عودة الى الموقع عودة رئيسية الملف
انتهت الحرب العالمية الثانية ..
بوابة الحركات الاسلامية
وبعيداً عن الانتصارات والهزائم العسكرية، فإن الحقيقة المؤكدة هى التغيير الشامل الذى طرأ على العالم .. 
عالم ما بعد الحرب، يختلف جذريا عن العالم قبل الحرب، والأمر لا يقتصر على الدول والشعوب التى خاضت المعارك وتعرضت لمآسيها، فقد امتد زلزال التغيير ليشمل كافة الجوانب ك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . 
لم تكن مصر بمنأى عن رياح التغيير، وكان اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر تعبيرا عن عمق المتغيرات التى تنتظرها مصر، وعن الزمة التى يواجهها النظام، بعد أن ظهرت قوى واتجاهات وأفكار جديدة، لا ترخخ للمنظومة السائدة قبل الحرب. 
لقد استثمر حسن البنا سنوات الحرب ليصعد بجماعته، فتزايد أعضائها وأنصارها، وتضاعفت مقارها وشعبها، وتحول الإخوان إلى قوة لا يمكن إهمالها فى المعادلة السياسية الجديدة بعد نههاية الحرب. 
كان الإخوان مطالبين بالتأقلم مع الأوضاع الجديدة، فالأوضاع السياسية، الداخلية والخارجية، تتطلب إيقاعاً جديداً، وتنظيماً قادراً على مواجهة التحديات. 
لقد تحرك الوفد بعد نهاية الحرب، ونشط الشيوعيون، وتهيأ أحمد حسين لبداية مرحلة جديدة من تحولاته الفكرية والسياسية، وبدا القصر الملكى مصمما على الاستمرار فى إحكام سيطرته. وفى ظل هذا المناخ، أعلن الإخوان عن عقد مؤتمر شعبى، فى القاهرة وسبعة مراكز رئيسية فى الأقاليم، خلال شهر أكتوبر 1945، لمناقشة القضية الوطنية ومطالبها، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن الأوضاع التنظيمية والفكرية للجماعة. 
أقر المؤتمر النظام الأساسى الذى تم اعتماده فى المؤتمر الخامس سنه 1939، مع إدخال بعض التعديلات التى تتمشى مع التطورات، فقد تم توزيع السلطة بين المرشد ومكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية، كما تم إنشاء قسم الخدمات الاجتماعية والخيرية، مع إحالة سجلاته لوزراة الشئون الاجتماعية، للحصول على معونات من الحكومة. وبقدر ما يعبر هذا التوجه عن اتساع نشاط الإخوان، فإنه يتم عن الخوف والقلق من جراء التقلبات السياسية. 
قرر المؤتمر تغيير المسمى من “,”جماعة الإخوان المسلمين“,” إلى “,”هيئة الإخوان المسلمين العامة“,” ويكتسب هذا التغيير الشكلى أهميته عند إدراك أن مفردة “,”الهيئة“,” خلال هذه المرحلة التاريخية كانت ترادف معنى الحزب. 
وإذا كان البنا قد أعلن فى المؤتمر الخامس أن الإخوان هيئة سياسية، فإنه لم يعترف بأنه يقود حزبا سياسيا، لكن مؤتمر 1945 شهد تحولا ملموسا، وأكد عمليا أن الإخوان قد أصبحوا حزبا سياسيا، لكن الإشهار الحزبى غير المباشر لم يكن يعنى الانخراط الكامل فى منظومة الحياة الحزبية المصرية. وبمعنى أخر فإن الهدف الحقيقى من هذا التوجه هو التمتع بالامتيازات الحزبية التقليدية، دون تحمل ما يترتب على ذلك من واجبات وأعباء.
النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة:
بوابة الحركات الاسلامية
أقرت الجماعة قانونا معدلا، قدمه حسن البنا، وأطلق عليه قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة. وعند التوقف أمام هذا القانون، يمكن تحديد الهرم التنظيمي من العلى إلى الأدنى على النحو التالى : 
· الهيئة التأسيسية 
· مكتب الإرشاد العام 
· المكاتب الإدرارية 
· المناطق 
· الشعب 
· الأسر 
وقد راعى القانون أن يكون اتصال هذه المراتب، فيما بينهان عن طريق التسلسل، طرديا أو عكسيا. وباستثناء الهيئة التأسيسية، فإن جميع التشكيلات الأخرى تعتمد فى تكوينها على الانتخابات السرية عبر المؤتمرات، واتاح القانون لمكتب الإرشاد العام حق اختيار الرؤساء إذا اختارت المستويات المختلف رئيسا لا يحظى بموافقة المرشد ومكتب الإرشاد. 
كان القانون التنظيمى حريصا على تحديد مسئوليات ومهام كل مستوى وأسلوب تشكيله، فالشعب تمثل الوحدة التنظيمية الأدنى فى كل قرية أو بلدة، وتتفرغ بدورها إلى أسر وخلايا، ثم يتألف من مجموع الشعب فى المنطقة الإدارية مجلس إدارة المنطقة، الذى يتكون من رؤساء الشعب ومندوبين عن المكتب الإدارى والشعب واللجان الإدراية، كما يتألف من رؤساء المناطق وأعضاء الهيئة التأسيسية فى الدائرة ومندوبى اللجان الفرعية، أما المكتب الإدارى فهو الذى يتولى وظيفة قيادة فرع أو منطقة، ويضم مندوبا عن مكتب الإرشاد، لا يحق له التصويت، ثم يأتى مكتب الإرشاد العام، فالجمعية التأسيسية. 
تمثل الهيئة التأسيسية مجلس الشورى العام، إلا أن هذه الهيئة ليست منتخبة، بل يتم تعيينها بالاعتماد على الإخوان من أصحاب التاريخ فى خدمة الجماعة. وبقرار منها، لابد أن يكون بالاجماع، يتم ضم أى عضو إخوانى مثبت، يكون قد مضى على اتصاله بالدعوة خمس سنوات، وأتم الخامسة والعشرين من عمره، إلى عضويتها، شريطة ألا تزيد نسبة الأعضاء الجدد عن عشرة أعضاء سنويا، وأن يراعى فى اختيارهم التمثيل المتوازن للمناطق. 
ينص القانون الذى أقره مؤتمر سنه 1945 أن تجتمع الهيئة التأسيسية دوريا فى أول شهر من كل عام هجرى، كما يمكنها أن تجتمع استثنائياً بطلب من المرشد العام أو من مكتب الإرشاد العام أو من عشرين عضواً من أعضائها، وتنتخب الهيئة التأسيسية المرشد العام ومكتب الإرشاد العام والوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق، بالاقتراع السرى. ويكون الاجتماع شرعيا مقبول النتائج إذا حضرته الأغلبية المطلقة، إلا فى الحالات التى اشترط لها نظام خاص. 
ويشترط فيمن يرشح لعضوية مكتب الإرشاد أن يكون عضواً فى الهيئة التأسيسية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وألا يقل عمره عن الثلاثين، مع مراعاة ألا يتجاوز عدد أعضاء مكتب الإرشاد المنتخبين اثنى عشر عضوا، وأن يكون ثلاثة أرباعهم من إخوان القاهرة، والانتماء إلى القاهرة هو الشرط فيمن يشغل مراكز الوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق. 
وتم تحديد الدورة الانتخابية لمكتب الإرشاد العام بعامين، وتناقش الهيئة التأسيسية سنويا تقرير مكتب الإرشاد، والتقرير المالى. 
أما المركز العام للإخوان للمسلمين فيتألف من الهيئة الفنية، والأقسام الرئيسية، والوحدات المنفذة، والهيئة الإدارية. وتتشكل الهيئة الفنية من لجان استشارية فى المجالات المالية والسياسية والقضائية والإحصائية والخدمية والصحفية والترجمة، أما الوحدات المنفذة فُيقصد بها الهيئات التنظيمية المتسلسلة، أما الأقسام الرئيسية فتضم تسعة مكاتب، تتولى عدة مهام جوهرية: 
- نشر الدعوة 
- العمال والفلاحون 
- الجوالة 
- الأسر 
- الطلبة 
- التربية البدنية 
- الاتصال بالعالم الإسلامى 
- الأخوات المسلمات 
أما قسم المهن، فإنه يتفرع بدوره إلى تسعة فروع : 
- الأطباء 
- المهندسون 
- القانونيون 
- المعلمون 
- التجاريون 
- الزراعيون 
- الاجتماعيون 
- الصحفيون 
- الموظفون 
ولا يبقى بعد ذلك إلا الهيئة الإدارية، التى تضم الموظفين الحزبيين فى المركز العام. 
مثلما كان مؤتمر سنة 1945 نقطة تحول فى مسيرة الإخوان المسلمين، على المستويين التنظيمى والحركى، فقد كان بداية تحول سياسى، على المستويين الفكرى والعملى. 
لقد حدد البنا فى المؤتمر رؤية سياسية واجتماعية مثلث الأساس العام الذى التزم به الإخوان عبر عقود عديدة تالية، والهدف الأول والأسمى هو إقامة الحكومة الإسلامية، التى تحترم فرائض وشعائر الإسلام، وتحرم الموبقات، وتؤسس التعليم من منطلق إسلامى، يعلن من شأن اللغة العربية والقيم الأخلاقية . 
لم تتراجع فكرة الخلافة الإسلامية، وهى الركيزة السياسية الأولى فى حركة الإخوان منذ التأسيس، لكنها تحولت إلى هدف استراتيجى بعيد المدى، ويتم تنفيذه عبر مراحل، من خلال تكاتف الحكومات الإسلامية فى الأقطار المختلفة، لأن إعادة الخلافة بشكل مباشر ودون تمهيد، لا تبدو ممكنة فى ظل المتغيرات الكثيرة التى حلت داخليا وإقليميا ودوليا بعد نهاية الحرب العالمية. 
