الإباضية في سلطنة عمان
دخل المذهب الإباضي إلى عمان مبكرًا، واستقر هناك وصار له أتباع، أخذوا في الازدياد مع مرور الزمن، فقد تمتع المذهب بنفوذ كبير، وسرعان ما تبنى أهل عمان مبادئ المذهب الإباضي، ويقال إنه بمطلع القرن الثالث عشر الميلادي، لم تصبح هذه المبادئ مسيطرة فقط، ولكنها أصبحت لها صفة عامة تقريبا؛ مما جعلهم يشرعون في إقامة دولة باسمهم مستقلة بنفسها عن التبعية للخلافة العباسية، وقد بدأت محاولة تكوين تلك الدولة سنة 129هـ في آخر دولة بني أمية وأول دولة بني العباس.
فلما آنس أهل عمان من أنفسهم القوة ثاروا بقصد الاستقلال عن الخلافة، وكان ذلك على عهد السفاح وولاية أخيه المنصور على العراق الذي عين بدوره واليًا من قبله على عمان، إلا أن العمانيين كانت نظرتهم كنظرة أسلافهم، يرون أن توارث الخلافة أمر غير شرعي؛ لهذا فلم تكن الدولة العباسية بأحسن حالًا من الدولة الأموية عندهم.
فقامت الثورة في عمان وانتخبوا أول إمام لهم وهو "الجلندي بن مسعود بن جيفر الأزدي"، ولكنه لم يدم في الحكم إلا سنتين وشهرا واحدا، إذ إن نزعته إلى استقلال عمان عن الدولة العباسية أغضبتهم عليه فتقابل في معركة مع جيش الخلافة الذي يقوده خازم بن خزيمة، والتحموا في معركة أسفرت عن قتل الجلندي وأصحابه، وانتهت نزعته إلى الإمامة، وظلت عمان جزءا من الدولة العباسية إلى سنة 177هـ.
فقام إمام آخر لهم وهو "محمد بن أبي عفان الأزدي"، واجتمعوا على طاعته، ولكنهم نقموا عليه أخيرا أنه تجاوز الحدود وتكبر، فخلعوه سنة 179هـ، وولوا عليهم إماما آخر يسمى "الوارث بن كعب الخروصي" فأحسن فيهم السيرة وأحبوه، واجتمعت عليه كلمتهم وحارب بهم جيش الدولة العباسية الذي أرسل لإخضاعهم بقيادة عيسى بن جعفر عم الخليفة هارون الرشيد، فانتصر الوارث وأخذ عيسى أسيرا وأودع السجن إلى أن قتل، ثم انتهت مدة الوارث ومات غريقا في أثناء محاولته إنقاذ سجناء كان السيل قد داهمهم بعد حكم دام 12 عاما.
فبايع الإباضية بعده "غسان بن عبد الله" وكان يوصف بحزم وبأس، فأمن البلاد وقضى على الفتن وازدهرت في عهده عمان، بل وحاول أن توسيع نفوذه إلى الهند ولكنه توفي قبل تحقيق هدفه سنة 207هـ.
فبايع الإباضية بعده الإمام "عبد الملك بن حميد الأزدي" فسار فيهم سيرة ارتضوها كسابقه إلى أن توفي سنة 226هـ. فاختير بعده الإمام "المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي"، فحمد الإباضية سيرته وانتعشت على عهده البلاد، وكان رجلا مهيبا حازما لا يجرؤ أحد على التكلم في مجلسه، كما يصفه علماء الإباضية، وكون له جيشًا كثيفًا وأسطولًا قويًّا إلى أن توفي سنة 237هـ.
