عن سنوات من الاستعداد والتأهيل للقيام بتلك المهام الإرهابية، ولفترة ليست قليلة كانت الأمور تسير في جانب الجماعات المتطرفة، التي قاومت عمليات التطهير على مدار تسعة أشهر، بل إن مساحة نشاطها انتقلت من سيناء إلى خارجها، لتصل قلب العاصمة وتضرب مبنى مديرية أمن القاهرة، في سابقة لم تحدث من قبل.
 إن المتابع الجيد للأوضاع في سيناء، يدرك تماماً أن حسم المعركة يأتي من عاملين مهمين، قاعدة معلومات دقيقة والضربات الاستباقية، لكن ما يدور على أرض الواقع، يؤكد أن القاعدة بها قصور ينعكس على القدرة في القيام بضربات استباقية.

أ - الجغرافيا والتاريخ
بوابة الحركات الاسلامية
أهل مكة أدرى بشعابها.. من هذا المنطلق كان للجغرافيا دور مهم في حرب الدولة على الإرهاب، فالتضاريس الوعرة التي تتميز بها شمال سيناء، ساعدت الجماعات المسلحة كثيرًا في حسم العديد من المعارك لصالحها، وقد سخرت الدروب والوديان والصحاري والجبال في خدمة عملياتها، كما أنها اتخذت من منطقة الشريط الحدودي، الذي يفصل بين الأراضي المصرية والأراضي المحتلة مظلة حماية استراتيجية، حيث إن اتفاقية كامب ديفيد تلقي بظلالها على هذا الشريط البالغ طوله حواليْ 260 كيلو مترًا، وهى منطقة ذات حساسية خاصة حسب بنود الاتفاقية، والتي أصبحت مأوى للغالبية العظمى من العناصر الإرهابية، بحكم أنها منطقة تماس تخضع لحسابات دقيقة، قبل أي عملية أمنية أو عسكرية بها.
وقد اتضح من خلال نتائج العمليات الاولية، ان التحرك البرى للقوات ينقصه القليل من الحسابات التي تقوم على قاعدة معلومة دقيقة، عن جغرافيا المنطقة، فعمليات التفخيخ التي كانت تستهدف الدوريات الأمنية والعسكرية، بداية من زرع الألغام، وحتى السيارات المفخخة، والذي تكرر مرات عديدة بنفس الأسلوب، على مدار الشهور الأولى من بدء التطهير بعد ثورة 30 يونيه، والتي كان من الممكن تلاشيها، بتغيير خطوط سير الحملات المتجهة لمناطق التجمعات الإرهابية، وهو ما يؤكده لجوء القوات بعد فترة قليلة، لمشاركة الطائرات الأباتشي في العمليات دعماً للمشاة، تحاشياً لتلك الكمائن والأفخاخ التي تتعرض لها .
كما أن استهداف خطوط الغاز، لأكثر من 20 مرة، وتعرض الكمائن الثابتة لإطلاق نار، خاصة كمين "الريسة" الذى تعرض لـ 50 هجومًا، ونجاح المنفذين في الفرار، مستخدمين الدروب الصحراوية والوديان، يؤكد أن المعرفة بطبيعة المنطقة جغرافيًا، من أهم عوامل الحسم في المعركة، فحينما تطفئ السيارة مصابيحها وتسير بسرعة تفوق 120 ك/س على ضوء القمر، هنا تسيطر المعرفة بجغرافيا المنطقة على مجريات الأمور، وعندما تنحصر المنافسة بين الرادار وقصَاص الأثر في غياب طاقة التشغيل، فالغلبة ستكون في جانب التاريخ والعنصر البشري.

ب - "المدفونة".. الجغرافيا تحمى الإرهاب
سعيد اعتيق
سعيد اعتيق
عندما تجد الكثبان الرميلة العملاقة تحيط ببقعة أرض شديدة الانخفاض، وتجد أشعة الشمس تنعكس على حبات الرمال الصفراء الممزوج بالسراب، وتعجز على المُضيّ مترجلاً من وعورة المدقات، ستعلم لماذا أُطلق عليها "المدفونة"، ولماذا اتخذها قادة أنصار بيت المقدس مأوىً لهم، فالقرية المذكورة تغيب عن الخريطة، وبمجرد أن تفتح هاتفك المحمول، تجد رسالة نصية باللغتين العربية والعبرية، ترحب بك في دولة إسرائيل، ولأنها تميزت بخصوصية تواجدها على خط التماس مع الأراضي المحتلة، أصبحت كنزًا استراتيجيًا للجماعات الإرهابية، يصد عنهم هجمات صواريخ الأباتشي، لأن وجود طيران عسكري مصري في تلك المنطقة، يجب أن يتم بالتنسيق بين الحكومة المصرية والإسرائيلية، وفي حالة أن تم التنسيق، وبمجرد إخطار الجانب الإسرائيلي بميعاد العملية، تجد المعلومات في حوزة العناصر الإرهابية، التي تختفي عن المنطقة في دقائق معدودة، قبل استهدافها.
الطريق إلى "المدفونة" مراقب على مدار 24 ساعة، حيث تتمركز عناصر "الرصد والمراقبة" على طول الطرق المؤدية للقرية، والتي تصل إلى عشرات الكيلومترات، وقد وفرت المساحات الشاسعة التي تحيط بالمنطقة، مجال مراقبة لأي حملة أمنية متجهة للقرية، فبمجرد أن تنطلق الحملات الأمنية من أقرب نقطة للقرية، والتي غالباً ما تكون قرى الشيخ زويد أو رفح، تصبح في مرمى بصر "جواسيس" الجماعات المتطرفة المسئولة عن تأمين الطريق، ويتم إبلاغ القيادات الموجودة في القرية.