لقد أفاد الإخوان من سنوات الحرب، وحققوا نجاحا لا يمكن إنكاره أو التقليل من شأنه، لكن البنا يدرك جيدا أن الساحة تتسع لقوى أخرى تزاحمه على قيادة الساحة السياسية المصرية والتأثير فى مسارها . 
نجاح الإخوان لا يعنى أنهم منفردون بلا شريك أو منافس، ولكى تكتمل ملامح الخريطة، لابد من التوقف أمام القوى الأخرى، والتأمل فى طبيعة علاقة الإخوان مع هذه القوى : القصر الملكى، الجيش، الوفد، أحزاب الأقلية، الشيوعيون، حركة مصر الفتاة، التى تحولت إلى أفات جديدة. 
حرب فلسطين بداية ونهاية فى مسار الجماعة:
بوابة الحركات الاسلامية
كانت نهاية الحرب بداية لمرحلة، وكانت حرب فلسطين سنة 1948 نهاية وبداية : نهاية لسنوات ما بعد الحرب العالمية العاصفة، وبداية لمسار جديد ذى تحولات لا تقل خطورة. 
قرب نهاية الحرب العالمية، وبعد أن استقرت الأحوال العسكرية على الجبهة لصالح الانجليز، بادر الملك بإقالة حكومة النحاس التى تشكلت فى أعقاب حادث فبراير 1942، وسرعان ما تخلى حسن البنا عن علاقة المودة المؤقتة مع الوفد، وتوجه إلى التعاون مع القصر الملكى عبر أحزاب الأقلية التى تحظى برعاية فاروق. 
فى الرابع من يونيو 1945، نظم الإخوان مظاهرة حاشدة للترحيب بأعضاء مجلس الجامعة العربية، وللمطالبة بجلاء الفرنسيين عن شمال أفريقيا. وعلى الرغم من قرار الحكومة برفض المظاهرة، فإن أحدا لم يتعرض لها، وتشير تقارير المخابرات البريطانية إلى أن إلغاء قرار الحكومة، والسماح بخروج المظاهرة من ميدان الأوبرا، تم بامر ملكى. 
لقد سعى البنا كثيرا لتتاح له فرصة مقابلة الملك فاروق، وعندما تم اللقاء بينهما، بوساطة من يوسف رشاد، الطبيب الخاص للملك، أعرب مرشد الإخوان عن رغبته فى التعاون الكامل غير المشروط مع الملك، وأكد أنه يكن لصاحب الجلالة كل الحب والمودة والتقدير. 
وقد تجسد تعاون البنا مع السراى من خلال تأييد الإخوان للحكومات غير الشعبية التى تحظى برضا الملك، وبعد تعيين الزعيم السعدى إبراهيم عبد الهادى رئيسا للديوان الملكى، فى فبراير 1947، تمت دعوة حسن البنا، للمرة الأولى، لحضور إحدى الولائم الملكية، ولعب رئيس الديوان الجديد دورا بارزاً فى تدعيم الروابط والعلاقات بين الملك ومرشد الإخوان، فى منطلق أن المشترك بينهما هو العداء الأصيل للوفد من ناحية، والحد من تغلغل انتشار الشيوعية من ناحية أخرى. 
وتتمثل بعض ثمار التعاون فى التسهيلات التى تم تقديمها للإخوان للحصول على ترخيص بإصدار صحيفة يومية، وشراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية التى تقل عن أسعار السوق بنسبة تتراوح بين 20 و30%، كما حصل جوالة الإخوان على امتياز يتيح لهم حرية الحركة واستخدام معسكرات الحكومة، ومنح الإخوان قطعا من الأرض لإقامة المبانى والمشاريع الخاصة بهم، كما قدمت لهم إعانات مالية من وزارتى المعارف والشئون الاجتماعية. 
كان الدعم الحكومى للإخوان، بإيعاز من اسلراى، يقابله تأييد إخوانى لحكومات القصر، وهو ما يتجلى بوضوح فى تأييد الإخوان لحكومة إسماعيل صدقى الديكتاتورية، ومباركة معاهدة صدقى – بيغن التى تعرضت لرفض شعبى جارف. واللافت للنظر أن إسماعيل صدقى، الذى كان حاسما فى منع المظاهرات، قد سمح بمظاهرات إخوانية فى مارس 1946، تعلن عن تأييد الملك والحكومة، وتهاجم الوفد والحركة الوطنية. 
وفى إبريل 1946، كتب حسن البنا فى مجلة الإخوان المسلمين، كلمة عنوانها “,”الرجال السبعة“,”، يطالب فيها رموز الحياة اسلياسية المصرية لمساندة حكومة صدقى فى مفاوشتها. وكان هؤلاء السبعة هم: مصطفى النحاس، على ماهر، محمود النقراشى، الدكتور محمد حسين هيكل، مكرم عبيد، حافظ رمضان، عبد الرحمن الرافعى. 
وفى السياق نفسه، نشرت المجلة الخطاب الذى أرسله البنا إلى الملك فاروق، ويقول فيه إن صاحب الجلالة هو موضع الأمل ومعقد الرجاء لوادى النيل وأبناء العروبة وشعوب الإسلام. 
ولقد احتفل الإخوان بعيد ميلاد الملك وعيد الجلوس، وفى الحادى عشر من فبراير 1948، يوم ميلاد الملك، نشرت جريدة الإخوان صورة كبيرة للملك داخل برواز، يعلوها عنوان : “,”الملك فاروق“,”، وقالت ما نصه: “,”اليوم تطلع شمس العام الثامن والشعرين، للشاب الصالح فاروق الأول، ملك وادى النيل“,” . 
لم تكن العلاقة بين الإخوان والملك عدائية على الإطلاق، وقد اتفق الطرفان فى كراهية الوفد والشيوعيين، وإذا كان الملك ورجاله يرون فى الإخوان أداة لخدة مصالح القصر ومطامعه، فإن الإخاون بدورهم قد رأوا فى تأييد الملك وسياسة وسيلة مهمة للحصول على الدعم والتمتع بحرية الحركة. 
لم تكن العلاقة بين ندين متكافئين، وقد دفع الإخوان وحسن البنا شخصيا، ثمنا فادحا لتوهم العلاقة على غير حقيقتها. 
علاقة الاخوان بضباط الجيش المصرى:
بوابة الحركات الاسلامية
كانت مرحلة الحرب العالمية، وبخاصة بعد حادث فبراير 1942، هى البداية الحقيقية للاتصال بين الإخوان المسلمين وضباط الجيش المصرى، الذين أعلنوا عن سخطهم واستيائهم من الإهانة التى لحقت بالملك فاروق عندما حاصرت الدبابات الانجليزية قصر عابدين، وأجبرته على تعيين مطصفى النحاس رئيسا للوزراء. 
نشط الإخوان فى تجنيد ضباط الجيش وضمهم إلى صفوف الجماعة، مع ترتيب لقاءات سرية مع حسن البنا. ومع تعدد الروايات واختلافها، فإن الإجماع قائم على ارتباط جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان، من خلال الضابط الإخوانى عبد المنعم عبد الرؤوف، أو عن طريق الشيخ أحمد حسن الباقورى. وخلال مرحلة الارتباط هذه، أسهم عبد الناصر فى تدريب أعداد كبيرة من العناصر الإخوانية. 
ولا يقتصر الأمر على جمال عبد الناصر وحده، فثمة صلات أخرى مع عدد غير قليل من اضلباط، منهم خالد محى الدين وعبد اللطيف البغدادى وكمال الدين حسين وحسين الشافعى. وإذا كان العداء للوفد والحركة الشيوعية قد جمع بين الإخوان والقصر، فإن الرغبة المشتركة فى مقاومة الاحتلال الانجليزي هى التى وثقت الروابط بين الضباط الوطنيين وجماعة الإخوان. 
ولم يكن هؤلاء الضباط الوطنيون يخفون إعجابهم بما تتسم به الجماعة من انضباط يقترب من الروح العسكرية التى تربوا عليها. وكان النظام الخاص هو المكان الأكثر ملاءمة لهؤلاء الضباط ما يحكم تخصصهم العسكرى وانضباطهم والتزامهم بالسرية، حيث يتم القسم والبيعة فى غرفة مظلمة، ويظهر المسدس والمصحف لتأكيد الولاء ، ثم يتولى الشيخ سيد سابق مسئولية تلقين الدروس فى اللغة العربية والثقافة الإسلامية. 
ما الذى حال دون المزيد من التطور الايجابى فى العلاقة بين الضباط وجماعة الإخوان؟ ولماذا تراجع الكثيرون منهم عن حماسهم القديم، وبحثوا عن ملاذ سياسى وفكرى أخر، قبل أن يتشكل تنظيمهم الخاص المستقل ؟! 
ربما تكون بداية التراجع فى العام 1946، حيث اندفع الإخوان فى تأييد حكومة إسماعيل صدقى الرجعية الديكتاتورية التى لا تحظى بثقة الشعب والضباط الوطنيين، وحيث بدأ الإخوان فى ممارسة العنف والقيام بعمليات إرهابية جزئية، كما أن عاملا ثالث لا يمكن إهماله يتمثل فى الصدمة الأخلاقية للضباط نتيجة الاتهامات الموجهة ضد عبد الحكيم عابدين، صهر المرشد، وتأييد البنا غير المبرر له . 
لقد أدرك عبد الناصر أن الطريق الإخوانى لا يلائم طموحه، ولذلك سعى إلى تحويل ولاء الضباط إلى التنظيم الذى شرع فى تأسيسه دون ارتباط بقوى أخرى :“,”الضباط الحرا“,”. ولا يفى هذا أن نفوذ الإخوان قد انتهى وتبخر، لكن المؤكد أنه تراجع ولم يعد يواصل الصعود . 