فانتخبوا بعده الإمام "الصلت بن مالك الخروصي" بالإجماع، وقد حدث في أثناء حكمه اعتداء من الحبشة فهاجموا جزيرة سقطرى، واحتلوها وقتلوا عامل الصلت عليها، فكون عند ذاك الإمام الصلت جيشًا وكون أسطولا يبلغ أكثر من 100 سفينة، التحم من الأحباش في معركة انتصر فيها "الصلت" وانهزمت الأحباش، وكانت ولايته طويلة، حتى تنازل سنة 273هـ وعاش كواحد من الناس إلى أن توفي.
وبعد تنازله عُين الإمام "راشد بن النظر اليحمدي الخروصي"، وفي عهده برزت العصبية القبلية بين العدنانية واليمانية واشتد ساعدها، حتى كاد أن يذهب ضحية لها، فقد أراد خصومه الإطاحة به، ولكنه قاومهم في معركة تسمى معركة الروضة انتصر فيها على معارضيه وقتل منهم كثيرا، واستمر أربع سنوات أرغم في نهايتها على التنازل سنة 280هـ.
فتولى الأمر بعده الإمام "عزان بن تميم الخروصي" سنة 277هـ، واشتد ضرام العصبية القبلية واشتعلت الفتن، وأصبح الأمر على غاية ما يتوقع من المكروه فأنشب بأنصاره معركة مع معارضيه فهزمهم، فذهب بعض من المنهزمين مستصرخين للمعتضد الخليفة العباسي لنصرتهم على عزان ومن معه، فكانت فرصة ذهبية للعباسيين للانقضاض على عمان والاستيلاء عليها وإعادتها إلى حظيرة الخلافة، فأمر عامله محمد بن بور بفتح عمان فوجه خمسة وعشرين ألفا لفتحها، فلما علم أهل عمان بهذا الجيش خافوا منه وصاروا يتسللون هربا عن الإمام عزان إلى أن بقي معه من بقي، فتقابل مع جيوش الخلافة في معركة انتهت بقتل الإمام، بل وبانتهاء الإمامة من عمان لمدة أربعين عاما، حين تولى الإمام "سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب"، وكان مطاعا في الكل موصوفا بالصلاح بينهم إلى أن قتل سنة 328هـ.
وكانت الإمامة الإباضية بالانتخاب في أول الأمر، ثم تحولت إلى النظام الوراثي 3 مرات في عهد بني نبهان واليعاربة والبوسعيديين.
وتميز عهد اليعاربة على العموم بأنه كان عهد أمن داخلي ورخاء انتصر التعليم، كما تميز أيضا بازدياد هائل ومفاجئ في القوة البحرية أدت بالعمانيين إلى القرصنة والدخول في حروب خاطفة غير منتظمة، ابتداء من سنة 1677.
وأول أئمة اليعاربة هو: الإمام "ناصر بن مرشد اليعربي": تولى الإمامة والبلاد في حالة من الفوضى، فوجه اهتمامه إلى بناء الجبهة الداخلية فأحكم قبضته على البلاد، "وبمجرد انتخابه لتولي الإمام في سنة 1625 أحال هذا المنصب من مجرد ظل باهت كما كان إلى حقيقة ماثلة بالقوة، ثم وجه اهتمامه إلى تدخل البرتغاليين والفرس في بلاده فجهز لهم جيشا انتصر به عليهم واسترد منهم بالقوة منطقة جلفار، وأخضع الأقاليم الداخلية بما فيها الشرقية.
ولم يبق لهم إلا مسقط وصحار أتم تحريرهما خلفه الإمام "سلطان بن سيف اليعربي"، ووسع نفوذه فاستولى على سواحل الهند الغربية وكنج، وافتتح ممباسة وكلوة وزنجبار وهي من سواحل إفريقيا الشرقية والتحم مع البرتغاليين في معارك الساحل الهندي في بومباي، وكون إمبراطورية كبيرة إلى أن تُوفي.