وقد كشف الناشط السيناوي "سعيد أعتيق"، عن أن قيادات أنصار بيت المقدس وعناصرها، يتواصلون ببعضهم مستخدمين أجهزة لاسلكي خاصة متطورة ، يصل مداها لأكثر من 150 كيلو مترًا، وأشارت المصادر إلى أن الأجهزة مرتبطة بمحطة بث رئيسية في قطاع غزة، كما كانت هناك محطة تقوية إشارة بالقرب من مدينة العريش، إلا أن القوات المسلحة قامت بتدميرها، منذ ما يقرب من شهر، وتؤكد مصادر أمنية  أن الجماعات تمتلك أجهزة اختراق لأجهزة اللاسلكي التي تستخدمها الأجهزة الأمنية في سيناء، وقد ألقت الجهات الأمنية القبض على بعض عناصر الرصد، وكانت بحوزتهم نماذج من اللاسلكي المُستخدم وهي إسرائيلية الصُنع، كما كشف المصدر عن أن أغلب عناصر المراقبة يكونون من الصبية دون الـثمانية عشر عامًا، حيث ترى الجماعات أن الصبية في مثل هذه السن، لا يثيرون الشكوك الأمنية فيهم.

بوابة الحركات الاسلامية
من جهة أخرى أكد شهود عيان أن الإرهابي "شادي المنيعي"، القيادي بتنظيم أنصار بيت المقدس، يتردد بصورة متقطعة على القرية المذكورة، ويجتمع ببعض الأشخاص المنتمين للتنظيم، ولا يمكث في القرية أكثر من نصف ساعة، ثم يغادرها في حماية عدد من أنصاره يستقلون سيارات دفع رباعي ومدججين بالأسلحة، ويضم موكب حراسته، سيارتين مزودتين بأسلحة مضادة للطائرات، تشبه السيارات التي يستخدمها عناصر "داعش" في سوريا والميلشيات المسلحة في ليبيا، وأوضحت المصادر أن المنيعي كان يقيم لفترة في المدفونة، قبل أن تحدث خلافات داخل التنظيم، وينشب صراع بين القيادات على أولوية السيطرة وقيادة أنصار بيت المقدس، وبعد أن قُتل عنصران من التنظيم على يد زملائهم بالقرب من قرية الجورة، وهما "أبو شريفة" و"أبو الحسن"، بعدها استشعر "المنيعي" أن الصراع قد يستهدف رقبته، فاختفي عن القرية لفترة، وعاد للظهور مرة أخرى على فترات متباعدة وفي حراسة مشددة، لكنه ظهر مجددًا بشكل متكرر ، بعد إذاعة نبأ مقتل "توفيق محمد فريج زيادة"، وهو ما اعتبرته قيادات قبلية، دلالة على ما تداول في الأوساط المتطرفة، عن خلافات قوية داخل التنظيم.
أما سكان القرى القريبة من "المدفونة" فقد أكد بعضهم أن القرية معروفة بإيواء العناصر الإرهابية منذ التسعينيات، حتى تحولت إلى مجتمعٍ من معتنقي الفكر التكفيري بنسبة 85% من إجمالي السكان، كما أكدت مصادر قبلية أن القرية تعتبر غرفة عمليات الجماعات الإرهابية التي تستهدف عناصر الجيش والشرطة على أرض سيناء،  فأصبح من الطبيعي أن نربط بين توافد سيارات الدفع الرباعي، المحمَلة بالعناصر المسلحة، وبين اقتراب موعد عملية مسلحة كبرى، تستهدف القوات المرابضة في سيناء، وهو ما أطلق عليه أحد الرموز القبلية "متلازمة الاجتماعات والدم"، مشيرًا إلى أن اجتماعات المدفونة مقترنه بإسالة الدماء، حيث أشار المصدر إلى أن القرية شهدت العديد من اجتماعات "مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس"، بعد تكوينه في منتصف 2102، أضافة إلى معسكرات التدريب المسلح، الذى كان يقام فيها، بعد انضمام العناصر التكفيرية للتنظيمات المتطرفة التي نشطت في سيناء بعد 2011، وكانت تدار المعسكرات بمعرفة رجال كتائب القسام التابعة لحركة حماس، وقد انتشرت عدة مقاطع فيديو على مواقع الإنترنت توضح نشاط تلك المعسكرات.

بوابة الحركات الاسلامية
وأفادت المصادر أن المنطقة المحيطة بالمدفونة، تنتشر فيها مخازن الأسلحة والذخيرة، وأوضحت المصادر أن تنظيم حماس، كان يتخذ العديد من المناطق القريبة من الحدود كمخازن للأسلحة، بعد أن اكتفي بالكميات المتواجدة بالقطاع، من صواريخ أرض – أرض وأرض جو، سواء التي تنطلق من منصات أو المحمولة كتفاً، وبعد أن اشتدت الحرب على الإرهاب، وباتت قريبة من أوكاره، لجأت الجماعات للاستعانة بتلك المخازن في عملياتها الإرهابية، خاصة أنها تدربت عليها تحت إشراف حماس من قبل، إضافة إلى أن القيادات الإرهابية تنقسم إلى عناصر مصرية وأخرى فلسطينية، وهو ما يؤكد أن الجماعات المتطرفة تربطها علاقة تجارة وتخزين للأسلحة مع حركة حماس، والتي بدورها على دارية وافية بأماكن التخزين ونوعية التسليح.