لم يكن الوفد، حتى إقالته فى أكتوبر سنه 1944، يرى فى الإخوان إلا جماعة دينية محدودة التأثير على الصعيد السياسيى، أم المرشد حسن البنا فشاب طموح يحلم بمقعد فى البرلمان، ولا يعدو احتواء هذا اشلاب وترويضه بالأمر العسير. 
وفى المقابلن كان البنا يرى فى الوفد منافسا هو الأخطر فى اشلارع السياسي، ذلك أنه الحزب الذى ورث الثورة الشعبية التى قادها زعيم الوفد الأول سعد زغلول، ثم انتقل ميراث الزعامة والشعبية إلى خليفته مصطفى النحاس. 
اتسمت العلاقة بالتجانس والتنسيق خلال الحرب، وإذا كان الوفد قد ربح صمت الإخوان وتجنب المشاكل التى قد يشيرونها فى أجواء لا تحتمل القلاقل، فإن الإخوان كانوا الطرف الأكثر إفادة من الصفقة الضمنية مع حكومة الوفد، فانتشروا فى القاهرو وكثير من الأقاليم، وتمتعوا بحماية الحكومة الوفدية ودعمها. 
اختلفت الحسابات والمعايير بعد نهاية الحرب، واندفع الإخوان إلى الارتماء فى أحضان السراى وحكومات الأقلية، وهو ما يفى بالضرورة الابتعاد عن الوفد ومناصبته العداء. وإذا كان الوفد قد اتخذ موقف المعارضات من حكومتى النقراشى وصدقى، فإن الإخوان قد أيدوا الحكومتين، وباركوا السياسة القمعية التى انتهجها إسماعيل صدقى، وطالت بعض قيادات ورموز الوفد. 
توترت العلاقة بين الوفد وافخوان، وتبادلا الهجوم الحاد، ووصل الصراع إلى ذروته فى يوليو 1946، فى ميدنة بور سعيد، المعروفة لولائها التقليدى للوفد. تحول الصدام بين الوفديين والإخوان إلى العنف، وألقى أنصار الإخوان ثلاث قنابل، مما أسفر عن مقتل أحد الوفديين وإصابة الشعرات، وهو ما أدى إلى تجمع الوفديين فى ثورة غضب مضاد، وأشعلوا النار فى دار الإخوان والنادى الرياضى، وحوصر المرشد العام حسن البنا، حتى أفلت بصعوبة. 
وقرب نهاية أغسطس 1946، نشرت صحيفة “,”صوت المة“,” الوفدية هجوما عنيفا ضد الإخوان ومرشدهم، وقالت إن البنا يتعرض لهتافات معادية أثناء زياراته للأقاليم، ويصفه المتظاهرون بأنه صنيعة الانجليز، وأطلقت الصحيفة عليه اسم الشيخ حسن راسبوتين، فى إشارة إلى المشعوذ الروسى الشهير. 
وقد اعتمدت الحملة الوفدية ضد الإخوان على عداء الجماعة للديمقراطية واعتمادها على تشكيلات شبه عسكرية. وعلى الرغم من محاولات التوفيق بين الوفد الجماعة، فقد استمر العداء، وقالت صوت الأمة إن البنا حكومى أكثر من الحكوميين، ونقراشى أكثر من النقراشيين. 
ولقد كشف البنا عن السر الحقيقى فى عداء الجماعة للوفد، فقد كتب فى مايو 1947، فى جريدة الإخوان، يستنكر الهجوم الوفدى على جماعته، ويرى أن الوفد على جماعته، ويرى أن الوفد يعيش بعقلية قديمة، متصورا أنه الأمة، وأن الأمة هى الوفد. وهاجم البنا موقف الحزب من إسماعيل صدقى، قبل أن يصل إلى جوهر الخلاف، وهو تمسك الوفد بالنظام السياسى والاجتماعى الغربى الممسوخ المشوه، بينما يراهن الإخوان على اختيار الأمة للوضع الربانى السليم. 
شهد اليسار المصرى، بعد الحرب العالمية الثانية، ازدهارا واسعا على المستويين النظرى والحركى، وقد وجدت البرامج والشعارات التى طرحها الشيوعيون، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، صدى ملموسا عند الطبقات الفقيرة وشرائح من الطبقة الوسطى. 
ومع ازدياد نشاط المنظمات اليسارية، السرية غالبا، تولت جوالة الإخوان مهمة تعقب أعضاء هذه التنظيمات والإبلاغ عنها، ووصل الأمر بالبنا إلى التصريح بان أحد اهداف جمع الإخوان للسلاح هو التصدى للخطر الذى يمثله الشيوعيون، وكان التحالف مع الغرب مقبولا عند المرشد شريطة التنسيق فى مواجهة الأخطار الشيوعية التى تهدد المنطقة . 
وعندما بدأ إسماعيل صدقى، سنه 1946، حملته الشهيرة ضد القوى الوطنية والتقدمية، واعتقل المئات من المثقفين والطلبة والعمال، وأغلق عشرات الصحف والمجلات المعبرة عن مختلف الاتجاهات، سارع الإخوان بتأييد حملته القمعية المعادية للحريات، ونشرت الصحيفة الإخوانية الرسمية أن الظروفتحتم ذلك الإجراء، لأن سلامة المجتمع وحرية الأمة تفوق كل شئ! 
لقد سعى الإخوان دائماً إلى استثمار الشبح الشيوعى، فى إطار من التهويل والمبالغة، لاحتواء الملك وإرهابه من الخطر الذى تمثله الشيوعية، وطالب حسن البنا، فى لقاء دمعه مع بعض أعضاء السفارة الأمريكية، بتكوين مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكيين لمكافحة الشيوعية. 
وفى يوليو 1946، نشرت مجلة “,”الإخوان المسلمون“,” مقالا مهما عنوانه “,”الإخوان المسلمون فى مصر بين الوفد والشيوعية“,”، وكشفت المجلة عن مرتكزات العداء الإخوانى للشيوعية: إنهم ياتمرون باوامر موسكو والإخوان يأتمرون باوامر الله، والشيعيون دعاة إلحاد وكفر وفساد أخلاقى أما الإخوان فدعاة إيمان وعقيدة دينية وسمو اخلاقى . 
ولقد تجسد الصراع بين الإخوان والشيوعيين فى مجال الحركتين الطلابية والعمالية، وحقق الشيوعيون نجاحا وسط العمال يفوق ما حققه الإخوان، وهو ما يمكن تبريره فى إطار الوعى بالشعارات الاجتماعية والاقتصادية التى رددها الشيوعيون، فى مواجهة الإطار الفضفاضى غير المحدد للشعارات والمبادئ الإخوانية. 
ولم يختلف الأمر كثيراً فى الجامعة، حيث انتشر النشاط الشيوعى فى الأوساط الطلابية ، وأسهموا بدور بارز فى لجنة العمال والطلبة التى قاومت ديكتاتورية صدقى، فى الوقت الذى تحالف فيه الإخاون مع الحكومة غير الشعبية، وخرجت مظاهرات طلبة الإخوان فى الجامعة لتشيد بصدقى، وتردد الآيات القرآنية التى تحض على طاعته! . 
ومن الناحية الفكرية، فقد رأى الإخوان أن التعاليم الإسلامية تغنى عن المبادئ الاشتراكية المستوردون، لكنهم لم يتطرقوا إلى مناقشة تفصيلية لطبيعة الرؤى الاشتراكية التى تتمثل فى الإسلام كما يفهمونه. 
الاخوان وحرب فلسطين 1948:
بوابة الحركات الاسلامية
تمثل حرب فلسطين سنه 1948 محطة مهمة فى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، ليس من حيث حجم المشاركة العسكرية فى العمليات الحربية، بقدر انعكاس هذه المشاركة على الأوضاع الداخلية للجماعة وتطور علاقتها مع السلطات المصرية. 
لقد انقطع اتصال الإخوان بالفسلطينيين أثناء سنوات الحرب العالمية، وبعد نهايتها تم تكليف ضابط الجيش محمود لبيب بتدريب المجموعات المدنية فى فلسطين تدريباً عسكرياً. وعند وصول مفتى فلسطين الحاج أمين الحسينى إلى القاهرة، سنه 1946، قادت صحيفة الإخوان حملة إعلامية لمنحه حق اللجوء السياسى. ومن ناحية أخرى، فقد وثق حسن البنا علاقته بجامعة الدول العربية، من خلال أمينها العام عزام باشا، وبعد صدور قرار التقسيم فى نوفمبر 1947، اشترك البنا مع بعض الشخصيات الإسلامية، مثل صالح حرب ومحمد على علوبة، فى تشكيل “,”لجنة وادى النيل“,” ، لجمع الأموال والأسلحة بهدف إنقاذ فلسطين، وكان مصطفى مؤمن ممثل الإخوان المعتمد فى هذه اللجنة. 
قبل ذلك بشهر واحد، أكتوبر 1947، توجهت الكتيبة الإخوانية الأولى إلى ميدان، القتال، ثم تبعتها كتائب أخرى، وكان قوام هذه الكتائب من أعضاء فرق الجوالة والجهاز السرى للإخوان. وقد أسهمت جامعة الدول العربية فى تمويل ودعم كتائب المتطوعين، فى الوقت الذى عارض فيه رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، قبل أن يضطر إلى الإذعان وقبول الأمر الواقع، لكنه اشترط أن يكون التدريب العسكرى تحت إشراف ضباط الجيش، ومن الواضح أنه كان يتخوف فى تصاعد قوة الإخوان العسكرية، ويقدر أن هذه الكتائب قد تمارس عملياتها داخل مصر وليس فى الأراضى الفلسطينية. 