فخلفه ابنه الإمام "بلعرب بن سلطان اليعربي" فاتجه إلى الإصلاحات الداخلية، فبنى الحصون والقلاع وغرس الأشجار، إلى أن ثار عليه أخوه "سيف بن سلطان"، فأحكم قبضته على البلاد، وأنشأ بعض الإصلاحات الداخلية كالزراعة وتربية المواشي.
وعقب وفاته خلفه الإمام "سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي"، وقد دام حكمه 7 سنوات حارب خلالها الفرس وانتصر عليهم في مواقع كثيرة واهتم بالإصلاحات الداخلية والعمران، واستمر حكمه حتى حدوث اضطرابات وانتهاء دولة اليعاربة سنة 1135هـ.
تولى آل بوسعيد حكم عمان عام 1154 هـ- 1741 م ويعود تاريخ بوسعيد إلى أحمد بن سعيد، الذي عين مستشارًا لسيف بن سلطان، آخر من حكم عمان من اليعاربة، فلما رأى اضطراب الأمور في البلاد وضعف الحاكم سيف بن سلطان وتفتت البلاد في عهده، وفي سنة 1161 بايع الإباضية أحمد بن سعيد وانتقلت الإمامة من اليعرب إلى آل سعيد ولا تزال دولتهم قائمة حتى اليوم.
وعمل أحمد بن سعيد على توحيد الصفوف، وقضى على القوات الفارسية الموجودة بالبلاد، وعلى إثر ذلك بويع إمامًا للبلاد، وتوالى الأئمة من آل بوسعيد.
وكان استمرار آل بوسعيد في الحكم لمدة قرنين ونصف القرن قد قدم دفعة قوية لدعم الوحدة العمانية خاصة في مراحل محدودة بلغت ذروتها في عهد السيد سعيد بن سلطان (1804- 1856م)، ثم في عهد الحاكم الحالي السلطان قابوس بن سعيد.
فالإباضية تُعد أول دولة إسلامية بعد ترسيم الحدود تنفتح على العالم الخارجي، ولقد وصلت حضارتهم إلى شرق إفريقيا وشمالها، والإباضية أول من أرسل سفير عربي إلى أمريكا، وهذا كله قبل أن تقوم الدولة الوهابية التكفيرية، ولقد أبرم الإباضية العديد من الاتفاقيات والمعاهدات مع بريطانيا والهند وغيرها من الدول الأجنبية.
واستطاع الإباضية أن يصلوا إلى "حضرموت وسقطرة " وحكموها قرونًا ولا تزال بعض مناطقهم الشمالية تابعه لحكومة سلطنة عمان، واستطاعت الدولة الإباضية أن تمتد وتصل إلى "جوادر ومكران" وغيرها من المناطق الباكستانية، وفي عهد والد السلطان قابوس قام بتسليم هذه المنطقة طوعا، ولا يزال رعايا هذه الدولة إلى يومنا هذا يحنون إلى عمان، وأغلب البلوش، وتحدها من الشمال "إيران"، واستطاع الإباضية أن يحتلوا بندر عباس. وكانت العملة المتداولة في الخليج العربي هي العملة "البرقشية" وهي عملة إباضية.
ومن ذلك التاريخ وحتى اليوم، وعمان تعد من معاقل الإباضية يحكمها حكام أو سلاطين أو ولاة إباضيون، إلا فترات يسيرة من التاريخ كانت فيها تحت سلطات إسلامية غير إباضية أو استعمارية، لكنها بقيت إباضية من حيث المعتقد والسكان، ولا يزال لهم وجود في حضرموت باليمن وامتداد في الساحل الشرقي للخليج جهة إيران حاليا والساحل الشرقي لإفريقيا في زنجبار أو تنزانيا، كما تسمى حاليا؛ حيث إن سلاطينها إباضيون حتى بعد وجود الاستعمار ويظهر أنه بعد الوجود الشيوعي في تنزانيا وضمها إلى تنجانيقيا لم يعد للإباضية وجود كبير؛ بسبب الاضطهاد الشيوعي وقتها.