وتبقى "المدفونة" خارج نطاق المواجهة الجادة، باستثناء عملية واحدة قامت بها قوات الجيش المصري، بالقرب من حدودها الغربية بقرية "التنك"، والتي تبعد عنها مسافة لا تقل عن 2 كم، فالقرية تحوى بين كثبانها وعششها البدائية، تفسير كثير من ألغاز الإرهاب، وفك شفرات العمليات الإرهابية، والتي تكشف عن حقيقة قيادات التنظيمات المسلحة، والجماعات المتطرفة، وتعاونها مع بعض القوى الداخلية والخارجية، وتاريخ العنف المقدس على أرض الفيروز، إن ظهور المدفونة على خريطة المواجهة الأمنية، من دوره ان تكتمل أضلاع مربع الإرهاب ( التومة والمهدية والجورة والمدفونة)

ج - الخريطة الإجتماعية والحسابات القبلية
بوابة الحركات الاسلامية
خصوصية المجتمع السيناوي، تفرض قيودًا شديدة في التعامل معها، سواء على المستوى الأمني أو السياسي أو الاجتماعي، وقد أفرز التعامل الأمني مع هذا المجتمع  فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، جيلاً فاقداً للثقة تجاه الدولة، وكانت فترة ما بعد مبارك وحتى تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، بمثابة التنفس الحقيقي لهذا المجتمع، إلا أن العناصر المتطرفة التي هي جزء من نسيج هذا المجتمع، وجدت متنفسها مع سيطرة تنظيم الإخوان على مقاليد الدولة.. وكانت أبرز ملامح المواجهة تلك الروح الوطنية التي تجذرت في أهالي سيناء، هي الروح ذاتها التي واجهت العدوان الإسرائيلى يوما ما، فمع دخول الآلة العسكرية شبه جزيرة سيناء، في العملية نسر1، وبمجرد عبورها قناة السويس، استقبلها المواطنون بالتهليل والتكبير والفرحة الغامرة، معتبرينه العبور الثاني بعد أن حرمتهم كامب ديفيد من رؤيتها في الشوارع العامة، وقد اختُصت مدن العريش والشيخ زويد ورفح بتلك الفرحة.
فقد لعبت السلطة العاطفية، التي تسيطر على نفوس أبناء سيناء تجاه القوات المسلحة،  دوراً مهماً في التعاون بينهما ضد الإرهاب، إلا أن فترة ما بعد 30 يونيه، تراجعت تلك الروح لعدة أسباب، خاصة أن الجماعات المتطرفة نجحت في استهداف أهم المتعاونين مع الأجهزة الأمنية والمعلوماتية المصرية، وهو ما اعتبره البعض عجزًا من تلك الأجهزة عن حماية رجالها، خاصة رموز قبيلة "السواركة" المعروف عنها قوة العلاقة مع الدولة المصرية وأجهزتها، ومن أشهر العمليات اغتيال الشيخ "نايف أبو قبال"، شيخ عشيرة "الزيود" بقبيلة "السواركة"، ومن بعده شقيقه، ثم الشيخ "خلف المنيعي"، أحد رموز القبيلة، ونجله محمد، ثم كامل أبو ملحوس، أحد أبناء عشيرة "الدهيمات" ومن بعده الشيخ إسماعيل أبوزيد، وهو الرابع من رموز قبيلة السواركة، وينتمى لعشيرة "الإسلاميين"، عبد الحميد سلمى، قبيلة الفواخرية، النائب السابق بمجلس الشورى، الذى تعرض للاغتيال على يد مسلحين أثناء توجهه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، وقد تسببت تلك التصفيات في زرع الخوف بقلوب الأهالي والتوجس من التعاون المعلوماتي مع أجهزة الأمن.

شادي المنيعي
شادي المنيعي
ثم جاء وقوع الضحايا من المواطنين اثناء العمليات العسكرية عن طريق الخطأ، ليكتمل مسلسل الخوف، فحسب ما أكده شهود عيان من سكان مدينتي الشيخ زويد ورفح، فإن النجاحات التي حققتها العمليات العسكرية لا تُذكر، مقارنة بالخسائر البشرية والمادية التي أصابت أهالي تلك المدن، حيث أشارت المصادر إلى أن هناك قرى حوت بعض العناصر الإرهابية بنسبة لا تزيد على 5.%، مثل المهدية والمزرعة، والتومة التي أصبحت شبه مدمرة بالكامل، حيث تعرضت للقصف الجوي، بعدما لم تؤتِ التحركات البرية ثمارَها، وكانت تحركات القوات لتنفيذ عملية بتلك القرى، نتيجة معلومات تتعلق بوجود عناصر إرهابية بها، تقابلها عملية  مضادة من الجماعات المتطرفة، أو أن تفر العناصر قبل وصول القوات، نتيجة وجود عيون مراقبة للطرق التي تتخذها فرق عناصر الجيش والأمن أثناء توجهها لتلك القرى، فقد توفرت معلومات لدى أجهزة الأمن عدة مرات عن تواجد "شادي المنيعي" بقريتي "المهدية" و"التومه"، وتم الإعلان مرتين عن محاصرة القوات له، إلا انه نجح في الفرار من الحصار، وأوضحت المصادر أن الجماعات المتطرفة اتخذت من تلك الإخفاقات سلاحًا معنويًا، قامت باستخدامه ضد التجمعات القبلية، لإظهار نجاحاتها وسيطرتها على مجريات الأمور، وهو ما جعل بعض المتعاونين مع أجهزة الأمن، يتراجعون في إمدادهم بالمعلومات، خوفًا على حياتهم، وتشككهم في إمكانية تأمين أجهزة الدولة لأرواحهم.
مرعي عرعر
مرعي عرعر
ولأن العصبية القبلية تمثل مرجعية أساسية في تلك المنطقة، كان من الطبيعي أن تهتز قاعدة المعلومات المتوفرة لدى أجهزة الأمن والمعلومات، ومن يسعى لعقد مقارنة بين تعاون القبائل ضد العدوان الإسرائيلي، وبين تعاونها ضد الجماعات الإرهابية، فإن قياسه فاسد بالضرورة، حيث إنه في الأولى تعاون ضد عدوان خارجي، أما الحالة الثانية فتحكمها عادات وتقاليد شديدة الصرامة، تعتبر تسريب المعلومات ضد ابن القبيلة وشايةً، وليس عملًا وطنيًا، خاصة في القبائل التي تقطن الشريط الحدودي، وهو ما يفسر غياب الثأر من مغتالي رموز القبائل سابقي الذكر، رغم توفر المعرفة عن قاتليهم بشخوصهم وأسمائهم، إلا في حالة الشيخ "خلف المنيعي ونجله" حيث حاولت عشيرة المنايعة التي ينتمى لها، أن تثأر له بعد رفضهم تلقي العزاء فيه، غير أن الجاني أفلت من هذا الثأر.