شاركت كتائب الإخوان فى حرب فلسطين، وتظهر عبر هذه المشاركة أسماء بعض ضباط يوليو والمتعاونين معهم، مثل أحمد عبد العزيز وكمال الدين حسين وصلاح سالم. ويفخر الإخوان بالدور الذى قامت به كتائبهم فى مساعدة المحاصرين فى جيب الفالوجا، الذى نشأ عن تقدم الإسرائيليين بعد خرقهم للهدنة الثانية التى تم إبرامها فى أكتوبر 1948. 
كانت حرب 1948 تمهيدا لنهاية مرحلة فى تاريخ الإخوان المسلمين، بعد أن صدر قرار بحل الجماعة ودفع أنشطتها، وردت الجماعة باغتيال النقراشى، وانتقمت الحكومة السعدية بمزيد من القمع والتنكيل، الذى أفضى إلى اغتيال حسن البنا فى فبراير 1949.
الانشقاقات داخل جماعة الاخوان المسلمين:
بوابة الحركات الاسلامية
وقبل الوصول إلى هذه الذروة فى مسيرة الإخوان، يبدو ضروريا أن نتوقف أمام عدد من المحاور، التى تشكل فى مجموعها مدخلا ضروريا للإحاطة بخريطة المرحلة، وطبيعة التفاعلات داخل الجماعة وخارجها، ونفى بذلك ظاهرة الانشقاقات التى عرفها الإخوان مثل غيرهم من القوى السياسية، ورؤية الإخوان لأهم قضايا المجتمع المصرى، والموقف النظرى والعملى فى فئات هذا المجتمع، فضلاً عن تأمل وتحليل رحلة الإخوان مع العنف والإرهاب. 
أغلب الانشقاقات التى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين، بعد الحرب العالمية الثانية، مرتبطة بالمواقف السياسية غير الشعبية التى تبناها البنا، فى تحالفاته غير المبدأية مع حكومات الأقلية التى لا تحظى بالاحترام الشعبى، وبخاصة حكومة إسماعيل صدقى، التى مارست كافة أشكال القمع والاضطهاد، وحظيت بتأييد ودعم الإخوان، نكاية فى الوفد من ناحية، وانحيازا للملك وتوجهاته من ناحية أخرى. 
فى الخامس من مايو 1946، وتحت عنوان “,”هذه الجماعة تهوى“,”، نشرت جريدة “,”الوفد المصرى“,” استقالة جماعية من شعبة الإخوان فى زفتى، مذيلة بتوقيعات المستقيلين، كما نشرت بيانا من أهالى “,”أبو قير“,” يستنكر موقف الجماعة من القوى الوطنية، رتبهم الإخاون بأنهم نقراشيون صدقيون، فى إشارة إلى محمود فهمى النقراشى وإسماعيل صدقى. ويطالب البيان بحل تشكيلات القمصان الصفراء المتهمة بالسلوك الفاشى. 
ونشرت الصحيفة الوفدية بيانا من مؤتمر النقابات لعمال الشركات والمؤسسات الأهلية، يعلن فيه أن اللجنة الوحيدة الممثلة لهم هى اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، ويستنكر ما تفعله جماعة الإخوان من مؤامرات ضد اللجنة، وتكوين لجنة وهمية لأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم، ويسعون إلى عرقلة العمل الوطنى . 
وبعد يومين، فى السابع من مايو، نشرت الجريدة الوفدية، استقالات واحتجاجات من الإخوان المسلمين فى بلبيس ومحرم بك والعريش والسويس وكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول . 
لقد دفع الإخوان ثمن مواقفهم المؤيدة لحكومات غير شعبية، وتمثل الاستقالات المتتالية تعبيراً عن الاختيار الخاطئ الذى تبناه حسن البنا، وحقق من خلاله عديدا من المكاسب، دون انتباه إلى رد الفعل المضاد من القواعد الإخوانية. 
لكن الانشقاق الأكثر أهمية، فى هذه المرحلة، كان نتيجة أسباب أخلاقية، وليس سياسية، ترتبط بالاتهامات الموجهة إلى صهر البنا، عبد الحكيم عابدين. 
تمتد جذور فضيحة عبد الحكيم عابدين إلي نهاية عام 1945، حيث نقل بعض الإخوان، ومنهم أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد، إلي البنا أن سكرتيره العام وزوج شقيقته عبد الحكيم عابدين، يستغل سلطته فى انتهاك حرمة البيوت وأعراض الإخوان. 
بشكل سري، كلف البنا الدكتور إبراهيم حسن بالتحقيق فيما يثار، وقبل الوصول إلي نهاية التحقيق، عرف أغلب أعضاء الجماعة بأمر التحقيق السري، وتقدم الدكتور إبراهيم باقتراح يقضي بفصل عبد الحكيم عابدين من الجماعة، وهو ما رفضه البنا، وقرر تشكيل لجنة جديدة من كبار أعضاء الجماعة لتقصي الحقائق!. 
كانت الاتهامات مشينة وخطيرة، وبخاصة أن السلوك الأخلاقي الملتزم هو أهم الدعائم التى تقوم عليها جماعة الإخوان بشعاراتها الإسلامية، وأصر كثير من الإخوان على فصل عابدين، وبخاصة أن أحد الشاكين قد وصفه بأنه راسبوتين الجماعة!. 
كان المنطقي أن يرضخ البنا لرأي الأغلبية، فقد صوت مكتب الإرشاد بأغلبية ثمانية أصوات مقابل صوت واحد لصالح قرار الفصل، لكن البنا فاجأ الجميع بقرار عرض الأمر على الهيئة التأسيسية لإعادة التحقيق، وهو القرار الذي فهم منه أنه يهدف إلي التأثير على هذه الهيئة. 
لم ترق مناورات البنا لكثير من أعضاء وقيادات الجماعة، وقدم الدكتور إبراهيم حسن استقالته احتجاجا فى 27 أبريل 1947، وكان قد سبق هذه الاستقالة قرار من البنا بإيقاف أحمد السكري وكمال عبد النبي والدكتور إبراهيم حسن من مزاولة حقوق عضوية الهيئة التأسيسية. 
كان لموقف البنا أثر سلبي، وهيأ لانشقاق جديد، حيث أعقب خروج الدكتور إبراهيم حسن، خروج أحمد السكري، أحد أهم الرموز فى تاريخ الجماعة. 
ترجع أسباب خروج السكري إلي علاقة الجماعة بالوفد، واعترضه على سياسة البنا فى تأييد حكومة إسماعيل صدقي، وهو ما أدي إلي إضعاف الحركة الوطنية وإثارة الشكوك حول حقيقة الإخوان. 
كان السكري من المطالبين بالتنسيق مع الوفد، وكان حسن البنا يضع شركا مستحيلا وهو تبني الوفد لمبادئ الجماعة!. 
ومن ناحية أخري، لا يمكن إهمال العامل الشخصي فى الانشقاق الكبير، فقد كان السكري يشعر بأنه أكبر من أن يكون نائبا لرئيس الجماعة، ويعتقد أن البديل هو تقسيم السلطة بينه وبين المرشد، بحيث يتولي السكري الزعامة السياسية، وينهض البنا بالجانب الدعوي. 
جاء رد البنا بإحالة الخلاف إلي الهيئة التأسيسية، لمساءلة السكري وإصدار قرار بفصله. وعلى الرغم من العلاقة التاريخية الممتدة بين البنا والسكري، فقد رأي حسن البنا أن يضحي بالصداقة العميقة حتى ينفرد وحده بالسلطة داخل صفوف الجماعة. 
وبينما كان البنا يسعي جاهدا إلي التحكم فى إيقاع الخلاف حتى لا يؤثر على مكانة الجماعة وشعبيتها، لجأ السكري والدكتور إبراهيم إلي صحيفة الجماهير اليسارية، ونشرا مقالات عنيفة ضد البنا، وصلت إلي درجة اتهامه الصريح بالعمالة لإسماعيل صدقي والنقراشي، كما اتهماه بالغدر، والتلويح بأنه يتقاضي أموالا من الإنجليز!. 
لقد تحول أصدق أصدقاء الأمس القريب إلي أعداء ألداء، ولمكانة الرجلين المنشقين فى تاريخ الجماعة، لم يكن سهلا أن يتم التغاضي عن الاتهامات التى نشراها، وتركت أثرا ملموسا فى صفوف الجماعة، وكانت أحد العوامل المهمة التى مهدت لإصدار قرار الحل فى نهاية عام 1948.
جماعة الاخوان المسلمين وقضايا المجتمع المصرى:
بوابة الحركات الاسلامية
ما الموقف الذي اتخذه حسن البنا والإخوان من القضايا الجوهرية فى المجتمع المصري؟! 
ما حقيقة رؤيتهم للمرأة، والتعليم، والعمال والفلاحين، والطلبة؟! وإلي أي حد تكشف هذه المواقف عن طبيعة الفكر الإخواني خلال المرحلة التاريخية التالية لنهاية الحرب العالمية والسابقة لإصدار قرار الحل، واغتيال حسن البنا؟!. 
ينطلق الأساس الفكري للجماعة من الإيمان بفكرة شمول الإسلام وقدرته على التصدي لمشكلات وهموم المجمع المصري، ومن البديهي أن الإخوان يقدمون فهمهم للإسلام، لكن بعضهم يتجاوز ذلك فيري أن الرؤية الإخوانية هى الرؤية الإسلامية، وهو ما يثير مشكلة خطيرة تتعلق بأن الاختلاف مع البرنامج الإخواني ليس اختلافا سياسيا يمكن قبوله، بقدر ما هو خلاف مع الدين نفسه، وهو ما لا يمكن قبوله بطبيعة الحال! 