هنا أصبح المواطن المصري من أهالي سيناء بين شقي رحى، إما أن يقوم بدوره الوطني الواجب عليه، وفي المقابل تكون حياته وحياة أسرته بالكامل معرضة للخطر، وإما أن يكتفي بدور المشاهد والمتابع للأحداث عن بُعد، وهناك من غلبته نفسه وشارك هذه الجماعات في أعمالها الإرهابية، سواء بالمعلومة أو بالعمل المسلح.
وعلى صعيد آخر نجد الأهالي يشتكون مر الشكوى من الاعتقال العشوائي والكيدى، واستغلال بعض المتعاونين صلتهم بالأجهزة الأمنية، حيث أكدت مصادر عديدة أن هناك متعاونين مع الأجهزة، يديرون حربهم الخاصة مستغلين بذلك حساسية الفترة التي تمر بها البلاد، حيث يقومون بالتبليغ عن شخصيات ويتهمونهم بالانتماء ودعم الجماعات الإرهابية، لوجود خلافات شخصية بينهم وبين المبلغ عنهم، وتطور الأمر إلى الإبتزاز المادي، ويساوم الشخص المستهدف على دفع مبلغ مالي نظير، عدم الإبلاغ عنه، حتى إن الأمر وصل إلى أن هناك مجموعة من اللصوص المعروفين، إذا أرادوا سرقة أحد المنازل، قاموا بالإبلاغ عن أنه يأوي عناصر إرهابية مطلوبة أمنياً، وبعد أن يتم الهجوم عليه وتدميره من قبل القوات ومغادرتها المكان، يدخلون الى المنزل المُهدم ويسرقون كل ما تطوله أيديهم.

د - التسليح وأساليب التحرك
بوابة الحركات الاسلامية
على الرغم من أن تسليح الجماعات الإرهابية لا يضاهى تسليح القوات المسلحة في سيناء، إلا أنها استعاضت عنه بالتخطيط والتحرك، الذي أكسبها مساحة من التفوق في عدة مواجهات، فالضربات الاستباقية التي كانت توجهها للقوات في نقاط تمركزها، وأثناء الحملات التي كانت تقوم بها في مدن العريش والشيخ زويد ورفح، كانت تحسب للجماعات، حيث يتوافر فيها عنصر المفاجأة، ودقة التخطيط الذى يتشابه بقدر كبير مع العمليات التي تقوم بها منظمة "داعش" في سوريا والعراق، وخفة التحرك وسرعته التي تفوق تحرك الآلات العسكرية، حيث تستخدم العناصر المتطرفة سيارت ملاكي "فيرنا" ونصف نقل دفع رباعي "تويوتا"، مقابل المدرعات والآلات الثقيلة، وهذا سبَب جوهري في فشل أغلب المطاردات التي تمت بين القوات والعناصر المتطرفة قبل أن تدخل "الأباتشي" ساحة المعركة.
على المستوى الاستخباري نجد أن الجماعات تمتلك عناصر مراقبة ومتابعة ورصد، وهو ما توصلت له الأجهزة الأمنية بواسطة تحليل عمليات الاغتيال التي تعرض لها الجنود، والحملات الأمنية والعسكرية، كما حدث في واقعة استهداف 25 جنديًا، والذين رصدتهم عناصر الجماعات، منذ تواجدهم في موقف سيارات الأجرة، وحتى تسليمهم لمجموعة "حبارة" على الطريق الدولي "الشيخ زويد – رفح"، كما يؤكد أحد المصادر القبلية، أن اغتيال أحد مشايخ  قبيلة السواركة، تم بعد إبلاغه معلومة بوجود أربعة عناصر من أنصار بيت المقدس، في منزل بقرية المهدية، يستعدون لإطلاق صواريخ على الأراضي المحتلة، فقامت القوات المسلحة باستهدافهم في المنزل بطائرة أباتشى، وهو ما يشير الى أن هناك من يبلغ عن العناصر المتعاونة مع الدولة.

بوابة الحركات الاسلامية
وهناك واقعة سردها أحد المصادر بمدينة الشيخ زويد، حيث كانت هناك دورية عسكرية في مهمة تمشيط لمنطقة قريبة من الشريط الحدودي، حين أبلغها أحد المتعاونين المزدوجين، أن هناك اجتماعًا تحضره قيادات أنصار بيت المقدس، في أحد المنازل بقرية "التومة"، وكانت الدورية تضم 6 مدرعات بقيادة ضابط برتبة صغيرة، فتوجهت الدورية إلى المكان المبلغ عنه، دون أن تستطلع قدرات المجموعة المتواجدة، أو أن تطلب دعمًا جويًا، وبمجرد أن وصلت القوات إلى الهدف، واقتربت من المنزل وحاصرته، انفجر المنزل الذي يحوي كميات كبيرة من المواد المتفجرة، لتكتشف القوة أنه مجرد فخ نُصب لهم بمساعدة المتعاون العميل، ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فقد وجدت القوات سيارات الدفع الرباعي، التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، تحاصر مركباتهم، أثناء محاولتها نقل الجنود المصابين جراء الانفجار، في تلك اللحظة فتحت الجماعات نيرانها على القوة المحاصرة، التي اتخذت سبيلها في الصحراء، هرباً من المكيدة التي وقعت فيها، وتسببت في خسائر بشرية وفي المعدات، وليس صدفة أن تجد "داعش" قد نفذت خطة مطابقة في محافظة الأنبار بالعراق، قبل الواقعة المذكورة بأقل من أسبوعين.
وتأتى واقعة إسقاط مروحية أباتشى تابعة للجيش المصري في يناير الماضي، بصاروخ مضاد للطائرات "أرض – جو"، لتفتح باب التكهنات عن تسليح تلك الجماعات المسلحة، حيث اعتبر خبراء أن قدرة الجماعات على إسقاط المروحيات، يعنى أنها تمتلك أسلحة مضادة، ولكنها تدير معركتها باستراتيجية بطيئة التطور، وتتحين الوقت المناسب لإظهار قوتها وتنوع تسليحها، حيث إنها تتعرض للهجوم الجوي منذ شهور، ولم تلجأ للمقاومة، ويأتي ذلك في إطار رغبتها في امتداد الحرب لأطول فترة ممكنة، بهدف إرهاق القوات ونشر حالة إحباط بين المواطنين ليستسلموا للأمر الواقع.

2 - التيار السلفي في خدمة مشروع الإخوان بسيناء
بوابة الحركات الاسلامية
لكل مشروع أدوات يجب توفرها ليشهد النور، وقد وجدت جماعة الإخوان في التيار السلفي بسيناء، أداة قادرة على تنفيذ جزء كبير من مشروعها، والذى يرى سيناء على رأس أولوياته، فسعت للسيطرة على القيادات السلفية ومن ثم تحريك القواعد حسب خطة التمكين الموضوعة لشبه الجزيرة، فتحركت طالبة الود والتعاون بينهما، تارة بالمال وتارة أخرى بحافز تطبيق الشريعة، وكان التعاون المثمر بين الطرفين بمثابة محصلة نهائية ، خاصة أن السلفية في سيناء اتخذت منهجًا ومسمى يختلف وباقي التيارات والمدارس السلفية، في محافظات الجمهورية.

أ - التيار السلفي في سيناء ... النشأة والإنتشار
بوابة الحركات الاسلامية
شهد عام 1936 اشتعالًا للثورة الفلسطينية الكبرى، جعل قوات الاحتلال الإنجليزي تمارس أقصى درجات القمع والعنف ضد الثوار ، إضافة إلى عمليات الاغتيال التي نفذتها العصابات الصهيونية ضد الرموز والقادة الفلسطينيين، فلم تجد القوى الثورية بداً من تكوين جماعات مسلحة تقاوم بها تلك الهجمات من كلا الجبهتين، وبدأ تكوين حركات المقاومة المسلحة، وكانت جماعة "الكف الأسود"، بقيادة "سرور برهم، وتميل إلى التيار اليمينى، وفي أعقاب حرب 1948، وبعد أن امتدت إلى داخل سيناء، انضم أبناء إحدى القبائل الكبرى في شبه الجزيرة المصرية لتلك المنظمة، وكانت اتخذت من منطقة وسط سيناء، قاعدة انطلاق للعمليات الجهادية ضد العدوان الصهيوني، ومع سيطرة الضباط الأحرار على مقاليد الحكم في مصر عام 1952، بدأ التحضير للسيطرة على أرض المعركة المنتظرة لتحرير الأرض، وكان لابد من امتلاك زمام جميع التحركات على أرض سيناء، لكى لا تفاجأ القيادة السياسة بتحرك من شأنه إحداث أي خلل في الخطة الموضوعة، وفي عام 1954 كانت جماعة "الكف الأسود" صفحة من ماضٍ وانطوت، غير أن بعض أفرادها فروا إلى  قطاع غزة، حيث المشرب الفقهي والعقائدي الأساسي، تاركًا وراءه إرثاً من الأفكار المتشددة، والتي تناسبت مع الطبيعة الاجتماعية للبدوي
حمدين ابوفيصل
حمدين ابوفيصل
لكن الموروث الفكري المتروك، لم يجد من يغذيه ويحمله على الاستمرار، فأخذ في الخفوت أمام الحركة القومية العربية الوليدة، والتي اعتبرت أن التيار المتأسلم هو عدوها الداخلي الأول، فكان التحول الأيديلوجى هو المفر حينما خص شرعية حمل السلاح على العدو الصهيوني وقوى الاحتلال فقط، وفي بداية السبعينيات تبلورت كل تلك الأفكار تحت راية المدرسة السلفية، بعد أن جاء من غزة إلى سيناء أحد مشايخ السلفية، وكان يدعى "أبو أحمد"، والذى لم تتوافر معلومات دقيقة عن شخصه أو بيانات عن خلفياته، سوى أنه أول من أسس للفكر السلفي، والذى قابله أبناء البادية بترحاب، نظراً لأن الطبيعة البدوية تميل إلى التدين، كما أن الطبيعة القاسية التي تحيط بها، جعلتها تربة خصبة لأن تتقبل بالتشدد الفكري، إضافة إلى أن الأعراف التي تحكمها، والتي تتسم بالقسوة والغلظة، جعلت من تقبلها لفكرة الحدود، أمرًا مرحبًا به. 
وعلى عكس محافظات مصر، كان للحراك الدعوى السلفي في سيناء طبيعة خاصة، فإضافة للقاعدة الشعبية الداعمة للفكر السلفي، حاول هذا التيار في سيناء أن يحتفظ بوجوده على الساحة، عبر تماسك قياداته ومدارسه، خاصة أن التصوف كان المسيطر على ما يقرب من 70% من أهالي سيناء، بعد أن دخلت الطريقة "الجريرية" إلى شمال ووسط سيناء، فكان لزاماً عليها أن تنافس للبقاء والانتشار، حتى وجدت في العمل الخدمي والدعوي بوابة سحرية للمجتمع البدوي، وكان التمسك بالعادات والتقاليد والأعراف البدوية، من أهم التحولات التي نجح التيار السلفي في سيناء من إحداثها، والتي تتضارب مع كثير من الأحكام الفقهية للمنهج السلفي، وتلك التحولات هي من أهم نقاط اكتساب القوة في المجتمع البدوي، فعلى النقيض نجد التيارات المتطرفة "الجهادية والتكفيرية" لم تكن تحترم العرف البدوي، بل إنها انعزلت عنه مكونة مجتمعات منغلقة، بعد أن اعتبرت المجتمع البدوي إما "قاعدًا" عن الجهاد أو كافرًا، وبرغم علانية النشاط السلفي في سيناء، إلا أن ذلك لم يمنعه من الوقوع كثيراً داخل دائرة الاشتباه للجهات الأمنية، فتعرضت بعض قياداته للاعتقال والحبس فترة الحقبة المباركية، في حين فر آخرون إلى الجبال هرباً من الملاحقات، لكن القواعد كانت باقية على الأرض تمارس الدعوة والعمل المجتمعي، وهكذا استمر الفكر السلفي ما بين الانتشار ومحاربة الدولة، حتى جاءت اللحظة الفارقة في تاريخه وتاريخ التيارات الإسلامية جميعها، في أعقاب 25 يناير 2011
ب - 25 يناير و خيرت الشاطر والتحول في العلاقة "السلفية – الإخوانية" في سيناء
الزهار ومرعي
الزهار ومرعي
شهدت فترة ما بعد 25 يناير 2011 تحولاً دراماتيكياً في العلاقة بين جماعة الإخوان والتيار السلفي في سيناء، فبعد أن كان التوتر يشوب هذه العلاقة بين الفريقين، إلا أنها شهدت تطوراً إيجابياً ملحوظاً  بعد أحداث 25 يناير، استناداً إلى بعض الخلفيات المشتركة التي تجمع بينهما، وعلى رأسها السعي لتطبيق الشريعة - وإن كانت جماعة الإخوان لم تبدِ أي جدية في السعي لتطبيق الشريعة فترة توليها حكم مصر، إضافة إلى أن السجون قد جمعت بين القيادات "السلفية و الإخوانية" وخلقت حالة شبه تقارب في الرؤية السياسية بينهما، حيث إن الإخوان كانوا ينادون طوال فترة "الاستضعاف" بالحاكمية" شأنهم شأن السلفية.