لقد حققت المرأة المصرية عديدا من المكاسب بعد ثورة 1919، وتصدي كثير من المفكرين الإسلاميين لمواجهة هذه المكاسب التى يرونها مغايرة للتوجه الإسلامي، وسار الإخوان على الدرب نفسه، متجاوزين الرفض النظري إلي السلوك العلمي التطبيقي، فأنشأوا مع بداية الدعوة فى الإسماعيلية مدرسة للبنات، وتشكلت فرقة للأخوات المسلمات تطالب بالعودة إلي الآداب الإسلامية، والدعوة إلي الفضيلة، وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات. وقد قبلت الفرقة فى عضويتها كل مسلمة تود العمل على مبادئها، وعين حسن البنا، باعتباره رئيس الفرقة، وكيله عنه لتكون همزة الوصل بين الفرقة وبينه، واعتبر جميع أعضائها أخوات فى الدرجة والمبدأ، وكانت تبرعاتهن إحدى المصادر المالية للجماعة. 
وتولت جماعة الإخوان الرد على الموجة السائدة التى تدعو إلي الاختلاط والسفور، وأعلنت أن عليم البنت وتثقيفها وتهذيبها وتربيتها أمر لا مجال للنزاع فيه، أما وظيفتها الأسمى فى الحياة فهي إدارة المنزل وتربة الأولاد، كما رفض الإخوان دعوة اختلاط الجنسين فى التعليم، وطالب البنا بإعادة النظر فى مناهج تعليم البنات وضرورة اختلافها عن المناهج العامة للتعليم. 
وقد عارض الإخوان بشدة دعوة المفكر الإسلامي محمد على علوية بشأن حق المرأة فى الانتخاب، واعتبروا ذلك دعوة ضد الدين، كما أكدوا أن فكرة ترشيح المرأة للانتخابات البرلمانية منكر لا يرضي الله. 
ومن الناحيتين التنظيمية والفكرية، يبدو واضحا غياب المرأة عن كافة المراكز القيادية فى جماعة الإخوان، وهى ظاهرة تنطبق على كافة القوي السياسية خلال المرحلة التاريخية، باستثناء بعض المنظمات اليسارية، كما أن الصحف الإخوانية لم تفتح صفحاتها لمشاركة الكاتبات، واقتصرت المشاركة على الرجال وحدهم. 
لا يمكن فهم واستيعاب موقف الإخوان من العمال والحركة العمالية، بمعزل عن التوقف أمام المنهج العام الذي تلتزم به، ويرفض فكرة التحليل الطبقي. وفى هذا الإطار، اقتصر اهتمام الإخوان على مشاعر التعاطف مع معاناة الطبقة العاملة، والاستياء من الاضطهاد الذي يلاقونه من جانب أصحاب الأعمال. 
يطالب الإخوان بتحسين أحوال العمال، وتشغيل العاطلين، وحث الرأسمالية الوطنية على افتتاح المصانع والشركات لاستيعاب الطاقات المعطلة. 
وعلى الرغم من تعاطف الصحف الإخوانية مع مطالب العمال المشروعة، التى تدفعهم إلي الإضراب والاعتصام، فإنها تؤكد أن فكرة الإضراب مخالفة للتعاليم السماوية والشريعة الإسلامية. 
لقد أدي تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية إلي تزايد اهتمام الطبقة العاملة بالشئون السياسية، وإذا كان بعض هؤلاء العمال قد اتجه إلي الانخراط فى صفوف الوفد، أو التنظيمات العمالية للنبيل عباس حليم، فإن قطاعا منهم قد اتجه إلي البدائل اليسارية، وهو ما فرض على الإخوان أن يبدوا مزيد من الاهتمام بالحركة العمالية، لمواجهة مخاطر الانتشار الشيوعي. 
واللافت للنظر أن الإخوان قد وجهوا نقدا للقوانين التى تجزم تكوين الاتحادات العمالية وتحول دون حق الإضراب، على الرغم من أن الإخوان أنفسهم يرفضون الإضراب لأنه مخالف للشريعة. 
فى أعقاب الحرب، نشط قسم العمال فى الجامعة، وأعلنت صحف الجماعة أن الغرض من إنشاء القسم العمالي هو توصيل الدعوة الإخوانية الإسلامية إلي نفوسهم. وفى سنة 1947، خصصت مجلة الإخوان بابا ثابتا للعمال، ناقشت فيه القضايا العمالية، وطالبت الحكومة بتشجيع الصناعات الصغيرة، ومدها بالمعونات لكسر احتكار الرأسماليين وزيادة أجور العمالة والحد من البطالة. 
كانت الجماعة تسعي من وراء ذلك إلي تكوين شعبة عمالية تتولي تشكيل جبهة من نقابات العمال، بمعاونة رؤساء النقابات من أعضائها، لكن ما أحاطها من ظروف سياسية، وفى ظل الحملات التى شنتها الصحف الوفدية واليسارية على النشاط العمالي للإخوان لم تنجح الجماعة فى التغلغل داخل الأوساط العمالية، واستمر الفشل قائما إلي أن صدر قرار حل الجماعة. 
اعتمد الإخوان فى نشر دعوتهم فى الريف على عدة وسائل: إلقاء المحاضرات الدينية، تأسيس جماعة للعناية بنهضة القرى المصرية والإصلاح الريفي، تشييد المقابر للفقراء، الخدمات الاجتماعية، توزيع الزكاة على المحتاجين، حماية الأطفال من التشرد، إنشاء المساجد والمستشفيات. 
وقد دأب الإخوان على القيام برحلات أسبوعية إلي الريف، وكان حسن البنا يقضي أغلب شهور الأجازة الصيفية فى الدعوة بين الفلاحين، وهو ما أدي إلي نجاحه فى افتتاح شعب إخوانية كثيرة فى الريف، كما أسهم أعضاء الجماعة فى أنشطة محو الأمية ومقاومة الأمراض والأوبئة. 
وعلى الرغم من اهتمام الصحافة الإخوانية بالقضايا اليومية للفلاح المصري،والتنبيه الدائم إلي ضرورة الاهتمام به، فإنها لم تعرض أبدا لخريطة الملكية الزراعية، ولم توجه نقدا حقيقيا لكبار الملاك الزراعيين، الذين انضم عدد منهم غلي صفوف الجماعة وأسهموا فى تمويليها. 
الغالب على خطاب الإخوان، فيما يتعلق بقضايا الفلاحين، هو التعامل مع الأمر من منظور الإصلاح المتكئ على البر والتقوى، اتساقا مع المبدأ الإخواني الراسخ الذي يرفض التفسير الطبقي ويحارب مقولة الصراع الاجتماعي.
كان البنا مدرسا، ورؤيته التى يلح عليها أن التعليم بكل أنواعه ومراحله، بما فى ذلك التعليم الأزهري، مفكك الروابط متباعد الحلقات غير واضح فى غايته. واقترح البنا توحيد المناهج فى المراحل الأولي فى كل أنواع التعليم، وإعادة النظر فى وضع واختيار المواد الملائمة. 
وقد اتخذ الإخوان موقفا معتدلا فى قضية العلاقة بين التعليمين المدني والديني، حيث طالبت بالمزج بينهما، ودعت إلي الأخذ من علوم الغرب مع الاحتفاظ بالتعليم الديني. 
ومنذ العام 1946، شكلت الجماعة لجنة لتأسيس المدارس الابتدائية والثانوية للبنين والبنات، وهي اللجنة التى دعمها محمد حسن العشماوى، وزير المعارف فى حكومة إسماعيل صدقي، كما أن المدارس الإخوانية حققت نجاحا ملموسا. 
وقد نجح الإخوان فى تحقيق انتشار نسبي بين طلاب الجامعات المصرية وجامعة الأزهر والمدارس الثانوية، ووصل الاهتمام إلي ذروته بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد كان نشاط الإخوان فى الجامعة دليلا على تزايد نفوذهم السياسي، ولعب الطلبة من أنصار الإخوان دورا معروفا فى تأييد حكومي إسماعيل صدقي، وهو ما عرضهم لسخط قطاعات طلابية عريضة كانت تري فيه ديكتاتورا مستبدا لا يستند فى حكمه على قاعدة شعبية. 
لعل الاتهام بالعنف وممارسه الإرهاب، هو أخطر ما يوجه من اتهامات إلي جماعة الإخوان المسلمين، ويرد الإخوان عادة بإنكار ما يوجه إليهم من اتهامات، ويبررون الأحداث الثابتة بأنها الاستثناء الذي لا يؤثر على قاعدة نبذ العنف. 
لقد شك حسن البنا، بعد توسع عضوية الإخوان خلال سنوات الحرب، ما يعف باسم “,”النظام الخاص“,”، أو “,”الجهاز السري“,”، وحدد وظائف التشكيل الجديد فى شن الحرب على الاستعمار البريطاني، وقتال الذين يخاصمون الجماعة وردعهم، وإحياء فريضة الجهاد. 
ولعل فى استعراض بعض وقائع العنف المنسوبة إلي الإخوان، خلال مرحلة ما بعد الحرب، وصولا إلي اغتيال البنا نفسه، ما يكشف عن طبيعة الموقف الإخواني من قضية الإرهاب. 
جماعة الاخوان واعمال العنف:
بوابة الحركات الاسلامية
فى الرابع والعشرين من ديسمبر 1946، انفجرت عدة قنابل فى أماكن متفرقة من مدينة القاهرة، وضبط فى هذه الحوادث اثنان من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، أحيلا إلي محكمة الجنايات، نقضت بإدانة أحدهما. 