وبعد أن اشتم قيادات الإخوان عبير الحرية، وأصبحوا رقم صعب في المعادلة السياسية، وتمكنوا من فرض أجندتهم على القيادة السياسية أثناء الفترة الانتقالية، حينما تمسكوا بضرورة إجراء الانتخابات النيابية، قبل إقرار دستور جديد لمصر، وبدأت جماعة الإخوان في الاستعداد للمعركة الانتخابية، والتي كانت تسعى خلالها للسيطرة على البرلمان بغرفتيه، لكن ظهور القوة السلفية على الساحة|، وانتشار قواعدها  بكثافة في المجتمع وخاصة السيناوي، أربك حسابات الجماعة وجعلها تسعى لضم تلك القوة حديثة العهد في العمل العام إلى معسكرها، ومن هنا سعت قيادات الإخوان في سيناء "عبد الرحمن الشوربجى – عادل قطامش" للتواصل والتنسيق مع قيادات التيار السلفي " حمدين أبو فيصل – مرعى عرار"، من أجل ضمانة ظهير شعبي سلمي يدعم تحرك الإخوان السياسي والاجتماعي، توازيًا مع التنسيق والجماعات المسلحة، والتي كانت تستعد لتكون ظهيرًا مسلحًا موازيًا للجيش المصري، لحماية المشروع الإخواني الحمساوي على أرض سيناء في حالة أن تعرض لأي معوقات، وهو ما يحدث الآن.

مرعي عرار
مرعي عرار
واستمر التقارب والتواصل بين الإخوان والتيار السلفي في سيناء، حتى اقتراب ميعاد الانتخابات البرلمانية، وبعكس ما كانت تعتقد الأغلبية، كان الميل تجاه مرشحي الإخوان يتفوق بشدة عن دعم حزب "النور" السلفي، ولكى تمارس القيادات حريتها في دعم ما تريد، خلعت نفسها من عباءة جميع المدارس السلفية المعروفة "الدعوة السلفية والجبهة السلفية"، وأسسوا ما أطلق عليه جماعة "أهل السُنة والجماعة"، برغم أن أحدهم كان يوصف بالمتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية في سيناء – الشيخ مرعى عرار – إلا أن المسمى تغير بعد دخول الإخوان الى الساحة السياسية بسيناء، حتى لا يخسروا أي فصيل يسعى للتواصل معهم، لكن التعاون الحقيقي والخفي بينهم والإخوان، وصل إلى قمته بعد اللقاء الذى جمع بين خيرت الشاطر وقيادات الجماعة السلفية والتكفيرية والجهادية، في سيناء، وبالتحديد يوم 13 نوفمبر 2012، والذي تزامن مع وجود "ديريك كولت" مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشئون الأمنية الدولية، وقد حضره 10 من قيادات التيارات الإسلامية سابقة الذكر، من ضمنهم اثنان من ممثلي "أهل السنة والجماعة" حيث قابلوا الشاطر مساء 13 نوفمبر، بإحدى قرى جنوب رفح، وكان محور الحديث الأساسي يدور  في إطار أن المؤسسة العسكرية يملؤها الغضب الشديد، بعد عملية اغتيال 16 جنديًا برفح، وقد طالبهم بإيقاف العمل الجهادي وأي عمل مسلح، حتى تستتب الأمور للجماعة وتمتلك زمام الدولة جيداً، لأن أجهزة الأمن و"الأمن الوطني" على وجه الخصوص مازالوا يتابعون نشاط جماعة الإخوان وكل التيارات الإسلامية، وتتوافر لديهم معلومات عن تحركات القيادات والأعضاء والمحبين، أضافة إلى أن هناك تقارير سيادية قدمت للرئاسة – قاصداً محمد مرسى – تشير إلى تورط الجماعات المسلحة – موجهاً حديثة للقيادات التكفيرية والجهادية - في سيناء وغزة في تلك العملية، وهو ما سوف يضع مرسى في حرج كبير أمام مؤسسات الدولة، خاصة وأن مشروع التمكين لم يكتمل بعد، وأن الجماعة لم تسيطر على مفاصل الدولة بعد، وطالبهم الشاطر بأن يكون هناك تواصل مستمر بينهما، وأن يبلغوه بأى نشاط يخططون للقيام به، وعلى الجانب الآخر طالب المجتمعون من الشاطر بأن يتدخل لوقف العمليات العسكرية التي تبعت مقتل الجنود الـ 16، والتي تستهدفهم بشكل مباشر، فجاء رد الشاطر بأنه سيحاول التدخل من بعيد، خاصة أن الإعلام يكيل الاتهامات لجماعة الإخوان وأنصارها، وخرج الشاطر من ذلك اللقاء بعدد من الاتفاقيات والوعود التي بدأ تنفيذها بالفعل.