وعلى الرغم من اعتراف الجماعة بعضوية المتهمين فى صفوفها، فقد انصب دفاعها الرسمي المعلن على انه لم تصدر أوامر من قيادة الجماعة بتنفيذ هذه التفجيرات، التى تم تبريرها بأنها حوادث شائعة فى إطار فورة المشاعر الوطنية بين الشباب. لكن مذكرات محمود الصباغ، القيادي الإخواني البارز، التى تحمل عنوان “,”حقيقة التنظيم الخاص“,”، تقر بمسئولية الإخوان عن تفجير القنابل فى جميع أقسام البوليس فى القاهرة، يوم الثالث من ديسمبر 1946، وقد روعي أن تكون هذه القنابل صوتية، بقصد التظاهر المسلح فقط، دون أن يترتب على انفجارها خسائر فى الأرواح. ويفخر كاتب المذكرات بدقة العملية، التى تمت بعد العاشرة مساء فى أقسام بوليس الموسكى والجمالية والأزبكية ومصر القديمة ونقطة بوليس السلخانة، ويؤكد الصباغ أن الشرطة لم تتمكن من تحديد هوية المنفذين، وأن إلقاء القنابل قد امتد بعد ذلك إلي أقسام بوليس عابدين والخليفة وإمبابة. 
تولي أحد أعضاء الإخوان مهمة إلقاء قنبلة فى فندق الملك جورج بمدينة الإسماعيلية، وهى الحادثة التى تحمل رقم 4726 جنايات لسنة 1947. وأدي إلقاء القنبلة إلي تناثر شظاياها وإصابة عدة أشخاص من الموجودين فى الفندق، كما أصيب منفذ العملية بإصابات بالغة، أدت غلي علاج طويل. 
وقد تنكر الإخوان لهذه العملية، وأكدوا أن القائم بتنفيذها ليس مسئولا عن عمله. وفى المقابل، يشير الصباغ فى مذكراته إلي أن العملية تمت بإشراف صلاح شادي، وأن منفذ العملية من الإخوان، واسمه رفعت النجار، ويبرر إصابته بفشله فى الابتعاد عن موقع الانفجار فى الوقت المناسب. 
وفى كتابه “,”حصاد العمر“,”، يؤكد القيادي الإخواني صلاح شادي صحة المنسوب إليه، من حيث الإشراف على علمية تفجير الفندق، ويؤكد أنه تم تكليف الأخ رفعت النجار، من سلاح الطيران، بحمل دوسيه له مادة ناسفة، يشعلها ثم يتركها فى ردهة الفندق. ولأن المنفذ قد أصيب فى العملية، فإن صلاح شادي لا يملك أن يتنكر له، بل إنه يشير بشكل صريح إلي الاستعانة ببعض الإخوة المحامين الذين دفعوا بأن القدرات النفسية والعقلية للمتهم لا تضعانه فى مستوي المسئولية الجنائية!. 
فى التاسع عشر من يناير 1948، ضبط خمسة عشر شخصا من جماعة الإخوان المسلمين وهم يتدربون على استعمال الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل، فى منطقة جبل المقطم، وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع وغيرها من الأدوات التدميرية. 
ويؤكد الإخوان أن هؤلاء المقبوض عليهم ليسوا جميعا من الإخوان، وأن الدافع لتدريبهم العسكري هو الاستعداد للتطوع من أجل إنقاذ فلسطين، نتيجة لبطء الحكومة فى إعداد المتطوعين وحشد المجاهدين. 
نقطة الضعف فى هذا الدفاع أنه يهمل الخبايا الحقيقية لحادث الجبل، ويتجاهل أن الدفاع عن فلسطين كان أقرب إلي المواجهة العلنية التى تم تدبيرها، بالاتفاق مع بعض القيادات الفلسطينية. وفى كتابه “,”النقط فوق الحروف“,”، يكشف أحمد عادل كمال عن حقيقة هذه الواقعة فيقول إنهم كلفوا بالبحث عن مكان مناسب بجبل المقطم، يصلح للتدريب على استخدام الأسلحة والمتفجرات، والسر فى ذلك الاختيار هو قرب الجبل من القاهرة. كانت المواصفات المطلوبة فى المكان أن يكون موغلا فى الجبل، وميسور الوصول إليه بالسيارة، وأن يكون صالحا كميدان لضرب النار، ومستورا عن العيون. 
بدأ التدريب فى ذلك الموقع بمعدل مجموعتين فى اليوم الواحد: مجموعة تذهب مع الفجر وتستمر حتى العصر، ومجموعة أخري تذهب من العصر إلي الفجر، وكان الذهب والعودة يتم بسيارة ستيشن واجن. وكان الترتيب ألا تتقابل المجموعتان، وان يكون هناك بصفة دائمة، فى مكان مرتفع، من يرقب المجال حول الموقع بمنظار مكبر، ليري أي سيارة قادمة قبل أن تصل بثلث ساعة على الأقل، مع توفير حفر معدة لتوضع بها الأسلحة والذخيرة والردم عليها لدي أول إشارة، وبذلك تبقي المجموعة فى حالة معسكر تقليدي، وليس معها ممنوعات قانونية. 
واستمر ذهاب المجموعات وعودتها بمعدل مرتين كل يوم لمدة طويلة، حتى صنعت السيارة مدقا واضحا مميزا فى الجبل، وهو ما لفت أنظار العاملين فى محاجر الجبل، فبلغ الخبر إلي البوليس. ولم تشعر المجموعة التى تقوم بالتدريب إلا وقوات الشرطة تحيط بها وتطالبها بالتسليم. 
كانت الإجابة المتفق عليها هي الاستعداد للتطوع فى سبيل نصرة القضية الفلسطينية، وعند الوقوع فى أيدي الشرطة، تحررت استمارات بأسماء المقبوض عليهم فى مركز التطوع، وتم الاتصال بالحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا، فأقر بأن المقبوض عليهم متطوعون من أجل فلسطين، وأن السلاح سلاح الهيئة، ولذلك تم الإفراج عمن قبض عليهم، وسلم سلاحهم إلي الهيئة العربية العليا. 
وعلى الرغم من حفظ القضية، فقد تركت أثرا مهما فى مسار العمل الإخواني العسكري السري، فقد عثر المحققون مع المسئول عن المعسكر على كشف يضم أسماء مائة من أعضاء الإخوان فى النظام الخاص، وأرقامهم السرية ومجموعاتهم، وهي المجموعات التى كان مزمعا تدريبها فى جنوب القاهرة. 
يعد حادث اغتيال المستشار أحمد الخازندار بك، وكيل محكمة استئناف مصر، أحد أشهر وأهم أعمال العنف التى قام بها الإخوان المسلمون، وكانت التهمة الموجهة إلي المستشار القتيل أنه أصدر أحكاما بإدانة وسجن الأعضاء المنتمين إلي الجماعة، ممن ألقي القبض عليهم لإستخدام القنابل. وقد ثبت من التحقيقات التى أجرتها النيابة أن السكرتير الخاص للشيخ حسن البنا كان واحدا من منفذي جريمة القتل. 
ويدافع الإخوان عن اتهامهم باغتيال الخازندار بأنه لا ذنب لهم فيها، وأن أحد المتهمين قد شاع أنه سكرتير للمرشد. ويقولون إنه إذا صحت هذه الصلة، فلا يمكن أن تتخذ سببا لإدانة الجماعة بشكل عام. 
الدفاع الإخواني يبدو متهافتا ضعيفا، ويروي محمود الصباغ تفاصيل كاملة عن المحاكمة الإخوانية الداخلية لعبد الرحمن السندي، الذي أشرف على تنفيذ الاغتيال، ومن التفاصيل التى لا ينكرها الإخوان أنفسهم تتضح حقائق مغايرة لما يعلنونه عن براءتهم من قتل المستشار. 
ترأس المحاكمة الداخلي الشيخ حسن البنا، وضمت قيادات النظام الخاص، ومنهم صالح عشماوي ومحمد فرغلي وخميس حميدة وعيد العزيز كامل ومحمود الصباغ ومصطفي مشهور وأحمد زكي حسن وأحمد حسنين ومحمود عساف. 
أكد عبد الرحمن السندى فى المحاكمة أنه فهم من العبارات الساخطة التى سمعها من المرشد العام، ضد أحكام المستشار الخازندار، انه سيرضي عن قتله، ولذلك تم التنفيذ من منطلق هذا الفهم غير المباشر!. 
ويكتب الصباغ أن المرشد العام قد تأثر لكلام السندى، لأنه يعلم صدقه فى كل كلمة يقولها، وبلغ من تأثره أن أجهش بالبكاء ألما للحادث المؤسف، الذي يعتبر مادة للتشهير بدعوة الإخوان ورسالتها فى الجهاد من أجل إقامة شرع الله. ويضيف الصباغ أن الإخوان الذين شاركوا فى المحاكمة قد تيقنوا أن عبد الرحمن قد دفع فى فهم خاطئ، وهو ما أدي إلي ممارسة غير مسبوقة فى أعمال الإخوان، ومن هنا جاء القرار بأن الحادث يعد قتل خطأ، وأن عبد الرحمن ومن أمرهم بالتنفيذ لم يقصدوا سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني فى بعض أفراد الطبقة المثقفة فى شعب مصر أمثال الخازندار بك. ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ فى ظل انتمائهم إلي الإخوان المسلمين وبسببه، إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا على الإطلاق فى حياتهم ليفكروا فى مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق على الجماعة دفع الدية التى شرعها الإسلام كعقوبة على المتهمين البريئين فى حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرا يمكن أن يفرط فيه الإخوان فى غير أداء فرية واجبة يفرضها الإسلام، حيث تكون الشهادة أبهي وأعظم من كل حياة. 
ولما كان جماعة الإخوان جزءا من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت لورثة المستشار عشرة الآف جنيه من أموال الشعب، فقد تم دفع الدية الشرعية، وبقي على الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين محمود زينهم وحسن عبد الحافظ. 
واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء، ولقي موافقة إجماعية من كل الحضور، بما فيهم الشيخ البنا نفسه. 
لقد تزايدت أعمال العنف المنسوبة إلي الإخوان، وتصاعدت مخاوف حكومة النقراشي من الجماعة، وكان الصدام متوقعا. 
حل الجماعة....النهاية:
بوابة الحركات الاسلامية
ففى الثامن من ديسمبر 1948، صدر القرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، وتحفل المذكرة التفسيرية لقرار الحل بعديد من الاتهامات الموجهة إلي الجماعة، الموصوفة بأنها عصابات إجرامية. 
ولم يكن قرار الحل هو نهاية المطاف، فقد رد الإخوان بقتل رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، ومحاولة نسف محكمة الاستئناف، وحاولوا اغتيال رئيس الحكومة الجديد إبراهيم عبد الهادي، وفى نهاية الصراع، سقط حسن البنا نفسه فى فبراير 1949. 
“,”فى الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة من صباح الثلاثاء 28 ديسمبر 1948 دوت فى أرجاء وزارة الداخلية أصوات مقذوفات نارية متتابعة، فلما هرول كبار موظفيها مذعورين لاستطلاع النبأ ساقتهم أصوات الرصاص المدوي إلي مصدر انطلاقه، وقد عرفوا أنه عند باب مصعد الوزارات راعهم أن يروا صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء، ووزير الداخلية والمالية، ملقي على الأرض، إلي جوار المصعد، مخرجا فى دمائه. 
إن المقذوفات التى سمع دويها كانت مسددة إلي وزير الداخلية، وقد أصابت الرصاصتان الأوليان منهما مقتلا فيه، إذ نفذت إلي القلب مباشرة، فخر النقراشي باشا صريعا فاقد النطق لم تنبعث منه غير آهة واحدة، رقد بعدها جثة هامدة، بين بكاء الذين أسرعوا إلي المكان، ولم يتمالكوا عيونهم أن تدمع، ونفوسهم أن تجزع، أسي على هذه المفاجأة التى راح ضحيتها رئيس وزراء مصر“,”. 
كان هذا هو البيان الذي صدر عقب اغتيال النقراشي باشا، بيد واحد من شباب الإخوان. 
على الرغم من اعتقال آلاف الإخوان المسلمين، فقد تعمدت الحكومة السعودية أن تترك حسن البنا طليقا وحيدا يعاني من أزمة السقوط بعد أن أفلت الزمام منه. 
أصدر البنا بيانا شهيدا يقول فيه إن القتلة ليسوا إخوان وليسوا مسلمين، ولم يشفع اعتذاره له، وفى التاسعة من مساء يوم السبت الثاني عشر من فبراير سنة 1949، تم استدراج البنا ليقتل، وتثأر الحكومة من اغتيال النقراشي. 
اليوم الأخير : الاغتيال:
بوابة الحركات الاسلامية
في الساعة الثامنة من مساء السبت 12 فبراير 1949 م كان حسن البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين ويرافقه رئيس الجمعية لوداعه ودق جرس الهاتف داخل الجمعية فعاد رئيسها ليجيب الهاتف فسمع إطلاق الرصاص فخرج ليرى صديقه الأستاذ البنا وقد أصيب بطلقات تحت إبطه وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، وأخذ رقمها وهو رقم “,”9979“,” والتي عرف فيما بعد أنها السيارة الرسمية للأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية كما هو ثابت في مفكرة النيابة العمومية عام 1952 م . 
لم تكن الإصابة خطرة بل بقي البنا بعدها متماسك القوى كامل الوعي وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث رقم السيارة ثم نقل إلى مستشفى القصر العيني فخلع ملابسه بنفسه. لفظ البنا أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل أي بعد أربع ساعات ونصف من محاولة الاغتيال بسبب فقده للكثير من الدماء بعد أن منعت الحكومة دخول الأطباء أو معالجتهم للبنا مما أدى إلى وفاته ولم يعلم والده وأهله بالحادث إلا بعد ساعتين أخرىين وأرادت الحكومة أن تظل الجثة في المستشفى حتى تخرج إلى الدفن مباشرة ولكن ثورة والده جعلتها تتنازل فتسمح بحمل الجثة إلى البيت مشترطة أن يتم الدفن في الساعة التاسعة صباحاً وألا يقام عزاء . 
اعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء إذ لم يكن هناك رجل غير والده ومكرم عبيد باشا والذي لم تعتقله السلطه لكونه مسيحيا وكانت تربطه علاقة صداقة بحسن البنا.
سار فى جنازته أب عجوز وابن يافع، وأحاط الجنود المدججون بالسلاح نعشه. 
وانتهت رحلة المرشد مع الحياة، وانتهت مرحلة حافلة من تاريخ الإخوان المسلمين، لكن اغتيال المرشد لم يكن نهاية الجماعة. 
الوثيقة الاولى: خريف عام 1948:
بوابة الحركات الاسلامية
عاد الأستاذ المرشد من أداء فريضة الحج بفكر جديد، لم يكن يخفيه، ولا يخفي الذين تأثر بهم. 
وأود أن أسجل هنا اسم الحاج عبدالستار سيت سفير باكستان في القاهرة وقتئذ.. 
لقد كان رجلاً هادئاً، رضي النفس، مؤمناً بالعمل الهادئ الطويل النفس، وكان يخشى على الإخوان عواقب الخطوات العنيفة التي اتخذوها، وأخذ يذكر للأستاذ ما اتبعوه في بلاده من عناية بتربية الشباب، واختيار العناصر التي يرجى لها مستقبل في الحياة العامة، أو يمكن أن يسمى بالجيل المقبل من القادة .. ولم يكن هؤلاء بعيدين عن شخصيات في الحكم بحكم النشأة، فقوى في النفس الأستاذ الاتجاه نحو التربية.. 
ولكن الرجل عاد ليجد حوادث القنابل والانفجارات في القاهرة، سلسلة تواليت حلقاتها: انفجار ممر شيكوريل، شركة الإعلانات الشرقية، حارة اليهود. 
وإلى جوار الانفجارات، مصرع المستشار الخازندار من رجال القضاء، ومصر سليم زكي من رجال الأمن. 
ملامح الصورة يرسمها المسدس والقنبلة والديناميت. وكانت ملامح القلق بادية على وجهه، حتى المحاضرات وزيارات الأقاليم زهد فيها. 
بأذني سمعت منه وصف هذه الاحتفالات العامة بأنها “,”شغل دكاكيني“,”؛ أي عمل صغير متفرق لا قيمة له. 
ويأتي مصرع النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية ليضع الأستاذ في أشد المواقف حرجاً. 
كان كل أمله – كما سمعت ذلك منه بنفسي – أن يخلص باسم الإخوان المسلمين ومائة شاب “,”أربيهم ينتشرون في الأرض داعين إلى الإسلام، ويجادلون الله عني يوم القيامة .. حين يسألني أقول: يا رب ربيت هؤلاء، ونشرتهم في الأرض يدعون إلى دينك“,”. 
حصاد العمر الطويل: آلاف الشُعب، وآلاف المعسكرات، وآلاف الحفلات، والجرائد والمجلات والمنشورات، تركزه عنده في مائة شاب يلقى الله بهم. 
وتصدر عنه بعد مصرع النقراشي وثيقته الخطيرة: “,”ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين“,”. 
ورب قائل يقول: إن هذا كله تم عن تراض وتشاور بين الأستاذ وبين الذين قاموا بهذا الأمر؟ ولكنه دفاع أهون منه الإدانة، والوقوف إلى جوار المسئولية، أو على الأقل عدم إدانة من قام بالأمر بأنه ليس أخًا – وهذه تهون – وليس مسلماً. 
وتحولت الحكومة المصرية كالوحش الجريح، وفي عيونها نظرات القلق، وفي يدها بقايا بطش، وفي نفسها صدع تريد أن تشد عليه بحبيرة من ثياب الإخوان .. وبين يديها من أحداث القنابل والديناميت والمسدسات ما يمكن أن تتخذه مبرراً. 
وللأمانة أقول: ألم يقدم الإخوان بأنفسهم بعض أدلة إدانتهم؟ ألم يحكم الاستعمار خطته حتى يحول الصراع بعد هزيمة 1948 إلى ضرب عنيف للإخوان مستفيداً من كل هذه الظروف؟ 
على أنني مع كل الحطام والآلام لا زلت أذكر آخر نصيحة للاستاذ: “,”لو أخلص باسم الإخوان ومائة شاب أربيهم، ينتشرون في الأرض داعين إلى الإسلام، يجادلون الله عني يوم القيامة .. حين يسألني أقول: يا رب ربيت هؤلاء ونشرتهم في الأرض يدعون إلى دينك...“,” 
ووعيتها في نفسي.
الوثيقة الثانية: ديوان جلالة الملك ـ سرى رقم 1666 السادس من ديسمبر 1948
بوابة الحركات الاسلامية
الخطاب الذى رفعه حسن البنا إلى الملك يستعديه على النقراشى 
حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك وادى النيل حفظه الله، 
أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو وأصلى وأسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وأمام المتقين وأحيِّى سُـدَّة جلالتكم المجيدة بتحية الإسـلام, فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته متبوعة بأصدق آيات الإخلاص وأخلص معانى الولاء. 
يا صاحب الجلالة, 
لقد حُرمنا جهادنا فى فلسطين أو كدنا لا لضعف فى جيشنا أو تخاذل فى شعبنا أو نقص فى عددنا أو جهل بواجبنا ولكن لتحكم السياسة المترددة فى الحرب الصارمة وتدخل رئيس الحكومة (فى إشارة إلى النقراشى باشا) فى شئون القتال وتردده فى مواجهة المواقف بما تقتضيه إلى جانب العوامل الأخرى التى لا يد لنا فيها ولكن كان فى وسع الحازم اللبق والقوى الفَطِن أن ينتفع بها ويستفيد منها. 