ج - صفقة الإخوان وأهل السنة والجماعة في سيناء
انتهى لقاء الشاطر بقيادات السلفية وقد تبلورت طبيعة التعاون الذى سيجمع الطرفين، فقد اتفقا على أن يضمن لهم توقف الملاحقات الأمنية في المستقبل، وأن يهيئ لهم الأرض للعمل الدعوى والسيطرة على المساجد بمدن العريش والشيخ زويد ورفح، بعيداً عن مساجد جماعة "التوحيد والجهاد" والتي تخضع لسطوة الإرهابي "أبو منير"، والذي لقى حتفه وولده في مواجهة مع قوات الأمن، وتنتشر تلك النوعية من المساجد بمدن الشريط الحدودي، وترتادها عناصر الجماعات الجهادية والتكفيرية، وطلب أعضاء جماعة "أهل السُنة والجماعة" من الشاطر، أن يمنع تدخل وزارة الأوقاف في المساجد، وألا يهاجمهم المشايخ المعينون من قبل الوزارة، كما اتفق الطرفان على تهيئة المجتمع لتقبل تطبيق الشريعة، وأن يتيح لهم الشاطر مصادر دعم اقتصادي، تمكنهم من كسب المال الوفير، لتوفير دخل شهري "مرتب" للقواعد السلفية، وضم المزيد من الشباب والرجال للتيار السلفي الداعم لجماعة الإخوان في سيناء، عن طريق زيادة العمل المجتمعي وتأسيس جمعيات أهلية لتوفير سلع غذائية ومرتبات رمزية للأسر الفقيرة.

د - كتاب يهدى وسيف ينصر.. "إمارة سيناء الإسلامية"
خيرت الشاطر ومرعي
خيرت الشاطر ومرعي
اتفق الشاطر والمجتمعون معه على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، لكنه أبدى مخاوفه من رفض المجتمع لتلك الخطوة، وفشل تنفيذها وقت الدعوة لها، يعنى فشل المشروع كله، لأن رفض المجتمع مرة واحدة سيعنى استمرار الرفض، لذا يجب أن يهيأ نفسياً واجتماعياً واقتصادياً لتلك الخطوة، فتم وضع خطة يتم تنفيذها مرحلياً على 3 سنوات، على أن تكون سيناء إمارة إسلامية تُحكم بالشرع، وتكون النموذج الذى يتم تطبيقه على باقي الدولة بنفس المنهج "كتاب يهدى وسيف ينصر"، على أن دعوة "أهل السُنة والجماعة" سلمية بمنهج "كتاب يهدى"، وأن تتولى الجماعات التكفيرية والجهادية مهمة الدفاع عن الشريعة والشرعية وتطبيق الحدود بمنهج "سيف ينصر".
وكانت الخطوة الأولى في الخطة إنشاء ما يدعى "لجان القضاء الشرعي"، ليحتكم إليه المتخاصمان بديلاً عن القضاء الشرعي، وكان السؤال: كيف يتم إقناع الأهالي للجوء لتلك اللجان المستحدثة والدخيلة على مجتمعهم؟ فجاء اقتراح أحد أتباع "أبو فيصل"، بأن جميع الخصومات التي يكون أحد أطرافها من أتباع التيار السلفي وما أكثرهم في تلك المدن الحدودية، يرفض فيها الطرف السلفي أن يجلس للتقاضي، لدى القضاة العرفيين من مشايخ القبائل ورموزها، ويطالب أن يحتكم للشرع لدى اللجان الشريعة، وبالتالي فإن صاحب الحق أو الخصم سيوافق من أجل الحصول على حقه، وفي هذه الحالة لا يوجد مانع أن نتحامل على "الأخ" التابع للتيار السلفي ونصرة الخصم، حتى أن وصل الأمر لتحمل اللجنة تكلفة الحكم من ميزانيها، لتكسب اللجان شعبية ومصدقية، ونشجع الأهالي للتقاضي لدينا، وعندما وصلوا لهذه النتيجة، بدأوا في إنشاء أول لجنة في مدخل مدينة الشيخ زويد، أمام منزل أبو فيصل، وكان المبنى مكون من 4 أدوار خرسانية، على مساحة 130م، بتمويل من جماعة الإخوان، وبعد شهور معدودة بنى أبو فيصل فرعًا آخر للجنة بمدينة العريش، وبالفعل وصل عدد القضايا التي تنظرها اللجان في ثانى شهر من إنشائها إلى 20 قضية في اليوم الواحد، وحازت ثقة السواد الأعظم من الأهالي، وبدأ يتضاءل دور القضاء العرفي، الذى أصبح مهددًا بالتهميش والانقراض في تلك الفترة.