ولقد انفرد الحاكم العام بالعمل فى السودان ينفذ فيه سياسة بريطانيا المرسومة وخططها الانفصالية المعلومة وأخذ يوجّه إلى مصر اللطمة بعد اللطمة وينفّذ من برنامجه الخطوة تلو الخطوة والحكومة المصرية تمد له فى ذلك وتشجعه على المضى فيه بسياستها السلبية وهو ممعن فى عدوانه حتى بلغ به الأمر أخيرًا إلى أن يمنع بعثة المحامين من أداء واجبها ويعلن على لسان رجاله أن مصر شىء والسودان شىء آخر وكل هذا يحدث والحكومة المصرية لم تفعل شيئًا بعد. 
والعالم كله الآن يا صاحب الجلالة تغلى مراجله بالأحداث الجسام والخطوب العظام ويبدو فى آفاقه كل يوم شأن جديد لا يقوى أبدًا دولة النقراشى باشا على أن يضطلع بأعباء التصرف فيه بما يحفظ كرامة مصر ويصون حقوق الوادى المجيد العظيم، والنزاهة وطهارة اليد (اعتراف جلى من البنا بنزاهة وطهارة يد النقراشى باشا تلك التى لمتشفع له عند الجماعة بحال) لا تكفى وحدها لمواجهة هذه الغمرات المتلاحقة من أحداث الزمن ومُضلاَّت الفتن. 
وفى وسط هذه اللجّة من الحوادث الجسيمة التى تتصل بحاضر الوطن ومستقبله وكيانه فى الصميم يعلن دولة النقراشى باشا الحرب السافرة الجائرة على الإخوان المسلمين. فيحل بالأمر العسكرى بعض شُعَبهم. ويعتقل بهذه السلطة نفسها بدون اتهام أو تحقيق سكرتيرهم العام وبعض أعضاء هيئتهم ويأمر الوزارات والمصالح المختلفة بتشريد الموظفين الذين يتصلون بالهيئة ولو بالاشتراك فى أقسام البر والخدمة الاجتماعية تليفونيًا أو تلغرافيًا إلى الأماكن النائية والمهاوى السحيقة وما عليهم أن ينقلوا فذلك شأن الموظف المفروض فيه ولكن صـدور هذه التنقلات فى هذه الصـور القاسية التى تحمل معنى الانتقام والاتهام تجرح الصدور وتثير النفوس وتسىء إليهم فى نظر رؤسائهم ومرؤوسيهم على السواء. 
ويصدر الرقيب العام أمره بتعطيل جريدتهم اليومية إلى أجل غير مسمى بحجة لا قيمة لها ولا دليل عليها, بل إنه لو صحت الأوضاع لكان للجريدة أن تؤاخذ الرقباء أشد المؤاخذة بمواقفهم منها وتعنُّتهم معها وعدم إصغائهم إلى شكاياتها المتلاحقة. 
ويتردد على الأفواه والشفاه قرار حل الهيئة ووعيد الحكومة لكل من اتصل بها بالويل والثبور وعظائم الأمور. 
وأخيرا يحاول دولة رئيس الحكومة أن يلصق بالإخوان تهمة الحوادث الأخيرة التى لم تكن إلا صدى لهذا العدوان من الحاكم فى السودان ولجهاد إخواننا السودانيين فى جنوب الوادى ويلقى عليهم تبعة هذا الحادث الأسيف حادث مصرع حكمدار العاصمة الذى كان المركز العام للإخوان المسلمين أول من أسف له وتألم منه إذ كان رحمه الله معروفا بعطفه على حركتهم ودفاعه عن هيئته ومواقفه الطيبة فى ساعات المحن إلى جانبهم مع حكمة فى العمل وإحسان فى التصرف ( لاحظ كلام البنا عن الرجل وما اعترف به الصباغ آنفًا من مسئوليةللإخوان عن الحادث وحسبُنا الله ونعم الوكيل ) . 
ويحاول دولته أن يتذرع لهذه الحرب الشعواء بتحقيقات لم ينته أمرها بعد ولم يُعرف فيها المتهم من البرىء إلى الآن, وإن كانت وزارة الداخلية فى بلاغاتها الرسمية قد خالفت أمر النيابة وسبقت كلمة القضاء وأعلنت على رؤوس الأشهاد اتهام الأبرياء. 
يا صاحب الجلالة, 
اسمح لى أن أجرأ فى هذا المقام الكريم فأقول إن هذه المجموعة من الإخوان المسلمين فى وادى النيل هى أطهر مجموعة على ظهر الأرض (لاحظ الوصف) نقاء سريرة وحسن سيرة وإخلاصا لله وللوطن وللجالس على العرش (لاحظ التملق) فى كل كفاحهم فى سبيل دعوة لا تخرج أبدا عما رسم الإسلام الحنيف قيد شعرة وأنهم بحكم إيمانهم ومنهاجهم ونظامهم وانتشار دعوتهم بكل مكان فى الداخل والخارج أفضل قوة يعتمد عليها من يريد بهذا الوطن الخير ويتمنى له التقدم والنهوض وأكتب ورقة فى يد كل عامل لخير البلاد والعباد وأن تحطيم دعوتهم والقضاء عليهم وهو ما تستطيعه الحكومة إذا أرادته وصممت عليه ولو فى ظاهر الأمر إلى حين بما فى يدها من سلطات عسكرية وما تملكه من قوة رسمية ليس من المصلحة فى شىء بل هو قضاء على نهضة هذا الوطن الحقيقية وقتل للبقية الباقية من روح الإخلاص والجد والاستقامة والطهر فيه على أن نتائج هذا الموقف فى مثل هذه الظروف غير مضمونة ولا معروفة ولا أدرى لحساب من يقوم دولة رئيس الحكومة بهذه المهمة ويحمل هذه التبعة الضخمة أمام الله وأمام الناس وفى التاريخ الذى لا ينسى ولا يرحم. 
يا صاحب الجلالة, 
إن الإخوان المسلمين باسم شعب وادى النيل كله يلوذون بعرشكم (لاحظ اللغة) وهو خـير ملاذ ويعوذون بعطفكم وهو أفضـل معاذ ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة إلى نهج الصواب أو بإعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر على حملها ولجلالتكم الرأى الأعلى والله أسأل أن يتم عليكم نعمة التأييد والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

المخلص 
حسـن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين 
هذه الوثيقة التى أوردتها كاملة الأستاذة الدكتورة هدى شامل أباظة، فى كتابها الرائع حول النقراشى باشا – الطبعة الأولى – دار الشروق . فالوثيقة تشرح نفسها بنفسها وتدل على مدى حنق البنا على النقراشى وسعيه إلى تنحيته عن الحكم بأى وسيلة .
الوثيقة الثالثة: الثامن من ديسمبر 1948
بوابة الحركات الاسلامية
مذكـرة عبد الرحمن بك عمار وكيل وزارة الداخلية إلى النقراشى باشا 

“,”حضر الليلة الشيخ حسن البنا إلى ديوان وزارة الداخلية وطلب مقابلتنا بحجة الإفضاء إلينا بأمور هامة يرغب فى إبلاغها فورا إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء، فلما قابلناه حدثنا بأنه قد علم أن الحكومة أصدرت قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين أو هى فى سبيل إصدار هذا القرار وأنه يريد أن ينهى إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد عوّل نهائيا على ترك الاشتغال بالشئون السياسية وقصر نشاط الجماعة على الشئون الدينية كما كان الحال فى بداية قيام جماعة الإخوان المسلمين وأنه يود من كل قلبه التعاون مع دولة الرئيس تعاونا وثيقا مؤيدا للحكومة فى كل الأمور وأنه كفيل بتوجيه رجاله فى كافة الجهات بالسير على مقتضى هذا الاتجاه، كما أعرب عن أسفه لما وقع من جرائم ارتكبها أشخاص يرى أنهم اندسوا على الإخوان المسلمين، وراح يترحم على سليم زكى باشا قائلاً, إنه كان صديقًا حميمًا له وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام – ثم أكمل مادحا دولة النقراشى باشا قائلاً, إنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته فى كل الأمور. وأنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد أن مضت سنتان لم يلتقيا فيها بسبب جفوة أثارها الوشاة (هو لم يعتبر نفسه من الوشاة حيث لم تكن رسالته للملك قد جف حبرها بعد ) لأقنع دولته بأنه من صالح الحكومة والأمة معا أن يبقى الصرح الضخم الذى جاهد الإخوان المسلمون سنوات طويلة فى إقامته, كما قال إنه يعز عليه بل ويزعجه ويؤلمه أن ينهار هذا الصرح على يد دولة النقراشى باشا الحريص على خدمة بلاده. 
ثم قال إنه إذا قُدِّر أن تمضى الحكومة فى ما اعتزمته من حل الجماعة فإنه يؤكد أنه ورجاله سوف لا تبدر منهم بادرة تعكر صفو الأمن إذ لا يُقْدِم على مثل هذا العمل إلا مجنون, كما أكد أن الحكومة لو تعاونت معه لضمن للبلاد أمنًا شاملاً (انظر كيف يقدم البنا خدماتهلوزير الداخلية النقراشى باشا). 
وخـتم حديثه بقوله إنه على اسـتعداد للعودة بجمـاعة الإخوان المسلمين إلى قواعدها بعيدا عن السياسة والأحزاب متوفرا على خدمة الدين ونشر تعاليمه, بل إنه يتمنى لو استطاع أن يعتكف فى بيته ويقرأ ويؤلف مُؤْثرا حياة العزلة. ثم جعل يبكى بكاء شديدا ويقول, إنه سيعود إلى مقره فى انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء داعيا له بالخير والتوفيق . 

وكيل الداخلية 
8 ديسمبر سنة 1948