هـ - الشاطر وحماس والمشروع الاقتصادى للتيار السلفي في سيناء
انفاق التهريب
انفاق التهريب
رأى قيادات التيار السلفي، أنه لابد من توفير مصادر تمويل دائمة، بجانب التمويل المباشر من جماعة الإخوان، وعرضوا على الشاطر في لقاء خاص عقد في القاهرة، أن يسمح لهم بفتح قنوات اقتصادية مع حركة حماس، عن طريق تخصيص عدد من الأنفاق ، يقومون خلالها بتوريد البضائع للقطاع، مثلهم مثل الآلاف من أصحاب الأنفاق، ولأن حركة حماس هي المسئولة عن تحديد الأشخاص الذين يتعاملون معها عبر الأنفاق، فقد منحت حكومة حماس أعضاء التيار السلفي ما يقرب من 60 نفقًا، يهرب خلالها مواد البناء "رمل وأسمنت وسيراميك وبويات" وغيرها، كما منحت حماس رجل الأعمال "محمد درغام" الصديق المقرب من "عرار"، موافقة توريد السيارات للقطاع  وهو شخص تحوم حوله العديد من الاتهامات التي يتناقلها أبناء القبائل في شمال سيناء، حيث تربطه علاقات تجارية مع الجيش الأمريكى، خاصة أن هناك مصادر مقربة منه أكدت أنه عمل مورد "مياه معدنية" للجيش الأمريكي في العراق وبالتحديد في محافظة "الأنبار"، وكان الاتفاق بين "عرار ودرغام من جهة وبين حماس من الجهة الأخرى، أن يكون صافي الربح  للطرف الأول 15% من نسبة الضرائب التي تحصلها حكومة حماس من المواطنين، كما كلف الشاطر "مرعى عرار" بمتابعة المنحة القطرية لدعم مشروع "إعادة إعمار غزة"، وأكدت المصادر أن هناك شركتين حصلتا على حق توريد مواد البناء، إحداهما تتبع جماعة الإخوان ومقرها في نفس مقر حزب الحرية والعدالة بالعريش واسمها شركة "البراق"، والثانية "أبناء سيناء"، وهي التي رشحها "عرار" لتوريد نسبة 30% من المنحة للقطاع، كما سيطر التيار السلفي على توريد الحصمة – الحجر الأبيض بديل الزلط في الصبات الخرسانية – للقطاع عبر الأنفاق خارج المنحة القطرية، تحت عباءة أحد رجال الأعمال، وتسبب ذلك في خلق فتنة بين القبائل نتيجة استعانت رجل الأعمال ببعض أبناء القبائل، لحماية المحاجر المنتجه للحصمه، والتي تتواجد في مناطق نفوذ قبائل أخرى، ما تسبب في مقتل بعض شباب القبائل، لولا تدخل العقلاء من شيوخ وعواقل القبائل وتهدأت الأوضاع بين المتقاتلين.

زياد الظاظا
زياد الظاظا
وفي واقعة شهيرة بين أبناء القبائل، منع شباب الشيخ زويد السيارات العملاقة التي تنقل السيارات للقطاع عبر معبر "رفح"، من المرور لمدة أسبوعان، اعتراضًا منهم على تهميش نظام الإخوان لهم، ومساندته للمهربين الذين يسرقون خيرات سيناء، وعلى رأسها مصادر الطاقة "البنزين والسولار"، ويمدون بها حركة حماس، وبعد مفاوضات مكثفة تولاها "مرعي عرار" مع رموز القبائل، وبعد أن وعدهم بالوساطة لدى مؤسسة الرئاسة، لتنفيذ عدد من المشروعات، وتوفير فرص عمل لجميع أبناء القبائل، تم فتح الطرق أمام السيارات الموقوفة.
وبحكم علاقة "عرار" الوثيقة بخيرت الشاطر، كان أحيانًا كثيرة ما يقوم بدور "المرسال" بين الشاطر وقيادات حماس، خاصة فيما يخص المشاريع الاستثمارية، وظهر دوره بشدة في مشروع "المنطقة الحرة والصناعية"، على الحدود المشتركة بين مصر وقطاع غزة، وقد صرح "عرار" في يوليو 2012 أن هناك مشاريع اقتصادية عملاقة بالشراكة بين رجال أعمال فلسطنيين يتبعون حركة حماس ورجال أعمال مصريين أغلبهم من أبناء سيناء، لإقامة منطقة صناعية في المنطقة الحدودية بين رفح المصرية والفلسطينية، وفي تصريحات أخرى أكد أن حكومة حماس خصصت 2 مليار دولار، لأجل شراء أراضٍ في سيناء لتنفيذ ذلك المشروع، وفي نفس الشهر زار "عرار" قطاع غزة، وقابل محمود الزهار القيادي في حركة حماس ووزير خارجية حكومة إسماعيل هنية، وتشير المصادر إلى أن السبب الحقيقي من الزيارة هو لقاء "زياد شكري الظاظا" نائب رئيس وزراء فلسطين، ووزير المالية بقطاع غزة، لوضع الخطوط العريضة للمشروع المزمع إقامته على أراضى سيناء، إضافة لمواضيع أخرى تتعلق بالأنفاق وتوريد مواد البناء، لم يُخفِ عرار علاقته المشبوهة بحركة حماس، بل إنه أعلنها مراراً، كما دافع عنها باستماتة، وفي مارس 2013 اتهم "عرار" الإعلام المصري، بتحويل حماس الى "بعبع"، مشيراً إلى أنه لا يمت للحقيقة بصلة، إنما هي توجهات داخلية تسعى لتشويه حركة المقاومة، وأكد أن حماس أحرص على الأمن المصري من مصريين كثيرين.
وقد طاردت "عرار" لعنة الشاطر أيضاً، حينما أسس "مركز إعلام سيناء"، وبرغم نفيه المستمر لتلقيه دعمًا ماليًا من الشاطر لتأسيس المركز، غير أن مقربين منه أكدوا أن المركز مدعوم من جماعة الإخوان، لأهداف لم يعلن عنها وتفوق في الخطورة ما يتداول عن محاولة سيطرة الجماعة على الرأى العام، من خلال ذلك المركز، والذى كان يقوم بدور فرع الهيئة العامة للاستعلامات في سيناء.

خـــاتــمــة
وهنا يطرح سؤال نفسه على ساحة الأحداث: كيف استطاعت جماعة الإخوان أن تهيمن خلال أعوام قليلة على الأوضاع في سيناء، وخلقت جبهة متطرفة مسلحة تمتلك من المقومات ما تملكته جماعات أخرى على مدار عشرات الأعوام؟
وإلى متى سيتم تجاهل الدور السلفي في دعم الحراك الإرهابى في سيناء ؟ وتُترك له الساحة يرتع فيها دون رقيب أو راصد؟
إن الظروف الحالية والتي تمر بها البلاد، وخاصة شبة جزيرة سيناء، تفرض معطيات جديدة، وبالتالي فإن النتائج المنتظرة قد لا تكون متوقعة، في ظل غياب جزء من قاعدة المعلومات، عن العناصر والجماعات المسلحة، وعلى المهتمين بالشأن أن يتعاطوا مع تلك العوامل المستحدثة، بحيز واسع من الدقة والسرعة، حتى لا ننجرف إلى حالة من استنزاف القوة، وهى الهدف الأول والأهم لتلك الجماعات.